في مثل هذه الليلة قبل خمسة وعشرين عاماً وقف الزعيم الخالد ياسر عرفات بين إخوانه القادة التاريخيين الفلسطينيين في قصر الصنوبر بالعاصمة الجزائرية التي ساندت نضالنا الفلسطيني منذ تحررها وقيام دولتها الجزائرية الشقيقة، ليعلن من هناك بصوته وباسم شعبنا الفلسطيني قائلا : " "باسم الله وباسم الشعب العربي الفلسطيني نعلن قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشريف"، لتجسد حلم الشعب الفلسطيني، بإعلان قيام دولة فلسطين أمام العالم،متوجا بذلك تضحيات شعبه ونضالاته وتتوقه للحرية والتحرر". الذي جاء كثمرة من ثمار نضالنا الفلسطيني وثورتنا المسلحة وانتفاضتنا الشعبية المُعمدة بدماء شهدائنا الأكرم منا جميعاً،وتضحيات أسرانا وجرحانا البواسل .
ومنذ ذلك التاريخ وحتى اللحظة الراهنة لم يتجسد حلم شعبنا الفلسطيني ولا قادة فلسطين التاريخيين بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف،بل هم رحلوا قبل تحقيق هذا الحلم،وما زال شعبنا يدفع قوافل الشهداء والجرحى والأسرى في إطار سعيه لتحقيق هذا الحلم،ونحن نشعر ان هذا الحلم في المدى المنظور أبعد من ان يتحقق،وبغض النظر عن ما أعقب ذلك الإعلان من ظروف مجافية موضوعية وذاتية،والخلاف في الإجتهاد حول الإستثمار السياسي لنتائج الإنتفاضة الفلسطينية،إنتفاضة الحجر الفلسطيني،التي اعادت القضية الفلسطينية ومأساة شعبنا الى موقعها وحجمها الطبيعي على الخارطتين الدولية والعربية،فإن الهزيمة العربية الناتجة عن تدمير العراق قبل إحتلاله وإنهيار دول المعسكر الشيوعي وفي المقدمة منها الإتحاد السوفياتي سابقاً كحاضنة عالمية لمشروعنا الوطني،وإنهيار البرجوازية العربية الوطنية مشروعاً وقيادة،هي من العوامل الهامة التي دفعت بنا كعرب وفلسطينيين الى مؤتمر مدريد،وصولاً الى هزيمة اوسلو،ذلك الإتفاق الذي قسم الشعب والوطن،هذا الإتفاق الذي كان النصر الثاني لدولة الإحتلال،بعد النكبة،والذي ما زال شعبنا يدفع ثمنه حتى الان،حيث الإحتلال،لم ينحسر او يتراجع عن ارضنا الفلسطينية،بل ازداد تغولاً وتوحشاً،فالإستيطان منذ اوسلو يتضاعف بأرقام قياسية،والقدس تتعرض لحرب شاملة،يراد منها إحكام سيطرة الإحتلال الكلية عليها،وإخراجها من دائرة أية عملية تفاوضية مستقبلية،والأقصى معرض فعلياً لمخاطر التقسيم الزماني والمكاني،ووضعنا الفلسطيني يزداد ضعفاً على ضعف،حيث بات من الواضح بأن الإنقسام بين جناحي الوطن يتعزز ويتعمق،لكي يصبح واقعاً،حيث طرفي الإنقسام(حماس وفتح) يعظمان مصالحهما الحزبية والفئوية فوق المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني،وكذلك التدخلات الأمريكية والإسرائيلية والعربية والإقليمية الكبيرة في الشأن الفلسطيني من العوامل الكابحة والمانعة لتحقيق المصالح الفلسطينية- الفلسطينية.
ومع قيام ما يسمى بثورات الربيع العربي،والتي كنا نامل ان تشكل رافداً وداعما أساسياً لقضيتنا وشعبنا الفلسطيني،وان تدفع بإتجاه تحقيق حلمه بالدولة المستقلة والحرية والإسقلال،وجدنا أن تلك "الثورات" كانت وبالاً على شعوبنا العربية،حيث حرفت عن اهدافها ليجري استثمارها ضد مصالح الشعوب العربية وتطلعاتها،ولتكون جزء من مشروع معاد يجري تنفيذه بحق الأمة العربية،مشروع الفوضى الخلاقة وانتاج سايكس – بيكو جديد،يقوم على تجزئة وتقسيم وتذرير وتفكيك الجغرافيا العربية وإعادة تركيبها على أسس طائفية ومذهبية وفق الثروات وليس الجغرافيا،وتحويل دولها المركزية الثلاث المركزية،العراق وسوريا ومصر الى دولة فاشلة،وبما يمكن من إبقاء دولة الإحتلال الإسرائيلي شرطي المنطقة القامع لأي حركة تحرر او نهوض عربي ساعية نحو الوحدة والحرية.
وحالة الضعف العربي هذه،شجعت القوى المعادية وفي المقدمة منها اسرائيل وامريكا وبالتعاون مع مشيخات النفط والكاز العربي لممارسة ضغوطها على الجانب الفلسطيني،من اجل العودة الى مسلسل المفاوضات العبثية،عودة متعارضة مع قرارات الشرعية الفلسطينية (اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي) واغلبية الشعب الفلسطيني، مفاوضات لا يتوقع منها ان تنتج شيئاً مفيداً لشعبنا الفلسطيني،او يلبي الحد الأدنى من حقوقه المشروع بإقامة دولة فلسطينية على 22% من مساحة فلسطين التاريخية،بل مفاوضات يستغلها الإحتلال في تكريس وقائع وحقائق جديدة على الأرض في تصعيد لحربة ضد شعبنا الفلسطيني وكل مقومات وتجليات وجوده،ومتوقع لهذه الحرب ان تتصاعد مع عودة المتطرف ليبرمان الى وزارة الخارجية الإسرائيلية.
الآن بات من الملح والضروري في ظل ما تشهده المنطقة من تطورات وتغيرات،تطورات وتغيرات نتج عنها بداية تراجع وهزيمة المشروع الأمريكي في المنطقة،حيث تراجع العدوان على سوريا وانحسر دور القوى الظلامية والتكفيرية والإرهابية،وهناك إنفراج في العلاقات الإيرانية- الأمريكية،إنفراجات تقر لإيران بدورها ونفوذها في المنطقة،وكذلك سقوط مشروع الإخوان في مصر،كمقدمة لهزيمة وإنهيار هذا المشروع على المستويين العربي والإسلامي،وعودة روسيا بقوة إلى الساحة الدولية،هي والصين ودول البركس،بما يفقد امريكا دورها القائد والوحيد كشرطي لهذا العالم،بما يؤدي الى تحولات إستراتيجية في المنطقة،ينتج عنها تحالفات وادوار جديدة في المنطقة،تطورات وتغيرات إذا ما أحسن الطرف الفلسطيني قراءتها،وعمل بشكل جدي على ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي،عبر وضع حد لظاهرة الإنقسام المدمرة،كواحدة من العوامل المركزية في حالة الضعف الفلسطيني،وإعادة اللحمة والوحدة للقرار والمؤسسة الفلسطينية،وبنى استراتيجية فلسطينية موحدة وبديلة تلتف حولها كل ألوان الطيف السياسي والمجتمعي الفلسطيني،كبديل لإستراتيجية المفاوضات العبثية،مع اعادة الاعتبار للبرنامج الوطني الفلسطيني،عندها سنصبح قريبين من تحقيق حلم شعبنا الفلسطيني في دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف،وبدون ذلك ومع الذكرى الخامسة والعشرين لإعلان الإستقلال،فإن حلمنا سيبقى بعيد التحقيق،وستستمر حالة الإنقسام المدمرة في التعمق،ولتصبح واقعاً قائماً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق