مرتا، مرتا، وأولويات المدارس الكاثوليكية/ الياس بجاني


"باركوا ولا تلعنوا. افرحوا مع الفرحين وابكوا مع الباكين. كونوا متفقين، لا تتكبروا بل اتضعوا. لا تحسبوا أنفسكم حكماء. لا تجازوا أحداً شراً بشر، واجتهدوا أن تعملوا الخير أمام جميع الناس. سالموا جميع الناس إن أمكن، على قدر طاقتكم". (رومة 12/14-18)
مما لا شك فيه أن كلفة استئجار "صالة السفراء" الفخمة في كازينو لبنان حيث أقامت اللجنة الأسقفية للعائلة والحياة التابعة لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في 27 تموز/12 عشائها السنوي، هو أمر مكلف وبالتأكيد احتاج لرزمة كبيرة ومنتفخة من الدولارات كان بالإمكان الاستفادة منها في مساعدة مجموعة كبيرة من الطلاب في المدارس الكاثوليكية الذين ومنذ أن بدأت العطلة الصيفية ممنوع عليهم استلام علامات ونتائج فحوصاتهم لآخر السنة على خلفية الضيقة المالية التي يعاني منها ذويهم الغير قادرين على دفع ما هو متأخر على أولادهم من أقساط.
بالتأكيد لو كان مبدأ التواضع ومد اليد للمحتاجين معمولا به من قبل الأساقفة الكرام لكان بالإمكان إقامة هذا العشاء في أي صالة من صالات الكنائس والمطرانيات والمدارس الكاثوليكية، وما أكثرها، والاستفادة من المبلغ الذي دُفع لاستئجار "صالة السفراء" في حل أزمة الطلاب المحرومين بسبب فقر ذويهم من فرحة النجاح بمجهود وتعب سنة مدرسية كاملة.
اللافت أن الكلمة التي ألقاها خلال العشاء رئيس اللجنة الأسقفية للعائلة والحياة التابعة لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك، المطران انطوان نبيل العنداري، تناولت وطأة الضائقة الاقتصادية على العائلة ونتائجها الاجتماعية، حيث قال: "تعاني العائلة في لبنان والشرق الأوسط ضائقة اقتصادية خانقة بسبب الحروب الدائرة والأوضاع الاقتصادية المحلية والعالمية، فانعكست حرمانا وتوترا وهجرة وشرذمة. وتتعرض العائلة إلى انتهاك قدسيتها وتشويه وجهها عبر الانجرافات الخلقية التي تحط من كرامتها بسبب أجواء العنف والعبثية وانحطاط القيم والأخلاق وغياب الأهل وضعف السلطة الوالدية".
جدير ذكره ولعلى في التذكير بعض من الفائدة، فقد جاء في رسالة القديس يعقوب 2/26: " لأنه كما أن الجسد بدون روح ميت، هكذا الإيمان أيضا بدون أعمال ميت". من هنا نسأل ما نفع الكلام إن كان لمجرد الكلام، وما نفع المواعظ إن كانت فقط نظرية وغير مقرونة بالأعمال؟
بمحبة وبصراحة متناهية نرى إيمانياً وانسانياً أن تصرف إدارة المدارس الكاثوليكية "العسكري والمستبد" مع شريحة كبيرة من طلابها بهذا المنطق المالي الصرف هو أمر مستنكر، لا بل هو خطيئة وفيه الكثير من مكنونات الاستكبار والشرود والجحود التي لا يمكن فهمها إلا بعقلية التاجر الذي يبغي الربح لمجرد الربح. كما أنه تصرف بعيد كل البعد عن جوهر الإنجيل المقدس وعن أسس الدعوة الكهنوتية وعن نذورات العفة والطاعة والفقر، والأهم هو تصرف لا يمت بصلة لرسالة المدارس الكاثوليكية.
أين هو سلم الأولويات، وأين هم القيمين على المدارس الكاثوليكية من قول السيد المسيح: "مرتا، مرتا تهتمين بأمور كثيرة فيما المطلوب واحد"؟ والمطلوب هنا يا سادة ويا قيمين على المدارس الكاثوليكية هو احترام كرامة الفقير من أهلنا وتأمين التعليم لأولاده دون ذل وإهانات وتفرقة. ترى أليست تصرفات مهينة كهذه سبباً مهماً من أسباب هجرة المئات من العائلات اللبنانية المسيحية كل شهر؟
 المستغرب في متاهات التناقضات والأولويات التي يعاني منها رجال الدين الأجلاء في وطن الأرز، وأيضاً على خلفية إيمانية هو أن الكنيسة تعمل بجهد لافت من خلال مؤسسات كثيرة كنسية وغير كنسية ومحلية واغترابية على تسجيل أبناء المغتربين اللبنانيين المسيحيين في السفارات بهدف محافظتهم على جنسيتهم اللبنانية، كما تشجع هؤلاء المغتربين على العودة إلى الوطن الأم ولو بقصد الزيارات والمشاركة في الانتخابات وفي دعم الاقتصاد وغيرها الكثير من  أمور المواطنية. هذه جهود مشكورة وكما نعلم فهي تكلف الملايين التي يتبرع بها عدداً كبيراً من المقتدرين المقيمين والمغتربين.
نسأل بحزن، أين هم هؤلاء المقتدرين ولماذا لا يساعدون من هم فعلاً بحاجة لمساعدة؟
ترى أين هو المنطق، وأين هي الحكمة، وأين هي روحية الإنجيل، وأين هي أسس المحبة والأخوة في إذلال عدد كبير من الأهالي غير القادرين على دفع ما تبقى على أولادهم من أقساط في المدارس الكاثوليكية؟ وهل يعود لكل الجهود الكنسية الأخرى المتعلقة بالمغتربين أي فائدة فيما يُدفع المقيم للهجرة؟
يا سادة يا كرام، يا من دُعيتم لحمل رسالة البشارة أين هي ينابيع المحبة في ممارساتكم التي شرح مفهومها القديس بولس الرسول (1 كورنثوس 13/01-08: "إن كنت أتكلم بألسنة الناس والملائكة ولكن ليس لي محبة، فقد صرت نحاسا يطن أو صنجاً يرن، وإن كانت لي نبوة، وأعلم جميع الأسرار وكل علم، وإن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال، ولكن ليس لي محبة، فلست شيئا، وإن أطعمت كل أموالي ، وإن سلمت جسدي حتى أحترق، ولكن ليس لي محبة، فلا أنتفع شيئا، المحبة تتأنى وترفق. المحبة لا تحسد. المحبة لا تتفاخر، ولا تنتفخ ولا تقبح، ولا تطلب ما لنفسها، ولا تحتد، ولا تظن السؤ ولا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق وتحتمل كل شيء، وتصدق كل شيء، وترجو كل شيء، وتصبر على كل شيء. المحبة لا تسقط أبدا . وأما النبوات فستبطل، والألسنة فستنتهي، والعلم فسيبطل")

في الخلاصة، المطلوب الرجوع  إلى حضن المحبة على أن ترافقها صحوة ضمير كهنوتية مع عودة إلى جوهر الرسالة والدعوة والنذورات قبل فوات الأوان.
مع القديس يعقوب (02/05) نختم قائلين لمن يعنيهم الأمر: "اسمعوا يا إخوتي الأحباء: أما اختار الله فقراء هذا العالم أغنياء في الإيمان، وورثة الملكوت الذي وعد به الذين يحبونه؟ ومن من له أذنان صاغيتان فليسمع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق