انه التحدي الأكبر وربما الفرصة الأخيرة أمام العرب ليثبتوا جدارتهم في البقاء بعد ان بلغوا أدنى مستويات التخاذل وانعدام الوعي القومي لمواكبة ما يعيشه عالم اليوم من ثورات علمية وصناعية وثقافية، فاستقروا في أسفل السلّم الحضاري.
كانت الحقبة التي تلت الحرب العالمية الثانية اي قبل ثلثي قرن حقبة انهزامات وتراجع لدى العرب، ابتداء من ضياع فلسطين الى العدوان الثلاثي الى هزيمة حزيران واحتلال اراضٍ عربية جديدة الى حرب لبنان وانتهاء بالكارثة الكبرى أي تدمير العراق كياناً ودولة...
لم تشهد أي منطقة في العالم ما شهده العالم العربي من حروب وغليان واضطرابات وإهدار للدماء البريئة بتدبير خارجي وتواطؤ داخلي.
ان نعمة النفط تحولت الى لعنة. انها ثروة خيالية وهبتها الطبيعة للعرب وتدر عليهم نحو ٠٠٩ مليار دولار سنوياً، دون ان يتمكنوا من تطوير أنفسهم بتحديث الدساتير والقوانين وإخراج المواطن من الجهل والبداوة مكتفين بالظواهر الرخيصة والإسراف المجرم احياناً والتركيز على تطوير الحجر وإهمال البشر.
لهذه الاسباب وغيرها سيطرت الأمّية وسيطر الخوف في ظلّ حكم الفرد والأسرة والارهاب، فلم يبق للمواطن العفوي سوى اللجوء الى الصلاة ومناجاة الله، فتسربت التعاليم والتوجيهات الدينية الى أذهان الكثيرين في غياب حرية العمل السياسي المدني.
ان صعود الإسلاميين ليس جديداً. فقد كان تنظيم الاخوان في مصر يضم اكثر من مليون عضو قبل ستين عاماً وعاشوا سنين طويلة من الاضطهاد والملاحقة وتحولوا منذ اكثر من ثلث قرن الى حزب اكثر اعتدالاً وتفهماً للواقع على خلاف المجموعات السلفية والتكفيرية.
في كل انتخابات عربية حرة او شبه حرة جرت منذ ٥٢ عاماً وحتى الساعة، كان الاسلاميون قوة بارزة ابتداء من الاردن والجزائر في ثمانينات القرن الماضي، مرورا بتونس والمغرب، وانتهاء بمصر حالياً. وفي الجزائر منع الاسلاميون من تسلم السلطة او حتى المشاركة في الحكم ما أدى الى مجازر وردات فعل رهيبة.
لماذا الخوف من الاسلاميين؟
لماذا لا يترك لهم المجال ليتعرف الرأي العام على تجربتهم وتوجهاتهم؟.. لا يعرف العرب تجربة جدية لحكم الاسلاميين سوى تلك السائدة في السعودية دون احكام دستورية او قانونية خارج الكتاب اي القرآن الكريم.
اذا كانت السيدة هيلاري كلينتون وزيرة خارجية اوباما تقول انها ترحب بحكم الاسلاميين ومستعدة للتعامل معهم، فلماذا التخوف العربي من حكمهم او من مشاركتهم في الحكم؟
لا شك ان السيدة كلينتون معبأة بالثقافة الصهيونية التي ترى ان عالماً عربياً يخضع للاسلام المتشدد المعادي للمسيحية والغرب عامة يفسح المجال لصراع غربي - اسلامي وقيام صليبية جديدة تستفيد منها اسرائيل... وربما تفضل السيدة كلينتون فوز السلفيين المصريين الذين يدعو زعيمهم عبد المنعم الشحّات الى عودة حكم الشريعة وإلغاء الدستور والقوانين واعتماد الجلد وقطع يد السارق ورجم الزانية ومنع الخمور وارتياد المسابح ومنع الافلام والغناء وهدم ابو الهول والاهرامات وفرض الحجاب وتشجيع النقاب.
انه التحدي الاكبر كما قلنا في مطلع هذه الكلمة.. انه التحدي للاسلاميين كما لمعارضيهم وشركائهم. فاذا كان حزب الاخوان المسلمين وبعد ٣٨ عاما على تأسيسه، لا يعرف ان العصر يتغير ويتطور وقبول الآخر ليس أقل من حقيقة وواقع وجزء من جوهر جميع الاديان والاعراف، اذا كان الاخوان لا يعرفون ذلك فهنا الكارثة ومكمن الخطر وبداية الصراع والاقتتال والعودة الى مرحلة الصفر.
كذلك انه التحدي امام الاحزاب والقوى القومية والعلمانية واليسارية لتسعى وتناضل بجدية ومثابرة لاجتذاب الرأي العام، وهذا ليس بالامر الصعب لان المجتمع المصري كان دائما انفتاحياً ومتسامحاً.
وعلى الجميع ان يتذكروا دائماً ان الوضع الاقتصادي المصري السيء وانخفاض مستوى المعيشة وانتشار الفقر، كل هذه أدت الى تسلل الاموال الخارجية وقيام تجمعات ومدارس متطرفة، وهذه التجارب ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في التاريخ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق