ما أن تأكد خبر طرد وفصل محمد دحلان من حركة فتح وتجريده من كافة مناصبه وقطع أي صلة تنظيمية به وتحويله للقضاء بتهم تصل للقتل، حتى انهالت الاتصالات والطلبات للتعليق على هذه التطورات، خاصة لما هو معروف من مواجهة شخصية سابقة وطويلة مع دحلان، عبر الاعلام وكذلك في قاعات المحكمة في لندن، حين لجأ دحلان للقضاء الانجليزي وعلى مدار زهاء الأربع سنوات في محاولة لتكميم واسكات صوت العبد لله، ليقرر بعدها سحب القضية في 25/01/2010 دون تحقيق أي من مطالبه وهو ما يعتبر وبحسب القوانين التي لجأ إليها هزيمة قانونية، بعكس ما روج البعض، وهذا من توفيق الله وفضله.
وقد سبق تلك الطلبات اتصال من نوع آخر وتحديداً في 29/12/2010 يطالب بما لدي من وثائق قد تدين دحلان في التحقيق الذي يجري معه فتحاوياً، وأمام اصراري على تقديم طلب رسمي للحصول على ما بحوزتي - وهو ليس بالقليل، حتى لا ندخل في دوامة الصراعات الشخصية ولتأكيد الجدية في الأمر، لم يعاود المتصل طلبه، علماً بأن لدي ما يثبت وقوع الاتصال بالاسم والتاريخ.
ورغم هذه الخصوصية في موقفي تجاه دحلان ليس كفرد أو عضو في فتح، لكن كظاهرة أساءت وما زالت لتاريخ ونضال الشعب الفلسطيني، أجد نفسي اليوم مضطراً لتسجيل ملاحظات محددة حول قرار فصله من حركة فتح، ليس دفاعاً عنه كما عنونت هذا المقال، وبعيداً عن التسرع في الانجرار وراء العواطف، ولأسباب عدة منها:
· ليس من أخلاقنا ولا طباعنا الشماتة، ولا نتعامل إلا من خلال تعاليم ديننا، وهو ما التزمت به على سبيل المثال عند زيارتي الأولى لقطاع غزة في يناير/كانون الثاني 2008 عندما رفضت الدخول إلى منزل دحلان بدزن إذن صاحبه الغائب عنه، وهو ما وثقته وقتها.
· لم يكن قرار عباس ولجنته المركزية نابعاً من حس وطني أو أخلاقي أو تنظيمي، ولكن وبحسب التقارير والتصريحات فزعة وغضبة شخصية من عباس بسبب ما قيل عن تهجم دحلان على ولديه طارق وياسر.
· لا أعتبر شخصياً ولا أعترف بنتائج مهرجان بيت لحم الذي سمي مؤتمراً سادساً لحركة فتح، ويكفي أن نعود لتصريحات رموزهم من أمثال نبيل عمرو وأحمد قريع حول ذلك المهرجان لنعرف كيف دبرت الأمور فيه ولفلفت، وصولاً إلى اختطاف القرار الفتحاوي.
· كما أنني لا أعتقد أن من اتخذ القرار هو في وضع أفضل من دحلان، لا سياسياً ولا وطنياً، خاصة عندما تحدثنا التقارير عن أن أحد أسباب الفصل "الخروج عن الاطر التنظيمية"، وهو ما يثير السخرية فلقد خرج عرفات عن كل اطر فتح حين وقع وثيقة الاعتراف بما يسمى اسرائيل في 09/09/1993، وخرج عباس مراراً وتكراراً عن تلك الاطر، ولم يتحدث أحد حتى يومنا هذا من داخل فتح عن محاسبة أو طرد من فعل ذلك، رغم خطورته التي تتجاوز بالتأكيد "سب" أولاد عبّاس.
· توقيت القرار بعد أشهر من المماطلة يضع علامات استفهام، خاصة أنه اتخذ بالتوازي مع اعتماد فياض مرشحاً أوحداً لحركة فتح بعد أن سبق ورفضته فتح، وهو ما يوحي بأن ثمة من يحاول تمهيد الطريق لفيّاض ليصبح وريث عباس في السلطة.
· وبالحديث عن التوقيت فإنه من عجائب الأمور أن تكتشف اللجنة المركزية لعباس فجأة أن دحلان متورط في الفساد المالي، وقد سبق أن دعمته السلطة وقبل أقل من عام من بدأ التحقيق معه بمئات الالاف من الدولارات في قضيته ضد العبد لله، لاثبات نزاهة ذمته المالية حينها، لتعود وتكيل له الاتهامات اليوم
· وبنفس القدر اكتسف دحلان فجأة أن عبّاس فاشل سياسياً وتنظيمياً، وبات ينتقد المفاوضات وكيفية ادارتها وهو الذي طالما تغنى بأنه شهد كل مراحل المفاوضات وأنه ربما العضو الأهم فيها، ليتباهى بانجازات المفاوضات بحسب ما قدمه للمحكمة في لندن، والأهم أن يشكك بشكل غير مباشر بذمة عباس المالية ويكرر تاريخ 03/05/2005 في رسالة واضحة لمن يهم الأمر
· ما زالت التهم حتى اللحظة غير واضحة ولم تنشر تفاصيلها، وبقيت أدراج عباس ولجنته.
· من الناحية القانونية لا يستطيع المدعي العام فتح تحقيق مع دحلان لأنه عضو في المجلس التشريعي - وبغض النظر عن رأينا الشخصي في ذلك، لكن هذا لا يعني إطلاقاً حصانته المطلقة كما حاول أن يوحي، بل يعني أن اجتماعاً ربما قريب سيعقده التشريعي لسحب تلك الحصانة عن دحلان، وعندها سيجد نفسه ملاحق جنائياً – وبقو القانون الذي يتحجج به اليوم، وربما ستكون الكتل البرلمانية ولأول مرة في حالة اجماع مطلق لسحب تلك الحصانة وبسعادة بالغة
· الخلاف يبقى فتحاوياً فتحاوياً بامتياز، رغم أن مسلسل الفضائح الذي بدأ يطال كل فلسطيني
· نسجّل أنها المرة الأولى فتحاوياً وسلطوياُ التي تشكل فيها لجنة ويتخذ فيها قرار
ومع كل ما سبق نقول أن صوتنا قد بُح ونحن نتحدث عن ظاهرة دحلان، وبروزه وسيطرته على مفاصل حركة فتح، وهو الذي دفعه حتى الأمس للتهديد والوعيد عبر قنوات الحياة والحرة، ضارباً بعرض الحائط كل قرارات عباس ولجنته، بل متحدياً اياهم في تغوّل واضح تعوّد عليه، وتهجم وتهكم مبالغ فيه، مع جرعة من "الأنا والأنا".
بالتأكيد أن فصل دحلان ليس نهاية معركة السيطرة على القرار الفتحاوي، بل بداية لمعركة من نوع آخر بدأت تضح معالمها منذ ليلة الأمس عقب تصريحات دحلان، والرد العنيف من قبل عبّاس في الضفة الغربية ضد أنصار دحلان والتهديد بقطع راتب كل من لا يلتزم بقرار اللجنة المركزية، وهو ما وجد صداه من خلال الغاء اجتماع كوادر فتح بغزة.
من اتخذ القرار ليس "أنظف" من دحلان ولا "أشرف"، لكنها المصالح الشخصية لا الوطنية التي حركتهم دائماً وتحركهم، ولطالما رددت وقلت أن فتح هي الخاسر الأكبر في ظل هؤلاء الذين شوهوها – لا استثني منهم أحدا!
من خلال خبرتي الشخصية والطويلة في التعامل مع ظاهرة دحلان، يمكن القول أنه لن يسقط دون ضجة، ولن يستسلم دون مقاومة، كما هو حال الأنظمة العربية الأخرى وقادتها الذين يعلمون علم اليقين أنهم منتهون لكنهم يفعلون المستحيل لتدمير الطرف الآخ حتى وان كانت شعوبهم - أو حركتهم، ولا شك أن في جعبة دحلان الكثير لأنهم "طابخينها سوا"، والأيام القادمة ستكون حبلى بالمفاجاءت، وسنطبق المثل المصري الشهير "بكرة نقعد عالحيطة ونسمع الزيطة".
ولا نقول ختاماً إلا: اللهم اضرب الظالمين بالظالمين واخرجنا من بينهم سالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق