أعزائي قراء وأصدقاء المحرر، متابعين ومساهمين، رفاق درب ومصير، عشاق الكلمة المعبرة والحرية في كل مكان.
لم يكن يخطر ببالي أنني سأعود مجدداً لأتخذ قراراً كنت قد هممت به مرات عديدة في السنوات العشر الأخيرة ونفذته ثم عدت عنه بسبب ضغوط الأصدقاء والمحبين المتابعين لخطوات انطلاقة المحرر منذ عام 1992، أما اليوم أعود لأتخذ هذا القرار مجدداً بإيقاف المحرر، الأسباب عديدة منها الوضع الصحي الذي لم يعد يساعدني على الإعداد والتحرير والتدقيق وإعادة صياغة جمل في أحيان كثيرة لكل مادة تنشر في المحرر إلا القليل جداً منها الذي لا يحتاج إلى كل ذلك.
أما الأكثر أهمية من ذلك برأيي هو أنه لم يعد هناك ما يمكن أن أقوله أو أكتبه، لأن ما أردت قوله وكتابته، قلته وكتبته خلال الأربع وعشرين سنة في المحرر، ولأن كل ما يكتب اليوم في كل وسائل الإعلام من تصورات لمجريات الأوضاع في البلدان العربية، لا يعدو سوى نقطة من بحر ما حذرت ونبهت منه منذ تسعينات القرن الماضي، ومن يعيد البحث في أرشيف المحرر يجد كل ما كتبته من توقعات وتحاليل سياسية لمجريات الأوضاع حول مخططات أعداء الإنسانية ضد البلدان العربية، التي أدت إلى ما وصلت إليه الأوضاع هناك، مما زاد من التأثير السلبي على وضعي الصحي.
وفي الوقت نفسه لا أقول أنها حالة قرف واشمئزاز فقط، بل أنها حالة يأس من أمة النكبات التي عادت إلى سابق عهدها مثلما كانت في الجاهلية، والمتأسلمين توقفت عقولهم في موقعتي الجمل وصفين، حيث بدأت الطائفية والمذهبية تغزو العقول، فافترقت الأمة، وابتدأت الفوضى تسري، ولازالت النار تأكل الأخضر واليابس، تحقيقاً لما يريده أعداء الإنسانية، في تنفيذ مخطط "الفوضى الخلاقة" أو "البناءة"، من أجل إعادة تفتيت المجزأ وتقسيم البلدان العربية ضمن "غيتوات" طائفية ومذهبية. وكما ذكرت سابقاً في مقالات سابقة أن ملالي قم وطهران استوعبوا اللعبة واستغلوها في إعادة فرض هيمنتهم الفارسية وإقامة إمبراطوريتهم المجوسية باسم الدين وهو منهم ومن سواهم من الدواعش والحوالش المساهمين في تفتيت الأمة براء. ومن يعيد قراءة مجريات ما حدث ويحدث في فلسطين والعراق ولبنان واليمن والسودان وليبيا وتونس وسوريا، وغداً في الجزائر، وتالياً في باقي أرجاء البلدان العربية سيجد أن ذلك يأتي ضمن مخطط "الفوضى الخلاقة" أو "البناءة" كما ذكرت مراراً وتكراراً منذ غزو العراق واحتلاله في نيسان/أبريل ومن ثم تسليمه لقمة على طبق من ذهب لملالي قم وطهران الصفويين.
ورغم ذلك أقول أنني لن أتوقف عن الكتابة نهائياً، بل سأنشر بين حين وآخر في بعض المواقع الصديقة تحاليل ومقالات إذا ارتأيت أن ذلك ضرورياً، كما أنني قررت العودة إلى الكتابات الأدبية والثقافية والشعر مثلما بدأت منذ أكثر من أربعين عاماً وذلك تنفيذاً لنصيحة المرحوم الدكتور إلياس فرح الذي طلب مني في عام ألفين أن أبتعد عن السياسة وأن أعود إلى الشعر والأدب، وكنت قد وعدته بتحقيق ذلك دون أن أحدد الزمان، وأعتقد أنه آن الأوان كي أبدأ بتنفيذ نصيحته، لأنه عانى ما عاناه من الساسة والسياسيين، ومات غريباً حيث لم يهتم به أحد من رفاق دربه مع الأسف الشديد، وكانت ابنته فقط تصرف على علاجه، ثم أخذه ابنه ليعالجه في الإمارات حيث مات هناك.
وكي لا أطيل عليكم أعزائي القراء، أقول أنه بعد أن ضاع أبناء الأمة على أرصفة الاغتراب، حيث يموتون غرباء في ديار غريبة بعيداً عن أرض الوطن، ومع ازدياد أعداد المهاجرين والمهجرين يومياً الذين أصبحوا مشردين ولاجئين، وبعضهم يموتون غرقاً في البحار هرباً من جحيم البلدان العربية التي تتحكم فيها أنظمة الذل والهوان، بينما لا نسمع صوتاً للأحزاب التي كانت تحمل شعارات وطنية وقومية وأممية سوى من خلال بيانات لا تسمن ولا تغني عن جوع. والحديث ذو شجون، والمأساة أكبر من أن تصاغ بكلمات قليلة.
لذلك قررت أن أغلق موقع المحرر وأعود إلى الأدب والثقافة والشعر، شاكراً الأخ العزيز ورفيق الدرب والكلمة المعبرة إبراهيم عبيد، وكل الأعزاء الذين ساهموا في إبقاء المحرر مستمرة حتى اليوم.
وأخيراً أقول أن موقع المحرر لن يغلق نهائياً، بل سنبقيه هذا العام لعل القراء يستفيدون من الأرشيف بمادة ما. ولن أقول وداعاً بل أقول إلى اللقاء، لأنني أكيد بأننا سنلتقي في يوم ما، بمكان ما، وموقف ما، ورأي ما.
أخي العزيز فؤاد !
ردحذفأخالك تذكر أيها الصديق العزيز أنك خاطبتني أكثر من مرّة ب " رفيق الدرب الطويل " . ولا أظن أن الطريق قد قصر ، بل ربما بات أطول من ذي قبل ، بل بات بحاجة إلى أكثر من " محرر " وأكثر من " فؤاد " ، ولعل مقولة " إنما النصر صبر ساعة " تنطبق على وضع أمتنا ، وأيضاً على وضعنا في دول الربيع العربي عامة ، وفي سورية والعراق ولبنان وفلسطين خاصة . قرأت ما أردت أن تبلغ البعض به ، ومن جهتي ليس فقط تبلغت ، وإنما أيضاً تفهّمت الأسباب القريبة والبعيدة لقرارك . لقد كانت نصيحة المرحوم الرفيق الياس فرح لك في محلها ، ولا سيما أنه أعرف منا ببواطن الأمور ، وما يزال الطريق على من سيبقى منا حيا طويلا وشاقاً . محبتي وتحياتي لك أيها الأخ والصديق العزيز ، وأنا بانتظار ماسينشره الأديب والشاعر فؤاد الحاج ، مما سيبقي " المحرر " حيّاً ، في قلوب مريديه .
محمد أحمد الزعبي
شكرا رفيق الدرب الطويل الأخ العزيز الدكتور محمد احمد الزعبي على رسالتك الكريمة
ردحذفصحيح أن الدرب لم يقصر وبات أكثر طولا من ذي قبل وصحيحة هي مقولة إنما النصر صبر ساعة، ولكن بعدما قلت ما قلته خلال الأربع وعشرين سنة في المحرر وقبل ذلك في أماكن عديدة ومؤتمرات أنت تعرفها وجدت أنني لم أعد قادر على قول أكثر مما قلته ونبهت وحذرت منه حيث وجدت أن مقولة على من تقرأ مزاميرك يا ... هي الراجحة اليوم، ورغم ذلك لا ولن أنقطع عن الكتابة بل سأتزجه إلى الأدب والثقافة والشعر علني أقدر أن أصيغ كلمة تصل إلى المعتصم دون أن أقول وامعتصماه
تحياتي لك ولكل رفاق المسيرة الطويلة