يوم الشعب/ انطوني ولسن

منذ إنقلاب العسكر عام 1952، لم يرتفع صوت المصريين مثلما ارتفع يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من يناير هذا العام 2011.
تحتفل مصر كل عام بالخامس والعشرين من يناير تذكاراً مقدساً لما قام به رجال الشرطة في مدينة الإسماعيلية في نفس التاريخ عام 1952 ومواجهتهم للقوة الغاشمة البريطانية المحتلة للبلاد ورفضهم اوامر المحتلين بإطلاق النار على المصريين، وقد إستشهد عدد كبير من رجال الشرطة في ذلك اليوم.
في اليوم التالي من نفس الشهر والعام 26 يناير 1052، قام الغوغاء بحرق القاهرة وإحتار الناس في من وراء ذلك الخراب والدمار، ومن دفع بالدهماء واللصوص بالسطو على المحلات التجارية والعديد من المنازل وحرق وسرقت كل ما تصل إليه أيديهم.
وما أشبه اليوم بالبارحة. في الخامس والعشرين من شهر يناير هذا العام 2011 إنفجر بركان الغضب الذي كان مكبوتاً ومكتوما بعد ما ظهرت حقيقة من تولوا حكم البلاد بدءاً بمن قالوا عنه الزعيم وحتى هذا الجالس على كرسي الرئاسة الرئيس محمد حسني مبارك، وقت ما انا اكتب هذا الكلام مساء يوم الاثنين 31 يناير 2011 وأنا في غرفة بأحد المستشفيات في سيدني/أستراليا للعلاج، وعلى الرغم من انني كنت بالفعل قد قررت الإبتعاد عن كل ما هو كتابة إن كان عن مصر او أستراليا او حتى عن الحب والهوى.
لكن من يشاهد الأحداث التي إستمرت على مدى 7 أيام حتى مساء اليوم حسب التوقيت المحلي لمدينة سدني لا يستطيع ان يبقى مشاهدا متفرجاً حتى لو كانت بعدت به المسافات هذا البعد الكبير بين مصر وأستراليا.
تحجرت الدموع في عيني. لم استطع أن أبكي. وكنت أسأل نفسي هل أبكي على اللي فات؟ أم ابكي على ما يحدث الآن؟ أم على ما يمكن ان يحدث لمصر في الغد المظلم الذي لا توجد بادرة أمل تحي فينا التطلع الى يوم أفضل من اليوم ومن الأمس؟
عاش الشعب المصري أوهام ثلاثة حكام باع لهم كل واحد منهم وهما صوره للشعب على انه حقيقة، عبد الناصر باع لنا وهم الوحدة العربية والقومية العربية والأمة العربية وصدقناه إلى ان جاء يوم الهزيمة وإكتشفنا الحقيقة.
خدرنا السادات بوهم آخر بعد الانتصار عام 1973، فأخبر الشعب والأمة الإسلامية انه رئيس مسلم لدولة مسلمة وأطلق صراح الأخوان المسلمين للتخلص من الشيوعيين، لكنهم استطاعوا بمهارة فائقة ان يستغلوا إنشغال الرئيس المؤمن بانتصاراته وانفتاحاته على الغرب وتوقيع معاهدة صلح مع اسرائيل وبدأوا نشاطهم وإعداد الجماعة ليوم أهم.. يوم التخلص منه نهائياً. ويبدو انه (الرئيس السادات) قد شعر بما ينون فبدأ في مهاجمتهم علنا.. لكن السادات الذي وهم نفسه بأنه آخر فراعنة مصر وأنه الصديق الصدوق للرئيس الاميركي كارتر لم يكن حازما معهم وإنشغل بالإنفتاح الأقتصادي وقال مقولته الشهيرة " من لا يغتني في عهدي لن يغتني أبدا " . وقد عاد الانفتاح بالخير الوفير على من كانوا قد إبتعدوا عن مصر فعادوا لممارسة نشاطهم التجاري والصناعي مع سباق أبناء الطبقة المتوسطة نحو الإثراء بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة، لكنه لم يعمل حساب يوم إغتياله. ذلك اليوم الذي تشوبه شوائب كثيرة للطريقة البسيطة التي تم بها إغتياله لا سواه من الموجودين على المنصة.
لا شك ذلك اليوم لم يفارق الرئيس مبارك الذي كان موجودا في ذلك الوقت كنائب للرئيس السادات، ومما لا شك فيه ان ظلال ذلك اليوم كانت دائماً موجودة في خاطره ووجدناه.
إستمر الأخوان في مخططهم ويمكننا ان نتابع نشاطهم الذي تزايد في عهد مبارك واصبحت العلاقة بينهم ورئاسة الجمهورية كعلاقة (القط بالفأر). من القط ومن الفأر لا استطيع ان أحدد. إنما منذ عام 1981 إلى عام 2011 ظهر جلياً ان الرئاسة تركت الشارع المصري للأخوان ملعبا مفتوحا يصولون ويجولون فيه.
باع لنا الرئيس مبارك ايضاً الوهم فوعد الشعب بوعود كثيرة ولم يفِ بوعد واحد لعامة الشعب، لكنه فتح الباب على مصراعيه لبيع مصر لمن يدفع. فعم الاهمال وازداد الفساد، وأخذ الفقر ينهش أجساد عامة الشعب، واخذت الفوارق الطبقية تظهر بوضوح، غنى فاحش وفقر شديد، اختفت الطبقة المتوسطة والتي تعتبر رمانة الميزان للمجتمع، وظهرت الأحياء العشوائية والتي أخذت تنتشر في طول البلاد وعرضها.
أصبح للأخوان الهيمنة والسيطرة التامة على الشارع المصري في جميع أنحاء البلاد. إزدادت قوتهم وتأثيرهم العملي على الناس وكما يقول المثل (الجوع كافر) من يطعمني رغيفاً أصير له عبداً، فما بالنا بالمركز والجاه والسلطة.
تغلغل نفوذ الجماعة ليس فقط على الشعب، بل طال النقابات المهنية والقضاء والكثير من المصالح والإدارات الحكومية، بل لن أكون مغالياً لو قلت كل المصالح والإدارات الحكومية والوزارات والشرطة وأخشى ان يكون قد وصل الى الجيش المصري.
ظهر صراع من نوع غريب.. صراع بين اعضاء الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم والأخوان في من يتفوق على الآخر في بث وتطبيق الفكر الاخواني الرافض للغير.
الفجوة إزدادت في المجتمع المصري، ليس فقط بين غني وفقير، بل بين أبناء مصر أنفسهم. وبدأ التكفير هو اللغة السائدة بين أبناء مصر وبناتها. لم يصبح التكفير فقط لغير المسلمين، لكنه طال المسلمين العاديين الذين لا يلتحون من الرجال ولا يتحجبون من النساء، لأن الاخوان ضغطوا على المظهر الخارجي أكثر من الجوهر الديني.
مصيبة المصائب تجلت في الشرطة المصرية التي المفروض فيها أنها في خدمة الشعب، لكنها أذاقت الشعب ويلات العذاب، لم يحدث مثلها للمصريين إبان الاحتلال البريطاني. ومن لا يصدق عليه مشاهدة آخر أفلام الفنان العظيم المرحوم يوسف شاهين وفيلم «هي فوضى» والذي شاهدته وزوجتي هنا في أستراليا وطبيعي لم يحظ الفيلم بالدعاية الواجبة ليذهب المصريين لمشاهدته. لم يكن في صالة العرض التي تتسع لحوالى 500 مقعد سوانا.. زوجتي وأنا.. صدقوني حدث هذا مع الأسف. وقد أوضح الفيلم مدى سلطة الباشا في قسم بوليس بشبرا مما يندى له جبين الشرفاء في مصر والذين اصبحوا قلة قليلة في مصر الموكوسة.
لم تسكت تلك الفئة القليلة من شرفاء مصر في عرض ما يحدث للمصريين في شكل قصص، روايات ومقالات وافلام ومسلسلات تلفزيونية، على سبيل المثال لا الحصر فيلم «طيور الظلام» للكاتب والسيناريست المصري الأصيل الاستاذ وحيد حامد والذي ارشحه لوزارة الثقافة وبطولة الزعيم عادل إمام الذي ارشحه ايضا لوزارة الإعلام ولا عجب في ذلك فقد نجح ريجان الممثل الاميركي في رئاسته لاميركا على مدى مرتين. فلماذا لا ينجح عادل إمام في إصلاح الاعلام من إعلام حكومي خاص الى إعلام مصري خالص.
أعود وأقول ان هذا الفيلم قد اوضح الصراع بين الأخوان والحزب الوطني الديمقراطي الحاكم رمز الفساد.
يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من شهر يناير هذا العام 2011 أطلق عليه يوم الغضب.. اليوم الذي لم يفكر الرئيس السابق محمد حسني مبارك. في امكانية حدوثه، لانه ظن أن ما يكتبه الكتاب وما يخرجه المخرجون ما هو إلا نتاج الديمقراطية التي كان يدعي أنه يطبقها في مصر . لكن الحقيقة كانت ديمقراطية غير ملتزمة فتحولت إلى فوضى . فوضى إرتضاها النظام ليخلو إلى اعماله الخاصة للإثراء ولتحترق مصر ، وليجوع شعب مصر ، ولتباع أعراض النساء والصبايا الصغار في سوق الحريم لمن يدفع . ومات الشباب غرقا بحثا عن لقمة العيش خارج مصر ، فلم تعد مصر تهتم بهم قدر إهتمامهم بها .
عم الفساد البلاد ، وخربت الذمم على الرغم من إنتشار التدين المظهري لا الجوهري .
للحقيقة والتاريخ .. ليس الرئيس مبارك وزمرته وحدهم الذين لم يفكروا في مثل هذا اليوم .. يوم الغضب .. يوم الشعب . لأن من إهتم بمصر لم يكن يملك غير التمني بوجود مخلص ، وغالبا كان كل واحد له مخلصا يرسم له صورته بما يتماشى مع أحلامه .
كثر الدعاة ، وكثرت الفضائيات الدينيةودخلنا موسوعة الفتاوى ألتي أصبحت " الرموت كنترول " الذي يحركون به الناس . الوجهة التي يريدونها . لم تعد الشخصية المصرية كما كانت ، بل صارت مسخا باكستانيا وأفغانيا ووهابيا وسلفيا وعلى كل لون يا باتستا .
كانت صورة الخلافة العثمانية لا تفارق ذهني وتفكيري كلما أفكر في مصر وما آلت إليه أحوال المصريين . فقد وصلت مصر إلى نفس الضياع الذي وصلت إليه تركيا في نهاية الخلافة العثمانية والتي أطلقوا عليها إسم الرجل المريض الذي لا أمل أو رجاء في شفاءه .
كان يطل علي دائما كمال أتاتورك على الرغم من أنه رجل حرب من العسكر .. العسكر الذين في مصر لم يعملوا على رفعتها ورفعت أبناءها ، بل عملوا على خرابها وتجويع وإذلال شعبها " أقصد عسكر الإنقلاب العسكري عام 1952 " .
لكن كمال أتاتورك كان شخصية عسكرية من نوع آخر . إهتم بوطنه تركيا وساعدته عسكريته على الحزم وإتخاذ القرار السريع والتنفيذ . تحولت تركيا إلى دولة أخرى . دولة بالفعل عادت إلى أصلها بغض النظر عن الدين .
كنت أسأل نفسي دائما ، هل سنجد بين المصريين كمال أتاتورك لينقذ مصر ويعيد لها شخصيتها المتميزة طوال تاريخها وحضارتها ؟؟!! ولم يتعد تفكيري هذا الحد .
في الخامس والعشرين من شهر يناير 2011 قامت الثورة حقيقة في مصر . ولأول مرة يعترف العالم بالإجماع على أنها ثورة شعب بأكمله . ثورة شباب أصر على التغير وإسقاط النظام ، وقد تم له ذلك بعد 18 يوما من الصمود والتحدي . وأنقل لكم ما قاله رؤساء بعض الدولة الغربية عن الثورة المصرية :
• Barack Obama :
• We must educate our children to become like young EGYPTION PEOPLE .
• Britain,s Prime Minister :
• We must consider teaching the EGYPTIAN REVOLUTION in schools
• CNN:
• For the first time , we see people make revolution and then clean the streets afterwards .
• Prime Minister of Italy :
• There is nothing new in EGYOT , EGYPTIANS are making history as usual .
• أكتفي بهذه الشهادات من بعض رؤساء الدول الغربية .
• سقط نظام مبارك بتخليه عن رئاسة الجمهورية وأسند شئون البلاد للمجلس الأعلى للجيش المصري لحين إستقرار الأوضاع وإعداد دستور جديد ، أو تعديل الدستور بما يتماشى مع مطالب الشعب لتلحق مصر بركب الحضارة .
• سقوط نظام مبارك هو سقوط فعلي لإنقلاب العسكر عام 1952 . لذلك يجب إلغاء الأحتفال بـ 23 يوليو كعيد قومي ، وإحلال يوم 11 فبراير عيدا قوميا لمصر وتسميته " يوم الشعب " ، لأن الشعب خرج يوم 25 يناير هذا العام 2011 ولم يتنازل عن مطلبه وقد تم له ذلك يوم الجمعة 11فبراير من نفس العام 2011 .
• تحتفل مصر في يوم 25 يناير من كل عام بعيد الشرطة ، وأرى الأستمرار في الأحتفال به في نفس التاريخ لما يحمل من قيمة وطنية تجاه رجال الشرطة المصرية . حقيقة أن نفس التاريخ تغير فيه تاريخ مصر بثورة الشباب الذين أطلقوا عليه يوم الغضب . لكن يوم 11 فبراير من عام 2011 أصبح رمزا لإرادة الشعب ، ويجب تخليده وإعتباره عيدا قوميا لمصر نحتفل به كل عام ونطلق عليه " يوم الشعب " ، مع إستمرار الأحتفال بعيد الشرطة .
• أخشى ما أخشاه أن لا يجني ثمار يوم الشعب أبناء مصر الذين صمدوا وتحدوا جبروت حاكم ديكتاتور في بداية عهده أظهر غير ما يبطن، وعد ولم يف بوعد من وعوده . خدع العالم بحرية زائفة . أطلق زبانيته يذيقون الشعب ألوان العذاب . أخبر العالم أنه يطبق الديمقراطية في حكمه . لكنه لم يكن يسمح لأحد بمناقشته أو مراجعته .
• نعم أخشى ما أخشاه إستبدال ديكتاتور بأخر أو بأخرين تطلعوا إلى الحكم منذ نشأتهم ، لم ييأسوا وإستمروا في تخطيطهم بعد أن تم لهم السيطرة التامة على الشارع المصري . أثاروا الفتن بين أبناء مصر . كفرو من كفرو ، وغيرو شكل مصر الحضاري . يعدون كما وعد السابقين إلى أن يتحقق حلمهم ويصلوا إلى الحكم . وهنا .. وهنا فقط نكون كالمستجير من الرمداء بالنار . نار تعيد مصر إلى عصور الظلام والتخلف والرجعية مرتدين عباءة الدين ، والدين منهم بريء.
• فلنترك الدين لله جل جلاله ، والوطن للجميع . ولنرفع صوتنا عاليا ونقول لا :
• لا للدولة الدينية التي تحكم " بالملالي والمشايخ والفتاوى " .
• لا للأحزاب الدينية .. كفانا تظاهرا دينيا إزداد فيه النفاق والرياء والكذب وكره الغير وتكفيره .
• لا للمادة الثانية من الدستور إذا إستمر العمل به مع بعض التغيرات . نتمنى إن تشمل التغيرات إلغاء هذه المادة ، أو يتم تعديلها بما يتناسب مع التعددية الدينية في مصر .
• أتوجه إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة والذي بيده مستقبل مصر ليس فقط السياسي ، لكن الحضاري وأن نكون أو لا نكون . وكما أوضحت في هذا المقال شدة إعجابي بكمال باشا أتاتورك وبالنموذج التركي ، أتمنى على المجلس العمل على إرساء قواعد الدولة المدنية التي تحكم بقانون وضعي يتماشى مع متطلبات الإنسان في القرن الحادى والعشرين وما بعده ، ونترك محاسبة البشر روحيا لله لا لأي إنسان مهما حمل من ألقاب وصفات دينية .
• أختم بأجمل هتاف سمعته من شباب الخامس والعشرين من يناير 2011 :
• جــــرجـــس وحســـيـــن واحـــد مــش أ تــنــيــن .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق