اليوم فرعون مصر وغداً نمرود الشام/ محمد فاروق الإمام

اللهم لا شماتة ولكنها عدالة السماء.. فقد شاهد الملايين عبر شاشات الفضائيات العربية والأجنبية فرعون مصر محمد حسني مبارك ملقى على نقالة يدخل قفص الاتهام مع نجليه علاء وجمال ووزير داخليته وأعوانه من ضباط الأمن الذين إلى الأمس القريب تُحاسب الذبابة إذا تجرأت على الطيران قرب مكان إقامتهم، أو تجرأ أحد المارة على الالتفات إلى نوافذ قصر أحدهم.
سبحان الله الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء إنها قدرة الله التي تحققت على يد شباب ثورة مصر الذين حققوا المستحيل وجعلوا منه سهلاً هيناً تراه العين وتسمعه الأذن وتتحسسه الأيدي.. إنه فرعون مصر بكل خيلائه ومهابته يدخل صاغراً، بلا حرس ولا مرافقين ولا مصفقين ولا مطبلين أو مزمرين، يدخل قفص الاتهام أمام متابعة عدسات التلفاز وأعين المئات من الحضور في سابقة هي الأولى من نوعها، لم تشهدها قاعات المحاكم العربية منذ سنين طويلة، فيوم الأربعاء الثالث من رمضان/تموز 2011 لم يكن يوماً عادياً أبداً فقد تعدى حدود الزمان والمكان والعقل.. إننا في زمان عصر الثورات العربية.
سقط فرعون مصر واقتيد إلى قفص الاتهام صاغراً رغم أنفه محمولاً على نقالة دون سياراته الفارهة وحرسه الشاكي السلاح، فقد تخلى الكل عنه، فلا فراعنة في مصر بعد اليوم، هكذا كان قرار الثوار.. فقد أغلق وإلى الأبد باب سلطان الفراعنة وانتهت أسطورتهم ودخلت سيرتهم صفحات التاريخ والتراث وحكايا الجدات للأطفال.
وكان التاريخ على الدوام يربط حال الشام من حال مصر والعكس صحيح، فكل ما يحدث في مصر يلقى صداه في الشام وهذا ما حدث بالفعل، فهذه الشام من أقصاها إلى أقصاها تثور على نمرودها الأسد الصغير بمظاهرات سلمية حضارية ما عرف التاريخ لها مثيلاً، حيث جوبه هؤلاء المتظاهرون، الذين يرفعون بأيدهم الورود وأغصان الزيتون وتصدح حناجرهم بمفردات الحرية والكرامة والديمقراطية والعدالة، جوبهوا بالرصاص الحي يخترق صدورهم العارية وقاماتهم المنتصبة ورؤوسهم المرفوعة، فنمرود الشام ونظامه لا يريد لأبناء الشعب رؤوساً عالية ولا قامات منتصبة، يريدهم عبيداً منحني الظهور مطأطئي الرؤوس منكسري الهامات.. ولكن هيهات هيهات، فثوار الشام قالوا كلمتهم واتخذوا قرارهم (الله سورية حرية وبس).
وأثبت ثوار الشام تصميماً وتحدياً زعزع كيان نمرود الشام وزلزل الأرض من تحت أقدامه وجعلته حائراً غير متوازن في اتخاذ قراراته، فلم تسعفه كل أفانين الكذب والتضليل والفبركات والقوانين والمراسيم والقرارات، وما يمتلك من وسائل إعلام وأبواق سخرها في تسويق دعاويه بأن المنتفضين حفنة من المندسين والمتآمرين والمخربين والعملاء والخون والمأجورين والسلفيين والإرهابيين، ولم تسعفه جيوش الشبيحة ورجال الأمن ولا فرق الجيش والحوامات، ولا دعم ملالي قم، ولا فرق الموت القادمة من الضاحية الجنوبية، ولا قتل الآلاف ولا تغييب الآلاف ولا تهجير الآلاف فالغضب اتسعت رقعته، فهذه الآلاف تثور متظاهرة لكل جرح ينزف، فالجسد الشامي بات جسداً واحداً يتداعى ملبياً صرخة جريح أو عويل أم أو نحيب ثكلى أو بكاء طفل تصدح حناجرهم (واحد واحد واحد الشعب السوري واحد).
لا تذهب بعيداً يا فرعون مصر فهذا نمرود الشام على إثرك فتمهل لتصحبه، فلن ينقضي رمضان بعون الله إلا وهو يقف في نفس الموقف الذي تقفه داخل قفص الاتهام، مكبل اليدين ينتظر العدالة لتقول كلمتها فيه وفي أعوانه وشبيحته ومرتزقته وقتلته، فهذا قدر الجبارين والطغاة والمستبدين.. إنها سنة الله في خلقه وهو القائل في الحديث القدسي الشريف: (العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما كسرت ظهره ولا أبالي).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق