جنيّة الشجر/ فاطمة ناعوت

انقر على المقال لتكبيره
 أنا الفتى الذي/ خِفَّتُه لا تُحتمَل/ أدخُلُ البئرَ كلَّ صبحٍ/ أسرقُ الأشباحَ/ ولوحاتٍ مُبتَّلةً بألوانِها لم تزل/ وفي المساء/ أكنسُ الخَرَزَ/ أُباعِدُ بينَ الغمامِ/ أحتضِنُ الوجهَ الذي/ تخبو قداستُه/ شيئًا/ فشيئًا/ ثُمَّ يغدو/ فكرة."

***

جِنيـــَّةُ الشجر

أنا هي
أطيرُ بين الشجر
أقطعُ المحيطاتِ والوديانَ والصحاريَ
وفي سَلّتي
أُخبِّئُ قرابينَ
من شموسٍ وأمطار.

أرفعُ الغيماتِ فوق رؤوسِ المُتْعبين،
وتحتَ أقدامِ القُساة
أنثرُ الموسيقى
والحِنّاءَ
علَّ نبتةً خضراءَ رهيفةً
تورقُ في القلبِ الجامدْ.

إنْ مرَرْتُ فوق جَنَّةٍ
قطفتُ وردةً،
ليشبكَها شاعرٌ
في جديلةِ حبيبتِه،
وإن مرَّ بي قبرٌ
ألقيتُ زهرةً
لتدُّلَّ امرأةً حزينةً
على ضريح حبيبِها.

أنا جِنِيَّةُ الشجرْ البتولْ
أدُقُّ أوتادي حيث يلتقي العشّاقْ
لكنني
لا أسكنُ خيمتي،
بَلْ
أتخفّىَ بين أوارق الشجر
لأتنصَّتَ على الأحبَّةِ
عسايَ أعرفُ
من أين تضرِبُهم سهامٌ
في قوس الطفلِ المشاكسْ.

اليومَ
حططتُ رِحالي بين أغصانِ أوكالبتوس 
تميل بجذعِها على صفحة "الهادي" 
حيث ناداني صوتُ شاعرٍ
يبحثُ عن ليلاه.

ليلى 
تركتِ الشاعرَ
يكتبُ الشِّعرَ في عينيها السوداوين
ويملأ الصَّحافَ بحروفِ اسمِها
ل ي ل ى
ويحفرُ على هياكلِ الجبالْ 
وجهَها العربيَّ
حتى نَحُلَتْ أظافرُه.

مدَّ اللهُ يدَه
ليقطفَ من بستان الشاعرِ زهرةً،
وزهرةً من بستانِ الحبيبة، 
لتورقَ بُرعمةٌ نديّة
يضوعُ شذاها، 
في ضِياعِ العاشقين.

جفلتْ ليلى
وخبّأتْ زهرتَها
عن يدِ الله،
فمنحها الشاعرُ زهرتَه
ومسحَ على جبينِها 
ثم مزَّقَ قلبَه
ليرتوي عودُها من دمِه
قصائدَ وحواديتَ وأغانيَ.

ارتوتْ ليلى
فوخزتِ قلبَه النازفَ بخنجرها
ثم لملمتْ أشياءها
ومضتْ
إلى حيثُ تمضي الليالي
قبل شروقِ الشمسْ
ولا يعُدْن.

الشجرةُ تبكي الشاعرَ المغدورَ
ونسماتٌ تخاتلُ
فتَسقُطُ الأوراقُ دمعًا،
حَفيفُها
صدَّعَ الصمتَ الذي يدثِّرُني
وأنبأ عن مخبئي.

يرفعُ المُحْتَضَرُ عينيه 
نصفَ مغمضتين
فيلمحُ ظِلِّيَ
وأنا أحملُ مِخلاتي
وأطيرْ.
سيدني/ (31) سبتمبر 2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق