قد لا نختلف حول حقيقة أن ما يجتاح عدداً من البلدان العربية وفي مقدمتها سوريا منذ ما يقارب الخمس سنوات بدعوى أكذوبة "الربيع العربي" هو تدمير ممنهج ومخطط له للبنى التحتية لهذه البلدان وإبادات جماعية لشعوبها، وأن الغاية من ورائه ترمي إلى تفكيكها وتفتيتها وتدميرها كأوطان ودول، والإجهاز على قدراتها العسكرية والسياسية والبشرية تمهيداً للإجهاز على الوطن العربي بأكمله. وإذا ما اتفقنا حول هذه الحقيقة، فإننا لن نختلف حول توصيف ما حدث ويحدث حتى الآن وتسميته بالمؤامرة الكونية المدبرة ضد وطننا وأمتنا ومنطقتنا.
وقد لا نختلف حول حقيقة أن الأنظمة السياسية الشمولية داخل النظام الرسمي العربي المتهالك والمهترئ تتحمل قدراً كبيراً من مسؤولية ما حدث ويحدث، وأن المجموعات الإرهابية محلية الصنع وتلك المستوردة من الخارج إلى جانب بعض الدول والكيانات العالمية والإقليمية والعربية التي تتبنى هذه المجموعات بشكل أو بآخر وتمولها وتسلحها وتدعمها تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية.
وإذا ما اتفقنا على أن التحالف الشيطاني الغربي – الإقليمي - العربي الذي حرّض ودفع وموّل وسلّح تلك المجموعات الإرهابية، وأمن لها التسهيلات اللوجستية وسهّل تنقلها من خلال فتحِ المنافذ الحدودية لها وبذلِ جهودٍ سياسية ودبلوماسية وعسكرية ومعنوية كبيرة من أجل دعمها، والذي عمل على حذف وتغييب بلدان عربية رئيسية عن مواقعها الفاعلة وبالأخص داخل جامعة الدول العربية التي كان لها شرف الإسهام الكبير في تأسيسها عام 1945 تهيئة للإجهاز عليها وإنهائها عربيا وإقليمياً ودوليا، كما حدث مع سورية، فإن من السذاجة تسمية ما حدث ويتواصل حدوثه بغير تسميته الحقيقية: المؤامرة الكونية المدبرة ضد وطننا وأمتنا ومنطقتنا، ولا شيء غير ذلك.
فالمؤامرة التي تتعرض لها سورية منذ منتصف شهر مارس/آذار 2011، على سبيل المثال لا الحصر، هدفت قبل أي شيء إلى قطع الطريق على الحراك الشعبي السوري السلمي وحرمانه من الانتقال بسورية بجهود وتوافق معظم أبنائها في كل من المعارضة والنظام على حد سواء إلى حال أفضل مما كانت عليه، بحيث تصبح سورية التي كانت على الدوام قلب العروبة النابض أكثر صلابة وقوة ورسوخاً في مواقفها الوطنية والقومية والأممية، وأكثر أهلية للفعل والتأثير على الصعد العربية والإقليمية والدولية.
والمؤامرة التي تعرضت لها الحراكات الشعبية ولم تزل في سياق ما حدث ولم يزل يتواصل في مصر وتونس وليبيا واليمن، هدفت بالتأكيد إلى قُطع السبل على هذه الحراكات التي سعت للإصلاح والتغيير من خلال اختطافها وسرقة إنجازاتها، وزج هذه البلدان في آتون الحروب الأهلية المدمرة وإغراقها في بحر من المشاكل والمعضلات التي لا نهاية لها وفي مقدمها المشاكل والمعضلات الأمنية.
لن أستفيض طويلاً ولن أغرق نفسي في سرد تفاصيل كثيرة باتت معروفة للقاصي والداني كي أختصر الطريق على نفسي وأخلص إلى بيت القصيد والقول بصريح العبارة أنه قد بات جلياً وواضحاً للعيان أن هذه المؤامرة هي الآن حقيقة مؤكدة بعد أن باتت الأكثر وضوحاً في كل ما جرى في البلدان العربية سالفة الذكر خلال السنوات الأخيرة.
نعم لن أستفيض طويلاً ولن أُغرق نفسي في سرد تفاصيل كثيرة كي أخلص أيضاً إلى القول بصريح العبارة أنه بات من الممكن الجزم بأن هذه المؤامرة الشيطانية المدبرة هي مثلثة الأضلاع، وتشكل الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا الضلع الأول فيها وهو الضلع الدولي، في حين يشكل الكيان الصهيوني وتركيا العثمانية الضلع الثاني من أضلاعها وهو الضلع الإقليمي، كما تشكل بعض دول البترو دولار الخليجية وفي مقدمتها السعودية وقطر، مدعمة بجامعة الدول العربية التي أُنشئت لتكون بيت العرب الذي يعمل على توحيدهم لا تفريقم، وعواصم عربية كبرى الضلع الثالث من أضلاعها وهو الضلع العربي.
والآن وبعد مرور حوالي خمس سنوات على أكذوبة "الربيع العربي"، ترى ألا يستدعي الوضع العربي الكارثي الذي بات قاب قوسين أو أدنى من حافة الهاوية ضرورة تحرك القوى القومية والوطنية العربية لالتقاط الفرصة التاريخية التي لم تزل سانحة والوقوف بقوة وحزم وثبات إلى جانب مصر وسورية واليمن وتونس وليبيا ومن تحتاجها من البلدان العربية الأخرى لمواجهة المؤامرة الشيطانية ثلاثية الأضلاع، والعمل على وقف التدمير الممنهج لِبُناها التحتية، ووقف شلالات الدم النازفة فيها، والحفاظ على وحدة أراضيها وشعوبها ووحدتها كدول تشكل مع شقيقاتها الأخريات الوطن العربي الكبير، الذي لطالما حلمنا بوحدته؟
لا شك أن الوضع العربي الراهن يستدعي ذلك وأكثر كثيراً. فلم يعد ثمة مجال لمزيد من الاستهتار واللامبالاة، أو التفكير والتأمل، أو التريث والتردد !! وا أسفاه وا أسفاه. لقد كنتم خير أمة أُخرجت للناس. ألم تكونوا !! بلا كنتم وستعودون. هل تعودون؟ ليتكم تعودون.
محمود كعوش
kawashmahmoud@yahoo.co.uk
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق