الذهبُ على قارعة الطريق/ فاطمة ناعوت

المصري اليوم
ماذا لو جاء أثرياءُ بلد ما بأطنان من قِطع الذَّهب الخام وأحجار الألماس فى صورتها البكر، ثم ألقوها فى الطرقات والأزقّة من أجل عيون المارة الفقراء والمعوزين؟ أغلبُ الظنِّ أن أحدًا لن يلتفتَ إلى تلك الثروات الطائلة الُملقاة على الأرض! لأن خام الذهب مُطفأٌ لا بريق فيه، وخامَ الألماس قبل صقله يشبه شذراتٍ وشظفًا من الزجاج الرخيص المُعتم.

لكن التجربة ذاتها لو تمّت بعد صقل سبائك الذهب، وتقطيع فرائد الألماس كقطع السوليتير الألمع، سنجد الناسَ يتناحرون، وربما يتقاتلون، لكى يحصلوا على أكبر قدر من تلك الكنوز، حتى بما يفوق احتياجاتهم، وسوف تتجلّى أنانية الإنسان وهمجيته.

الفيصلُ إذن فى نجاح تلك التجربة؛ هو مقدرةُ الناس على إدراك الكنوز وتمييزها والتقاطها من بين ركام الأشياء الأخرى عديمة القيمة. وهذا يتطلب شعبًا من الصاغة وخبراء الأحجار الكريمة، وأين نجد مثل هذا الشعب؟ الحكوماتُ قاردةٌ على صناعة مثل تلك الشعوب. الحكومات الشريفة المستنيرة المتحضرة تعمل على تنشِئة أجيالٍ من خبراء النفائس، عكس الحكومات الرجعية المترهلة، التى تحرصُ على سَوس شعوبٍ لا تميز التبر من التراب، ولا النفيس من الغَثّ.

هكذا فعلت الحكومة الأسترالية أول أمس. ألقت عشرة آلاف قطعة من الذهب الخام والأحجار الكريمة فى الشوارع الجانبية والأماكن المغلقة، فاحتشد الناسُ ينقّبون فى تلك الدُّرر المنثورة؛ يتفحصونها بدقّة ويقلّبون جنباتها، ثم يأخذ كلٌّ قدرَ احتياجه، فقط، ليترك لغيره ما يجد فيه ضالّته. تلك النفائسُ كانت أطنانًا من الكتب. وهو طقسٌ شهير تتبعه عديدُ الدول الأوروبية لحثّ المواطنين على القراءة والتعلّم والمعرفة. لأن الدول المتحضرة تعلم أن الاستثمار فى «عقول» المواطنين هو الضمانة الوحيدة للتحضر والنمو والتقدم. عكس الدول الرجعية التى «ترتعب» إن أمسك مواطنوها كتابًا! لأن الكتابَ هو خصيمُ القمع والشمولية والديكتاتورية والاستعباد. ماذا لو ألقت حكومتُنا المصرية عشرة آلاف كتاب على قارعة الطريق؟! كم مواطنًا سينكبُّ يفتّش وينهل من كنوز الورق لينصَعَ عقلُه؟! نحن أحفادُ صنّاع أوراق البردى الذين تفنّنوا فى خلق المعرفة والفنون والعلوم، حين كانت بقية الأمم تتقاتل من أجل طريدة وفريسة وحفنة ماء فى قاع بئر!

قبل أعوام، اشتريتُ، بقدر عظيم من المال، مجموعة من أمهات الكتب من معرض الكتاب. وكعادتى فى نسيان متعلقاتى وإضاعة نفائسى، تركتُ حقيبة الكتب تحت طاولة أحد المقاهى ومضيت. عدتُ فى اليوم التالى للمقهى يدثّرنى اليأسُ من استعادة ثروتى الضائعة. لكننى، للأسف، وجدتها لم يمسسها سوء! وقتها لم أعرف هل أفرح باستعادة كنزى، أم أحزن لأنه لم يكن مغريًا لأى لصٍّ أو عابر سبيل؟! وألحَّ سؤالٌ على رأسى: لو كان ما نسيته جهازَ موبايل تافه، هل كنتُ سأجده؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق