البحران السريع والخفيف ودائرة مشتبههما/ كريم مرزة الأسدي

البحور المركبة بتفعيلتيها المرتبة 

لكثرة ما تردني من أسئلة عن بعض بحور الشعر العربي ، إليك البحر السريع والبحر الخفيف من دائرة المشتبه .

واعتذار : الحلقات عن الرصافي والشبيبي الكبير واليعقوبي نقلها من الصحف الورقية إلى جهاز الحاسوب صديق لي - وأحياناً ابنتي - ، فتجاهلا تثبيت الهمزات على الألف ، سأعيد نشرها منقحة بترتيب جديد حسب القدرة والاستطاعة لضعف بصري الشديد ، ولكنني كالحديد !! والحلقات تستحق التجديد ، لما لأصحابها من مجد تليد
 البحر السريع -1 

ذكرنا في الحلقة السابقة , أنّ البحور المركبة تسعة , ثلاثة ضمتها (دائرة المختلف) , وبقت لدينا ستة تحتويها ( دائرة المشتبه ) , إذ يتشكل كلّ بحر منها من تفعيلتين مختلفتين , إحداهما ضعف الأخرى , مرتبتين بتنسيق معين في صدر البيت , وتتكرر التشكيلة نفسها في العجز , ولا تأتي بعض البحور منها الا مجزوءة ,قبل الدخول في عمق الموضوع , لنذكر شيئا عن الدائرة المدورة .
الدائرة الخامسة - المشتبه : لماذا سُميت بالمشتبه ؟ الجواب : لاشتباه أجزائها ,أما أين يقع الاشتباه ؟ فهذا من حقـّك أن تـسأل عنه , إذا لم تكن داراسا ً لها , أو باحثاً فيها , الإشتباه يقع بين (مسْتفـْعَلن) مجموعة الوتد , أي فيها وتد مجموع , وسببان خفيفان ( مسْ تفْ علنْ /ه /ه //ه ) - (علن //ه) وتد مجموع , و ( مسْ /ه) و( تفْ /ه) سببان خفيفان - وبين ( مسْتفـْعَ لنْ) مفروقة الوتد , أي فيها سببان خفيفان ووتد مفروق (مسْ تفـْعَ لنْ /ه /ه/ /ه ) - (تفـْعَ /ه/ ) وتد مفروق , و(مسْ/ه ) و (لنْ /ه) سببان خفيفان - .
والاشتباه يقع أيضا بين ( فاعلاتن ) مجموعة الوتد , وبين (فاعَ لاتن) مفروقة الوتد , كيف ؟! (فاعلاتن ) الاولى ,تتشكل من (فا /ه) و (تنْ /ه) , وهما سببان خفيفان , و (علا //ه) , وهو وتد مجموع, وبين (فاعَ لاتن) الثانية , التي تتشكل من (لا /ه) و (تن /ه) , وهما سببان خفيفان , و (فاعَ /ه/ ) , وهو وتد مفروق.
تتشابه البحور التي يضمّها محيط هذه الدائرة في وحدة إيقاعاتها , لأنها تعتمد على نسق إيقاعي دائري واحد للحركات والسكنات , بل تتشابه أوتاد وأسباب أجزائها (تفعيلاتها) , كما هو الحال في (مسْتفْعلنْ) و (مسْتفْعَ لنْ), وكذلك بين (فاعلاتنْ) و (فاعَ لاتن) , ولعلمك عزيزي , إذا نقلنا الوتد المجموع (علن) من آخر تفعيلة (مستفعلن /ه /ه //ه) إلى بدايتها تصبح (مفاعيلن //ه /ه /ه), وإذا نقلنا السبب الخفيف (لن ) من آخر تفعيلة (مستفع لن /ه /ه/ /ه ) إلى بداياتها تصبح (مفعولاتُ/ه /ه /ه/ ) (1) , فإذن التفعيلات المشكلة لهذه الدائرة هي : مسْتفْعلنْ - مسْتفْعَ لنْ - مفاعيْلنْ - مفـْعولاتُ - فاعلاتنْ - فاعَ لاتن , وأساس تكوين الدائرة سببان خفيفان فوتد مجموع ,فمثلها مرة ثانية , فسببان خفيفان فوتد مفروق .(2) 
تفعيلات كل من السريع والمنسرح والمقتضب واحدة ( مستفعلن , مفعولاتُ ) , وينحصر الخلاف في ترتيب هذه التفعيلات , وأيضا للخفيف والمجتث والمتئد تفعيلاتها الخاصة ( مستفعلن , فاعلاتن ) , وكذلك بالنسبة للمضارع والمنسرد والمطرد أجزاؤها المختصة بها ( مفاعيلن , فاعلاتن ) ,ومجموع هذه البحور تسعة , ستة منها مستعملة , وثلاثة مهملة , والمهملة هي المتئد و والمنسرد والمطرد , سأشرع بالبحور التي شطورها تأتي بتفعيلتين متشابهتين متسلسلتين بداية , ومن بعدهما تفعيلة مغايرة , ثم في البحور التي بدايتها تفعيلة واحدة , تعقبها تفعيلتان متشابهتان متسلسلتان , , وآخيرا البحور التي تفصل بين تفعيلتيها المتشابهتين تفعيلة أخرى مغايرة (التفعيلة الواحدة المغايرة في الشطر دائما مفروقة الوتد , والتفعيلتان المتشابهتان فيه مجموعتا الوتد):
البحر الحادي عشر - السريع : سماه خليلنا بالسريع , لسرعته في النطق , أو لأنه أسرع إلى الذوق والتقطيع , وتقطيعه سريع ,لأن في ثلاثة أجزاء منه , توجد سبعة أسباب , فالحرفان الأولان من الوتد المفروق سبب , والسبب أسرع في التقطيع من الوتد (3), أصل تفعيلاته (مستفعلن مستفعلن مفعولاتُ) ,مكررة مرتين , أي بيته ستة أجزاء ,ولكن تفعيلة (مفعولاتُ ) لا تأتي بهذه الصيغة مطلقاً ,لا في عروضه , ولا ضربه ,لإنتهاء هذه التفعيلة بوتد مفروق منتهيا بمتحرك (لاتُ) ,وسندها ضعيف ,ولا يستعمل هذا البحر مجزوءا ,ولامنهوكا لماذا؟!, لأن في هذه الحالة تأتي (مستفعلن ) أربع مرات , أو مرتين على التوالي بدون أي (مفعولاتُ ) , فيلتبس الأمر مع مجزوء الرجز أو منهوكه , فيحسبان على الرجز ,فينحصر نظم السريع على التام منه والمشطور فقط . وله أربع أعاريض , وسبعة أضرب . 
1 - العروضة الأولى مطوية مكشوفة (فاعلن )(4): ذكرنا سابقا , أنّك سوف لن تجد (مفعولات ُ) , لا في أعاريض ولا في أضرب السريع , فمن أين جاءت (فاعلن) ؟ الأمر بسيط , طي (مفعولاتُ) بحذف رابعها الساكن (الواو) ,فاصبحت (مفعلاتُ) , ثم كشفت (مفعلاتُ) بحذف متحرك وتدها المفروق (تُ) (5) ,فتصير (مفعلا) , ولغرض عروضي بحت تتحول إلى (فاعلن) , ولا فرق وزني مطلقا بين (مفـْعلا) و(فاعلن) ,ولهذه العروضة (فاعلن ) ثلاثة أضرب , الضرب الأول مطوي موقوف (فاعلان) , الطي عرفته , حذف الواو من ( مفعولاتُ ) , والوقف تسكين المتحرك من الوتد المفروق , ونعني التاء فتصبح التفعيلة ( مفعلات ْ) ,فتتحول الأخيرة عروضيا الى (فاعلان) , , وفي هذه الحالة يلزمه الردف (6) ,ومثاله :
أزمانَ سلمى لا يرى مثلها الـ *** راؤون في شام ٍ ولا في عراقْ
أزْما نسلْ مى لا يرى مثْ لهر ** راؤونفي شامن ولا في عراق 
مستفعلن مستفعلن فاعلن *** مستفعلن مستفعلن فاعلان
/ه/ه//ه /ه/ه//ه /ه//ه *** /ه/ه//ه /ه/ه//ه /ه//ه ه
نظام (- - ب -)(- - ب -)(- ب -)*** ( - - ب -)(- - ب -)( - ب ^ ) المقاطع .
العروض 322 322 32 *** 322 322 32ه الرقمي
الضرب الثاني كعروضته (فاعلن): ومثاله الأمثل :
هاجّ الهوى رسمٌ بذات الغضا *** مخلولقٌ مستعجمٌ مُحْوِلُ
هاجل هوى رسمن بذا تلْ غضا *** مخلولقن مستعجمن محولو
مستفعلن مستفعلن فاعلن*** مستفعلن مستفعلن فاعلن
ومن قصيدة لصاحبكم كاتب هذه السسطور , تحت عنوان (يا بصرة البصائر النائحة) , هذان البيتان:
كمْ منْ خرابٍ ودمار ٍمضى **** والنـّاسُ في أحزانها سارحة ْ
كمْ منْ خرا بنْ ودما رنْ مضى*** ونْ نا سفي أحْ زانها سارحة
مستفعلن مفـْتعلن فاعلن *** مستفعلن مستفعلن فاعلن
/ه/ه//ه /ه///ه /ه//ه *** /ه/ه//ه /ه/ه//ه /ه//ه
العروض 322 312 32 *** 322 322 32 الرقمي 
النظام (- - ب -) (- ب ب -)( - ب -) *** ( - - ب -)( - - ب -)( - ب -) المقطعي 
كما ترى التفعيلة الثانية في الصدر اعتراها زحاف الطي .
لاتجزعي سلواكِ في حكمةٍ**** دنيا الورى غـــادية ً رائحةْ
لاتجْ زعي سلْ وا كفي حكْ متن *** دنْ يل ورى غا ديتن رائحة
مستفعلن مستفعلن فاعلن ** مستفعلن مفـْتعلن فاعلن 
التفعيلة الثانية في العجز أصابها الطي ,و على العموم الضربان السابقان هما المشهوران .
وضربها الثالث أصلم (فعْلن) : وما الأصلم الا ما حذف وتده المفروق , كـ ( مفعولاتُ) , عندما تتجرد من (لات), فتبقى (مفْعو) ,فتتحول عروضياً الى (فعْلن), ولا ضير في الوزن عند التحول , والأصلم ما ذهب وتده كلّه تشبيهاً بالإصطلام (7) , ومثاله:
تأنَّ في الشّيء إذا رمتهُ ***لتـُدركَ الرّشدَ من الغيِّ (8)
تأنْ نفِشْ شيْءإذا رمتهو ***لتدْركرْ رشْدمنلْ غيْيي
مفاعلنْ مفـْتعلنْ فاعلنْ ***متفـْعلنْ مفـْتعلن فعْلنْ
دخل زحاف الخبن - وهو حسن - تفعيلتي (مستفعلن) الأوليتين ,وزحاف الطي - وهو صالح - (9) تفعيلتي (مستفعلن) الثانيتين في صدر البيت وعجزه .
2 - العروض الثانية مخبولة (الطي + الخبن) مكشوفة (فعلن): الخبل زحاف مركب تعرفه , يشمل زحافي الخبن والطي , إذا وقعا في نفس التفعيلة ,(مفعولات ), فالخبل حذف حرفي (الفاء والواو) ,فتصبح (معُلاتُ) ,ثم تُكشف بحذف ( التاء المتحركة) , فتبقى (معُلا) , فتتحول عروضياً الى ( فعِلن) , ولهذه العروضة ضربان واحد مثلها ( فعِلن) , ومثاله :
سبحانَ منْ لا شيْءَ يعـْدلـُهُ *** كمْ منْ غنيٍّ عيْشهُ كدرُ
سبْحانمنْ لاشيْءَيعْ دلهو *** كمْمنْ غنيْ ينـْعيْ شهو كدرو
مستفعلن مستفعلن فعِلنْ *** مستفعلن مستفعلن فعِلن
والضرب الثاني أصلم (فعْلن): والأصلم عرفته سقوط الوتد المفروق من (مفعولات) , وتبقى (مفعو ) ,فتتحول الى (فعْلن) , ومثاله :
منْ أصبحتْ دنياه غايتهُ*** كيفَ ينالُ الغاية َ القصوى
منْ أصْبحتْ دنياهغا يتهو *** كيْ فينا للـْغايتلْ قصْوى
مستفعلن مستفعلن فعٍلن *** مفـْتعلن مستفعلن فعْلن (10)
التفعيلة الأولى من العجز أصابها زحاف الطي . 
3 - العروض الثالثة مشطورة موقوفة وزنها (مفعولان): مشطورة تعني البيت يتشكل من ثلاثة أجزاء , والضرب هو العروض نفسها , أما موقوفة , فكما عرفت إيقاف حركة التاء في ( مفعولاتُ) , فتصبح (مفعولاتْ) , فتتحول الى (مفعولان) ,ومثاله :
يا صاح ِ ما هاجكَ منْ ربْع خالِْ
مستفعلن مفـْتعلن مفـْعولان (11) 
التفعيلة الثانية , أصابها زحاف الطي , وهو صالح
4 -العروض الرابعة مشطورة مكشوفة (مفعولن) : وكشفت أي حذفت التاء المتحركة من (مفعولاتُ ) , فاصبحت (مفعولا) , فقلبت الى (مفعولن) , لأسباب عروضية , و لا يتغيرالوزن , والضرب هنا العروضة نفسها , ومثاله:
يا صاحبي رحْلي أقلاّ عَذلي
يا صاحبي رحْلي أقلْ لاعَذلي
مستفعلن مستفعلن مفعولن 
وذكرنا أثناء التطرق الى أعاريض وأضرب , وحشو هذا البحر , جميع الزحافات والعلل, ولا داع ٍ للإعادة , ولكن من المفيد أن نذكر: أولا - لكي لا يلتبس الأمربين الرجز التام المطوي المقطوع : ( مستفعلن مستفعلن فاعلن) مكررة مرتين , وبين السريع التام المطوي المكشوف أيضاً : (مستفعلن مستفعلن فاعلن) مكررة مرتين , منعوه على الرجز , وأبقوه للسريع (11) , والسبب على ما يبدو لي , أنّّ القطع يستوجب خطوتين حذف الساكن السابع من (مستفعلن ), وإسكان ما قبله , بينما في الكشف (الكسف) يتمُّ بخطوة واحدة , هي حذف آخر الوتد المفروق (مفعولاتُ) ,و آتى الطي من قبلُ على التفعيلتين , والنتيجة واحدة تصل الى (فاعلن). وثانياً - قد يلتبس الأمر أيضا بين (الكامل) و(السريع), كيف..؟ أنت تعرف تفعيلة (الكامل)هي : (متفاعلن) ,ومن الحسن إضمارها بتسكين التاء , فتُحول عروضياً الى (مسْتفعلن) , أو طيّها بحذف ألفها فتصبح (متـْفعلن ــ> مفـْتعلن) ,أو يعتريها الوقص ,فتحذف التاء , فتتولد (مفاعلن),إذا سارت القصيدة على هذا المنوال , واختفت منها (متـَفاعلن) تماما , تحسب من السريع , أمّا إذا وردت (متـَفاعلن ) واحدة فقط في القصيدة كلـّها , يحسم الأمر لصالح (الكامل)(13) , فهذه التفعيلة تخصّه وحده ,وتطرّقنا الى مثل هذا عند كلامنا عن (الرجز) , أطلنا الحديث عن (السريع) ,لأنه سريع , والإطالة تطويع !!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع ابن جني : كتاب العروض - ص 47 - 48 مصدر سابق
(2) د . عبد العزيز شرف وزميله : النغم الشعري عند العرب ص 218 مصدر سابق .
(3)ابن جني : المصدر السابق ص 119 الهامش 1 ,الخطيب التبريزي : الكافي ص 95.
(4) بعض المصادر تجعلها (مكشوفة) , الكافي : الخطيب التبريزي ص 95 ,المفصل :عدنان حقي ص 81 ,كتاب العروض :ابن جني ص 119 , وبعضهم يذهب الى أنها (مكسوفة ) من كسفت , راجع د. صبري ابراهيم السيد :اصول النغم في الشعر العربي - 1993 - دار المعرفة - الأسكندرية ص 210 , د. جميل سلطان : كتاب الشعر المكتبة العباسية - المقدمة 1970- ص 67 , السيد أحمد الهاشمي : ميزان الذهب ص 72 وغيرها . 
(5) الخطيب التبريزي في (الكافي ) ص 95 يعلل قائلا "سمي مكشوفاً, لأنّ أول الوتد المفروق على لفظ السبب , غير أنّحصول التاء بعده يمنع أن يكون سبباَ, فإذا حذفت التاء فقد كشفته , وجعلته سببا خالصاَ, لأن كون التاء فيه , كان يمنعه من أن يكون سبباً " 
(6) الردف يعني وجوب مجيء حرف لين ساكن أو حرف مدّ قبل الروي , سنأتي على ذلك في علم القوافي ,وفي مثالنا (عراق) , حرف القاف الروي , والألف قبله الردف , والألف حرف مد.
(7)التبريزي : المصدر نفسه ص 97.
(8) الهاشمي ..سيد أحمد:ميزان الذهب ص 73, البيت استشهد به الهاشي , ولم يكن تقطيعه دقيقاً, ولا تفعيلات زحافاته صحيحة ,فيها خلط. ولكن يجوز في زحاف الخبن لـ (مْستفـْعلن ), بعد حذف السين , أنّ نكتبها على صيغة (متفـْعلن) أو نحولها لسهولة اللفظ الى (مفاعلن) , والصيغتان صحيحتان . 
(9)راجع د سيد البحراوي : العروض وإيقاع الشعر العربي ص 53 مصدر سابق 
(10) الهاشمي : ميزان الذهب ص 74.
(11) د. جميل سلطان : ص 68 المثال.
(12) يذكر صاحب ( المفصل) ص 85 , ذلك بشكل موجز ,وغير دقيق .
(13) د.جميل سلطان : ص 69 تطرق إليها بشكل مختصر.


 البحر الخفيف - دائرة المشتبه -2

كريم مرزة الأسدي 


البحر السادس عشر - الخفيف :
قالوا ما قالوا في أسباب خفته الخفيفة , سماه (الخليل) (الخفيف ) , لأنـّه أخف السباعيات , وقيل لأنَّ حركة الوتد المفروق الأخيرة اتصلت بحركات الأسباب التي تلته فخفت , وذكروا لخفته ذوقاً وتقطيعا , إذ تتوالى فيه ثلاثة أسباب ,, والأسباب أخف من الأوتاد (1) , وبالتالي تراه جميلاً في ذوقه , طرياً عند سمعه , سهلاً لدى تقطيعه , خفيفاًعلى الروح في جملته , أشتهر منذ العصر الجاهلي بمعلقة ( الحارث بن حلزة اليشكري) :
آذنتنا ببينها أسماءُ ***ربَّ ثاو ٍيُملُّ منهُ الثواءُ
وذاعت شهرته من بعد حتى أنّه طغى على معظم البحور لدى بعض الشعراء , وتفنن في تنوع أعاريضه وأضربه من تفنن حتى استنفدت كل علله وزحافاته الممكنة , تفعيلاته الأساسية كما وردت في دائرته (المشتبه ) , مركبة من تفعيلة الرمل (فاعلاتن ) مكررة مرتين , و بينهما تفعيلة واحدة للرجز- ذات الوتد المفروق - (مستفعَ لن) في الشطر الواحد :
فاعلاتن مستفعَ لن فاعلاتن ***فاعلاتن مستفعَ لن فاعلاتن ( التام - ست تفعيلات)
ويأتي هذا الوزن مجزوءا (فاعلاتن مستفعَ لن) مكررة مرتين (أربع تفعيلات) , ومشطورا ( فاعلاتن مستفعَ لن فاعلاتن) (ثلاث تفعيلات) , ونادرا منهوكاً (فاعلاتن مستفعَ لن) (تفعيلتان) , , أما الزحافات والعلل التي تعتريه ,نبدأ بـزحافات (فاعلاتن) , إذ يصيبها : الخبن فتصبح (فعلاتن) وهو حسن , والكف فتصير (فاعلاتُ) وهو صالح ,والشكل يحذف ألفها والنون فتصبح (فعلاتُ) وهو قبيح .
ثم زحافات (مستفعَ لن) ,ويعتريها : الخبن فتصبح (مفاعلن) وهو حسن , والكف فتصير(مستفعَ لُ) وهو صالح , والشكل تبقى (متفعَ لُ) بعد حذف سينها والنون ,فتتحول إلى (مفاعلُ) وهو قبيح. ولا يجوز فيها الطي , وإن أجازه ابن رشيق (2) في عمدته , لأن فاء (مستفع َلن) تقع وسط الوتد المفروق , والأوتاد لا تصيبها الزحافات الا الخرم خاصة (3) , ويجوز على (فاعلاتن ) في الضرب (التشعيث ) , و(التشعيث) يعني حذف عينها , فتبقى (فالاتن) , وتتحول عروضيا الى (مفعولن) , و(التشعيث ) علـّة تجري مجرى الزحاف , لأنها لا تلزم كلّ أبيات القصيدة بها ,وتجري على تفعيلتيه (فاعلاتن ) و (مستفعَ لن) المعاقبة ,وذكرناها في الحلقة السابقة , أي أن (النون) فيهما تعاقب (الساكن) من الجزء بعدها, أيهما ما حذذف ثبت صاحبه (4) .
أمّا العلل سنذكرها تباعاً مع عرض أعاريضه وأضربه كالتالي :
1 - العروضة الأولى صحيحة وضربها صحيح مثلها :
وهو أجمل إيقاعات الخفيف, وأكثرها شيوعاً , وقد يدخل ضربه التشعيث من غير لزوم , مثال الحشو الصحيح ,والعروضة الصحيحة , والضرب الصحيح , إليك قول الأعشى ( ميون بن قيس), ويتضمن مواضع قديمة قدمه في سواد بغداد أو واليمامة , وعالية نجد :
حلَّ أهلي ما بين دُرنا فبادوا ****لي وحلـّتْ علوية ٌ بالسّخال ِ
حل لأهـ لي ما بي ندر نا فبا دو **** لي وحلْ لتْ علْ ويْ يتن بلْ سخا لي (5)
فاعلاتن مستفعَ لن فاعلاتن *** فاعلاتن مستفعَ لن فاعلاتن
وإذا أردت الحشو مزحوفا , فهذا قول ابن زيدون :
سرّنا عيشنا الرّقيقُ الحواشي *** لو يدومُ السّرورُ للمستديم ِ 
سرْرناعيْ شَ نرْرقيْ قلْ حواشيِ *** لويدومسْ سَ رورللْ مسْ تدي مي (6)
فاعلاتن مَ تفـْعَ لنْ فاعلاتن *** فاعلاتن مَ تفـْعَ لن فاعلاتن
كما ترى ( مستفعَ لن) في الشطرين مخبونة , أي حذفت سينها الساكنة , وكتبتها مجزّأة ليتبين الوتد المفروق. وذكرنا قد يأتي الضرب (مشعثاً) , ومثاله :
ليس من ماتَ فاستراحَ بميتٍ ****إنّـّما الميتُ ميّتُ الأحياءِ
ليْ سمنْ ما تَفسْ ترا حبمي ْ تن*** إنْ نمل ميْ تميْ يتلْ أحْيائي (7)
فاعلاتن متفـْعلن فعلاتن *** فاعلاتن متفـْعلن مفعولن 
كما ترى (مستفعلن) في الشطرين أصابها الخبن , واصبحت ( متفـْعلن) , والعروضة خبنت أيضاً فصارت (فعلاتن) , والضرب قد شُعّث , فولدت (مفعولن) ذات الأسباب الثلاثة ,وقبلها سبب , فهذه أربعة , بمعنى أربعة مقاطع طويلة ( - - - - ), فالنهاية ثقيلة " ولذلك فهو إيقاع الغزل والرثاء وتقل فيه الحماسة والفخر" (8) . 
والضرب الثاني لهذه العروضة الصحيحة محذوف (فاعلن) , أي سقط السبب الأخير من التفعيلة (فاعلاتن ), فبقت (فاعلا) , وحولت إلى (فاعلن) , وهو نادر , عدّه المعري مهجوراً , وأنقل إليك هذين البيتين من شعر ابن المعتز مثالاً , وأقطّع لك الأول منهما :
قلْ لغصن البان الذي يتثنـّى *** تحتَ بدر الدّجى وفوق النـّقا
رمتُ كتمانَ ما بقلبي فنمـّتْ*** زفراتٌ تـُفشي حديثَ الهوى
قلْ لغصْ نلْ با نلْ لذي يتثنْ نى*** تحْ تبد ردْ دجى وفو قنْ نقا
فاعلاتن مستفعلن فعلاتن ***فاعلاتن متفـْعلن فاعلن
صحيحة صحيحة مخبونة ** صحيحة مخبونة محذوف
ونادرا ما يخبن (المحذوف) في هذا (الضرب ) , فتتحول (فاعلن) إلى (فعِلن) , كما في بيتي عمر بن عبد العزيز , ونقطـّع أولهما :
إنـّما النـّــاسُ ظاعنٌ ومقيمٌ *** فالذي بـــانَ للمقيم عظهْ
ومن الناس مَنْ يعيشُ شقياً *** جيفة ً الليل ِغافلَ اليقظهْ (9)
إنْ نمنْ نا سظاعنن ومقيْ من ***فلْ لذي با نللْ مقيْ معظهْ
فاعلاتن متفـْعلن فعلاتن ***فاعلاتن متفـْعلن فعِلن
صحيحة مخبونة مخبونة *** صحيحة مخبونة محذوف مخبون
2 - العروضة الثانية محذوفة (فاعلن) ولها ضرب واحد مثلها محذوف , مثاله :
إنْ قدرنا يوماً على عامر ٍ *** نمتثلْ منهُ أو ندعهُ لكمْ (10)
إنْ قدرْْنا يومن على عامرن *** نمْ تثلْ منْ هوأوْ ندعْ هولكمْ
فاعلاتن مستفعلن فاعلن *** فاعلاتن مستفعلن فاعلن
صحيحة صحيحة محذوفة *** صحيحة مستفعلن محذوف
و(فاعلن) تأتي مخبونة معظم الأحيان , فتغدو (فعِلن) , وإليك مطلع قصيدة لجميل بتينة :
رسمُ دار ٍ وقفتُ في ظللهْ *** كدتُ أقضي الغداة من جللهْ
رسْ مدا رن وقفـْتفي ظللهْ**** كدْ تأقْ ضلْ غدا تمنْ جللهْ
فاعلاتن متفـْعلن فعِلن *** فاعلاتن متفـْعلن فعِلن
ولصفي الدين الحلي قصيدة جميلة راقصة , خفيفة النغم , رقيقة الحرس , على شاكلة قصيدة (الجميل) السابقة , خذ رجاءً :
زارني والصّبـاحُ قد سفرا ***وظليمُ الظلام ِ قدْ نفرا 
جاء يهدي وصالهُ سحرا *** شادنٌ للقلوبِ قد سحرا
فتيقـّــــــــــــنتُ أنـّهُ قمرٌ ***وكذا الليلُ يحملُ القمرا
تعال معي لنشطر هذا الخفيف (الحلي) , والخفيف لا يأتي مشطورا الا متأخراً , و نقطع (فعِلن) بالقطع , ونحيلها الى (فعلْ) (11) , فيتولد لدينا شطر ( فاعلاتن مستفعَ لن فعلْ) ,وإذا خبنت (مستفعلن) , ونرقم التقطيع ( 2 3 2 1 2 3 1 1 ه) ), ونصيغه بتفعيلات جديدة , سيكون (فاعلن فاعلن مفاعلن) , وكل ما نعنيه , حذف ألف الإطلاق في الضرب أو التنوين في العروضة , وتسكين الراء , أرى الوزن الجديد أجمل جرساً , وألطف نغماً , وأخف إيقاعاً , راقصاً بصفقه ! مع وقفة مركزة على نون فاعلن الثانية , ورفع الصوت عند مفاعلن كأنها إجابة على ما تقدم , والسبب لأن ثلاثة أوتاد تشكلت بصورة متتالية عقبى الزحافات والعلل أخف من وتدين وفاصلة صغرى تتوالى ,ولكن هذا خروج عن علم العروض , والأبيات للصفي ! المهم هذه التشكيلة عندي أسلس من أعاريض وأضرب البحر (المتدارك) (فاعلن فاعلن فعلاتن ), أو (فاعلن فاعلن فاعلن) وغيرها ,فهو الحد الفاصل بين (المتدارك) ومقصراته و (الخفيف) وخفائفه ! , أعيد كتابة البيت الأول للصفي بالصيغة الجديدة مع الاعتذار لك وله ! :
زارني والصّباحُ قدْ سفرْ***وظليمُ الظلام ِ قدْ نفرْ
3 - العروضة الثالثة مجزوءة صحيحة (مستفعَ لن) ولها ضربان : 
الضرب الأول مثلها صحيح (مستفعَ لن), وأجزاؤه:
فاعلاتن مستفعَ لن **** فاعلاتن مستفعَ لن
ليتَ شعري ماذا ترى**** أمُّ عمرٍو في أمرنا (12)
ليْ تشعْ ري ماذا ترى** أمْ معمْ رن في أمرنا
وقد تأتي (مستفعَ لن) مخبونة فتصبح (متفـْعلن), ولكن الخبن يعرض ولا يلزم كما في المثال الآتي :
نامَ صحبي ولمْ أنمْ **** منْ خيال ٍ بنا ألمْ (13)
والضرب الثاني لهذه العروضة المقصور المخبون (فعولن) : إذ تجري على (مستفعَ لن) علة (القصر) , فتحذف النون , وتسكن الللام , فتصبح (مستفعَ لْ) , ويصيب الأخيرة زحاف (الخبن) , فتغدو (متفعَ لْ) , فتتحول عروضيا إلى (فعولن) ,فتكون أجزاؤه:
فاعلاتن مستفعَ لن**** فاعلاتن فعولن
مثال لتمثيله , بيت ارتجالي لكاتب هذه السطور :
يا بعيداً بُعْدَ الدّنى**** فتَّ قلبي زماني
يا بعي دن بعْ دَدْ دنى *** فتْ تقلْ بي زما ني
فاعلاتن مستفعَ لن **** فاعلاتن فعولن
والحقيقة أنّ أبا العتاهية أول من أدخل هذا الضرب , وجعل عروضته مثله ,وتماهى جذلا : أنا سبقت العروض , وكان قد قال :
يا كثيرَ العنادِ **** أنتَ حبُّ الفؤادِ (14)
فاعلاتن فعولن **** فاعلاتن فعولن 
لم يذكر صاحب (المفصل) الذي الذي استشهدنا بشاهده , أنّ بيت أبي العتاهية يمكن تقطيعه على الشكل :
فاعلن فاعلن فعْ ***** فاعلن فاعلن فعْ
وبالتالي يحسب على مقصور (المتدارك), لا على مجزوء (الخفيف) ,أمّا البيت الذي ارتجله داعيكم , لا يمكن حسابه على (المتدارك) , والسبب لأن صدر البيت يتضمن تفعيلة (مستفعَ لن) , وهذه التفعيلة لا ترد مطلقا في أجزاء البحر (المتدارك).
ومن الطبيعي أن يخرج الشعراء بابداعاتهم عن أضرب وأعاريض البحر (الخفيف) وغيره من البحور , ولكن وفق الخط العام للأوزان الخليلية , فمثلا جاءوا بأضرب وأعاريض التام , أو للضرب وحده , أو للعروضة وحدها , على شكل (فاعلاتان) , (فاعلان) , (فعلان) , (فعْلن), ( فعِلن) , وللمجزوء أضربه وأعاريضه المستجدة -غير ما ذكرناه سابقاً - مثل (مستفعَ لاتن ) , و ( مستفعَ لان) , ناهيك بما ولـّد الشعراء المبدعون من مشطور ومنهوك للخفيف بالتشكيلات المستجدة لـ (فاعلاتن) و (مستفعَ لن)المذكورة آنفاً (15).
وقبل أن أودعك بعد الانتهاء من الكلام عن اللغة والشاعر والشعر , ابتداء من أركانه الأساسية , وتفعيلاته بزحافاتها وعللها , وتقطيعه العروضي التفعيلي و الرقمي , والمقطعي بإيقاعه , وانتهاء بالدوائر وبحورها الصافية ,ثم المركبة بتفعيلتيها المرتبة , وبحورها المهملة , أقول كتبت هذه الحلقات , وما كانت هي الغاية , وإنّما للوصول إلى التجديد وهو غايتي , وما أن أبحرت حتى وجدت نفسي غارقا في بحورها شيئاً فشيئاً , لذلك ترى البحور الأولى مختصرة , والأخيرة معمقة , تركت نفسي على سجيتها , واعتبرت كل حلقة مستقلة في حيثياتها , مترابطة في موضوعيتها ومنهجها , وإذا أعاننا الله , وساعدنا الحال , نكمل المشوار المديد مع القوافي والتجديد , ولكل حادث حديث , والحديث حديث !! 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)ابن جني : ص 131 الهامش (47) , الخطيب التبريزي : ص 109 مصدر سابق
(2) د سيد البحراوي : إيقاع الشعر ص 49 مصدر سابق.
(3) ابن جني : ص 135 المصدر السابق
(4) المصدر نفسه.
(5) ابن جني : ص 131 - 132 المصدر نفسه 
(6) عدنان حقي : المفصل ص 92 مصدر سابق , الشاهد منه , ولكن هنالك خطأ, إذ لم تكتب الراء الساكنة من للراء المشددة في (الرّ,قيق) , ولا السين الساكنة للسين المشددة في ( السّرور) , وكلاهما من الحروف الشمسية .
(7)السيد أحمد الهاشمي : ميزان الذهب ص 81 الشاهد منه , ولكن كتابته العروضية فيها خطأ , إذ همزة الوصل في (فأستراح ) يجب أن لا تكتب عروضيا , وكتبت في المصدر , ثم أنّ (ميـّت) في العجز يجب أن تشدد ليستقيم الوزن , ولم تشدد في المصدر .
(8) د علي يونس : ص 114 مصدر سابق .
(9) راجع د . عمر خلوف : التجديد الوزني في البحر الخفيف - موقع القصيدة العربية
(10) ابن جني : ص 133 مصدر سابق
(11) أصل التفعيلة (فاعلاتن) , نخبنها فتصبح (فعلاتن ), ونبتر الأخيرة , فتتحول إلى (فعلْ) , بمعنى نجري الخبن والقطع ( على الوتد) والحذف على التفعيلة الأصلية .
(12) الهاشمي : ميزان الذهب ص 82 الشاهد غير مقطع , ابن جني : ص 133 مقطع.
(13)عدنان حقي :ص 93 الشاهد
(14) المصدر نفسه : ص 94 راجع .
(15) راجع موقع (منتديات القصيدة العربية) , مقال للدكتور عمر خلوف تحت عنوان ( التجديد الوزني في البحر الخفيف), يورد شواهد على كل الأضرب والأعاريض الجديدة . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق