وقبل ان يرفع احدهم الصوت ويقول: لماذا تهاجمني؟ اسارع واقول انه احد صحابة نبي المسلمين عُيينة بن حصن الفزاري. بعض المسلمين يذكرون اسمه مصحوبا " بالصحابي الجليل رضي الله عنه...!" كان والده حصن شيخ قبيلة فزارة. اشتد عليه المرض بعد طعنة قاتلة. جمع اولاده العشرة وقال لهم: أيكم يطيعني؟ فابدى كل واحد منهم استعداده لاطاعته. قال: الموت ارحم مما انا فيه. وطلب من كل واحد منهم، بدوره، ان يضع السيف في بطنه ويتكىء عليه حتى يخرج من ظهره. تراجع الجميع ولم يقبل اي منهم تنفيذ طلب والده. الا عُيينة الذي ابدى استعداده للتنفيذ. عندها قال الاب:" إلقِ عنك السيف. اردت اختبار أيكم أطوع. أنت سيِّد ولدي من بعدي..." واصبح عيينة شيخ القبيلة بعد والده والقائد المطاع لعشرة الاف مقاتل من بني فزارة...
حارب عيينة النبي في معركة يوم الخندق. أغار مرة على ابل لمحمد واستلبها. أسلم اسلام مصلحة. كان يحرِّض اتباعه على المسلمين ويدَّعي امام النبي انه يدعوهم الى الاسلام. لم يكن النبي يصدقه ولكنه يتَّقي شره وهو من لقَّبه بالاحمق المطاع. وعيينة هو المقصود بهذا الحديث حسب سيرة ابن هشام:" ان شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء لشره"... رافق المسلمين في معركة الطائف ولكنه امتنع هو واتباعه عن المشاركة بالقتال. ولما سئل عن السبب قال:" ما جئت لاقاتل ثقيفاً معكم، لكني اردت ان يفتح محمد الطائف، فأصيب من ثقيف جارية لعلها تلد لي رجلاً... فان ثقيفاً قوم مناكير..." اي اذكياء اصحاب دهاء وفطنة. اي ان همّه من اشتراكه في هذه الحملة هو محاولة منه لتحسين نسله. وعند توزيع سبايا هوازن قال النبي:" ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم." قال المهاجرون: ما كان لنا فهو لرسول الله. وهكذا قال الانصار. اما عيينة فقال:" اما انا وبنو فزارة فلا..." اي يريد حصته كاملة غير منقوصة. بعد موت محمد ارتد عيينة مع قبيلته على ايام ابي بكروأيَّد طليحة الاسدي مبرراً ذلك بقوله:" والله لنبي من بني أسد أحب الي من نبي من بني هاشم..." أسره خالد بن الوليد وارسله مكبلاً الى المدينة. عاد الى الاسلام بعد ان قبل ابو بكر توبته. اشتهر بحماقاته ضد ابي بكر وعمر وعثمان ومات في عهد الاخير...
والاحمق هو من يقوم باعمال لا تخضع للمنطق ويسبب الضرر لكثيرين. وبهذا المعنى فانا اعرف عشرة عُيينات على الاقل في كل مذهب وحزب وجماعة يديرون شؤون لبنان بمنطق ابن حصن. وكلهم مطاع. عيينة بن حصن اللبناني، او الاحمق المطاع، يمتد حمقه على امتداد الساحة اللبنانية. وبفضلهم وجهدهم وحماقاتهم المتكررة اوصلوا لبنان الى غابة الفلتان، الامني والسياسي والاجتماعي والاخلاقي. التي ننعم بها اليوم. عُيينة الاصلي اشتهر بالكذب والخداع والحمق واستغلال الفرص وتغيير المواقف وتغليب المصلحة الخاصة وزج اتباعه في الدفاع عن قراراته الخاطئة... وعُيينات لبنان عيِّنة طبق الاصل عن ذلك الفزاري الاحمق. فهل يحق لي ان اقترح اقامة نصب تذكاري لعيينة بن حصن الفزاري، في ساحة النجمة؟ اعتقد ان هذا المشروع سيوحد جميع السياسيين حوله للمرة الاولى. فليس من المنطق ان يختلفوا حول الاب الروحي للسياسة اللبنانية الحديثة. فان اختلفوا على كل شيء اليوم، فان اصولهم العريقة في التاريخ ستجمعهم لا شك بذلك.
طبعاً هناك استثناءات. ولكنها لا تتجاوز الواحد بالمئة. وأخشى إن استثنيت، أن يدَّعي كل طرف انه هو الواحد بالمئة. ويتنصل من الفزاري امام الجميع ولكنه، في حياته الخاصة، يعيش معه تحت سقف واحد وينام معه في سرير واحد. وبناء على سياسة الوجهين واللسانين، سيقف كل السياسيين اللبنانيين ضد اقامة نصب تذكاري لذاك " الصحابي الجليل رضي الله عنه" في ساحة النجمة. وسيكون اول المبتسمين لهذا الموقف هو عيينة بن حصن نفسه الذي سيفتخر، لا شك بذلك، بتلاميذه النجباء "رضي الله عنهم".
المشكلة المستعصية هي ان عيينة عرف ان نسله عاطل فحاول تحسينه ولو مع سبية من بني ثقيف. فهل يحاول تلاميذه في لبنان، طالما ان الخلاص منهم هي مسألة وقت طويل، تحسين نسلهم ولو مع خادماتهم السريلانكيات او الفلبينيات؟ ربما لو فعلوا لعرف لبنان جيلاً سياسياً يخلص له ولقضاياه لان من اعرف من السريلانكيات والفلبينيات في هذا البلد يشرِّفن معظم من اعرف من سياسيي لبنان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق