التقمصات والتسميات كثيرة، ففجر أوديسا أخذ يدق على وتر مفهوم الجيوسياسي، ليخرج لحناً عصياً على مسامع الموقع الجغرافي لليبيا، وكذلك هو لسان حال الغارقين في وحل التحليل السياسي للخروج بمعادلة تستوعب تفسير ما يحدث.
تراكمات كتابية أخذت تستوحي كل المجريات بعيداً عن تخصيب عنصر الجغرافيا السياسية الذي يعتبر أهم عنصر في مطبخ السياسة الأمريكية لفهم الآخر والتعامل معه، وكأننا تناسينا ما كتبه المفكر العربي محمد جابر الأنصاري مشترطاً أن درس الجغرافيا في الحالة العربية، يجب أن يسبق درس التاريخ، أو أن يصبح "فاتحة" كتابه.
فقبل أن نقرأ الواقع السياسي لأمريكا تجاه اللوحة الليبية الفسيفسائية بتأزمها التأويلي، يجب أن نقرأ واقع تلك اللوحة جغرافياً، لنعرف التوجهات الغربية ومبتغاها، تقويماً وتقييماً من الناحية الجيوسياسية.
الناظر للحالة الليبية بتعقيداتها وصحرائها المترامية الأطراف يدرك جلياً أن أمريكا لم تأت إلى تلك البقعة إلا لأنها محاذية لدولتين مهمتين ضمن الصراع الحالي وهما: مصر وتونس، الأمر الذي جعلها تركب الموجة الليبية باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان، مستغلة هذا الموقع الاستراتيجي لتعويض الفراغ الطارئ تونسياً ومصرياً، لكي لا تتشكل تلك الدول وفق ذاتية وخصوصية كل دولة دون مراعاة المصالح الأمريكية، وأن أي تشكل جديد لن تسمح به أمريكا أن يتبلور دون رؤيتها الجغرافية.
وسط هذا الزحام المرتكز على تأويل الأكاذيب وتسويق المفاهيم المدافعة عن الشعوب باسم التحالف الغربي الذي يسعى لضرب عصفورين بحجر واحد "النفط الليبي وتعويض الفراغ العربي الإقليمي- عسكرياً- والدول المحاذية لليبيا- سياسياً-"، نجد أن الساحة العربية تفتقد معرفة الكثير من المصطلحات التي تحتاج إلى تطبيق عملي؛ فالثقافة السياسية، والجيوسياسية وغيرهما من المفاهيم مفقودة ومعدومة في ظلمة الليل العربي الحالك، والفرد العربي ليس أمامه إلا أن يقول كما قال نزار قباني "لا تفكر أبداً.. فالضوء أحمر.. إن العقل ملعونٌ، ومكروهٌ، ومنكر".
السؤال المطروح من خلف الضوء الأحمر العربي المستتر، المضطرب في وضع النقاط على الحروف ومعرفة الحقيقة: هل بدأت قوات التحالف ومن خلال التدخل بالمعضلة الليبية تنفيذ عملية الإجهاض السياسي لمفهوم معنى الثورة الشعبية اصطلاحاً- وليس إجهاض شكل الثورة- في مصر وتونس، في الوقت الذي نعرف اهتمام التحالف بإقليم دارفور المحاذي لليبيا؟.
* كاتب فلسطيني مختص بالشؤون الاقليمية
wonpalestine@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق