نبتدي الكلام بالسلام والأمان ونقول لكل المصريين مسلمين ومسيحيين رمضان كريم متمنين أن يكون رمضان هذا العام وش خير على مصر وكل المصرين .
رمضـــان جانا .. أهلا رمضان .. قولو معانا .. أهلا رمضان .. رمضان جانا وفرحنا بيه ...
كنا نستمع يا ولاد واحنا صغار في عمر الزهور للمرحوم الحاج محمد طلب المطرب الشعبي الأصيل في أول رمضان إلى صوته وهو يلعلع من الراديو قبل التلفزيون وبعدين من الراديو والتلفزيون بهذه الأغنية فكنا نفرح برمضان والعيد بعد كده ، وبعدين بعيد الأضحى وكمان بعيد الميلاد وبعديه عيد القيامة و معاه شم النسيم .
الفرحه ياولاد كانت من القلب ،نحس كلنا بنعيد ونفرح من قلبنا ، علشان رمضان له طعم ومذاق مختلف عن بقية الشهور والأيام خاصة واحنا عيال صغيرين وإن كانت الفرحة إستمرت معانا سنين وسنين كان القلب مليان بالحب وحياتنا عمرانة بالكلمة الحلوة ومهما إختلفنا كان الجار للجار بالليل قبل النهار.
كنت من اليوم الأول في رمضان أفضل سهران لغاية السحور ونتجمع كام واد من الحته نستنى المسحراتي ونلف معاه في الشوارع نونسه ونتمتع بصوته وهو بيقول على دقات طبلته الصغيرة بحتة جلدة ماسكها في إيده وهو يدق بيها عليها ... يانايم وحد الدايم ولا دايم غير الله .. إصحى يانايم وإتسحر .. يا محمد أفندي السحور يا.. وينادي على الناس بأسماءهم عند كل بيت وعند العمارات ذات الشقق المختلفة أيضا ، كان يحفظ الأسماء وطبيعي ماكانش حد بيعزل زمان البيت إللي الواحد يتولد فيه يفضل فيه لغاية ما يتجوز ويسكن قريب من بيت أبوه .
كنت أحيانا أطلب منه الطبلة فكان يديهالي ويقولي يا ولسن خد بالك وإنت بتضرب ع الطبله ، أرد عليه ما تخافش يا عم أحمد . وكنت أضرب الطبله بالجلده الصغيرة وأنا فرحان وحاسس إني بعمل حاجه كويسه بصحي الصايمين علشان يصحوا ويتسحروا علشان تاني يوم الصبح يكونوا صايمين .
كمان كنا نشتري فانوس رمضان والشمعه نولعها بالليل وهي جوه الفانوس ونلف وإحنا بنغني ونقول وحوي يا وحوي .. إيوحه .. وكمان وحوي .. إيوحه .. رحت يا شعبان جيت يا رمضان .. إيوحه .ولم أكن المسيحي الوحيد في الحته .. لأ إحنا كنا ساكنين عند دوران شبرا في شارع السندوبي وكنا كتار وماكناش نعرف إن ده مسلم وده مسيحي .. لكن كنا كلنا ولاد حته واحده إن كان في شارع المقسي إللي بعد الدوران وقبل شارعنا أو في شارع وهبه خليل إللي بعد شارعنا أو الشارع إللي بعده وإسمه اليازجي ، مانستش أسماء الشوارع علما إننا عزلنا من الحته سنة 1956 ولم أسترح في أي منزل إنتقلنا إليه ولا حتى في أستراليا صدقوني علشان كده أنا عامل زي الرحالة كل كام سنة أغير سكني لما تعبت مراتي من كتر العزال .
على العموم يا ولاد نرجع مرجعنا للحاج رمضان الطيب حاجج بيت الله وقلبه مليان بنور المحبه وينتهي شهرالحاج رمضان وأول يوم العيد الصبح يدور المسحراتي على الشقق والبيوت يلم العدية إن كان كعك وبسكوت أو فلوس وكانت أمي الله يرحمها تديله خمسة قروش وتكون كمان محضره له طبق مليان كعك وبسكوت . كانت عادتها تعمل لنا في كل عيد من الأعياد الأربعة تعملنا الكعك والبسكويت والفايش وكانت العادة كل جاره تبعت لجارتها بطبق مليان من الكعك والبسكويت .
رمضان دايما بيفكرني بالكنافة يا ولاد إللي حبيتها ومازلت بحبها وكبرت وإستمر معايا حبي للكنافة وكل أصحابي من المسلمين عارفين الحكاية دي فكنت أروح أفطر معاهم وأهم حاجة كانت الكنافة .
كنت أروح لهم من غير ميعاد ، ولما أقول أروح لهم بالجمع دا حقيقي فكانت أم كل واحد منهم الكنافة تكون جاهزة على السفرة وقت الفطار . كانت أيام ولا في المنام والأحلام مش بس في رمضان .. لا في حد الزعف كنا نشتري الزعف يوم السبت ونسهر كلنا الشلة بتاعتنا مسلمين ومسيحيين وإحنا بنضفر الزعف ونعمل منه صلبان ونجدل الزعفة ومافيش كلمة تتقال كده ولا كده والصبح نروح الكنيسة ونرجع نتلم مع بعض تاني والبيت إللي إحنا فيه تكون ست البيت مجهزة غدوة صيامي تاكل صوابعك وراها .
في عيد الأضحى أفتكر ياولاد عم أحمد بتاع الجاز كان يجيب بقرة أو إتنين ويلف بيهم في الشوارع وإحنا وراه وهو بيزعق بصوت عالي ويقول .. منده بكره ، ونردد بقرشين عند عم أحمد بكره .. بقرشين .ويا سلام يوم العيد كانت جارتنا الست أم سعيد تبعت مع إبنها سعيد طبق كبير فته ورز ولحمه ، وتكون أمي محضرة صنية مكرونة باللحمة المفرومة ومعاها صنية بطاطس باللحمة الضاني أخدها وأروح بيها على بيت خالتي أم سعيد وتضحك وتقولى إيه لازمته يابني الأكل كتير ، ارد عليها دي مكرونة أم ولسن وإنت عارفه .. تضحك وتقول كل سنة وأنتم طيبين يا إ بني .وعلى فكرة خالتي أم سعيد جارتنا ماكنش فيه إتصال عائلي بينا وحصل إن أخي الأصغر مني ضرب إبنها سعيد فراحت لأمي تشتكيلها من أخويا ، لما خبطت على الباب فتحتلها أمي ورحبت بيها من غير ماتعرف مين هي ويظهر إن خالتي أم سعيد لاحظت في عين أمي علامة إستفهام فراحت قيللها أنا جارتك في البيت إللي جنبك وجايه أشتكيلك من إبنك علشان ضرب إبني سعيد .رحبت بيها أمي وطلبت منها الدخول وتشرب معاها القهوة ونتعرف على بعض وما تخافيش على الولاد سيبيهم يتخانقوا ويضربوا بعض وبعدين يتصالحوا وخلينا حبايب والعيال عيال . وكانت من ساعتها لغاية ما سيبنا الحته لا خناقه مع الأولاد ولا خصام وزعل بين الأهل .
كبرنا وتوظفنا وكان الحاج رمضان يجي كل سنه ومعاه الهنا والسعادة والحب الحقيقي إللي نابع من القلب ومع الزملاء كان الحاج رمضان هو هو إللي كان مع الجيران في شارع السندوبي ومصر كلها الإحترام والحب والتفاهم بينا مباديء أساسية جمعتنا وإحنا في بداية حياتنا العملية وأهم حاجة كنا شباب . في أول يوم لرمضان بعد ما أعيد على الإدارة وجميع الأقسام أروح مكتبي ويكون الساعي حاطط على المكتب كوب الشاي وسيجارة مولعة . إعترضت فكان ردهم إيه معنى الصيام لما يكون مافيش قوة إرادة على الأستمرار في الصيام مهما كانت الصعوبات والتحديات الجسدية !! وكمان إحنا بناخد ثواب الصيام إيه ذنبك إنت وكل واحد مش بيصوم إن كان مسلم يتحرم من الثواب في الأخرة وأنتم عندكم صيامكم وإللي عايز يصوم يصوم وإللي مش عايز يصوم ذنبه على جنبه وفيه رب يحاسبه . كلام زين من ناس زين وطيبين .
إستمر الحال على هذا المنوال وقضيت رمضان في النوبة وقت بناء السد العالي وعلى الرغم من إننا كنا واخدين أكلنا معانا يكفينا طول المدة لكن الأهالي رفضوا وأصروا على تقديم الفطار والسحور من عندهم طول فترة وجودنا في القرية وفعلت نفس الشيء بقية القرى . كنت أنا وفايز المسيحيين الوحيدين في اللجنة فكان يعد لنا طعام الأفطار في الصباح ، وطعام الغداء في الظهيرة ونفطر مع الصائمين ونتعشي بالليل ولا نتسحر، وكانت السجائر تأتيني كل يوم مع فلوكة البضائع أدفع ثمنها وأنكسف أدخن لكن الجميع إن كان الزملاء أو العمد وأهالي النوبة يصرون على أن أعيش يومي عادي . في إحدى القرى وجدنا فنان نحت على الخشب أتذكر إسمه آدم حنين مسيحي فكان العمدة وأهل القرية يمدون ثلاثتنا بالغذاء في مواعيدها فماذا حدث لمصر بعد ذلك ؟ طيب فين راح رمضان الحاج رمضان حاجج بيت الله وإللي كان يزورنا في شهره الكريم ويجمعنا عيلة واحدة أمهم مصر وأبوهم النيل ؟؟!!
راح الحاج رمضان وراحت أيامه وجه ياولاد الشيخ رمضان وفتاويه وتغيرت الأحوال وإتغير الزمان وبقينا مش إحنا بتوع زمان أصحاب الحب الجميل وعشنا الزمن الجميل .
الشيخ رمضان في رمضان يشدد على عقاب وإيذاء الفاطر المسيحي وغير المسيحي . الشيخ رمضان شجع بقية الشيوخ وآئمة المساجد على مهاجمة النصارى " لأنه لا يعترف بالمسيحية التي لها إيمان مخالف لإيمان نصارة مكة وإللي كانت يترأسها ورقة بن نوفل وبحيرة الراهب اللذان عملا على نشر البدع التي تخالف كما قلت الإيمان المسيحي " ..فاستباح الآئمة حق سب وإهانة النصارى ونساء النصارى . وأصبحت المرأة غير المحجبة هي نصرانية ولا إحترام لها لا في الشارع ولا في المحلات التجارية ولا الأولاد في الأحياء سواء الشعبية أو غيرها يمكن لأولاد النصارى اللعب معهم في رمضان كما كنا نفعل أيام وجود الحاج رمضان الكريم .وأشياء أخرى كثيرة حولتنا من مجتمع يضرب به المثل بين المجتمعات الغربية والعربية ، إلى مجتمع يتقاتل فيه أبناءه بسبب الدين . وقد تغلغل نفوذ المشايخ وأصبح ظهورهم على شاشات التلفزة عامل مساعد على زيادة الفجوة بين أبناء وطن واحد إسمه مصر . بل العدوى إمتدت إلى العالم كله وبين الصغار والكبار على السواء مما يدعو إلى الأسف والحسرة .ولم تنجح حتى الأن ثورة 25 يناير هذا العام 2011 هذا العام في إعادة الحاج رمضان وإقصاء الشيخ رمضان، وأصبحنا ونحن نرحب برمضان ونقول ... رمضانا جانا .. ومع ترحيبنا تتوقف الكلمات في حلقنا ونتساءل ..
طيب هو فين رمضان !!!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق