الشهداء د.منذر ومعتز وإسلام قريقع كتبوا التاريخ بدمهم/ محمد داود


"وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ"

لم يتوقف النبض عن الانبعاث حتى الرمق الأخير، أقسموا أن يواصلوا العطاء... إنهم الشهداء الأبرار، الذين نكتب ونسجل لهم في الشهر الفضيل أروع ملاحم البطولة والفداء، ليرتقوا شهداء بعد أن اصطفاهم الله سبحانه وتعالى :الشهيد الدكتور "منذر قريقع " أبا باسم والشهيد المجاهد معتز قريقع أبا إسلام، وابنه إسلام ذو الربيعين.

كانت حيثيات المعركة التي خاضوها من العيار الثقيل في نظر طائرات الرصد الصهيونية التي تتربص بالآمنين لتلقي بصواريخها الأشد حقداً وأنكى، لكنها في نظر أصحاب الضمائر الحية هي مهمة إنسانية بحتة أراد الشهيد الطبيب تأديتها دون أن يكترث لا لطائرات ولا لتلك الصواريخ الحاقدة التي لا تفرق بين طبيبٍ أو معلمٍ أو عامل أو بين طفل برئ أو إمراءة من أبناء شعبنا، غايتها الوحيدة هو إيقاع أكبر عدد من الشهداء والجرحى..لقد اعتادوا الصهاينة على سفك دماء الأطفال الأبرياء وهم لايأبهون إلى قرارات الشرعية الدولية ولا للقانون الدولي خاصة اتفاقيات جنيف الرابعة من حقوق الإنسان.



الشهيد الطبيب كان هنا في مهمة إنسانية ومهنية وأخلاقية تستدعي الخروج.. فجعلوا من مركبتهم البسيطة "الدراجة النارية" التي سارعوا على ظهرها وبصحبتهم الطفل إسلام الذي تعرض لجرح بسيط في جبينه إلى قسم الاستقبال بمستشفى الشفاء، لم يعلم إسلام غدر الصهاينة الذين يحيكون الخطط الفاشلة ليغتالوا والده فقرر ألا يتخلى عن أبيه حتى اللحظة الأخيرة من حياته، أراد أن يمزج دمه بدم أبيه ودم عمه الدكتور منذر. لحظات كانت شديدة وصعبة بأن يفترق الأحباب المتلاحمين والمتشبثين بقوة مع بعضهم البعض وإسلام أوسطهم، كان التخبط الصهيوني ملامحه جلية في فعلتهم المنكرة التي استهدفت طبيب نشيط وأب رقيق وطفل برئ فأطلقوا صاروخ حقدهم ليفرقوا جمعهم الحميم لتتطاير أجسادهم إلى أشلاء متناثرة معبقة برائحة البارود، فاختلطت بعضها البعض وارتوت الأرض بدمائهم لتسجل جريمتهم في صفحات عز وليشهد التاريخ على جريمتهم الجبانة التي اعتادوا تنفيذها في كل زمان ومكان.

الطبيب الدكتور منذر لم يتأخر يوماً عن أداء واجبه الوطني والمهني، حتى وصف بالطبيب الميداني النشط، في كل محنة تجده بجوارك، بجوار شعبنا يضمد جراح أبناءه ومرضاه، وعلى يده كتبت النجاة لجرحى تدخلت فيها عناية الرحمن، وإصابات مكثت في قسم العناية المركزة بمشفى الشفاء، كما برز د. منذر في عدة مشاهد مصورة بثوبه الأبيض المعطر والملون بدماء الجرحى الزكية، جرحى حرب غزة " حرب الفرقان" وهو يقفز ويتنقل بين المصابين ليضمد جراحهم، كأنه ملاك الرحمة نزل عليهم، لله الحمد على هذه الأيدي المباركة المؤمنة ولتلك النفس الطيبة الخلوقة والمسؤولة التي تحدث عنها عشرات المرضى والمصابين وشهدوا له بالوفاء بعد أن غرس في قلبوهم معاني الأمل والطمأنينة والحياة، هو الطبيب الذي قدس مهنته فكان الاجتماعي المحبوب بين زملائه لايعرف الراحة أو الإعياء البدني والنفسي، وهذا اعتراف صريح وضمني بأنه قد ضاق صدر الأعداء الصهاينة وأصبحتم لهم كابوساً يطاردهم يدمر أوهامهم والخنجر في حلوقهم، لذلك استهدفوا حياتكم – جسدكم الطاهر فارتكبوا جريمتهم المفضوحة.

وعلى ذاك الدرب لم يتأخر معتز أبا إسلام الذي نعتز بتواضعه عن أداء واجبه الوطني فكان رحمه الله طيب القلب، محبوباً لدى الجميع، خجول وكريم مثالاً للأخلاق الحميدة، فكان نعم الرجل ونعم القائد الأشم، ومن أجمل صفاته هي غيرته على الإسلام، و مصاحبته للشهداء فكان محباً للجميع ومحبوباً من الجميع كان يشارك في جميع المناسبات، ولا تكاد الابتسامة تفارق وجه المضئ فكانت عنوانه على الدوام، كان مقداماً شجاعاً وفارساً في الميادين مقاتلاً ومرابطاً في سبيل الله "عين تبكي من خشية الله وعين تحرس في سبيل الله".وحصناً مرابطاً على ثغور الوطن، كان رمزاً للوحدة الوطنية الفلسطينية في علاقاته الحميمة مع كافة الفصائل الفلسطينية المقاومة لإذابة روح المحبة والتعاون والألفة بين جميع الفصائل الفلسطينية. كان الشهيد أبو إسلام استشهادياً عشق الجهاد وعشق الشهادة حتى باتت كل مطالبه وكل أمانيه لاسيما في هذه الأيام المباركة فكان يكثر من الصلاة وقيام الليل والدعاء.

أصيب أبو إسلام في وقت سابق وكتب الله له النجاة في أكثر من محاولة اغتيال ولكنه لم يكل ولم يمل ولم يثنيه ذلك عن مواصلة المشوار من جديد بإقدامه وشجاعته الباسلة وتصديه المتواصل للقوات الصهيونية المعتدية. وها هو يرتقي المجاهد إلى جنان العلياء بعدما انتصر على الجسد صائماً قائماً مجاهداً، بعد أن استهدفته طائرات الحقد الصهيونية ليرتقي شهيداً مقاوماً يخطو خطواته نحو الجنان، فرحم الله شهداءنا الأبرار وأدخلهم فسيح جناته.

استشهد د.منذر ومعتز وتركوا وديعة غالية وبإذن الله ستحمل اسمه وستمتلك خصاله التي لن تنتهي سلالتها الموروثة عن أبيهم الصابر المحتسب وتربوا عليها، "الحب والعطاء والوفاء وعمل الخير"، تعرف واجبها نحو دينها ووطنها. وغداً سيحمل هذا الشبل بندقية الثائر ليثأر لدم والده ولشقيقه إسلام. فهنيئاً لكم الشهادة أيها الفوارس، فبدمائكم يكتب التاريخ وتعبد طريق الأجيال الصاعدة..امضوا وناموا قريني الأعين فقد سكنتم في أعماق فؤادنا، فوالله لا ولن ننساكم وسنطوي القلب على ذكراكم، رغم آلم لحظة الفراق التي هي أصعب ما في الكون، بعد أن فاجئتمونا برحيلكم دون موعد، ودون أن تستأذنوا بالرحيل.. دون أن نقبل جبينكم الطاهر، لكنكم سبقتونا إلى الجنان بإذن الله تعالى، هناك مع النبيين والصديقين وحسن أولئك رفيقاً.... فعلى أمثالكم يحق للقلب أن يمتلئ حزناً على الفراق.. وحق للعين أن تدمع. ولكن عبثاً يحاولون قتل شعب أراد التحرر والاستقلال.. شعب لا يتنازل عن أرض الآباء والأجداد .. وحتماً سنبقى للعهد حافظين وبذكراكم الخالدة متمسِّكين.

كاتب وباحث


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق