يبدو أنه لا يكفي الشعب الفلسطيني في غزة مآسيه ومعاناته الكبيرة التي فاقت كل حدود.. إضافة إلى الحصار الظالم والبشع بحق الإنسانية جمعاء يمارسه ضدهم مخلوقات مجرمة لا تمت إلى الإنسانية بأي شكل في العصر الحديث.. ولا يكفي أن أكثر من ثمانين بالمائة من شعبنا فقد دخله وقوته اليومي وبات يتسول ما يسد رمقه، ويحفظه من الموت جوعا.. وصار ينتظر الخلاص من الحياة، أو يفكر بالهجرة إلى أي مكان يستطيع العيش فيه بكرامة وحرية يمارس فيه فطرته الإنسانية مثل باقي البشر على هذا الكوكب.. يضاف إلى ذلك إفرازات الانقلاب الدموي وما لحقه من حرب ودمار في بنية المجتمع الغزي على كافة الصعد، وممارسة أبشع أنواع الاستبداد من السلطة الحاكمة لغزة كان آخرها تكسير أيدي وأرجل المتظاهرين العزل يومي 15 و30 آذار الفارط ، مثلما فعل جيش (رابين) في غزة مطلع الانتفاضة الأولى عام 1987 .
في ظل هذه الظروف وجدت بعض المؤسسات الاقتصادية التي تزيد من معاناته وصراخه، وبدلا من الوقوف بجانبه والتخفيف عنه ليزداد صلابة وقوة راحت هذه الشركات وكذلك معظم التجار تستغل ظروفه وضعفه لانعدام القانون والتشريع والمراقبة، أو التواطؤ معهم بحجة أنه لا يمكن الاستغناء عنهم ولا بديل آخر لتغطية احتياجاته الضرورية، وصار من الواضح أن هذه الشركات اشترت حكومة غزة على حساب المواطن! من بين هذه المؤسسات راحت شركة جوال الفلسطينية تشحذ الهمم وتخترع طرقا في السلب والنهب من جيوب الناس مستخدمة التكنولوجيا بحيث لا يشعر المواطن بذلك، وبدلا من أن تخفض أسعار المكالمات كي تتناسب وظروف الناس أبقت الأسعار كما هي، وكأن شعبنا يعيش في بحبوحة من العيش يحسد عليها.. ولو ناقشتهم في ذلك يقولون: أن أسعارهم معقولة مقارنة بدول المنطقة.. ويقارنوها بالأسعار في الكويت أو السعودية أو الأردن، ولا يقارنوها بإسرائيل المرتبطين بها اقتصاديا وتجاريا ـ إذ من المعروف أن أسعار المكالمات الخلوية والأرضية أرخص بكثير من كل الدول العربية، لسبب واحد هو أن الفلسفة التي بني عليها قطاع الاتصالات الإسرائيلية هي: أن الاتصالات تعتبر من البنية التحتية لأي بلد يسعى لزيادة نموه وتطوره ومن الضروري أن تقدم هذه الخدمة للناس بأقل تكلفة وأعلى جودة ممكنة.. جدير بالذكر أن شركة جوال للاتصال الخلوي هي واحدة من مجموعة شركة الاتصالات الفلسطينية الوحيدة المحتكرة للسوق في غزة..
أما سرقة الأموال بدون مقابل فقد اكتشفتها مؤخرا بعدما كانت مجرد شكوك لدي! فقبل أيام تلقيت مكالمة وفي نهاية المكالمة استلمت عبر جهازي رسالة توضيح بقيمة الخصم من رصيدي ثمن المكالمة التي استقبلتها ولم أقم بطلبها، وهذا الشيء تكرر معي أكثر من مرة ومنذ سنوات طويلة حتى في أثناء كتابتي لهذا المقال تلقيت اتصالا وقبل أن أفتح جهازي توقف الاتصال وجاءتني رسالة خصم من رصيدي.. وأعتقد أن غيري كثر إن لم يكن جميع المشتركين يسرقونهم بهذه الطريقة.. هل يوجد تفسير لهذا الشيء غير السرقة..؟؟ السرقة الثانية تتمثل في بعض الأحيان يحتاج المتصل لإجراء أكثر من اتصال كي يصل لما يريد وفي كل اتصال يتم الخصم نتيجة ضعف أو نوعية وقدم أجهزة ومحطات الشركة خصوصا عند انقطاع التيار الكهربائي.. إن لم يكن ذلك سرقة؛ فلماذا تتقاعس الشركة عن تغيير أجهزتها بأجهزة حديثة تستوعب ذلك الضغط ؟؟ نعرف أنهم سيبررون ذلك بأن الأمر خارج عن إرادتهم إذ لم تسمح لهم إسرائيل بتوريد أجهزة.. بالطبع هذا كلام غير موثوق به، وإن كان كذلك على الشركة تعويض المواطنين عن ما لحق بهم من أضرار جراء سوء الخدمة.. أما السرقات الأخرى فهي كثيرة ولا يمكن حصرها، ولكل مشترك خصوصيته وقضاياه الفردية، لكنه يمكن التنبيه بما تقوم به الشركة من سرقة عبر الرسائل وحملات التشجيع التي تبثها عبر شبكتها، ونخص منها الحملة السنوية الكاذبة التي تطلقها في شهر 11 ، 12 عند نهاية كل سنة "عبي رصيد واحصل على مثله مجانا" فيسارع المشاركون بالتعبئة، لكنهم لا يدركون كيف سرقت أرصدتهم بسرعة جنونية، بينما تكون الشركة في نهاية العام قد سرقت من الناس أموالا هائلة دون حسيب أو رقيب..!
الأمر الأخطر من السرقة هو استخدام الجيش الإسرائيلي لخطوط وأرقام المقاومين والنشيطين في مقاومة الاحتلال كدليل وإرشاد وتصويب صواريخهم الجبانة في اغتيال أبنائنا في أثناء الحرب على غزة، وكنت قد كتبت مقالا في حينها تحت عنوان " أيها الناس احترسوا على أموالكم وأنفسكم من الجوال" إذ اتضح للجميع أن طائرات الاستطلاع تصوب صواريخها نحو الهدف عن طريق أرقام الأجهزة التي يحملها المستهدفون وشعبنا في غزة يؤكد على مئات القصص التي حدثت في عمليات الاغتيال عن طريق خطوط الجوال، وأقرب مثال على ذلك : هو كيف يمكن أن يصوب صاروخ من الجو نحو فرد يمشي على الأرض دون أن يخطئ هدفه ويختار الهدف من بين مئات الأفراد الذين يسيرون في الشارع وحادثتين كنت شاهد عليهما هما: اغتيال الشهيد إبراهيم أبو علبة وكذلك الشهيد عبد الله الغصين في شوارع مخيم جباليا.. وبالتأكيد وصل مسامع الشركة العظيمة ! هذه القصص، ولم تقم بتفسير ما يجري... لكن مهندسيها الأشاوس كانوا بارعين في تفسير مبررات سرقة أموال الناس بطرق متعددة ؟! وللأسف الشديد لم تقم هذه الشركة بالاحتجاج أو رفع دعوة ضد الجيش الإسرائيلي لاستخدامه لخطوط وتكنولوجيا مدنية وجدت لخدمة الناس وليس لاغتيالهم ؟؟
أما قضية الإنترنت التي تقدمها شركات مثل شركة "حضارة" تابعة لشركة الاتصالات الفلسطينية وعبر خطوط تليفوناتها بواسطة ADSL فهي مصنفة بأسعار حسب السرعة، والحقيقة الأولى هي: أن السرعة الممنوحة والمتفق عليها المشترك ليست حقيقة، وأن المواطن لا يتمكن كل الوقت من فحص السرعة إن كانت صحيحة أم لا ؟ وإن اكتشف صدفة أن السرعة غير المتفق عليها والتي يدفع ثمنها، فإنهم يبررون ذلك بخلل ما سرعان ما سيفحصونه ويعملون على إصلاحه، ويمكن أن يحسنوا من السرعة مؤقتا لتعود من جديد بالبطء كما كانت من قبل، وهكذا دواليك.. أحد مهندسي الاتصالات وهو يعمل في الشركة أكد لي: أن السرعات المتفق عليها مع المشتركين غير دقيقة بل يمكن تقسيمها على 16 لتعطيك السرعة الحقيقية..؟ هذا يعني أن الشركة لديها مساحة محدودة وتحاول من خلالها ضغط أكبر قدر ممكن من المشتركين كي تسرق منهم الأموال على حساب الجودة والعدل، وهذا لا يختلف كثيرا عن مشكلة وسرقة الجوال.. سرقة أخرى مررت بها مؤخرا وتكررت كثيرا أيضا، وهي: قبل يومين انفصل النت لدي فجأة! فقلت في نفسي ربما يكون خلل طارئ سوف يعود بعد وقت، لكنه مرت ساعتين دون جدوى فقمت بالاتصال على الشركة وتبليغها عن الخلل، واجتهد الموظف المسئول في إصلاح الخلل لكن المحاولة باءت بالفشل وقرر أخيرا بأن الخلل هو في جهاز "الراوتر" لدي، وعلي اصطحابه لمقر الشركة لإعادة برمجته من جديد بالطبع كانت الساعة العاشرة ليلا، وما علي إلا الانتظار لصباح اليوم التالي لعمل اللازم.. في الصباح فكرت بفحص الأمر من جديد علّ شيطان ما التبس الجهاز مساء وغادر صباحا، وبالفعل شغلت الجهاز وكأن شيء لم يكن..! السرقة الأخرى جاءت دون تخطيط من الشركة العظيمة وتتمثل في انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة في غزة وهذا يخفف عبئا كبيرا عن الضغط على المساحة المتوفرة في مقاسم الشركة لتقوم بضخ مشتركين جدد لتزيد من سرقة الناس بطرق عجيبة وغريبة وشيطانية.. والسؤال الأهم هو ما ذنب المواطن في ذلك خصوصا الموظف الذي خصم من راتبه مبلغ 170 شيكل ثابت بدل الكهرباء، وبعض الأسر يخصم منهم هذا المبلغ مضاعفا حسب عدد الموظفين فيها، لماذا لا تقوم الشركة وبطلب من وزارة الاتصالات والمالية من تقليص سعر اشتراك الإنترنت حسب كمية الكهرباء لأن المواطن لا ذنب له في ذلك خصوصا إذا كان موظفا ويدفع للكهرباء دون أن يحصل عليها.. إننا نطالب شركة الاتصالات بتعويض المشتركين عن السرقات التي تمت من قبلها في السابق ووقف سياسة النهب المنظم بطرق مبتكرة من الشركة لنهب الناس بدون أن يشعرون .. من يا ترى يعيد للناس أموالهم المسروقة وحقوقهم المهدورة ؟؟ هل عندنا قضاة عادلين ونيابة أمينة ورقابة نزيهة وحكومة سديدة تستطيع أن تعطي الناس حقوقها ؟ أم أن الأمر سيان ويضاف إلى صعوبة تحقيقه.. كصعوبة التفاهم مع المحتل الغاصب..؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق