مدخل إلى البيان رقم ثلاثة:
عيبُ الذكر أنه روح ذبابة, وعيب المرأة أنّها روح نحلة…( كمال العيادي )
أين وصلنا البارحة ؟
تذكرت, لم اكتب ولم أنشر بياني الثالث,
كنت متوجسا ان أفقدكم للأبد أو أفقد أكثر من نصفكم على الأقل بسبب جُرأة ما سأكتب في بياني الثالث هذا الخالي تقريبا من الكلمات البذيئة التي عوّدتكم عليها, تضليلا ولكي لا يقرأ ما أكتب غير فطن نبيه.
وقد كنت في حاجة أن أشحن شجاعني بسكرة وأعبّ ما تيسّر من البيرة – الستيلا – الفرعونية المُلهمة, حتى أتواصل مع خير أجداد الأرض, ولأنني, وهذا عيب أقرّ به, لا أحبّ الحشيش ولا أرتاح إليه, ولا أقرب أيّ نوع من أنواع المُخدرات مهما كان نوعها, لأنها وسيلة تافهة للهروب, لا تتناسب مع طبيعتي, حتى أنني ودين ربيّ أكره كلّ أنواع الشراب الأخرى, بما فيها الخمور القويّة, والويسكى التافه والفودكا و العرق والباستيس وغيره …أنا فقط, أحبّ بين الحين والحين أن أضرب هائما في حقول الشعير متأملا…ولذلك أفضّل البيرة الهائدة المحنّكة, نديما وعشيقة – مرّة واحدة في الأسبوع – ورفيقة وخليلة تلهمني وتضحني وتنسيني وتسليني وتكشف لي مغاليق مظلمة في حفير وفجاج جليسي ونفسي ونضيئ لي بعض أسرار وخبايا الروح البشرية البكر والمشوّهة…
وقد فعلت البارحة, وسكرت قليلا, وأنهيت القوارير السبع المُشبرّة العامرة المسكونة بالروح القديم التي ملأ بها ( أبو جمال ) صديقي الدنّان, بائع الخمر المحليّ بها قفّتي …..وها أنني عدتُ لكم….صاحيا نشوانا ببقايا سكرة الأمس, وما تبقى من سكرات مُلهمات خلال ربع قرن أو تزيد كنت فيها سارحا في فجاج أمّنا الأرض الكالحة الشمطاء, أتحايل أن أستحلب في غفلة منها ضحكة من القلب المندهش الصبيّ كلّ الوقت.
انظر هداك الله يا شعبي….
أولا…بحقّ كلّ نور وشعلة الحياة وحبّك لها مثلي, بحقّ الله مشرق الشمس وحارس سرّه الذي أودعه فيك دون أن تدري وكشفه لبعض المنذورين من خلقه, لا تتسرّع في الحكم عليّ بالتعصبّ, فقد كان أولى بي منك, بالتعصّب للذكر والإنتصار له, لو كنتُ أرضَى لنفسي أن أخون رسالتي ووعدي بأن أكون صادقا معك. وسأفسّر لك إن شئت أسباب ذلك, ولكنني على يقين أنّ نصفك, الذباب الذكوري, سيطير مغتاظا وحانقا, قبل أن يُكمل قراءة هذا البيان, وأنّ النصف الثاني الأنثوي منك يا شعبي, من الصنف المقابل, ( هنّ ) سيسارعن لإعداد كوب من البنّ المُحنّك وربمّا سرقة سيجارة من علبة أخ يشخر أو زوج يتقلبّ في السرير حالما طبعا بأنثى أخرى جديدة ع, ليعدن لهذ البيان سريعا لاهثات وقلبهن يدقّ, يدقّ, يدقّ, وليترشفنه حرفا حرفا, وكاّنهن يقشرن تُفاحة, طال منذ أولّ غضبة وندم آدم الشوق إلى سحبها برفق من بلعومه الذي لم يبتلعها مثله, حتى سُمي ظلما بتفاحة آدم, كلّ نتوء بان في جلدة حلقه, ويُسميه هوّ تفاحته, مفاخرا لجهل, وقراءة مغلوطة للإرث والتأويل, أنه لم يبتلعها بعد. والأنثى من النساء أبدا مازلن يحلمن , وعبر كلّ الأزمنة و سلسلة الحفيذات اللاحقات, بأنهن يورثن رغبتهن في عمق خبايا نسلهن من البنات الإناث, ويؤججن فيهن جذوة الرّغبة في استعادة التفاحة الإلهية من ( لغاليغ ) حلقه, وتخليصها من شوائب العنعنات والأساطير الذكورية والأحكام العرفية, وقضم نصفها لإنجاب جنس بشري ثالث بديل, و إعادة نصفها الثاني إلى غصن الشجرة. بعد نثر بذورها السود في رحم أرض جديدة لترجع الجنّة إلى الأرض كما كانت, وأخطأنا نحن تقدير تحرّكها من خلال الطُعم والفخ اللّغوي في كلمة – هبط – التي لم نفهمها في سياقها القيمي أبدا, وفسرناها كما نفسر ونأوّل عبارة غامضة, وردت في ركن حظذك اليوم بآخر صحيفة بخسة, تشتريها من كشك بائع لا يقرأ, وبملاليم لتفرشها حافزة لبقايا الطعام والزبالة بعد ذلك.
وأنا غير مستاء إلا بقدر خوفي وإشفاقي عليك يا نصف شعبي الذكوري من الرجال, وأعرف أن هذا ليس بالغريب عن طبيعة الذباب وردّة فعله أصلا, ولا هوّ بالغريب عن طبيعة النّحل فيما يخص ردّة فعل الأنثى والنساء. فالذباب, قلوق متسرّع بطبعه, خائن لا يكاد يحطّ على بقعة إلا ويطير إلى غيرها, ولا يعجبه العجب العُجاب. وهو يحطّ على القمامة والفضلات والخرء, كما يهبط على كلّ ما هوّ قريب إليه, متلمّظا رجليه الأماميتين ورأسه المفلطح الجاحظ العجيب, ولا يهمه أن يكون هبوطه على حبّات سكّر عالقة بكأس شاي بارد,أو على رضاب ثغر شبقي كرحيق وطعم اللوّز والفستق في وجه حسناء خلاسيّة.
وأمّا النحلة, فهي بطبعها, صبورة ملحاحة, دؤوبة, تستشعر وتميّز الرحيق العطن من الطيبّ, وتفرزه, فتتجنب الكريه وتنفر منه ولا تحطّ إلا على أنقى خدود الورد وأرقّ عيدان الرّيحان و براعم زهر البرتقال والليمون الطريّ المتفتّح منذ يوم واحد أو أقل.
وبعيدا عن التقييمات المتعصّبة التي تتكئ بأضافرها الوسخة دائما في تراثنا البشري كلّه, وبدون إستثناء, على قلب وطُحال وكبد الحقيقة, فالذكر, لم ينجز في هذه الحياة الأولى التي نمارس حقّ المواطنة فيها, , وحتى هذه اللحظة التي نرقن لكم فيها بياننا الثالث هذا, غير الحروب والبغضاء والأحقاد وتأجيج الكراهية وإنتاج الموت بكلّ اشكاله وأصنافه. رغم أنّه في الواقع – طبعا أقصد الرجل من جديد – غير مطالب بأكثر من أن يحافظ على مزاج رائق, ليرتفع كلّ شهر في الجوّ, لمدّة أقصاها ثلاثة أيام, هيّ موعد نضارة الخصوبة وفتح فجّ الرحم في حفير الأرض الولادة, ليصطاد بويضة واحدة لا يزيد إلا نادرا عليها, من رحم أنثى حبيبة أو زوجة مدموغ إسمها إلى جواره أسفل وأعلى وثقية رسمية, بختم مأذون أو أختام ودمغة مؤسسة بلدية. وليس عليه, إلا أن يربطها إلى معصم أحد قادة جيوشه من البويضات الذكورية الفحلة, النكره. لينتج حياة جديدة, ولتستمرّ المهزلة. وله بعد ذلك أن يحبّ أو يكثر أو يهيم أو يرجع أو يمشى ويقضى حياته في لعب النرد أو متابعة الحلقة الألف من المسلسل التركي الجديد.
لكنه بدل ذلك, ألهانا, – لا بارك الله فيه- أكثرر مما هوّ فيه, بنزقه ومبالغته في الضرب على صدره كلّ مرة تبدو فيها بارقة من الأمل , مطلقا صيحات مثل صيحات القردة المذعورة, ومنددا بأنه الأصل. وبأنّ الأنثى ليست سوى ضلعا من أفرع ذلك الصدر المليئ بالشعر, وغصنا من تلك الشجرة التي يظنها – يا للخيبة – نفسه كمال كمال الوجود.
وما أقبح وأغبى هذا التصور, فالروح كما أكّد الله, لا ذكر ولا أنثى. والروح في اللغّة العربية أيضا, وهي سرّ أسرار الخالق لقوله ( وأنزلناه بلسان عربيّ مبين ), ولجوهر معنى قول الله تبارك و تعالى: بأنه ( في البدء كانت الكلمة. ), وهي أي الروح تؤنث وتذكر في لغتنا التي لا نكاد نفهمها أو نعرفها, وهي من أعظم ما أنتج الكائن البشري ولها من الجيوب والخفايا والأسرار والإمكانيات التي تجدون بعض بعض قوالبها القليلة في متاريس القوامسي القديمة والجديدة, من لسان العرب وحتى القاموس الجامع والأطلس وقاموس القريب والبعيد , ستجدون نصف هباءة من إمكانياتها المذهلة, مما قد يشيب له شعر رأس الوليد.
ونعود لنؤكد, انّ الروح, لُغة, وعبارة, تماما كما البئر والحبل والسكين والنفس…فنقول: – هذا الروّح, ويصحّ القول: – هذه الرّوح. وكلاهما في البلاعة و النحو والصرف صحيح. وحتى الصَدرُ المُرضع يؤنث ويذكرّ, وقد قال الأعشى أحد الغيلان والأساطين السّبع في تراثنا العربي:
وتشرقُ بالقول الذي قد أَذَعْتَهُ كما شَرِقَتْ صدُر القناةِ من الدمِ
ومنذ كبُرَ أولّ ذَكَرٍ وترعرع ( وهو أوّل أجدادنا الذكور بعد آدم ), الذي أسموه قابيل أو هابيل ( في رواية أرضية أخرى ) واشتدّ عوده, نظر وتدبرّ وفكّر, وبئس ما نظر وما قدّرَ وما فكرّ, وما دبّر, فكَبُر عليه أن ينعم في الأرض كأبيه سابقا في الجنّة, بالحبّ والسكينة والصفاء ويتأمّل ويبدع, ويبتكر ويخلق, ولم يجد من سبب يفتح فيه مأسورة وبالوعة الدّماء التي لم تغلق بعد ذلك, حتى يومنا هذا, وبان الشرّ والرجس وطبيعة الذباب في أصله الذكوري, فأتى أخاه, وأصابه بحجر في رأسه, مدّعيا أنه لا يصحّ أن يستأثر دونه, وينكح أخته التوأم الجميلة – إقليما- ( على ما يذكر ) وما كان ذلك سوى سبب وتعلّة ليست هيّ المحرّك والأصل, فالقاتل حين تعصف به طبيعة الرغبة المدمرّة والتعطش للدماء, لا يحتاج بالضرورة سببا آخر للإندفاع إلى أزهاق روح. بل أقرب روح إليه.
ولو كان لقابيل ( أو هابيل ) أخوة كُثر, لوجد لكلّ منهم على حده, سببا لفشخ رأسه بقصبة عضمة خنزير أو ثور أو حجر كبير, ولكان قتله أيضا بالـتأكيد.
لكنّه لم يجد من الذكور غير أب واهن, وأخ شاب متوقّد ومحبوب مقرّب لله ولأبويه بالرضى والعرفان والطاعة, , فدبّر قصة ووجد سببا وهوى بالصخرة على جمجمة أخيه الوحيد بكلّ وحشية, ثم قرفص على خراء ندمه, باكيا وشاكيا حظّه, حتى كاد أخاه أن يتعفّن بين يديه, فأكرم الله القتيل بأن أوحى لأحطِّ وأوضع وأحقر طيور الأرض وأبشعها صوتا وصورة, فحطّ غراب أسود قربه قاتلا مثله أخيه بمنقار غادر لئيم دمويّ, وشاء الله, جلّ جلاله وعظمت حكمته, أن يكون أولّ معلّم لنا في الأرض, هو أحطّ طيور الأرض, ( وأنا بالمُناسبة يا شعبي, أسميه منذ كنت في روسيا بحمار الطيور لصوته البشع, ويا كم أكرهه ) وعلّم الغراب القاتل ( قابيل أو هابيل القاتل الشبيه) بشكل بليغ وعمليّ, كيف يواري سوءة جثة أخيه بدفنها ويرجعها إلى كريات الطين.
وكان الأمر كذلك إلى اليوم, رغم بدعة الحرق عند عبدة البقر وعبدة الأرض والصكوك والبنوك من الضالين, في آسيا وفي أعتى الحضارات الأوروبية على السواء. وقد رأيتُ وعشتُ وعاشرت بنفسي في ألمانيا التي ضيعتُ في صقيعها عشرين سنة من حياتي القصيرة قضيتها فيها مستغربا من عجب ربي قرابة الرّبع قرن, رأيتُ بأمّ عيني ودهشتي من بلادتهم ونفوسهم الميتة, كيف أن أغلبهم يتخلص من جثة وثقل مصاريف القبر بحرق أمه أو أبيه أو عزيزا عليه, مع وضع باقة من الزهور الملفوفة بعناية لم ينس أن يشتريها بسرعة من محلّ الزهور الملاصق للكنيسة, ورأيتهم خلال تأبين معّد على عجل, يمسحون دمعة عصية متعوب عليها, وتكاد تخون في هذه الضروف الرسمية المهيبة. ويا كم كنتُ أتعجّب ويا ما كنت أتألمّ خاصة إذا كان الميّت صديق, لا حيلة لي في إقناع أهله وثنائهم على ذلك الجرم, ولا قدرة لي على خطفه ودفنه كما يليق وكما علّمنا الغراب عبر إلهام من ربّ العزّة.
وأعرف يا شعبي, أنّ القلّة المتبقيّة الآن من الذكور, تتابع القراءة في وضع لا يحسدون عليه, وسيغفلون بطبيعة الذباب القلوق فيهم عن الجوهر, وسيحاججونني في القشور والفرع, معترفين إعتراف من يقدّم الطُعم ليهوي على الرأس بفأسه, , بأنّ نصف الذكور فقط هم قابيل, ولكن نصفهم الخيّر هابيل الطيب والنبيل والجميل الروح والعالي القامة والسامق الهامة و الفائض الشهامة …وهو أيضا ذكر.
وسيركّزون من جديد على كلمة : ذكر…!
وسيكون عَليّ أن أبتلع ريقي متأسفا مُشفقا من عناد وجهل نصف أُمتي وشعبي, وأن أردّ عن سؤالهم الذكوري الفَرْعَ المضلّلَ من جديد, بأنّ الله تبارك و تعالى أعظم من أن يُخطئ هذا الخطأ الفاحش في التقسيم وهو الربّ الحكيم, وأنّه جمع القاتل والمقتول في مرتبة الأخوّة فقط, ولم يسممّ من قتل مَن بالتحديد. لأن هذا غير مهمّ على الإطلاق, والتأكيد عليه ينفي عمق وبعد الحكمة الإلهية أصلا في التقسيم, كون النفس واحدة خارج كَبسَة الفخّار, والسؤال فيه, أشبه بمن يركّز على إصبعك الممتدّ إلى فوق, حين تشير له أن ينظر إلى القمر, فيتابع كلّ الوقت وبعناد إصبعك, لا يحيد عنه قيد أنملة…
وأتحدى أيّ كان من العلماء والمتحذلقين والمُزيفين وأنصاف المثقفين, أن يقول لي أحدهم الخبر اليقين. ويذكر لي بالضبط, أين ذكر الله إسم قابيل أو هابيل أصلا ( بالإسم ) في القرآن الذي هوّ مرجعي الأصل الثابت الذي لا يأتيه باطل ولا يلحقه تضليل من شيطان أو ابليس زنيم…وأُصِرّ أن كلّ ما هوّ مَذكور ( لحكمة إلهية ) أنهما فقط نصفان أحدهما خير وطاعة وتقوى والآخر شرّ وخبث ولؤم…وإسمهما لا يعرفه أحد, إلا ما ذكرته اليهود من أسماء قريبة من هذه التسمية. وهو موضع خلاف منذ قرون وقرون. ولن يحسم أبدا, لأنه غير هام على الإطلاق….ومثله كمثل صديق لجوج ثرثار, يُضيع عليك استحلاب دمعة نادرة خلال متابعة شريط سينمائي مؤثر جدا, بسؤاله المتكرر عن إسم البطل أو البطلة الذي لا تذكره أنت أصلا ولا يهمك أن تذكره ولا يعنيك كثيرا في تلك اللحظة بالذات إسمه.
وقد أوردالشيخ العلامة أحمد شاكر رحمه الله في كتابه القيّم “عمدة التفسير” وهو أحد المراجع الأمّهات, بالجزء الأول وعند الصفحة ( 662 ) تحديدا, وبالحرف الواحد: (وأما تسميتهما بـ : “قابيل وهابيل” فإنما هو من نقل العلماء عن أهل الكتاب، لم يرد به القرآن، ولا جاء في سُنَّة ثابتة فيما نعلم، فلا علينا ألا نجزم به ولا نرجِّحه، وإنما هو قول قِيل).اهـ. وينظر: “التفسير الصحيح المسند”: أ.د: حكمت بشير، الجزء الثاني صفحة 172.
وإذا لم تقتنعوا, فدعكم من تفسير وعلم العلماء والمفسرين والباحثين أجمعين. فهم كلّهم من طين, والطين يخطئ ويصيب وهاكم ما ذكر في القرآن بالحرف. وقولوا لي حجّتكم, أين ترون إسم قابيل, وأين تقرؤون إسم هابيل يا عباد الله الظالمين: فقد وردت الآية المفصلة لقصة الأخوين القاتل والمقتول في سورة المائدة, وتحديدا بين الآيات الأربع ( من 27 إلى 31 ) منها:
إذ قال تعالى:
“وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴿٢٧﴾لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴿٢٨﴾إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ﴿٢٩﴾فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴿٣٠﴾فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ﴿٣١﴾”
صدق الله العظيم
ولكن وبصراحة, كفوّا الآن فورا عن المحاججة المضللة, ودعونا نتحدث لأولّ مرةّ بشجاعة, ودعونا نتخلص من عطانة هذه الكراهية وهذا الزهو الذكوري البشع الذي أُبتلينا به, فأنا مثلكم ذكر, ورجل, ويوجعني ذلك مثلكم وربّما أكثر منكم, كوني انتبهت له وهو يحرقني ويشويني منذ نعومة أضافري بين أسوار القيروان العجوز, ولم أتخلص من ثقله ووزره المزيف, إلا بعد رحلة طويلة دامت ربع قرن من الوحدة والنضال والبحث والملاحظة والتعمقّ في تشقير الشفرة والأحجية والتوغل في جوهر خبايا السؤال والبحث عن الخارطة الأولى للطريق, من أجل إنقاذكم من ضلالة أنفسكم, وتصحيح مسار الرحلة الذكورية التي انحرفت منذ أول قاتل وأول مقتول في متاهات الوحشة العامرة بالوحوش ولم يزدكم التقدم فيها غير الخسران والضعة والضياع. حتى عبدتم العجول والبقر والحلوى والخشب والمال وأرباب العمل والبيوت والحيطان والإسمنت والحديد والتكاثر وتوحشتم كالكواسر والسّباع.
ولهذا تحديدا ترشحت لمنصب الرئيس, ولولا يأسي منكم مسبقا, ولولا يقيني بتأصّل طبيعة الذباب فيكم, لما إستقلتُ قبل أن أترشح رسميا لهذا المنصب الثانوي عندي, كونه مدخلا فقط لأخاطبكم بصرامة وحنوّ أبويّ, على أنني والحقّ يٌقال, ما زلت أطمع أن يؤمن بي أحدكم فيتكاثر الإيمان في نسله ويتبعني ولو بعد حين وبعد موتي الذي بدأت في العدو السريع صوب باب نصفه الثاني القصير. وإنّي لكم ناصح أمين, ولم يبتليني الله بضعف أو عجز في رجولتي ولا في لساني, ليسوّد ويمرّر حياتي ويجعلها حنضل, ولم تتجمّع من الأسباب فيّ بما يكفي لأعلن كرهي وازرائي لحمق وغباوة جنس الرّجال, فأنا رجل من نسل رجل من نسل جدّ معروف من أصفياء الصوفيين.
ولكنني راء…ويوجعني ما أرى من ضلالة. ويوجعني أن أسكت عمّا أرى وما تأتون وما تُكابرون وما تحتالون حتى لا يُفضح, ولا يُرى فيكم. وهو بيّن لكم مثل الشمس, وحارق لكم من الداخل مثل جمر الأتون.
وإليكم, حتى لا أطيل عنكم فتغصّ قابليّة فهمكم الضيّقة كالمنخار, وتختنقون في أولّ قطرة أمدّكم بها ممّا الهمني الله, فيضيع جهدي هباء.
الحلّ يا أولادي النِساء….
وأعيدها واكرّرها…الحلّ يا شعبي النّساء.
فسلموهن مقاليد الحكم والقيادة, يقودونكم صوب الخلاص ويرجعنكم إلى أّولّ طريق الحقّ والخير والطيّب المثمر, ولن تمض سوى سنوات قليلة, حتى تعوّضون كلّ ما فاتكم من الخير عبر متاهة آلاف أن لم يكن عبر ملايين السنين.
ووالله, لو أنصتّم وآمنتم, وفهمتم, وتواضعتم عن حقكم في هذه السلطة الموهومة, وتنازلتم عن نخوتكم المقيتة, وكبريائكم التي لم يجرحها أحد غيركم, لرأيتم الجنّة فوق الأرض, ولكان الخطاب بينكم شعرا سلسا موقّعا على بحور جديدة من النور, وليست بحور تافهة, كبحور ومغاليق الخليل, ولعادت التحيّة بينكم سلام حقيقيّ, وليس لفظا ولا تضليل ولعادت المحبّة دينكم الرشيد الذي سيباركه الربّ, كون المحبّة أيضا دين خالقنا وسرّه الظاهر والدّفين. ولآشرقت في ظلمات أنفسكم شموس لن يخطر روعة نورها ودفئها وفتنتها ولم تخطر ببالكم أبدا على بال.
ولو قال لكم هذا الذي أحدثكم به الآن, إمرأة, مهما علا شأنها, ومهما خصّها الله به من بلاغة وقبول, لأعرضتم بشدة ولقلتم إنّما هيّ إمراة, أنثى, طريّة, ولقلتم عنها, إنّها متعصّبة لبني جنسها, وإنّها مُرّة علقمٌ حقودة ضيّقة الآفاق, صغيرة النفس وفاقدة للأنوثة.
ويا ما حاربتم من آلهة الجمال ويا ما ذبحتم من النساء الرائيات المنذورات, منذ زرقاء اليمامة التي إجتثثم بؤبؤ عينها وتعجبتم من عروقها السود ونقشتموها لذلك فقط في زبيب حكايات الليل التي تسليكم بها شهرزادكم, وكأن العروق السود هي المسألة, لكنكم حكمتم وحسبتم حسبتكم بمنطق الكاره الحاقد وقدرتم العقاب ونفذتموه فورا وبلا تأخير أو نظر, وتركتموها حيّة تنزف وأخرجتم منها بيّنتها وعلامتها كي لا ترى ثانية ما لا تريدون.
منذ زرقاء اليمامة يا قساة, و حتى سهير المصادفة رفيقة الدرب وقرينتي في الحياة وفي الرؤية والرُؤيا التي صبّتها لكم واضحة بلغتكم في حليب ( رحلة الضّباع ), روايتها الأخيرة المرعبة, التي بدأت الحرب ضدها حتى قبل قراءتها, وتحاملتم للدفاع عن مضامين هي لا تعنيها, ونصفكم الثاني قام مؤذنا فيها بالكفر والمروق, وانحسر القول فيا بين مطبّل لا يفهم لمن الزفّة أصلا, وناع ناعق, يهدد ويتوعد ويصر أنها رواية تصب في خانة تلك المقولة القميئة: نساء شرقيات يدافعن عن نساء شرقيات, وجواري من جنوب الأرض, يعاضدن جواري من الجنوب, واغلبكم فَطِنَ للخطر, وأنا أعلم علم اليقين ذلك.
ومن حاربها وكرهها أو أحب وتلذذ ما علق بها من سكّر للتمويه, وهو أمر ضروري في كلّ الآداب البشرية, وخاصة منها الفنون والشعر وتقريبا كلّ أشكال التعابير الثقافية والإبداعية التي همشها اليسار الغير موهوب, وصولا للرواية التي آخرها هوّ في الحقيقة جمع كلّ ذاك معا, عندي واحد, كون لا أحد غاص في الجوهر وأخرج الجمان والؤلؤة. وقال هي الؤلؤة.
وما فعلتم ذلك إلا لأنها كشفت لكم أسرار ميراث الأنثى الأبدي, والسرّ الوحيد الذي تورثه الجدّات للحفيذات فقط دون الذكور, عبر نصف مخطوط تناسيتموه وتجاهلتموه, وهوّ الرواية كلّها. وأكثر…
وقد حدث نفس الشيء مع رواياتها الأسبق, ( لهو الأبالسة ) ورواية ( ميس إيجيبت ) التي كادت تشير لكم فيها أن المقتولة هي التونسية ذكرى محمّد المُلهمة التي قُتلت قتلة مجانيّة غبيّة في أحد قصور الفساد في القاهرة…لأنها الأنثى بالألف واللام, ولأن صوتها, كان, كما قبلها صوت الدرزيّة اللبنانية اسمهان الأطرش, التي يئست منكم مبكرا فانغمست في صحن مخدراتكم وكحولكم وديونكم وعهركم, حتى عانقتها ترعة الماء وانقلبت بها السيارة الرحيمة فخلصتها منكم.
وقبلها شددتم وثاق الفنانة الكبيرة سعاد حسني وطاردتموها لمّا تبيّن لكم منها السرّ, فحاصرتموها بالشائعات, وقلتم عاهرة وجاسوسة وهلّم جرّ من ايتيكاكم ودمغتكم الشمع الجاهزة في كّلّ ضرف ولكلّ حال.
وقبلها قتلتم مارلين مونرو لنفس السبب تقريبا, وخفتم أن ينكشف السبب الأصل والحقيقي وراء حبّ الناس جميعا لها.
ونفس الشيء حدث مع دايانا في باريس التي هربت من لندن إلى موتها المحتوم…ووووو….
يا للقائمة قدّام عيني ما أطولها لأسماء ووصفات النساء اللواتي رأيتم فيهن العلامة أو النذير, فسارعتم بوأدهنّ.
ونفضتم التراب عن أياديكم يا قتلة, وأنتم تحسبون طول سور المقبرة, وتتساءلون إذ ما كان يقاس بربع ربع سور الصين العظيم الذي شيّده رجال رجال. أو هل القبر أعمق من الهرم الأكبر مقلوبا في عمق الأرض, لو جاز أن يُقلب الهرم الأكبر في الأرض, وتقاسمتم ضحكة شريرة على نفس سيجارة حشيش رخيصة, وأنتم تعيدون السؤال, وتركزون على عبارة: تصوّر….
لا صباح الفل منكم.
ولن اشارككم الضحك ولا الغمز ولا ما تشربون من سموم دُخان تافه تسمونه – حشيش – وتفاخرون به, وهو عشبة السحالف والزواحف ونبتة شيطان لا تدرون لما وصلتكم….
بلى تدرون ودين ربي وتتعامون.
صلتكم بأمر من الشيطان الذكر نفسه. لتحسبوا أنكم قاصرين وغير بالغي متعة الدّنيا والإبداع بدون لفّ سيجرة أو سيجارتين منه. تعسا لكم ما أغباكم…
وأنا أعلنها علنا:
أبصق على كلّ أنواع المخدرات, وأوّلها ما تُسمونه بالزطلة في تونس وما يسميه المصريون هنا بالحشيش.
تفوووه على كلّ مضيعة, وتفوه بالمرّة على الكحول المصنّعة الفاخر منها والمضروب….
أنا يكفيني من متعتكم أن أشارككم كأسا أو كأسين من بيرة الشعير الأرضي, وليكن أنني ألهي نفسي معكم بها بين الحين والحين حتى لا أموت وحيدا كما مات الشابي ومنور صمادح ونجيب سرور وأمل دنقل ويوسف إدريس ورامبو ونيتشه وبوشكين وليرمنتوف وبولغاكوف وسيرين وأدغر آلن بو وشكسبير وجرير وأبو نواس والأعشى…وعشرات عشرات قبلهم من الحقيقيين عبر كلّ العصور:
وقد سبقتها في هذا المعنى كبيرات جليلات من النساء الكاتبات والباحثات, وطرقن الباب من خوخته, ومن جهات أخرى غير الأدب والإبداع والرمز, فهرعن إلى مباشر القول الممكن الموثق المدلل عليه بالحجّة والبرهان والبيان, كعلم الإجتماع, والمقاربات والمقالات المزلزلة.
وأذكر هنا بعض الأمثلة, مثل العزيزة المغربية د. فاطمة المرنيسي , التي هجرتكم هاربة بيأسها وبذرة الخير فيها إلى فرنسا, عاصمة الأنوار, وكان هروبها منكم أيضا في اللغة التي اختارت أن تكتب بها, واختارت وهي مجبرة أن تهجر لغتكم المُغالية, التي حنّطموها, وهي التي مازالت من هناك, من أقصى أشجان غربتها الجسدية القاسية بباريس , تصرخ فيكم وهي التي تجاوزت السبعين من العمر بكثير, متشبثة بمئزركم الصوف الخشن, وتبكي بينكم بالدّموع منذ منتصف الثمانينات, عبر مؤلفات رجّت الغرب, ككتابها ( ما وراء الحجاب ) ودرّتها ( شهرزاد ترحل إلى الغرب ) وكتابها المتين الجباّر ( أحلام شهرزاد ) وغيرها وغيرها من الدّموع والصرخات التي حاولت أن تؤجل عويلها وشهيقها وتمسح مخاطها في كلّ مرةّ من جديد لتتشبث بكم متضرّعة, كونكم من نسلها, أن تعيدوا الأمانة للنساء, وأن تتركوا هذا المركوب الفخ الذي ضللكم الشيطان ببريقه, فزيّن لكم أنّ العضلات عزّة, وأن السيف جواب, وأنّ القوّة في السواعد وفي القضيب الذي يجيب ويستجيب كلمّا نودى, وهي تخاطبكم أيّها الشعب التونسي أنتم بالذات, بلغة يفهمها نصفكم, باللغة الفرنسية السهلة السلسة اليت قادها بوريبقة سبية في دياركم,…
ولكن…
ما أشد عداوتكم للفجر والضياء والنور, وما أضيق نفوسكم وأبعدها عن سقف السماء و ما أضلّ الأرضيّ فيكم وما أسخف ما تعتقدون وتحسبون, وأنتم هباءة وطفل عار يلهو في حوض من الكبريت والدّم والبارود والسّم والقصدير….
ولم تكفّ النساء على بعث النبيّات منهنّ, من اللّواتي يُمْتَهنّ الآن بينكم يا حُماة, ويتعرّضن إلى كلّ أنواع التشويش , فمن مصر جاءتكم د. نوال السعداوي منذ شهرين تتعثر في قفطان شيخوختها, حين سمعت بثورتكم الجديدة, بعد أن كان وصلها نداء البوعزيزي, ورائحة الشواء الذي ظنّت في البداية, أنه سيطمس بعض طبيعة الذباب في نفوسكم الذكورية. وخاب ظنها بزعيق الإخوان والسلفيين في صحن قيروانكم…وها هي عادت من جديد, حين سقط مرسي وحكومة الاخوان هنا, وأحرق المُقطّم, مركز جُحر العقارب والخفافيش والثعابين, هاهي وقد جاءتكم أخيرا, تطمئن على فرصتكم الأخيرة…
ولكنكم…!
ويا ما أبشع لكنّكم في حلقي الآن.
ما أبشع هذه ال- لكنكم – في حلقي وبين أصابعي الأن وأنا أرقنها كريهة قميئة مستدركة بشاعتها من جديد….
ولكنّكم يا شعبي الذكوري الظالم, شيّعتموها إلى طريق المطار محصورة مختنقة في دموعها, وقلتم عنها أنها عجوز متصابية وشاذة وحقيرة ونتنة ومنحرفة. ولم تتركوا وصفا شنيعا إلا والحقتموه بها, وأنتم لا تعرفون يا شعبي المتسرع الظالم, أنهّا كانت متزوجة من أحد أروع رجال العرب وكتّابها اليساريين الذين تجهلون, وهو الدكتور ( شريف حتاته ), ولكنه, وما اثقل لكنه في حلقي من جديد…يا قلبي الحديد…لكنّه, وككلّ الرجال, غفل ساعة فقط عن خطر فيروس الذباب فيه فلم يصبر, وخانها مع أنثى لعوب عابرة, أصغر سنا وأشد تماسك ثدي ترهل من فعل الزمن والهموم, وكان ذلك قبل ثلاثة أشهر فقط من ثورتكم وقبل أن يهبّ البوعزيزي ويشعل عود الثقاب الذي كاد أن يلهب أجنحة الذباب فيكم, فخلعته, وطلبت الطلاق والصلح الأخوي بشريعة الرفاق, بعيدا عنه, لأنه أهان المناضلة والمرأة والأم والحبيبة والأخت فيها, من اللواتي تحملهن أمانة في صدرها المُترهل بعد الثمانين, وهنّ أخطر وأهم منها هيّ نفسها, فهجرته لذلك…
وكم أوجعني ذلك يا شعبي العزيز…كم أوجعني ذلك.وكم خجلت بدلا عنه…
ولكن , هي ثالث – لكن – مُرّة اليوم, بل هيّ الأمرّ…
لكنني للأسف, أرى النار العبقرية المُعجزة التي تأججت, بدأت تخبو في صدوركم وشعاراتكم وهتافكم وبدأت تخبو وتنطفأ من كلّ الأطراف.
ولولا ذلك ما قدّمت إستقالتي حتى قبل أن تُقبل أو يرفض ترشحي لمنصب رئيس البلاد. بلادي التي يغسل وجهها ضباب البحر الأبيض المتوسط من جهتين كلّ فجر, ولكنكم تشربون قهوتها ولا تحمدون حنوّها, وتشرئبون بأعناقكم صوب الجنوب والغرب الموحش من خيوط أطرافها على الخارطة الرسمية, حيث لا شيء غير حدود الجزائر الشوك, وفجاج صحراء ليبيا الغاطسة حدّ الإبط في أنبوبة التجريب المخبري للكائن الذكوري المتسلط الأبدي. وتحتها إفريقيا المحروقة للأبد ما عدى قطعة صغيرة في أقصى مداها, بُعث فيها نبيّ إسمه مانديلا, أصلحها على عجل ورحل منذ أشهر, مشيعا بثلاث مقالات وسطر في نشرة الأخبار وبرقية تعزية من رئيسكم الحالي المنصف المرزوقي الأخرق الأحمق السكّير…
وإذا رددت عليّ يا شعبي بالحجة وقلت لي وأنت تهرش بطنك, أنّ من أوردت لك من الأسماء, غريبات عناّ في اللسان واللهجة والوجه…فها عندكم, الصديقة د. ألفة يوسف, من قلب مدينة سوسة, جوهرة الساحل التونسي, ومن سرّة بلدكم وبلدي , وهي فيكم نبيّة, ولكنكم ترمونها منذ قالت سلاما يا شعبي, بتهم مضحكة, مبكية, ولا ترون منها غير ما يظهر لكم من نتوءات جسدها الذي يذكركم بأنها أنثى. وأنه لا يجوز إمامة الأنثى حسب عنعنات مؤكدة جاءتكم في كتب وهّابية مشبوهة منذ كان إسمها منجعهم يثرب ومنذ كان يسكنها آخر المتأسلمين من الكفار السابقين من قبائل وعروش آل قريش وفلولهم.
ومن أخبرك بذلك يا شعبي البليد…
من أخبرك غير هذه الإجتهادات الوهابية الإفغانية التافهة التي لم يقلها نبيّ ولا حصّنها رسول ولا قدّرها الله العلي العليم….
من قال لك أنه لا تجوز إمامة الأنثى ؟؟؟؟
أو نسيتَ أنّ بلادك نفسها التي تغار عليها, لم تكن أكثر من غابات شوك ومرتعا للوحوش والزوحف والحطب اليابس واليباب والجوع والجهل والكهوف والقبائل البدائية, المتناحرة بقيادة ميمنة بربروس وميسرة الترشيشيّ , حتى جاءتك نبيّة في قارب, هاربة من قصور الشام وظلم خالها الذكر المستبد, فاشترت من أرضك ما يكفي مساحة جلد ثور, ثم بعبقرية ونفاذ الأنثى النحلة الدؤوبة الفاتنة, بسططت جلد الثور شريطا رفيعا, وعانقت به مساحة أوسع قليلا, ولكنها لم تكن أكثر من ألفي متر أو أقل, لا تكفي إلا لإشعال قِرَى للبخور والنداء لهبوط الغيم وحلول المُعجزة, وكان ذلك فعلا, كذلك, ولم تمض سنوات تحسب على أصابع أيديكم وأرجلكم يا ضعيفي الذاكرة وعديمي الموهبة في الحساب, حتى فجّرت لكم من من طوب الأرض الجبلية المهجورة حضارة خرّت لها الجبابرة, وما زالت بعد آلاف السنين تُنعتُ بالبَنانِ وينظر لها بعين الدهشة والإنبهار, ألم تبني لكم حضارة سحقت وفاقت حضارة الروم وبجند قليل ؟…
ألم تنافس الفراعين, ولا يهود عندها من جيوش البنائين ؟؟…
وها هي حضارة قرطاج إلى اليوم غرّة جبين قصر رئاستكم وليس العكس.
ولهذا أيضا أغراني منصب الرئيس, لأعتذر لها بدلا عنكم كلّ فجر قبل أن أنهض معانقا إياكم وباعثا فيكم أمل طازج جديد يعبق نورا وإخلاصا للحياة والشعر والسلام والمحبة, و روحا طريّة ترجّ برفق ورحمة من أجل ايقاظكم فقط, وأنا توجعني كل شتيمة أسوقها لكم متعمدا, لأنني منكم.
وأنا تونسي, وأسب نفسي قبلكم…
ويا ما كنتُ أرغب في الإعتذار بدلا عنكم للعظيمة – عليسة – …أولّ رئيسة للبلاد التونسية, في عهد لم تعرف الأرض فيه بعد غير الملوك والأباطرة والطغاة.
وما كان لها أن تكون أو تسمى ملكة, لأنّ المُلك يورث أبا عن جدّ, أو يفتكّ بالسمّ أو بحدّ السلاح والحصار والدمار والمؤامرات والدسائس والعار.
وهي لم ترث تونس عن أبيها, ولا افتكت الأرض واغتصبتها من عمّها أو أخيها, ولأن تونس لم تكن أرضها, فقد كانت حسب إعتقادي ومفهومي الأعمق لمنصب رالرئيس, فعلا أوّل رئيس منتخب بأصوات محبّة الشعب, وقبل خلق بدعة الصناديق…
وقد أحبت الأرض وعمرّتها وجعلتها خضراء بكلّ معاني عظمة اللون الأخضر في البناء والعمران, كرمز وكصفة. وخرج من رحم حضارتها عظام الأرض, وليس أشهرهم – حنّبعل – ولا ابن خلدون ولا حتى آخرهم أبو القاسم الشابي الذي أعدموه – مشكورين لأول مرّة- إلى بيته الشعري الفاره من جديد بعد انتظار عشرات السنين في القبر…
ولكنّ ذاكرتكم أيضا مقعّرة جوفاء وروحكم من أصول روح الذباب, الذي لا يصبر ولا يرى غير ما يجد من قمامة في منتصف الطريق….
فهل فهمتم الآن ما الفرق بين الذكر والأنثى ؟
بين روح النحلة, وروح الذبابة…؟
بين غاية وهدف تلك, ووجهة الأخرى وخبيئتها…؟
وهل تحتاجون بيانا أكثر, لتقتنعوا بأنّ خيركم في تسليم مقاليد الحكم إلى أنثى. إمرأة…من خير نسائكم, تختاروها بمحبة وتقفون عنها وتذودون عنها كما فعلتم في بدء فجر التاريخ مع حبيبتكم – عليسة – لأن ذلك سيكون إختصار بصراحة لكلّ ما سأقول وما سأعدكم به من خير عميم, كان يمكنني أن أسوقه في مؤلف كامل متين وأعكف عليه سنة أو تزيد… ولكنني لا أريد منكم مجدا, ولا تهليلا…
أريد أن تقشروا رمانة الكلام, وحبات العبارة والعِبر, لتتسّاقط بين أياديكم طيب حباتها السكّر ويمتلإ حوشكم بالرطب والثمار والبركة والمنّ والسلوى وتجري بيكم الأنهار قِربتا…
ودين ربيّ : لولا أنني كنت أضمر أن أسلمها سريعا بعدي لأنثى, وتحديدا لإمراة منكم ومن نسلكم , تختارونها أنتم, على شرط أن تكون عاشقة مخلصة للبلاد وحدودها اللغوية والحضارية والنفسية والاخلاقية والجغرافية, ولا تكون مغتربة مثلي هاربة من مواجهتكم وتحملكم, ولا مسرفة في لثغتها الأجنبية ولهجتها الغريبة عنكم, ولا هي متحيزة لثقافة الغرب وجارية له, وتعبده, ولا هي كارهة للإسلام الوسطي الملهم البنّاء السلام, ولا هي شرقية, ولا هيّ غربية, أنّما شرطي أن تكون منكم…نبتتة طيّبة تربت في بيت مسلم طيّب, فليس في بيتنا طائفية ولا عرقيّة, لنطالب بفقرة توضح من يقود في الدستور, فعدد المسيحينن في تونس لن يتجاوز بعد ألف سنة عدد رواد مقهى تونس بشارع الحبيب بورقيبة سنويا, وهو سيتناقص بالتأكيد لو رُفع آذان الصوت الرخيم ومسحت دمعة عبد الباسط عبد الصمد ومحمد البرّاق وغيرهما من القراء العظام ونحن نستعد جميعا ومعا وبقلب واحد, للإفطار في رمضان جديد بلا دمّ ولا بارود وصور أشلاء جنود ممزقة ومذبوحة من الوريد إلى الوريد …ولا بكاء ثكلى, ولا حرقة أرملة وأبناء شهيد…
حينها فقط….وحينها فقط…سأقف شامخا عند مئذنة القيروان وأكبّرها ثلاث…ثم أطلب صحنا من المقروض القيرواني وزربية للصلاة وكأس ماء زلال من حوض بئروطة الشهير…
وحينها فقط, سأنظر صوب السماء ملتمسا برفق ومحبة أن يُغمض الله عينيّ على هذا المنظر الفاتن البديع…
يااااااا الله…..أجب دعوتي…
واكشف الحجاب عن شعبي وإزل عن أبصارهم وبصيرتهم الغشاوة….
يااااا رب. يا سميع يا مُجيب.
اتركوني اليوم فقد تعبت, وعكشت أصابع يدي وأنا أرقن لكم بإصبع واحدة….
سأعود لكم غدا…أو بعد الغد, إذا كان غَدُأو بعض غدٍ
( كمال العيادي, رئيسكم المترشح المُستقيل )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق