تتواتر أصوات مشحونة بالكراهية والخبث والفظاظة والتحريض لا ضوابط لها تثير الإشمئزاز والسخط والإدانة لدى العقول الراجحة من سامعيها لكنّها تهيّج المسلسين "لإرشاداتها" وتدفعهم إلى التورّط في إرتكاب أعمال عنف وتخريب تطال مسالمين "ذنبهم" أحوالهم الشخصيّة والروحيّة والفكريّة إضافة إلى معتقداتهم اللاهفة للتواصل والنابذة للإضطهاد والتضليل.
وبما أنّ أصحاب هذه الأصوات الناشزة يسبغون على أنفسهم وظائف "توجيهيّة موجبة" ولايتورّعون عن التحريض على قتل أنفس بريئة فالواجب الأخلاقي والإنساني والقانوني يفرض على كلّ من يملك سلطة تتفوّق على سلطانهم أن يبادروا إلى إزاحتهم وتقويم المفهوم والمنهج والخطاب لمن يحلّ في مواقعهم.
كذلك يجب إمداد النفوس الأبيّة المستهدفة بهذه الحملات العدائيّة والإفتراءات الظالمة بكلّ وسائل الدعم والحماية كي تتغلّب إراداتهم الخيّرة على الشرور المشرئبّة عليهم وتعينهم على الثبات في مواطنهم لإضفاء الصفاء والوئام والودّ على علاقات الناس في مجتمعاتهم.
إنّ خطوات التدخّل المبتورة في المنطقة والقاصرة عن التنبّوء والتنبّه لما ينتج عن الفراغات التي انتجتها نسفت الأهداف المرجوّة وجعلت الفئات المستنكفة عن خوض الصراعات ضحيّة للوحوش الكاسرة التي تهافتت لملء الفراغات وسفك الدماء وتدمير العمران.
كما سمحت للقوى والدول المتربّصة بالإنقضاض "بأحصنتها" على فرص الفرز والضمّ تحت ذرائع حماية ونصرة "المستضعفين" من أبناء ملّتها وحلفائها فيما كانت تهيّئ بجلَد وتأنٍِّ لهذا "القطاف" في السرّ والعلن.
يتساءل المرء: كم تجربة مرّة غير محكمة الدراسة تحتاج الدول الفاعلة لتعتبر وتحسّن أداءها في مواجهة إرهاب التيّارات المتطرّفة والدول المارقة؟
طبعاً يحتاج هذا الأمر إلى خطط معقّدة لإعادة تكوين السلطات وبناء هيكليّة أمنيّة ومؤسّساتيّة وإداريّة صلبة تأخذ في الحسبان طبيعة المجتمعات التي تحاول استمالتها ومساعدتها وحسن انتقاء قيادة واعية وموثوقة توكل إليها مقاليد إدارة مرحلة إنتقاليّة لترميم المؤسّسات ونفض الأدران وتعقيم الفساد وتنشيط العمل السياسي وإنعاش المصادر الإنتاجيّة وتحفيز الحركة الإقتصادية وتشغيل المولّدات الثقافيّة.
إنّ الأوضاع الميدانيّة في سوريا والعراق واليمن وليبيا توحي وكأنّها على حافّة الإنزلاق خارج حيّز السيطرة لكنّ المنخرطين في النزاعات يحتاجون إلى تدريب وإمدادات وتمويل وتسليح وذخائر. ومتى حجبت عنهم مصادر التمويل وأحجم رعاتهم عن دعمهم تنشلّ قدراتهم القتاليّة ويهدأ وطيس المعارك وتفتح السبل أمام خلع الجزّارين وتسهيل الحلول السياسيّة.
الصعوبة الكأداء تكمن في التورّط الميداني المباشر تحت شعار توسيع ملك ونفوذ "إمبراطوريّة" مزعومة تستمدّ سلطانها من "قوى غيبيّة" ونهم في التسلّح وشبق للهيمنة ومن احتكار "كار" المقاومة والهداية الروحيّة والقتاليّة والثوريّة واتّخاذ مواقف الغلوّ والإستفزاز التي يثابر ويتناوب عليها طاقم قيادتها.
وهذا ما يدفع الدول الإقليميّة التي يطالها بشكل مباشر خطر التدخّل "الإمبراطوريّ" إلى اتّخاذ تدابير وقائيّة تلامس الصدام المباشر مع النزعة التوسّعية.
بين هذين المدّ والجزر تتأرجح استحقاقات لبنان الدستوريّة كسفينة تائهة بلا قبطان ويدوخ اللبنانيّن في دوّار الترّهات السياسيّة والمعاناة المعيشيّة دون أن يلوح في الأفق برّ الأمان.
أكاديمي مواظب على تحرّي الشؤون اللبنانيّة*
Compassionate empathy, accurate discernment, judicious opinion, support for freedom, justice and Human Rights.
http://hamidaouad.blogspot.com/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق