أبرزت شبكة عيون الإخبارية تصريحات "الدعوة السلفية" بأن مشروعها السياسي هو الوصول إلى الحكم وفرض المشروع الإسلامي، ومطالبتها بمحاربة الشيعة والعلمانيين باعتبارهم خوارج والجهاد ضدهم واجب شرعي. وتابعت بحسب بيان لها الجمعة الماضية أنه لا بد من الجهاد ضد كل المخالفين، وهذا أمر بل فرض شرعي حتى لا ينتشر فساد تلك الطائفة، وتزداد الفتن داخل البلاد الإسلامية. وبأن العلمانيين كفارٌ ولا يوجد خلاف فقهي حول تلك المسألة. وفي سياق آخر قامت أمانة "حزب النور" بمختلف المحافظات برفع طلب إلى المجلس الرئاسي للحزب تؤكد فيه رفضها لإنضمام أي مخالف لهم على قوائمهم، مؤكدين: "لن نتحالف مع أحزاب تخالف شرع الله."
من أهم التحديات التي تواجهنا اليوم وتشكل خطراً وعثرة في طريق مدنية مصر وإعادة بنائها وتقدمها وجود الأحزاب الدينية والأحزاب السياسة المرساة على خلفيةٍ دينية وأهدافٍ تطرفية مُدمرة، مُعلَنة ومُخفاة. عشرات من تلك الأحزاب، للأسف ما زالت تصول وتجول في الشارع المصري وتلوث أفكار الشباب والبسطاء وبعض المثقفين وتهدد أمن مصر واستقرارها ووحدتها ومستقبلها.
ومما يدعو للدهشة أن حكومة مصر تتجاهل هذا الخطر رغم مرور أكثر من عام على ثورة 30 يونيو 2013، التى فاجأت العالم وبهرته باسقاطها لحكم الأخوان الديني. وكشفت وأفسدت خططاً ثعلبية ثعبانية شيطانية دبرها أقوى وأخبث وأخَسّ أعداء مصر، ضدها وضد استقرارها ووحدة شعبها. وما قامت الثورة لإسقاط حكم الأخوان إلا لأنه حكم سلطوي تطرفي إقصائي فاسد يختفي تحت ستار الدين.
عشرات من تلك الأحزاب، لا تختلف كثيراً عن جماعة الأخوان، ما زال وجودها قذى للعين وخطر على مصر رغم ما عانته مصر وشعبها بكامل طوائفه من تجربة حكم الأخوان البلشفي الإرهابي الدموي الخائن عاقد الصفقات مع ألدّ أعداء مصر في الشرق والغرب، حتى أنَّ عمليات الدمار والتخريب والقتل طالت المساجد والكنائس والأزهر والجيش والأمن والجامعات والمدارس والإعلام والقضاء والمؤسسات عامة.
عشرات الأحزاب مرساة على قواعد دينية تعسفية عقيمة عفى عليها الزمن وليس للدين أو للمباديء الإنسانية والوطنية فيها نصيب، وعلى رأس تلك الأحزاب "حزب النور" السلفي الوهابي الذي لا يقل خطورة ودموية وعنفاً وشراً عن جماعة الأخوان، بل يزيد عنها خبثـاً وعبثـاً. فـ "الوهابية التيمية" هي دين حزب النور السلفي ودين داعش والقاعدة وبوكوحرام وأخواتهم، وكلهم انبثقوا من رحم الأخوان أو مقلدين لها.
أدهش ما يُدهشني أن هناك، بعد ما عانته مصر من وجود الأخوان ومن حكمهم، مئات الكتب والمقالات والنداءات أصدَرَت من مثقفين مفكرين من كافة المستويات، وخاصة أصوات عديدة مخلصة عاقلة مؤهلة من رجال القانون وخبراء الدستور، نادت محذرة بخطورة وجود تلك الأحزاب في الساحة السياسية المصرية وفي الشارع المصري على السواء. وللأسف، لم يستمع لهم أو يستجيب لتلك الأصوات المخلصة مسئول!!!
الأمثلة عديدة. فالأستاذ محمد حامد الجمل، المستشار القانوني، رئيس مجلس الدولة الأسبق، قال "إن الحزب الدينى يُقسِّم المجتمع كما فعلت الأخوان وذراعها السياسى "حزب الحرية والعدالة"، موضحاً أن الأحزاب الدينية لا تعترف بالوطن وتزعم أنها بسبيل إنشاء ما يسمى بدولة الخلافة وهذا يتناقض مع أحكام الدستور. كما تؤمن بحقها فى استخدام الإرهاب والقتل لفرض التزام الوطن بأفكارها وأهدافها ويتناقض ذلك مع الدولة المدنية. وقال أيضاً أن الحكم الذى صدر بحل "الحرية والعدالة" ينطبق على كل الأحزاب المماثلة ولا يحتاج الأمر إلى صدور حكم يُكرر ما ورد فى الدستور. ويجب على الدولة ممثلة فى الرئيس ومجلس الوزراء أن تصدر قراراً بتطبيق الأحكام على الأحزاب التى ينتفى فيها الشرعية وحظرها القانون والدستور."
وكذلك المهندس أحمد بهاء شعبان، القيادي بجبهة الإنقاذ الوطني، ورئيس حزب الاشتراكى المصرى، أكد "أن حكم الحلّ (على حزب الحرية والعدالة) ينطبق مع الدستور الذى يمنع تشكيل الاحزاب على أساس الدينى، ولابد أن ينطبق ذلك على جميع الأحزاب الشبيهة، لحماية مصر من التخريب الذى صنعته الأحزاب فى الحياة السياسية والدعوة الدينية، فالعالم العربى يجوب بموجات إرهاب بواسطة جماعات تزعم الانتماء الى الدين."
أعقب على تلك الأصوات الحرة بأن الدستور المصري يحظر صراحة وجود أحزاب على أساس دينى أو عسكرى. كما أن قانون الأحزاب أيضاً يحظر أن يكون ذراع لحزب فى الخارج أو يمول من الخارج أو يتعارض برنامجه مع الدستور. وليس خفياً أن "حزب النور" حزب ديني كما أنه ليس خفياً أن المملكة السعودية تدعم معنوياً وسياسياً ومالياً الوهابية السلفية ممثلة في "حزب النور" في مصر. فأسأل: أين "الصعوبة" إذاً في حلّ "حزب النور"؟؟؟
وأجيب أن الصعوبة، والصخرة التي تصطدم بها مصر "المسكينة"عندما تحاول أن تخطو خطوة للأمام في هذا الأمر، هي الثغرة التي يتغاضى عنها سيادة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير العدل. يرى خبراء الدستور والقانون أن التلاعب السياسي وتراقص الأحزاب الدينية في الساحة السياسية يأتي أساساً من نص "المادة الثانية" بالدستور والتي تنص على أن "الإسلام دين الدولة" و"الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع". فمن الطبيعي أن قاعدة برنامج الحزب الديني الإسلامي هي الشريعة الإسلامية. ولأن الدستور ينص في الأساس على أن مرجعية الدولة مبادئ الشريعة، فمبرر وجود الحزب الديني هو أنه ينطلق من الشريعة التي يدعمها الدستور. وذاك هو حجر العثرة. هو الصدأ والنخر في مواد وآليات إعادة بناء مصر. فالمشكلة تكمن في تناقض مواد الدستور.
أكد هذه النقطة الدكتور شوقى السيد، أستاذ القانون الدستورى بقوله "الكارثة التى نعيشها اليوم سببها قيام أحزاب سياسية على أساس دينى بشكل فاضح، وهو ما سمح لحزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، وكل الأحزاب التى تعمل تحت لواء الدين فى القيام بتلك الإنتهاكات، وهى سبب إثارة النزعة الطائفية، والترويع والتهديد وكل هذا مؤصل فى تاريخ الجماعات الإسلامية، وقد كشف عنه بوضوح وكيف انتكست الأوضاع فى البلاد عندما استغل الدين فى السياسة، وتصارعت جماعة الإخوان على الحكم وتركت العمل والدعوات الخيرية وتفرغت للأعمال السياسية."
وأكد الدكتور شوقى أيضاً "أن قانون إنشاء الأحزاب السياسية قبل تلاعب الإخوان به يمنع إنشاء أحزاب على أساس دينى، وأن ما أثبته الواقع العملى لتحركات الأحزاب الدينية فى ممارستها السياسة أدى الى ثورة الشعب المصرى عليها، وانتهت إلى أعمال عنف خسرنا فيها شباب مصر الأبرياء. وشدد سيادته على ضرورة وضع مبدأ يفصل بين السياسة والدين فى الدستور الجديد دون مراوغة أو مجاملة لأى فصيل سياسى، لأن مصلحة الوطن فوق الجميع وبالتالي النص الدستورى الذى يتم وضعه سيساهم كثيرا فى الإطاحة بالأحزاب التى تستغل الدين فى السياسية."
وحديثاً، أقام الأستاذ طارق محمود المستشار القانوني للجبهة الشعبية لمناهضة أخوَنة مصر دعوى قضائية تطالب بحل كافة الأحزاب الدينية بعد الإطلاع على برامج الأحزاب التي تأسست بطريقة تشوبها الطائفية. مختصماً كلا من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزير العدل ووزير الداخلية، وتضمنت الدعوى التي حملت رقم 1018 لسنة 2014، المطالبة بحل أحزاب « الحرية والعدالة، الوسط الجديد، الفضيلة، الأصالة، النور، النهضة، النهضة والإصلاح، مصر القوية، الوطن، حزب البناء والتنمية، حزب العمل الإسلامي المصري«.. ونصت الدعوى على أن الدستور المصرى الجديد حظر قيام أي حزب سياسي على أساس دينى، حيث بنص المادة 74، وهو "ولا يجوز مباشرة أى نشاط سياسى، أو قيام أحزاب سياسية على أساس دينى، أو بناء على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو على أساس طائفى أو جغرافى، أو ممارسة نشاط معاد لمبادئ الديمقراطية، أو سرى، أو ذى طابع عسكرى أو شبه عسكرى."
***
خلاصـــة الكـــــلام القانــــوني:
يمكن إيجاز ما يراه الخبراء الدستوريين والقانونين في نقطتين: النقطة الأولى (وهي الثانية من حيث التنفيذ) هي القضاء على أسّ البلاء، بتعديل الدستور وعدم زج الدين بأي صيغة ولو ضمنياً في أي من مواده. والنقطة الثانية (والمستوجبة اليوم) هي تفعيل الدستور الذي بين أيدينا وتنفيذ قانون الأحزاب، بحل أي حزب مُقام على أساس دينى، وأي حزب له ذراع فى الخارج او يُموَّل من الخارج أو يتعارض برنامجه مع الدستور.
من البديهي أن حزب النور مُقام على مباديء دينية متطرفة، كما أنه ليس خفياً أن المملكة السعودية تحتضن الوهابية ممثلة فيه وتموّله. بل لا يخفى على أحد أن المعونات السعودية لمصر ليست لوجه الله!! وليست لأجل سواد عيون مصر والمصريين!! إنما لأجل بقاء حزب النور في مصر لتأصيل جذور الوهابية المتشددة المتخلفة الارهابية بل الدموية في أرض مصر وفي نخاشيش شباب مصر.
وأخشى ما أخشاه أن يكون سبب تقصير الحكومة في حل "حزب النور" هو مجاملة للسعودية أو صفقة معها مقابل معونتها المالية. لكننا لن ننسى أن أبناء مصر المخلصون مسلمين ومسيحيين، جماعات وأفراد، من الداخل ومن الخارج، أسرعوا بالتبرع بسخاء لمشروع "تحيا مصر" وعلى استعداد أن يقوموا بأكثر وأكثر وأكثر لو قامت الحكومة "بتنظيـــف" الساحة السياسية والدستور من زج الدين بهما، وتطبيق القوانين بحزم وعدل. كما لن ننسى استعداد الدول الصديقة والمتعاونة مع مصر بتقديم تعاونها بصفقات متبادلة ليست بخطورة الوهابية على استقرار مصر وأمن مصر ووحدة مصر.
حكومة مصر رغم مرور أكثر من عام من ثورة شعبها الباهرة على الحكم الديني، ما زالت لا ترى ما يراه المصريون في وجود حزب النور الوهابي السلفي ضمن أحزاب مصر. حزبٌ بلشفيّ إرهابي دموي تخلفي عنصري إقصائي لا يضمر خيراً لمصر والمصريين، ولا يختلف في مبادئهِ ودقائق خلفياته وواقع سلوكياته عن جماعة الأخوان وجماعة داعش الوحشية إلا باستعماله التقية في سلوكياته المفضوحة. فكيف تتهاون في هذا الأمر الخطير وهي تعلم، إلى جانب خطورته على مصر ومستقبلها هو أيضاً خرقٌ صريح لدستور البلاد وقانون الأحزاب بها.
حكومة مصر، في نظري، مثلها مثل "رَبّ أسرة" يحاول أن يعيد بناء بيته الذي أفسدته وقوضته معاول الإهمال وعناصر الشر والفساد، فيستعمل ضمن ما يستعمل من مواد البناء قوائم خشبية مُخوَّخة نَخِرَة أكل جوهرها السُّوس، ودعائم حديدية تآكلَت وعلاها الصدأ وفقدت صلابتها، فلا قيمة معمارية لأي منهما. فما مصير البيت المأمول إلا التصدع والتدهور ثم التقوض والانهيار (لا قدر الله). وربما قبل أن تتم أعمال البناء. وبالطبع، وللأسف، لا أمل للمتمني أن يحصل على مُناه.
رغم أن التجاوز عن مثل هذا الأمر البديهي والمنطقي غباء من "رَبّ الأسرة" فعدم اكتراثه بتوصيات خبراء البناء خطأ كبير وتقصير خطير. لأن المفروض في "ربّ الأسرة" أن تهمه سلامة وأمان واستقرار أسرته. ولو كان "ربّ الأسرة" لا يعلم أن ما يستعمله ضمن ما يستعمله في محاولة أعادة بناء بيته موادٌ وآليات فاسدة فتلك مصيبة. ولكن أن يعلم ذلك علم اليقين ويتغاضى عنه، فالمصيبة أعظم!!
أدهش ما يُدهشني، بل يُزعجني، هو هذا "الصمت المُريب"، وهو أنَّ رئيس جمهورية مصر ورئيس وزرائها ووزير العدل، لا يستجيبون لتوصيات خبراء الدستور ولا ينصتون لصوت القانون ولا لصوت العقل والمنطق!!
وأسأل نفسي: لِصوت مَن إذاً ينصتون؟؟؟
مهندس عزمي إبراهيـم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق