" فكر – التفكر التأمل والاسم (الفِكرُ) و(الفِكرَةُ) والمصدر (الفِكرُ) بالفتح وبابه نصر. و(أَفكَر) في الشيء و(فَكَّر) فيه بالتشديد و(تَفَكَّر) فيه بمعنى. ورجل (فِكُيرُ) بوزن سكيت كثير التَّفَكًّر."1[1]
من نافل القول أن التفكير هو نشاط ذهني يختص به الانسان دون غيره وعملية عقلية متنوعة تتوزع بين الادراك الذاتي والتأمل والتعقل والوعي وهو في مرتبة أعلى من الاحساس والتخيل والتصور والإدراك والتذكر وفي درجة أدنى من الحدس والعرفان والإشراق والإلهام والبصيرة ولكن من الضروري أن يصاحب تجربة التفكير تخل الارادة ومسارات الفهم والشك والنقد والذكاء والتمييز وما يتطلب ذلك من النفي والإثبات والحذف والإضافة والجمع والطرح.
لكن ما طبيعة التفكير؟ وماذا عن وظائفه وأدواته؟ وهل تعتبر اللغة أحد تلك الأدوات؟ وكيف يتوزع التفكير بين الألفاظ والمعاني؟ وهل العملية الاستدلالية هي نشاط نفسي أم عملية منطقية؟ وماهي مقدمات الاستدلال والشروط اللازمة له؟ وأين يمكن تنزيل مسألة تجريب التفكير؟
يتميز التفكير في الفلسفة عن الاسطورة والدين والعلم والأدب وذلك بتجرده من الانطباعات الحسية والاعتبارات الفردية وتركيزه على النشاط المضاعف الذي يقوم به العقل وبالأدوات التي يستعملها وخاصة الرموز والمعاني والتصورات اضف الى ذلك قدرته على معالجة الواقع معالجة فعلية من خلال الاستعاضة بالأحداث والمواقف والوضعيات بالذوات والمقاصد والكليات والانتباه الى جواهر الاشياء بدل مظهرها وشبكة العلاقات والبنى بل الشخوص والمؤثرات والصفات. فإذا كانت المعرفة متعلقة بادراك الواقع التجريب فإن التفكير هو مساءلة مستمرة له.
والحق أن التفكير يقوم بعدة اجراءات اهمها المقارنة والتمييز والانتباه والاستنارة واليقظة والاستفاقة والتعميم والتفصيل والتحليل والتفكيك والتركيب والتأليف والتجريد والاستدلال والابتكار والخلق. عندئذ يتناول التفكير الحياة اليومية بالدرس رغم تصادمه معها والإحراجات التي تعترضه ويقترن بنوعية من السلوك تتصف بالحركية والانفتاح والإبداع والتجدد والاستفادة والاستطلاع والتفتيش ويختص بهذه المهمة البشر بما أنهم يتميزون بالعقل بينما الحيوانات تسير وفق مقتضيات الغريزة ولا تفكر البتة ، كما أن الحواسيب الذكية تشتغل بشكل مبرمج وآلي.
يجب التفريق بين توهم التفكير والتفكير الحاذق وبين التفكير الأعوج والتفكير السديد، ويمكن كذلك رصد الاختلاف بين التفكير العامي والتفكير العلمي وبين التفكير الفردي والتفكير الجماعي والانتباه الى الفوارق بين حرية التفكير واتيقا التفكير وبين حق التفكير ومسؤولية المفكر.
اذا دققنا الأمر وانتقلنا من العام الى الخاص سنجد أن الاستدلال هو أكثر التجارب الفكرية شهرة ويتمثل في معالجة مشكلة معينة واستخدام العقل لمعالجتها بطريقة منهجية وفق ترتيب معين. والاستدلال يقوم على ادراك العلاقات بين المقدمات والنتائج واستنتاج الجزئيات من الكليات وذلك باحترام قواعد التفكير وسلامة القالب وتماسك التمشي المنطقي وعدم الوقوع في التناقض. حري بنا ان نميز بين الاستدلال المنطقي والاستدلال الرياضي والتأكيد على يقينية التعريفات وإشكالية القضايا وغموضها وصحة المبرهنات وصلابتها والتحقق من النتائج ومراجعتها. والغريب أن التفكير أثناء الاستدلال العلمي يعثر على حل للمشكل في لمحة فجائية ويثب عليه الجواب بشكل مباغت وأن قدرة العقل على معالجة المشاكل تتزايد باكتساب مهارة الاستدلال. لكن هل يمكن اعتبار عملية تكوين المفاهيم بواسطة التفكير شكل من اشكال الاستدلال الفلسفي؟ وأي مستقبل للتفكير في ظل ثورة علوم الأعصاب؟وما الفرق بين عملية التفكير وتجربة التفكر؟
المرجع:
محمد ابن ابي بكر الرازي، مختار الصحاح. دار الكتب العلمية. بيروت، الطبعة الأولى. 1994.ص.264.
[1] محمد ابن ابي بكر الرازي، مختار الصحاح. دار الكتب العلمية. بيروت، الطبعة الأولى. 1994.ص.264.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق