الاسلاميون قادمون.. لماذا لا تقبل التجربة/ بطرس عنداري

‮ ‬انه‮ ‬التحدي‮ ‬الأكبر‮ ‬وربما‮ ‬الفرصة‮ ‬الأخيرة‮ ‬أمام‮ ‬العرب‮ ‬ليثبتوا‮ ‬جدارتهم‮ ‬في‮ ‬البقاء‮ ‬بعد‮ ‬ان‮ ‬بلغوا‮ ‬أدنى‮ ‬مستويات‮ ‬التخاذل‮ ‬وانعدام‮ ‬الوعي‮ ‬القومي‮ ‬لمواكبة‮ ‬ما‮ ‬يعيشه‮ ‬عالم‮ ‬اليوم‮ ‬من‮ ‬ثورات‮ ‬علمية‮ ‬وصناعية‮ ‬وثقافية،‮ ‬فاستقروا‮ ‬في‮ ‬أسفل‮ ‬السلّم‮ ‬الحضاري‮.‬
كانت‮ ‬الحقبة‮ ‬التي‮ ‬تلت‮ ‬الحرب‮ ‬العالمية‮ ‬الثانية‮ ‬اي‮ ‬قبل‮ ‬ثلثي‮ ‬قرن‮ ‬حقبة‮ ‬انهزامات‮ ‬وتراجع‮ ‬لدى‮ ‬العرب،‮ ‬ابتداء‮ ‬من‮ ‬ضياع‮ ‬فلسطين‮ ‬الى‮ ‬العدوان‮ ‬الثلاثي‮ ‬الى‮ ‬هزيمة‮ ‬حزيران‮ ‬واحتلال‮ ‬اراضٍ‮ ‬عربية‮ ‬جديدة‮ ‬الى‮ ‬حرب‮ ‬لبنان‮ ‬وانتهاء‮ ‬بالكارثة‮ ‬الكبرى‮ ‬أي‮ ‬تدمير‮ ‬العراق‮ ‬كياناً‮ ‬ودولة‮...‬
لم‮ ‬تشهد‮ ‬أي‮ ‬منطقة‮ ‬في‮ ‬العالم‮ ‬ما‮ ‬شهده‮ ‬العالم‮ ‬العربي‮ ‬من‮ ‬حروب‮ ‬وغليان‮ ‬واضطرابات‮ ‬وإهدار‮ ‬للدماء‮ ‬البريئة‮ ‬بتدبير‮ ‬خارجي‮ ‬وتواطؤ‮ ‬داخلي‮.‬
‮ ‬ان‮ ‬نعمة‮ ‬النفط‮ ‬تحولت‮ ‬الى‮ ‬لعنة‮. ‬انها‮ ‬ثروة‮ ‬خيالية‮ ‬وهبتها‮ ‬الطبيعة‮ ‬للعرب‮ ‬وتدر‮ ‬عليهم‮ ‬نحو‮ ٠٠٩ ‬مليار‮ ‬دولار‮ ‬سنوياً،‮ ‬دون‮ ‬ان‮ ‬يتمكنوا‮ ‬من‮ ‬تطوير‮ ‬أنفسهم‮ ‬بتحديث‮ ‬الدساتير‮ ‬والقوانين‮ ‬وإخراج‮ ‬المواطن‮ ‬من‮ ‬الجهل‮ ‬والبداوة‮ ‬مكتفين‮ ‬بالظواهر‮ ‬الرخيصة‮ ‬والإسراف‮ ‬المجرم‮ ‬احياناً‮ ‬والتركيز‮ ‬على‮ ‬تطوير‮ ‬الحجر‮ ‬وإهمال‮ ‬البشر‮.‬
لهذه‮ ‬الاسباب‮ ‬وغيرها‮ ‬سيطرت‮ ‬الأمّية‮ ‬وسيطر‮ ‬الخوف‮ ‬في‮ ‬ظلّ‮ ‬حكم‮ ‬الفرد‮ ‬والأسرة‮ ‬والارهاب،‮ ‬فلم‮ ‬يبق‮ ‬للمواطن‮ ‬العفوي‮ ‬سوى‮ ‬اللجوء‮ ‬الى‮ ‬الصلاة‮ ‬ومناجاة‮ ‬الله،‮ ‬فتسربت‮ ‬التعاليم‮ ‬والتوجيهات‮ ‬الدينية‮ ‬الى‮ ‬أذهان‮ ‬الكثيرين‮ ‬في‮ ‬غياب‮ ‬حرية‮ ‬العمل‮ ‬السياسي‮ ‬المدني‮.‬
ان‮ ‬صعود‮ ‬الإسلاميين‮ ‬ليس‮ ‬جديداً‮. ‬فقد‮ ‬كان‮ ‬تنظيم‮ ‬الاخوان‮ ‬في‮ ‬مصر‮ ‬يضم‮ ‬اكثر‮ ‬من‮ ‬مليون‮ ‬عضو‮ ‬قبل‮ ‬ستين‮ ‬عاماً‮ ‬وعاشوا‮ ‬سنين‮ ‬طويلة‮ ‬من‮ ‬الاضطهاد‮ ‬والملاحقة‮ ‬وتحولوا‮ ‬منذ‮ ‬اكثر‮ ‬من‮ ‬ثلث‮ ‬قرن‮ ‬الى‮ ‬حزب‮ ‬اكثر‮ ‬اعتدالاً‮ ‬وتفهماً‮ ‬للواقع‮ ‬على‮ ‬خلاف‮ ‬المجموعات‮ ‬السلفية‮ ‬والتكفيرية‮.‬
في‮ ‬كل‮ ‬انتخابات‮ ‬عربية‮ ‬حرة‮ ‬او‮ ‬شبه‮ ‬حرة‮ ‬جرت‮ ‬منذ‮ ٥٢ ‬عاماً‮ ‬وحتى‮ ‬الساعة،‮ ‬كان‮ ‬الاسلاميون‮ ‬قوة‮ ‬بارزة‮ ‬ابتداء‮ ‬من‮ ‬الاردن‮ ‬والجزائر‮ ‬في‮ ‬ثمانينات‮ ‬القرن‮ ‬الماضي،‮ ‬مرورا‮ ‬بتونس‮ ‬والمغرب،‮ ‬وانتهاء‮ ‬بمصر‮ ‬حالياً‮. ‬وفي‮ ‬الجزائر‮ ‬منع‮ ‬الاسلاميون‮ ‬من‮ ‬تسلم‮ ‬السلطة‮ ‬او‮ ‬حتى‮ ‬المشاركة‮ ‬في‮ ‬الحكم‮ ‬ما‮ ‬أدى‮ ‬الى‮ ‬مجازر‮ ‬وردات‮ ‬فعل‮ ‬رهيبة‮.‬
لماذا‮ ‬الخوف‮ ‬من‮ ‬الاسلاميين؟
لماذا‮ ‬لا‮ ‬يترك‮ ‬لهم‮ ‬المجال‮ ‬ليتعرف‮ ‬الرأي‮ ‬العام‮ ‬على‮ ‬تجربتهم‮ ‬وتوجهاتهم؟‮.. ‬لا‮ ‬يعرف‮ ‬العرب‮ ‬تجربة‮ ‬جدية‮ ‬لحكم‮ ‬الاسلاميين‮ ‬سوى‮ ‬تلك‮ ‬السائدة‮ ‬في‮ ‬السعودية‮ ‬دون‮ ‬احكام‮ ‬دستورية‮ ‬او‮ ‬قانونية‮ ‬خارج‮ ‬الكتاب‮ ‬اي‮ ‬القرآن‮ ‬الكريم‮.‬
‮ ‬اذا‮ ‬كانت‮ ‬السيدة‮ ‬هيلاري‮ ‬كلينتون‮ ‬وزيرة‮ ‬خارجية‮ ‬اوباما‮ ‬تقول‮ ‬انها‮ ‬ترحب‮ ‬بحكم‮ ‬الاسلاميين‮ ‬ومستعدة‮ ‬للتعامل‮ ‬معهم،‮ ‬فلماذا‮ ‬التخوف‮ ‬العربي‮ ‬من‮ ‬حكمهم‮ ‬او‮ ‬من‮ ‬مشاركتهم‮ ‬في‮ ‬الحكم؟
لا‮ ‬شك‮ ‬ان‮ ‬السيدة‮ ‬كلينتون‮ ‬معبأة‮ ‬بالثقافة‮ ‬الصهيونية‮ ‬التي‮ ‬ترى‮ ‬ان‮ ‬عالماً‮ ‬عربياً‮ ‬يخضع‮ ‬للاسلام‮ ‬المتشدد‮ ‬المعادي‮ ‬للمسيحية‮ ‬والغرب‮ ‬عامة‮ ‬يفسح‮ ‬المجال‮ ‬لصراع‮ ‬غربي‮ - ‬اسلامي‮ ‬وقيام‮ ‬صليبية‮ ‬جديدة‮ ‬تستفيد‮ ‬منها‮ ‬اسرائيل‮... ‬وربما‮ ‬تفضل‮ ‬السيدة‮ ‬كلينتون‮ ‬فوز‮ ‬السلفيين‮ ‬المصريين‮ ‬الذين‮ ‬يدعو‮ ‬زعيمهم‮ ‬عبد‮ ‬المنعم‮ ‬الشحّات‮ ‬الى‮ ‬عودة‮ ‬حكم‮ ‬الشريعة‮ ‬وإلغاء‮ ‬الدستور‮ ‬والقوانين‮ ‬واعتماد‮ ‬الجلد‮ ‬وقطع‮ ‬يد‮ ‬السارق‮ ‬ورجم‮ ‬الزانية‮ ‬ومنع‮ ‬الخمور‮ ‬وارتياد‮ ‬المسابح‮ ‬ومنع‮ ‬الافلام‮ ‬والغناء‮ ‬وهدم‮ ‬ابو‮ ‬الهول‮ ‬والاهرامات‮ ‬وفرض‮ ‬الحجاب‮ ‬وتشجيع‮ ‬النقاب‮.‬
انه‮ ‬التحدي‮ ‬الاكبر‮ ‬كما‮ ‬قلنا‮ ‬في‮ ‬مطلع‮ ‬هذه‮ ‬الكلمة‮.. ‬انه‮ ‬التحدي‮ ‬للاسلاميين‮ ‬كما‮ ‬لمعارضيهم‮ ‬وشركائهم‮. ‬فاذا‮ ‬كان‮ ‬حزب‮ ‬الاخوان‮ ‬المسلمين‮ ‬وبعد‮ ٣٨ ‬عاما‮ ‬على‮ ‬تأسيسه،‮ ‬لا‮ ‬يعرف‮ ‬ان‮ ‬العصر‮ ‬يتغير‮ ‬ويتطور‮ ‬وقبول‮ ‬الآخر‮ ‬ليس‮ ‬أقل‮ ‬من‮ ‬حقيقة‮ ‬وواقع‮ ‬وجزء‮ ‬من‮ ‬جوهر‮ ‬جميع‮ ‬الاديان‮ ‬والاعراف،‮ ‬اذا‮ ‬كان‮ ‬الاخوان‮ ‬لا‮ ‬يعرفون‮ ‬ذلك‮ ‬فهنا‮ ‬الكارثة‮ ‬ومكمن‮ ‬الخطر‮ ‬وبداية‮ ‬الصراع‮ ‬والاقتتال‮ ‬والعودة‮ ‬الى‮ ‬مرحلة‮ ‬الصفر‮.‬
كذلك‮ ‬انه‮ ‬التحدي‮ ‬امام‮ ‬الاحزاب‮ ‬والقوى‮ ‬القومية‮ ‬والعلمانية‮ ‬واليسارية‮ ‬لتسعى‮ ‬وتناضل‮ ‬بجدية‮ ‬ومثابرة‮ ‬لاجتذاب‮ ‬الرأي‮ ‬العام،‮ ‬وهذا‮ ‬ليس‮ ‬بالامر‮ ‬الصعب‮ ‬لان‮ ‬المجتمع‮ ‬المصري‮ ‬كان‮ ‬دائما‮ ‬انفتاحياً‮ ‬ومتسامحاً‮.‬
وعلى‮ ‬الجميع‮ ‬ان‮ ‬يتذكروا‮ ‬دائماً‮ ‬ان‮ ‬الوضع‮ ‬الاقتصادي‮ ‬المصري‮ ‬السيء‮ ‬وانخفاض‮ ‬مستوى‮ ‬المعيشة‮ ‬وانتشار‮ ‬الفقر،‮ ‬كل‮ ‬هذه‮ ‬أدت‮ ‬الى‮ ‬تسلل‮ ‬الاموال‮ ‬الخارجية‮ ‬وقيام‮ ‬تجمعات‮ ‬ومدارس‮ ‬متطرفة،‮ ‬وهذه‮ ‬التجارب‮ ‬ليست‮ ‬الأولى‮ ‬ولن‮ ‬تكون‮ ‬الأخيرة‮ ‬في‮ ‬التاريخ‮.‬

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق