منتصفُ فبراير، يوم ١٤ منه، بَدْءُ فصل الربيع عن قدامى الرومان. حيث مهرجانُ الخصب والنقاء.
يكنسون البيوتَ وينثرون بأركانها القمحَ والمِلحَ. ثم يذهبُ الكهنةُ إلى الكهف المقدس، حيث كان الطفلان الإلهان: روميلوس وريميس، مؤسِسا الدولة الرومانية، يعيشان تحت رعاية أنثى ذئب. يذبحون القرابين: عنزةً، رمزًا للخصوبة، وكلبًا، رمزًا للنقاء والوفاء.
ثم يُقطّعون جلدَ العنزة شرائحَ صغيرةً يغمسونها فى الدم، يجوبُ بها الأولادُ الطرقاتِ ليمسحوا وجوهَ النساء، والحقول؛ فيعمُّ الخصبُ: إنجابًا، ومحاصيلَ.
وعند المساء، تُلقى الفتياتُ أسماءهن فى جَرّة، ليأتى شبابُ الرومان يلتقطُ كلٌّ ورقةً، فيتزوجُ صاحبتَها. هذا كان قبل الميلاد. أما الأساطيرُ الأحدث فتقول إن قدّيسًا اسمه فالنتين عاش فى عهد الإمبراطور كلاوديس، الذى جَرّم الزواجَ على الشباب، إيمانًا منه بأن الزواجَ يُضعفُ لياقة الجُنْد القتالية.
لكن القديسَ الطيبَ رأى ذلك القانونَ مُجحفًا وغيرَ شرعىّ، فراح، متحدّيًّا الإمبراطور، يزوّجُ العاشقين فى كنيسته سِرًّا. ولما اِكتُشفَ أمرُه أُعدم. فصارَ أيقونةً للمحبّين. أميلُ إلى تصديق تلك الحكاية الجميلة، من بين عديد الحكايا التى يعود إليها عيدُ الحب.
وفى العصر الوسيط آمنتْ إنجلترا وفرنسا بأنه يوم بداية موسم تزاوج الطيور، ولذا غدا سِمةً للرومانسية، يتبادلُ فيه العشاقُ، والأصدقاء أيضًا، بطاقاتِ تهنئة وهدايا. وترقدُ لليوم، فى مكتبة لندن، أقدمُ تهنئة فى التاريخ، من تشارلز، دوق أورليانز، لزوجته حين كان سجينا فى برج لندن فى القرن الـ ١٥.
واليومَ، تقول الإحصاءاتُ إن عيد الفالنتين هو ثانى أكبر عيد عالميًّا تُتبادل فيه التهانى. إذْ فى أمريكا وحدها يُوزَّعُ بليون كارت فى هذا اليوم. تحملُ الكروتُ قلوبًا حمراءَ وورودًا، والأهمُّ، صورةَ كيوبيد، حاملا قوسَه وسهامَه.
وأما كيوبيد، فهو أكبرُ طفلٍ فى الوجود. إذ يبلغ عمره ٣٠٠٠ عاما. ومازال طفلا سرمديًّا. ذاك أنه عابرٌ الزمنَ؛ شأنَ الحبِّ، ومعصوبُ العينين؛ شأنَ الحبِّ، ويصيبُ القلوبَ من دون إنذارٍ ولا مَنطقٍ، شأنَ الحبِّ أيضا. هو، فى الميثولوجيا الرومانية، ابنُ فينوس، إلهةِ الجمال، ومارْس، إلهِ الحرب.
تقول الأسطورةُ إن الغيرةَ ضربتْ قلبَ فينوس من الأميرة سايكى Psyche، لأن جمالَها الفائقَ شغلَ الناسَ عن عبادتها. فأمرتْ ابنَها كيوبيد أن يصيبَها بسهمٍ لتحبَّ الرجلَ الأكثرَ فقرًا ودمامةً فى الكون.
لكن كيوبيد سينبهرَ بجمالها ويقعُ فى هواها ويقذفُ قدمَه بسهم. ولأنه إلهٌ وهى إنسانٌ، فكان ممنوعًا أن تراه. ظلَّ يزورُها كلَّ ليلة، حتى أوعزت شقيقتا سايكى لها أن تنظرَ إليه.
ولما فعلت غضب كيوبيد واختفى. واختفت أيضا قلعتُهما الجميلةُ بحدائقها، فضربها الحزنُ وهامتْ على وجهها حتى صادفت هيكلَ فينوس. فأمرتها أن تحملَ صندوقًا صغيرًا وتذهبَ إلى العالم السُّفلى لتعبئه من جمال زوجة بلوتو، على ألا تفتحَ الصندوق.
لكن فضولَها جعلَها تفتحه فلم تجد جمالا، بل نومًا يشبه الموات. ولمّا وجدها كيوبيد ملقاةً فى الصحراء كالموتى، رقَّ قلبُه لها، فانتزعَ منها النومَ ووضعه فى الصندوق، ثم تزوجها. فمَنَّ عليها جوبيتر بالألوهية لتصيرَ ربّةَ الروح. ومنها اِشْتُقَّ علمُ النفس Psychology.
هو لغزٌ اسمه الحبُّ. يقول رالف إميرسون فى كتابه "الجمالُ مُفعِّلُ الحياة": "الحبُّ يُعلى من طاقة الموهبة، وبه نتغلبُ على العثرات". أحبِّوا، تَصِحّوا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق