عيد الانوار/ لطيف شاكر

في هذا اليوم من سنة 31م اعتمدَ سيدنا وإلهنا وربِّنا يسوع المسيح، من يد القديس يوحنا الصابغ. ويُدعىَ هذا اليوم باليونانية: " عيد الثاؤفانيا " أي الظهور الإلهي. لأنَّ فيهِ ظهر الثالوث الأقدس هكذا: " الآب ينادي من السماء: هذا هو ابني الحبيب. والابن قائم على الأردُنِّ. والروح القدس شبه حمامة نازلاً عليه ". كما شهد بذلك يوحنا المعمدان: أنَّ السيد المسيح لمَّا اعتمد صعدَّ للوقت من الماء وإذا السَّموات قد انفتحت فرأى روح الله نازلاً مثل حمامة وآتياً عليه، وصوت من السموات قائلاً: " هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت "
هذا اليوم الذي قال عنه يوحنا البشير.. " وفي الغد نظرَّ يوحنا المعمدان يسوعُ مُقبلاً إليهِ فقال: هوذا حملُّ اللهِ الذي يرفع خطيَّة العالم هذا هو الذي قُلتُ عنهُ يأتي بعدي رجُلاً صارَ قدَّامي .. لذلك جئت أُعمِّد بالماء "
ففي هذا اليوم ظهر مجد السيد المسيح وإنهُ ابن الله وحمل الله الذي يحمل خطيَّة العالم، لذلك صار هذا العيدُ عظيماً عند جميع المؤمنين، فيتطهرونَ فيه بالماء مثالاً لمعموديَّة السيد المسيح له المجد، وينالون بذلك مغفرة خطاياهم

يذكر المؤرخون أن  المصريين  جميعاً كانوا يحتفلون بعيدى الغطاس والميلاد من خلال التنزه على نهر النيل وركوب المراكب لتمتد فرحة العيد شاملة مِصر كلها. وكانت الاحتفالات غير مقصورة على المسيحيِّين فى مِصر بل شاركهم المسلمون فيها أيضًا بحب وتسامح، إلا أن هذا تغيَّر فى العصر العثمانىّ
وكانوا يغطسون في ماء النيل البارد ثم يلبسون ملابس بيضاء احتفالا بعيد الظهور الالهي قاعدة واساس الايمان المسيحي ثم يتوجهون الي الكنيسة حيث يصلون قداس ليلة الغطاس  بابتهاج وفرح .


قال المقريزى:" كان القبط يخرجون من الكنيسة فى مواكب رائعة ويذهبون إلى النيل حيث يسهر المسلمون معهم على ضفاف نهرهم الخالد , وفى ليلتى الغطاس والميلاد كانوا يسهرون حتى الفجر , وكان شاطئا النيل يسطعان بالآف الشموع الجميلة والمشاعل المزخرفة , وفى هذه الليلة كان الخلفاء يوزعون النارنج والليمون والقصب وسمك البورى .

قال المسعودي في مروج الذهب‏:‏ ولليلة الغطاس بمصر شأن عظيم عند أهلها لا ينام الناس فيها وهي ليلة إحدى عشرة من طوبة ولقد حضرت سنة ثلاثة وثلثمائة ليلة الغطاس بمصر والإخشيد محمد بن طفج في داره المعروفة بالمختار في الجزيرة الراكبة على النيل والنيل مطيف بها وقد أمر فأسرج من جانب الجزيرة وجانب الفسطاط ألف مشعل غير ما أسرج أهل مصر من المشاعل والشمع وقد حضر النيل في تلك الليلة‏:‏ مئات ألوف من الناس من المسلمين والنصارى منهم‏:‏ في الزواريق ومنهم في الدور الدانية من النيل ومنهم على الشطوط لا يتناكرون كل ما يمكنهم إظهاره من المآكل والمشارب وآلات الذهب والفضة والجواهر والملاهي والعزف والقصف وهي أحسن ليلة تكون بمصر وأشملها سرورًا ولا تغلق فيها الدروب ويغطس أكثرهم في النيل ويزعمون أن ذلك أمان من المرض ونشرة للداء‏.

يذكر لنا التاريخ الكنسي ان الكنيسة المقدسة كانت تعيد عيدي الميلاد والغطاس معا في عيد واحد حتى القرن الرابع الميلادي وكانت تسميه " الابيفانيا " أي الظهور الالهى علي اساس ان الميلاد والعماد يؤديان معا مضموناً واحداً وهو :- " اعلان لاهوت السيد المسيح " ورأت الكنيسه بعد ذلك فصل كل عيد عن الاخر لتعطيه اهميه اكثر .


هذا وقد جاء فى تعاليم الرسل: " ليكن عندكم جليلاً عيد الثيئوفانيا، لأن فيه بدأ الرب يُظهر لاهوته فى معموديته، فى الأردن من يوحنا، وتعملونه فى اليوم السادس من الشهر العاشر الذى للعبرانيين، الذى هو الحادى عشر من الشـهر الخامس للمصريين " الحادى عشـر من شهر طوبة"


وعن هذه مياه لقان عيد الغطاس  التى تقدست بالصلاة  يقول القديس يوحنا ذهبى الفم: إنها تبقى نقية لمدة عام وأكثر فلا يعتريها الفساد، لأنها قد تقدست. كما كانت الكنائس قديماً، تحتفظ بكمية من مياه نهر الأردن، لكى تُضاف على اللقان أثناء صلاة القداس، وإلى الآن لايزال البعض يحتفظون بماء اللقان فى بيوتهم طوال العام، للاغتسال بها عقب كل اعتراف، وذلك برشم الجبهة والحواس والقلب..


وفى المخطوطة القبطية المدونة تحت رقم (24) الموجودة بجامعة " ليبزيخ من أعمال ألمانيا، ذُكرعيد الإبيفانيا والقيامة والعذراء مريم، من الأيام التى يجب فيها على المؤمن الامتناع عن الجماع الزوجى.. وفى نفس المخطوطة ورقة (17) نجد رسالة رعوية، أرسلها أسقف قبطى فى ، ذكر فيها عيد الغطاس من بين الأيام المقدسة، التى يُفضل فيها التناول من الأسرار المقدسة، بشرط أن يتناول المؤمنين وهم صائمون.

وجدير بالذكر أن نذكر أن القانون (16)، من القوانين المنسوبة إلى البابا أثناسيوس الرسولى يتحدث عن واجب الأسقف نحو الفقراء فيقول: " فى عيد ظهور الرب.. يجمع الأرامل والأيتام ويفرح معهم بصلوات وتراتيل، ويُعطى كل واحد ما يحتاجه لأنه يوم بركة فيه اعتمد الرب من يوحنا

 يقول يوحنا كاسيان  كإنها عادة قديمة فى مصر أن يقوم أسقف الإسكندرية، بمجرد انقضاء عيد الإبيفانيا، بإرسال خطابات دورية، إلى عموم الكنائس فى مصر وأديرتها، يحدد فيها بدء الصوم وعيد القيامة "

أسماء عيد الغطاس
   يُطلَق على عيد الغطاس عدة أسماء منها: عيد «الأَبِيفانْيا»، وعيد «الثِيؤفانْيا»، وعيد «الظهور الإلٰهىّ»، وعيد «الغِطاس»، وعيد «تكريس المياه»، وعيد «االانوار »، وعيد «العِماد».وعند الكنائس السُريانية والأرمينية يُسمَّى عيد «الدِّنح»، وهى كلِمة سُريانية تعنى «الظهورَ والإشراق» وتشير إلى ظهور «السيد المسيح» فى الحياة العلنية وإظهار ذاته أمام الشعب.

   وحسب التقاليد الكنسية فإن الاحتفال بهذا العيد جليل، فقد ذكر القديس يوحنا الذهبىّ الفم بطريرك أنطاكِية: «إن عيد الظهور الإلهى هو من الأعياد الأولية عندنا». وكان من عادة المسيحيِّين القُدامى أن يُعَمِّدوا الموعوظين فى هذا العيد، ولا يزال البعض يُعَمِّدون أولادهم فيه

الاحتفال بالعيد في بعض البلاد

 وتتفق الكنائس جميعًا فى احتفالاتها بصلوات لتبريك المياه تُسمَّى صلوات «اللَّقّان»، التى يبارَك بها الشعب والمنازل والحقول

بُلغاريا واليونان وإسطنبول
   ويُحتفل بإلقاء صليب فى البحر، ثم يغوص الشباب فيه لاسترجاعه، والفائز هو من يستطيع الإمساك بالصليب واستعادته، ثم يغطسون فى بِرَك المياه المتجمدة.

إسبانيا وأمريكا اللاتينية
   وتجرى الاحتفالات هناك فى مواكب موسيقية مزينة ضخمة مبهرة بأضوائها وألعابها النارية، وتُقدم الهدايا على غِرار ما كان من قِبل المجوس الثلاثة. وتقدم «لابيفانا» ـ وهى تماثل بابا نويل ـ الهدايا إلى الأطفال فى ليلة السادس من يناير من كل عام الذى يعيِّدون فيه بالغِطاس.

العراق وسوريا ولبنان
   وفى الشرق، تكون ليلة عيد «الغطاس» أو عيد «الدِّنح» حسبما يطلقون عليه ليلة خاصة جدًّا، إذ يؤمنون بأن «السيد المسيح» أو «دايم دايم» يمر ليبارك البيوت والناس، فيوقدون مصابيح المنازل طَوال الليل، ولا يغطون الدقيق ليبارك فى معاجنهم وخبزهم.

   ومن عادات العيد هناك، البحث عن زهور «بَخور مريم» وجمعها فى عِقد من خَيط الكَتان لليلة العيد، وبعد أن يبارَك فى العيد يُحفظ لحرق بعض حُبيباته كبَخور حال حدوث مرض أو مشكلة. وأيضًا فى ليلة العيد، تُحضَّر عجينة من دون خمير، وتوضع فى كيس من الكَتان الأبيض مع عِقد بَخور مريم على شجرة مباركة.

   وفى منتصف ليلة الغِطاس، يستحم الجميع بالمياه المسخنة. ثم يضعون خَيط كَتان أبيض على معاصم الأيدى وأعمدة البيت. وفى الصباح الباكر، يخرجون حاملين زجاجات وأباريق مياه لحضور صلاة تبريك المياه، وبعد الانتهاء  من القداس يأخذون من المياه المباركة إلى بيوتهم ليشربوا منها خلال السنة، وليرشوا المنازل وشجرة الميلاد ومغارته والحقول بالماء المقدس.  .

الأردن
   وللعيد مذاق خاص على ضفاف نهر الأردنّ، حيث يحتفل المسيحيّون بعيد الغطاس كمثال عماد السيد المسيح فى نهر الأردنّ، فيغطَس البعض فى النهر، فى حين يتبارك الآخرون من الماء بغمس بعض الأقمشة.

روسيا
   تحتفل الكنيسة الروسية الأرثوذكسية بعيدِ «الغِطاسِ» بإقامة القداسات الدينية فى الكنائس، ومباركة المياه بعد فتح ثغرة على شكل صليب. ويعقب الصلوات الاستحمام فى المياه الباردة المتجمدة التى يُعد الغطس فيها تقليداً قديماً.

إثيوبيا
   يُعد عيد الغطاس أحد أهم الاحتفالات الدينية فيها، حيث يحتشد آلاف فى الشوارع للاحتفال به، ويتجمعون للحصول على بركة المياه المقدسة التى تمثل تعميد «السيد المسيح»، التى تشير إلى بداية حياة جديدة.

يقول القديس اثناسيوس :فحينما اغتسل الرب في الأردن كإنسان، كنا نحن الذين نغتسل فيه وبواسطته. وحينما اقتبل الروح ، كنا نحن الذين صرنا مقتبلين للروح بواسطته

الغطاس في أرياف رومانيا.

عادة، يحضر مئات الأشخاص عمادة الخيول، حيث ترش الأحصنة بالمياه المصلى عليها، من قبل كاهن يقف على عربة، وذلك لحمايتها من الأمراض. وتتلو العماد سباقات الأحصنة  وذلك بعد  الاحتفال  بقداس عيد العماد .

هكذا كان عيد الغطاس ذات قيمة هامة في كل البلاد المسيحية  وكل يحتفل به حسب عاداته  وتراثه   , ان عيد الظهور الالهي هو اساس العقيدة المسيحية  حيث الله الواحد يظهر في ثلاثة اقانيم : يقول رب المجد يسوع "انا هو الطريق والحق والحياة "
كل عيد ظهور الهي وانتم بخير


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق