المغامرة ضد ايران: لانقاذ نتنياهو من السقوط السياسي/ نبيل عودة

يتوقع ان يغص المشهد السياسي في اسرائيل بمفاجآت كثيرة، مع اقترابنا ليوم انتخابات الكنيست. نتنياهو الذي قرر قبل أشهر انه حان الوقت للذهاب لإنتخابات مبكرة محذرا انه لن يسمح بحملة   انتخابات تستمر سنتين، تلحق الضرر باسرائيل، تراجع عن قراره، رغم ان الكنيست صوتت باغلبية غير عادية 109 نواب من بين 120 من اجل الانتخابات المبكرة، وكان تراجعه بعد انضمام شاؤول موفاز زعيم كاديما للحكومة، ثم استقال موفاز بحركة مسرحية افادته بتأخير الانتخابات لعله ينجح باعادة حزب كاديما الى وضع انتخابي مقبول حيث تشير كل التوقعات واستطلاعات الرأي ان كاديما تتفسخ وستنهي دورها السياسي كقائمة صغيرة في الكنيست القادمة، في الوقت الذي تشكل اليوم أكبر كتلة برلمانية. ولكن الأمر المميز ان نتنياهو بتراجعه عن الانتخابات المبكرة فتح الأبواب امام معركة انتخابات ستستمر لسنتين بقوة غير مسبوقة في الحياة السياسية الاسرائيلية. يمكن القول ان السحر انقلب على الساحر. ولكني لا استهتر بالاعيب السياسة في اسرائيل، حيث يشكل اليوم الواحد احيانا نقلة سياسية تغير الكثير مما يبدو ثابتا ونهائيا.والمؤكد ان نتنياهو في حملته لضرب ايران، يقوم بتغطية تفيده في البروز كمنقذ اسرائيل من النووي الإيراني، في الوقت الذي تعاني حكومته وحزبه وهو شخصيا من تراجع في شعبيتهم على كافة الأصعدة، الصعيد الفلسطيني ، حيث قادت سياسة حكومته الى تجميد آفاق الحل السلمي. اقتصاديا، فشل السياسة الاقتصادية للحكومة، نتائج الفشل موجات الغلاء المتعاقبة والمتوقع ان تتواصل، ازدياد الفقر واتساع الفجوة الاجتماعية، تراجع عن المنجزات القليلة التي فرضتها الهبة الاجتماعية على الحكومة. دوليا، تعمقت عزلة اسرائيل السياسية، وبدات المقاطعة الاقتصادية لمنتجات المستوطنات تأخذ منحى مقلقا لحكومة اسرائيل، الى جانب ظاهرة المقاطعة الأكاديمية التي تطرح من اوساط اكاديمية اوروبية . على الصعيد الحكومي، برزت حكومة نتنياهو بتناقضات بين مواقف نتنياهو ومواقف وزير خارجيته ليبرمان، لدرجة يبدو فيها ان وزير الخارجية ليبرمان هو وزير خارجية لحكومة اخرى في دولة لا علاقة لها باسرائيل. وان ما تقوم به اليد اليمنى للحكومة يتناقض مع ما تقوم به اليد اليسرى للحكومة، أي حالة سياسية عبثية تشبه المسرح العبثي لصموئيل بيكيت خاصة في مسرحيته " في انتظار غودو".
 كذلك نشهد تنامي القلق من مغامرة عسكرية اسرائيلية غير مضمونة النتائج كما حذرت اوساطا أمنية عديدة من المستوى الأمني والمخابراتي الأول، ولكن نتنياهو يصر على المغامرة ويحاول جر أمريكا لتشاركه، وحول الموضوع الايراني الى مهمة حكومته الوحيدة ، ويريدها قبل الانتخابات الأمريكية، بنوع من التدخل السافر بالانتخابات الأمريكية اعتمادا على اللوبي اليهودي، خوفا من موقف امريكي ضد مغامرة عسكرية في ايران بعد الانتخابات، وبعد التحرر من ضرورات خطب ود الأصوات اليهودية والدعم المالي من اغنيائهم ، ومغامرة عسكرية جديدة  ستكلف الخزينة الأمريكية ميزانيات طائلة قد تفوق حرب افغانستان وحرب العراق سوية، لأنه لا يمكن توقع ردود الفعل  العسكرية والاقتصادية المتعاقبة لمغامرة ضد ايران.
فوز موفاز برئاسة كاديما واسقاط تسيفي ليفني كان ضمن التغيرات السياسية في اسرائيل. شكل انتصار موفاز، حسب كل الدلائل، انتحارا سياسيا لحزب كاديما. الوزير السابق تساحي هنغبي ترك كاديما وعاد الى صفوف الليكود . عدد آخر من أعضاء كاديما رجلهم اليمنى في الليكود، وانتظارهم له اهدافه كما يبدو، وستتضح قريبا.
الوزير السابق حاييم رامون ، وأحد وجوه كاديما البارزين، والثعلب السياسي كما يصفه الاعلام الاسرائيلي، ومن الشخصيات التي كانت مقربة جدا من رئيس الحكومة الأسبق اسحاق رابين، يحضر مفاجأة سياسية من العيار الثقيل، تشير بعض التفاصيل المتسربة انها تشمل عملية انشقاق كبيرة في كاديما والحديث عن عدد من النواب يزيد عن عشرة نواب، البعض يقول احدى عشرة نائبا، يشكلون كتلة سياسية مستقلة ستكون النواة السياسية لتنظيم حزبي جديد يتشكل من شخصيات مرموقة في الحياة السياسية والاجتماعية في اسرائيل، تشكل حسب كل التوقعات ، قوة تحد كبيرة جدا لليكود ولبيبي نتنياهو ولحزب العمل وسائر القوى السياسية في اسرائيل، وقوة جذب سياسي لأوساط اجتماعية وسياسية من يسار الخارطة السياسية ومن وسطها ومن يمينها أيضا، تميزهم مواقفهم العقلانية من العديد من القضايا الاجتماعية والسياسية التي تواجه اسرائيل. وافترض انها ستلقى دعما من اوساط امنية واسعة تعارض سياسية نتنياهو الأمنية ، خاصة في الموضوع الايراني.
لنفهم الصورة لا بد من الدخول الى بعض  التفاصيل العينية التي نتوقعها من مراقبتنا للحراك السياسي والشخصيات التي تقف وراءه. مثلا يمكن افتراض تشكيلة أسماء مركزية في التيار السياسي الجديد الذي يقف وراءه حاييم رامون.واعترف ان ما اورده هنا هي تفاصيل غير رسمية لم تنشر بشكل رسمي، ولكن يجري التداول بها في لقاءات لا تتوقف مع شخصيات مختلفة ، تشكل كما هو معروف عن حاييم رامون  وطريقة تفكيره  وقدراته، تجميعا لقوى لها وزنها ومكانتها النوعية في الحياة السياسية والاجتماعية في اسرائيل، قادرة على احداث انطلاقة نوعية سياسية تشد انتباه المجتمع الاسرائيلي برمته، وهذا يذكرني بما نفذه قبل سنوات عديدة في الانقلاب الكبير ( الذي كان يبدو مستحيلا) في نقابة العمال العامة في اسرائيل - الهستدروت.
من الشخصيات السياسية والاجتماعية المرموقة التي يتوقع ان تشارك في الانقلاب السياسي الذي يعده حاييم رامون، الوزير السابق، اوفير بينيس الذي يتمتع على المستوى الشعبي بمصداقية كبيرة،كان عضو كنيست ضمن حزب العمل، ثم وزيرا للعلوم والتكنلوجيا والثقافة والرياضة، في حكومة اولمرت (2006) قدم استقالته من الحكومة احتجاجا على ضم العنصري افيغدور ليبرمان وحزبه يسرائيل بيتينو لحكومة اولمرت.ومن المستهجن ان عضو كنيست عربي من حزب العمل لم يتردد في قبول منصب وزير الثقافة والرياضة (غالب مجادلة)، على اثر استقالة اوفير بينيس احتجاجا على ضم عنصري معاد للعرب مثل ليبرمان للحكومة.
كان بينيس المرشح الثالث في قائمة حزب العمل لانتخابات الكنيست ال 18 ، عارض انضمام حزب العمل لحكومة بيني نتنياهو الثانية حسب اقتراح زعيم العمل وقتها ايهود براك، واستقال من الكنيست بقوله "ان حزب العمل فقد طريقه وانه لم يعد قادرا على المواصلة والتأثير".
مواقفه اكسبته مصداقية واستقامة شخصية نادرة في السياسة الاسرائيلية.
الشخصية المهمة الثانية التي يتردد اسمها ولا تقل مصداقية وجرأة واستقامة ونقدا حادا للواقع السياسي في اسرائيل، ورفضا للتمييز العنصري وللفكر الصهيوني المبني على اللاسامية،ودعا للعودة الى صهيونية أحاد هعام الانسانية، بقوله "ان صهيونية هرتسل اعتمدت على اللاسامية". هو الشخصية الاجتماعية والثقافية والسياسية ابراهام بورغ.
كان رئيسا للكنيست، وتاريخه حافل بالنضال من اجل السلام والحل السلمي مع الشعب الفلسطيني، وانهاء الاحتلال. وهذا أكده بورغ في مقال نشره في صحيفة "الغارديان" البريطانية في سبتمبر2003  تحت عنوان "نهاية الصهيونية" اثار ضده حملة عنيفة في اسرائيل. ونشر مقالات اخرى يدعو فيها اسرائيل الى مفاوضة حماس من اجل الوصول الى سلام.
له كتاب مشهور نشرت عنه مقالا في الانترنت تحت عنوان "لننتصر على هتلر" اثار جدلا واسعا في اسرائيل يمكن قراءته عبر رابط غوغل.
الذي اريد الاشارة اليه هنا ان ما يقوم به حاييم رامون ليس مجرد قائمة تنجح بادخال عدد كبير من الأعضاء للكنيست القادمة، انما اتجاها سياسيا يحدث انقلابا عميقا في التفكير السياسي الاسرائيلي ، من رؤية صحيحة ان سياسة اليمين - سياسة عدم الحسم في القضايا السياسية والاجتماعية الملحة، وتعريض اسرائيل لعزل دولي وهدم علاقاتها الاستراتيجية مع دول هامة في المنطقة مثل تركيا، تواصل دفع اسرائيل الى سلسلة ازمات داخلية ودولية ، والأخطر الأزمة بالعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر الضامن والحامي والممول والرئات التي تتنفس منها اسرائيل.
تعالوا نتوقع من هي ايضا الشخصيات السياسية التي ستشكل العمود الفقري لهذه الجبهة السياسية الجديدة.
من الواضح ان تسيفي ليفني هي الوجه الأبرز الى جانب احتمال كبير ان يكون رئيس الحكومة السابق ايهود اولمرت ضمن رؤوس هذا التنظيم الجديد، خاصة بعد سقوط اتهامات الفساد ضده، وعدم ادانته بالعار الذي يمنعه ان يترشح لمنصب جماهيري.
لا اطرح موقفا سياسيا ، انما محاولة لاستباق حدث سياسي اتوقع ان تكون له اسقاطات سياسية واقتصادية عميقة على مجمل واقع اسرائيل، وعلى تركيبة الحكومة القادمة، ولكن تظل امكانية صراع البقاء لبيبي نتنياهو محركا لا يمكن التغاضي عن خطورته، واعني المغامرة العسكرية ضد ايران.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق