إنَّ العلماء اليوم لعلى علم تام وأكيد أنَّ حياةً بشرية حَضرية على سطح كوكب المريخ الأحمر باتت أمراً وشيكاً. ففي المؤتمر الذي نظمته وكالة الفضاء الأمريكية " ناسا " في واشنطن أواخرَ شهر أكتوبر عام 1984 قرر المشاركون فيه أنَّ هناك ثمّة من سؤال واحد فقط لم يجدوا له جواباً بعدُ : أية لغة يتكلمُ البشرُ الأولُ الذي يحطُّ على سطح المريخ ، الإنكليزية أم الروسية ؟ السباق نحو المريخ أضحى حقيقة قائمة. إنَّ أول خطوة أمريكية صغيرة صوب المريخ ستتضمن إطلاق محطة مدارية تدورُ حول هذا الكوكب في عام 1992. كما قرر أحدُ روّادُ الفضاء الأمريكان أمام هذا المؤتمر أنَّ أول بعثة أمريكية إلى المريخ نفسه قد تغدو ممكنة حوالي عام 2010 الميلادي ( حصل هذا ولكن في عامنا هذا 2012 ). إلاّ أنَّ هذا الرائد نفسه عاد فحذّرَ المؤتمرين مصرّحاً بأنَّ كل المعطيات تُشيرُ إلى أنَّ السوفيات ساعين فعلاً وبمنتهى الجديّة إلى تحقيق برنامجهم الخاص الرامي إلى فرض هويتهم وتثبيت وجودهم الخاص في أعماق الفضاء وعلى سطح كوكب المريخ قبل الولايات المتحدة الأمريكية ( لم يحصل هذا الأمر حتى اليوم. إنها الفوبيا الأمريكية من الإتحاد السوفياتي السابق ... ولم تزل هي هي حتى في زمن روسيا الإتحادية الحالية ! ). لم تعلن أيٌّ من القوتين العُظميين برنامجاً رسمياً لإستطيان الكوكب الأحمر ولكنْ خبراء ناسا يعتقدون أنَّ عرضاً سوفياتياً فضائياً جليلاً من شأنه أنْ يُفجّرَ بداية السباق. يقول بعض هؤلاء الخبراء إنَّ السوفيات لم يشيروا بعدُ عَلَناً إلى مستقبل برامجهم بشأن استكشاف الفضاء ولكنْ رغم ذلك فليس مُستبعداً ـ إنْ لم يكنْ ممكناً جدّاً وفعلاً ـ أنْ يحاولوا وضع روّاد فضاء حول المريخ عام 1992 تخليداً للذكرى الخامسة والسبعين لثورة أكتوبر البلشفية. يُضيفُ هذا البعضُ أنَّ هناك شكاً كبيراً حول إمكانية السوفيات في إنزال رجل على سطح كوكب المريخ في هذا التأريخ بل مجرد دوران حول الكوكب فقط.
1 ـ البعثات الطويلة الأمد في الفضاء على متن سفينة الفضاء المدارية " ساليوت ". فلقد عاد إلى الأرض خريف عام 1984 ثلاثة رواد فضاء سوفيات بعد أنْ أمضوا 237 يوماً في بعثة داخل المحطة المدارية ساليوت 7 . معلوم أنَّ هذا العدد من الأيام يكفي سفن الفضاء لبلوغ المريخ.
2 ـ الدليل الثاني الذي تقدمه تقارير المخابرات الأمريكية مؤدّاهُ أنَّ السوفيات مشغولون الآن ببناء نظام دفع صاروخي جديد يُضاهي صاروخ ساتورن 5 من حيث الحجم ـ وهو الصاروخ الذي حمل رواد الفضاء الأمريكان إلى سطح القمر ـ والذي يفي بالمواصفات المطلوبة للوصول إلى كوكب المريخ.
3 ـ الدليل الثالث يأتي من داخل الإتحاد السوفياتي إذْ شرعت مؤخّراً المجلات العلمية بنشر فيض من المعلومات حول المريخ الأمر الذي يدل بوضوح على أنَّ المريخ مُستهدف. ولا عجبَ في هذا كما يقولُ ميشيل ديوك رئيس قسم إستكشاف المنظومة الشمسية في مركز فضاء جونسون التابع لناسا... حيث أنَّ لدى السوفيات إمكانات فضائية متطورة. كما أنهم ولفترة طويلة لم يقوموا بإنجاز فضائي مُثير لكنهم بصدد ذلك الآن.
يعتقد ديوك أنَّ موسكو يمكن أنْ تُعلن في عام 1992 لمناسبة الذكرى السنوية الخامسة والسبعين لثورة أكتوبر عن برنامج مكثّف وواسع حول المريخ يستهدفُ وضع رجال على سطحه في نهاية القرن العشرين. يقول ديوك إنَّ مجرد ذلك سيضع ضغطاً عظيماً على واشنطن لقبول التحدي والتصدي للهدف. وهذا الوضع يُشابه وضعاً قام في عام 1957 إثر إطلاق التابع الأرضي السوفياتي سبوتنيك 1 لمناسبة ذكرى ثورة أكتوبر حيث دشّن الحدثُ سباق الفضاء. يُضيفُ أحدُ رواد الفضاء المشاركين في مؤتمر " ناسا " آنف الذكر أنَّ الفجوة هي فجوة صغيرة من وجهة النظر التقنية بين وضع اليوم والقدرة على تأسيس محطة للرجال على سطح المريخ .. إنما المال والتمويل هما المشكلة ولا غير. فبعثة إلى المريخ تتطلب اموالاً خيالية ولا أحد يدري بالضبط كم ستكلّفُ مثل هذه البعثة من الأموال. ولأجل الحصول على المال اللازم فإنه يتعين على ناسا أنْ توظّفَ مقولة خطر سوفياتي يهدف إلى الإستئثار بالمريخ إحتلالاً أو إستيطاناً في حين تمضي قُدُماً في وضع الحجر الأساس في مشاريعها الخاصة بالمريخ.
لقد خطت ناسا خطوتها الأولية الأولى نحو المريخ عندما وافق الرئيس الأمريكي على تخصيص ثمانية بلايين دولار لبناء محطة فضاء وكان هذا القرار قد أُتخذ في شهر كانون الثاني عام 1984. أما مدير ناسا فقد أخبر المؤتمر أنَّ محطة أمريكية دائمة توضع على سطح القمر سيتم الإنتهاء منها خلال السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين. وأنَّ مثل هذه المحطة ستُعتبرُ إمتداداً معقولاً وطبيعياً لمجهودات الإنسان في سبر أغوار الفضاء. أضاف مدير ناسا أنَّ الوكالة ستعود إلى القمر لإستخراج غاز الأوكسجين من الصخور القمرية الغنية بهذا الغاز وبغيره من العناصر فضلاً عن إنشاء مركز خارجي يمكّن الإنسان من توسيع مجالات إستكشافه وينوّع أوجه فعالياته حول المنظومة الشمسية وبوجه خاص حول المريخ وتوابع الكوكب الأرضي.
ماذا عن الأوكسجين القمري ؟
تبدو فكرة إستخراج الأوكسجين من القمر ـ وهو كوكب خالٍ من الهواء ـ غريبة بل وقد لا يصدّقها البعض. لا غرابة في الأمر إذا عرفنا أنَّ الأوكسجين يدخل في نصف تكوين القمر. وأنَّ في الإمكان إستخلاص هذا الأوكسجين كيمياوياً من الصخور القمرية وتوظيفه كوقود للصواريخ التي ستُطلق من القمر صوب المريخ وما وراء المريخ. ذاك لأنَّ مزيج غازي الأوكسجين والهايدروجين يمثل قوة الدفع الأساسية للصاروخ حين إختراق هذا المزيج. أما غاز الهايدروجين نفسه فيمكن تصنيعه على سطح القمر. تتجلى أفضلية إستخدام سطح القمر كمنصة لإطلاق الصواريخ الكونية في أنَّ قوة الجذب القمري هي سُدس قوة الجاذبية الأرضية ، ومعنى ذلك في التطبيق أنَّ الصاروخ المنطلق من على سطح القمر يحتاجُ إلى سُدس قوة الدفع اللازمة للتغلب على قوة الجذب الأرضي فيما لو انطلق نفس الصاروخ من على سطح الأرض. هذا وأنَّ قوة الجاذبية القمرية الصغيرة تيسّر عمليات رفع المعادن الثقيلة من القمر إلى بقية أنحاء الفضاء. ومختصراً فإنَّ القمر سيصبحُ محطة وقود فضائية هائلة مُعلّقة في السماء.
يصفُ علماءُ الفضاء الأمريكان العناصر الأساسية لقاعدة قمرية تشتملُ على جزء شبيه بالغواصات يُدفن تحت تربة سطح القمر لحمايته من النشاط الإشعاعي العالي. كما أنَّ مُجملَ المستوطنة القمرية يمكن أنْ تنقسم إلى خمسة أقسام رئيسة هي : ميناء فضائي ، مركز إتصالات وخدمات، منطقة سكنية وترفيهية، مركز علمي وأخيراً مجمّع صناعي يضم المختبرات والورشات ومراكز التكرير والتنقية وتصنيع الأغذية وإنتاج غاز الأوكسجين والماء لمائة مستوطن يكون في وسعهم المكوث هناك لعام أوأكثر.
ما هي الآثار المباشرة لأول محطة قمرية ؟
تقول التقديرات الأولى إنَّ تأسيس مثل هذه المحطة سيؤشرُّ أول علامة هامة على الدور الذي يلعبه رائدُ الفضاء إذْ سيتحول هذا الرائد من زائر للفضاء إلى مستوطن له. وإنَ هذه الفكرة قد جعلت العلماء يحلّقون في تهويمات شاعرية وخيالات رومانسية لأنها تؤثّرُ بشكل مباشر في العنصر الأساس للطبيعة البشرية بإثارتها لروح المغامرة وتحدي الإنسان في أن يُنجز اعظم ما يمكن إنجازه سعياً وراء الكمال وجمال الخلق والإبداع.
المصادر /1 ـ مجلة ماكلينز الكندية الأسبوعية
Macleans
العدد 48 في 26.11.1984
2 ـ مجلة نيوزويك الأمريكية الأسبوعية العدد51 في 10.12.1984
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق