مصفحات البرلمان بين سوء الفهم والامتحان/ صالح الطائي

لم أكن (انتوي) كما قال الرئيس المخلوع حسني مبارك الخوض في حيثيات تصويت نشامى البرلمان العراقي في نفس يوم التفجيرات الدموية التي طالت الأبرياء في الخميس الأسود على موضوع شراء السيارات المصفحة لحماية النواب من أيدي الغدر ومن ينشر الخراب، أثناء تجوالهم المستمر الدءوب بكل الدروب، ليلا ونهارا، جُمعا وأعيادا، عُطلا ودواما، في شوارع وأزقة و(درابين) و (زنقات) العراق بحثا في زواياه الثلاث الجنوبية والشرقية والغربية، والشمالية لا، عن من (ينتوي) الإساءة للعراقيين بحقده الدفين، أو عن منظر مسيء مثير يستوجب التغيير، أو شارع قديم يشكو من التهديم، أو فقير مدقع يستحق العطاء، أو أرملة مثبورة تبحث عن لقمة لأيتامها عند الوسطاء، أو مكتشف قصي لا يملك وسيلة الاتصال بهم في عقر خضرائهم العتيدة ليعرض عليهم ابتكاراته المفيدة والجديدة قبل ميتته الأكيدة، أو حتى عن (اسكافي) دفعه حضه العاثر ليفتح محل سراجة في جزر (الواق واق) ليعلق على بابها شهاداته الأكاديمية بعد أن لم يجد بابا للارتزاق في كل العراق. ولم أكن (انتوي) مطلقا الربط بـ(خبث) بين توقيت التصويت مع توقيت العمليات الإرهابية الأضخم في تاريخ الغدر كله، تلك التفجيرات التي تركت على وجه العراق جرحا غائرا، وفي قلب أهله حسرة ولوعة.
ولكن تسرع الكتاب المثقفين والمتحدثين من الشامتين والناقدين، المتعلمين والأميين، من العراقيين المهاجرين والمقيمين بالطعن بالقرار واتهام النواب بأنهم (ينتوون) الفرار من الدار، أثبت لي أنهم غير مطلعين على الأسباب التي دعت المجلس الموقر إلى اتخاذ مثل هذه الخطوة الأخطر، وهذا ما دفعني عنوة للحديث في السياسة التي طلقتها ثلاثا برغبة وكياسة أكثر من مرة و(جحشتها) أكثر من مرة لكي تحل لي، حتى عدت لا أدري إذا ما كانت الشريعة تبيح لي ذلك أم لا.
المسألة أيها الأخوان لا كما تتصورون، فالبرلمان ليس لا (ينتوي) أبدا أن يميز أعضاءه عن باقي العراقيين لا من حيث المرتب الشهري، ولا من حيث المخصصات، أو الحمايات، أو الأراضي النؤاسية على الشواطيء الذهبية، أو سفرات الاستجمام الفردية والجماعية، أو الذهاب إلى مكة لحج بيت الله بعدد سنين الدورة الانتخابية، أو الضحك على ذقون الأغلبية، مع أن أعضاءه لا يعرفون شيئا عن شعرة معاوية.
البرلمان ورجاله يا سادتي أعدل مما تتصورون، وأنظف من كل مساحيق التنظيف ذات الماركات العالمية، ولمن لا يثق برأيي، أقول : اكتب اسم مجلس النواب العراقي أو اسم احد البرلمانيين على ورقة وأغتسل بها عشرات المرات بدل الصابون، واغسل بها ملابسك القذرة بدل المساحيق على طول العام، ستجدها تتجوهر مع كل استخدام، وتنمو بمرور الأعوام، وتعطي رغوة اكبر مع تتابع الأيام، وتجدها صالحة لغسل البياضات والألوان من الصوف والحرير والكتان مثلما هم صالحون للعمل في كل المناصب واللجان.
يا سادتي الكرام أنتم لستم نيام، ويجب أن تعرفوا أن برلماننا العتيد ذو التاريخ المجيد والعيش الأكثر من رغيد اتخذ هذه الخطوة التاريخية بسبب خلاف نشأ بين أعضاء اللجان البرلمانية حول الاعتراف بدولة (خيبستان) الديمقراطية، اللقيطة التي لم توجد بعد على الخريطة، استباقا للأحداث، ودفعا للملل من الكسل وذلك لعدم وجود مشكلة لدى العراقيين تستحق النقاش، والطرح على الفراش. ولأنه عجز عن تقريب رؤى الطرفين المتخاصمين (انتوى) إخضاع الشعب إلى اختبار وامتحان وزنوه بأعدل ميزان، لمعرفة ردة فعل الجماهير العراقية على مثل هذه القضايا المصيرية، فأطلق (بالون) السيارات المصفحة منتظرا ردة فعل الشارع المذبوح وصرخة قلب الأمة المجروح، لكي يثبت للمُصرين على رأيهم من أعضائه أنهم واهمون، فيتنازلون عن المصيبة التي كانوا (ينتوون) أن يفعلوها وفق القانون،والدليل أنهم بعد الضجة و(العجة) قرروا إعادة التصويت على القرار البخيت ويا دار ما دخلك شر ولا (جكليت) لكن شعبنا بمثقفيه وأمييه لم يدرك هذا المقصد (الشريف اللطيف الظريف العفيف) فأنطلق معبرا عن غضبه الجارف، حالفا بكل المصاحف، أن أعضاء البرلمان، رجالا ونسوان، لا يمثلون سوى أنفسهم، ولا يحرصون إلا على مصالحهم (والعياذ بالله) فكم أنت حسود ولئيم أيها العراقي المسكين لتشكك بنوايا البرلمانيين الخيرين الطيبين النزيهين!
إن تبرئة النواب ذوي الهمم العالية مما ألحق بهم من التهم البالية هو ما جعلني (انتوي) الكتابة بشكل صريح، فقط للتوضيح، عسى أن يساندني النواب القدماء الذين بات يومهم قريبا ورحيلهم أكيدا، يساعدوني بالفوز إذا ما (انتويت) الترشيح لعضوية البرلمان قبل أن أذهب إلى (التفصيخ) بالعربي (الفسيح)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق