مقالتنا الأخيرة كانت بخصوص سياسة الاقتصاد الليبرالية في الأراضي الفلسطينية، وكانت شركة الاتصالات بمجموعة شركاتها، كنموذج للاستغوال، والليبرالية المتوحشة، والمتوقع منها زيادة الوحشنة في المرحلة القادمة لنهب أكبر قدر ممكن من أموال المواطنين الضعفاء لعدة أسباب سنتطرق لها في مقالتنا هذه من جهة، والجدل الذي أثارته المقالة بين بعض الأوساط ، وبعض المواطنين من جهة أخرى.. حيث يطرح كل منهم أسئلته.. منهم من يلوم المواطن بتقاعسه وسكوته عن مطالبته بحقوقه من شركة الاتصالات؟ وراح بعضهم يدعو إلى التخريب كي تشعر الشركة والحكومة بحجم الظلم الواقع بحقهم من سرقة أحيانا، ومن الأسعار المرتفعة والتي لا تتلاءم مع متوسط دخل الفرد والبطالة المستفحلة لدى فئات واسعة من شعبنا.. ومنهم من يلوم الحكومة على تهادنها وسكوتها عن تصرفات شركة الاتصالات رغم حجم الصراخ والشكوى من المواطنين دون حلول لمشاكلهم، أو مراعاة لظروفهم القاسية..؟ ومنهم من يلوم المجلس التشريعي الذي قبل وأقر هذه السياسة، دون مراقبته لأعمال الحكومة والشركة وعدم محاسبتهما باعتبار المجلس هو صاحب السلطة العليا وصاحب القوانين التي يمكن أن تحاسب الجميع..؟
أيّة عائلة متوسطة من المجتمع الفلسطيني في الغالب تمتلك أربعة خطوط على الأقل من شركة جوال الفلسطينية، ولو افترضنا أن كل رقم يستهلك ما معدله خمسين شاقلا (12.5 دولار تقريبا) شهريا، فمجموع ما تستهلكه العائلة يساوي مائتا شاقلا، ولو أضفنا لها استهلاك التليفون الأرضي واشتراك الإنترنت، فتزيد فاتورة العائلة لشركة الاتصالات المتوحشة لتصل إلى أربعمائة شاقلا على الأقل، ولو اعتبرنا متوسط دخل الأسرة الفلسطينية يساوي ألفين وخمسمائة شاقلا؛ فإن ذلك يعني أن العائلة تدفع من دخلها ما بين 16 ـ 20% لاستهلاك الاتصالات فقط !؟ فماذا تبقى من الدخل لباقي متطلبات الحياة الأخرى..؟؟ طبعا قد يحتج بعضهم ليقول: الاتصالات هي من الكماليات ولا يجوز للأسرة الفقيرة أو متوسطة الدخل أن تنعم بمثل هذه الوسائل..!؟ مع أننا لن نقبل بتاتا في هذه الفرضية، لكن لهؤلاء نقول: هل تريدون تقسيم المجتمع إلى نبلاء وعبيد؟ هل تريدون للمجتمع أن يزداد جهلا وتخلفا؟ هل تريدون لمجتمعنا أن يستشري فيه الفساد والنهب كي تزداد الفجوة بين الفقراء والأغنياء كي يقوم الفقراء بثورة تخريب كما يرغب بعضهم؟! أليست الاتصالات وملحقاتها تعتبر من البنية التحتية لتقدم وتطور المجتمع؟؟ ذهبت اليوم لمدرسة ثانوية لأستخرج شهادات لأبنائي، وسألت مدير المدرسة إذا ما يتوفر خط إنترنت في مدرسته؛ فأجاب بأنه بنعم، لكنه لاستخدام الإدارة فقط ! إذن كيف لأبنائنا التواصل والمحاكاة مع قضية علمية أو معرفية ليزدادون ثقافة وعلما..؟ هل هذا ما تريده القيادة الفلسطينية المبجلة؟! تلك الأسئلة وغيرها.. مطلوب من القيادة الإجابة عليها..
لا نعرف كيف ستفسر لنا وزارة البريد والاتصالات سكوتها وصمتها عن شكاوي المواطنين على شركة الاتصالات وارتفاع أسعارها التي لا تلائم ظروف مجتمعنا، وعلى سرقة ونهب المواطنين بطريقة مبرمجة ومنظمة..؟ علما بأن الوزارة لديها قسما للشكاوى، لكن هل تؤخذ هذه الشكاوى على محمل الجد؟ وإن كان كذلك.. ما هي الآلية في استرداد المواطنين لحقوقهم؟ خصوصا في غزة المرهونة في يد حكومة حماس والشركة التي تشتري حكومة غزة بالمال والامتيازات لتدافع عنها وتحميها..؟ ولو كان كذلك.. هل تمتلك الوزارة تقنية لمراقبة عمل الشركة في أثناء سرقتها للمواطنين؟؟ كيف يمكن للمواطن أن يثبت السرقة الإلكترونية المبرمجة من قبل الشركة في بعض الحالات وهو لا يملك في جهازه الخلوي أي من البرامج لذلك.. فمثلا يتكرر لدي، ولدى الكثير بأن يصلنا رسائل خصم مباشرة بعد الرد على مكالمة نستلمها من آخرين دون أن نطلبها وبالتأكيد يتم الخصم على الطرفين؟؟ إضافة لذلك كثيرا ما نطلب رقما ما.. لكن دون رد من ذلك الرقم، إلا أنه يتم الخصم أيضا، ويحدث ذلك في أثناء الذروة غالبا.. ويؤكد ذلك أحيانا تقطيع الخط بعد كلمة واحدة لنعاود الاتصال مرات وفي كل مرة يتم الخصم، وبالطبع فتح الخط في كل مرة يكلف أكثر من استمراره في المرة الأولى، إلى درجة أني شككت مرة بأن ذلك كان مقصودا ومبرمجا من قبل الشركة.. بالطبع هناك الكثير لا يمكننا مناقشته هنا.. بدء من أسئلة وشكاوي المواطنين التي لم تجد إجابات عند الشركة، وانتهاء بالقضايا العامة التي فقد المواطن أي أمل في إصلاحها، وكأنهم يقولون لنا: "اللي عاجبو.. عاجبو، واللي مش عاجبو يرحل أو يشرب البحر..".
لماذا تحتكر هذه الشركة هذا القطاع كل ذلك الزمن حتى الآن!؟ كيف يمكن أن نقتنع أنه يوجد تواطؤ.. إن لم يكن فسادا من قبل القائمين على القرار..؟ وإن لم يكن مماثلا لما تم التفاهم عليه من قبل الشركة مع حكومة غزة..؟! ما الذي يدفع بالشركة للاستغوال والنهب أكبر قدر ممكن في هذا الوقت بالذات خصوصا في غزة ـ فترة ذهبية للشركات الربحية ..؟؟ هل هو قرب عمل الشركة الثانية للاتصال الخلوي؟؟ أم أن التقنية الحديثة لاستخدام الإنترنت في الاتصال بالصوت والصورة بأسعار الإنترنت ؟؟ وبالتالي بعد رواج تلك الأجهزة مثل الأيفون والجلاكسي، مما سيضعف كثيرا من دخل الشركة لاستغناء الناس عن خطوط الشركة؟؟ أم أن هناك تغييرا سياسيا لا يعرف مصيره، وبالتالي يجب استغلال الوقت بتحقيق أكبر قدر ممكن من المال وبأي شكل؟؟ شيء غريب وغير منطقي شاهدته قبل لحظات في أثناء تجولي في السوق حيث يبيع أحد الوكلاء شريحة جوال بسعر شاقلا واحدا فقط ! مما يؤكد ما ذهبنا إليه في التحليل، إنهم يريدون التخلص مما لديهم من خطوط ويستفيدون من المرحلة بأي شكل من الأشكال.. لكنني تذكرت كيف ساهمنا في ترعرع الشركة عندما اشتركنا فيها منذ البدايات واشترينا الشريحة أو الاشتراك بثلاثمائة وأربعين شاقلا ؟؟ فالشيء المنطقي أن تمنح الشركة امتيازات لمن هو زبون أقدم باعتبار أنها استفادت منه زمنا أطول.. يا للعجب؟!
كل ذلك وغيره الكثير يدفعنا للتساؤل من هو المسئول عما جرى ويجري؟ هل هو المواطن المسكين الذي لا يعرف كيف يحافظ على حقوقه ومكتسباته؟ أم الحكومة وأعضاء المجلس التشريعي الذي لم يحاسب الحكومة وتواطأ معها بحجة أن ذلك سيساهم في زيادة دخل المالية كلما زادت الضرائب؟؟ جدلية عقيمة لن توصلنا إلى نتيجة واضحة.. لكننا نقول: لماذا تراجعت الحكومة مؤخرا عن ارتفاع أسعار بعض السلع، وفرضت رقابة جديدة، وحددت أسعارا لبعض السلع الاستهلاكية الأساسية..؟ صحيح أنها لا تكفي من التخفيف عن أعباء المواطن، لكنه توجه جديد في السياسة بعد الهبة الجماهيرية الغاضبة في مطلع الشهر الجاري.. سياسة تحتاج إلى مزيد من التدخل من قبل الحكومة لردع استغوال الشركات الربحية، من بينها شركة جوال ومجموعة الاتصالات التي استبقت الحكومة بالضحك على اللحى وراحت تروج لحملات دعائية لا تغني ولا تسمن من جوع للمواطن إن لم تكن زيادة النهب وزيادة الربح، وما هو مطلوب من الحكومة التدخل السريع والفوري في لجم هذه السياسة ومراجعة المفهوم عن الاتصالات لتصبح من البنية التحتية للتطور والنمو ويجب توفيرها للمواطن بأقل تكلفة ممكنة، وبأعلى جودة متوفرة..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق