تغيب عن بال معظم، إن لم يكن كل المتناولين الشأن السوريّ من معلقين ومحللين وخبراء نتابعهم عبر الفضائيات السوريّة أو المؤيدة لسوريّة وحتى الحياديّة منها، حقيقة هي: أن إسرائيل ومنذ عدوان تموز 2006 على لبنان وهزيمة جيشها راحت تدرّبه في مناورات عسكريّة سنويّة تحت المسمى "نقاط التحول"، تأهيلا له لمواجهة ما تراه خطرا استراتيجيّا مصدره الهلال المتشكل شمال شرقها، ميمنته المقاومة اللبنانيّة وقلبه سوريّة وميسرته العراق وإيران، ويشمل هذا التدريب أيضا تأهيلا في مواجهة إمكانيّة أن يكون لفلسطينيّي الداخل والفلسطينيين عامة دور في ذلك، إن حدثت المواجهة بمبادرة الهلال أو بمبادرة استباقيّة إسرائيليّة.
هذه الرؤية هي بوصلة إسرائيل على الأقل في السنوات الأخيرة، خصوصا وأنها ارتاحت فلسطينيّا نسبيّا ومرحليّا بعد أن تُرك الفلسطينيّون بدون ظهير بغياب استراتيجيّة عربيّة جامعة بديلة داعمة ،لا بل أكثر من ذلك بعد أن تُركوا لقمة سائغة بتخلّ عربيّ وانشغال بعدو جديد متخيّل هو إيران، اللهم إلا من صمودهم وبقائهم على الأقل رغم المعاناة، ومن أمل يتوسمونه في هذا الهلال ولو بعد حين.
وإن غاب ما سقناه أعلاه فلم يغب عن نقاش البعض من المتناولين الغارة ربطُها باستحقاقات داخليّة إسرائيليّة تتعلق بتشكيل الحكومة ومعولين كثيرا على خسارة نتانياهو بعضا من مقاعد تحالفه مع ليبرمان رغم أن حساباته كانت أن يكون الكتلة الأكبر ولو على حساب خسارة بعض المقاعد وقد أخطأوا في هذا. الاستحقاق الوحيد الذي يمكن أن يكون لمثل هذا التصعيد والذي مهّد له نتانياهو أياما بتصريحات ناريّة ضد سوريّة وحزب الله، هو فقط رغبة نتانياهو إبقاء حقيبة الدفاع في يد براك الذي لم يخض المعركة الانتخابيّة وأعلن اعتزاله الحياة الحزبيّة لكن لم يسمعه أحد قال كذلك الوزاريّة، رغبة عند نتانياهو يغذيها بذريعة هشاشة الوضع الأمني الإقليمي وضرورة منع أي اهتزاز في القيادة (الوزارة) على الأقل في الوضع الراهن، لكن الحقيقة الأقرب للعقل هي رغبة في بقاء من لا يشكل عليه خطرا سياسيّا وسدّ الطريق أمام بدائل يمكن أن تشكل مثل هذا الخطر كبوجي يعلون القائد الأعلى الأسبق للجيش الإسرائيلي عضو حزب الليكود اليوم أقوى المرشحين ل"الدفاع" إن لم تُسند الحقيبة لبراك.
هذا هو الاستحقاق الوحيد الذي يمكن أن يكون مثلُ هكذا تصعيد دافعا له. كل ما عدا ذلك في هذا السياق هو اجتهاد ليس بالعمق المطلوب في تحليل أسباب هذا العدوان، فنتانياهو ضامن رئاسة الحكومة وسهولة تشكيلها قبل الانتخابات وبعدها وليس بحاجة لمثل هكذا عمليّة ضغطا على الأحزاب المختلفة ائتلافيّا.
لن تبلغ السذاجة حدّا عند أحد وبغض النظر عن موقعه من العدوان على سوريّة، أن يعتقد أن إسرائيل ومثلما يبدو ظاهرا تقف موقف المتفرّج ممّا يُسمى خطأ "الأزمة السوريّة" حيث أن ما يحدث في سوريّة هي حرب عدوانيّة استباقيّة مخطط لها طويلا، ركب أصحابها ظهر "الربيع العربيّ" ومطاياهم بعض أدوات سوريّة جهلا، وعمالة في بعض ليس بقليل، حرب تصبّ في الرؤية الاستراتيجيّة الإسرائيليّة آنفة الذكر بضرب هذا الهلال مصدر الخطر الاستراتيجي، ولذا فإسرائيل جزء فاعل في هذه الحرب كثيرا قبل اندلاعها تخطيطا ونصحا وتدريبا وعونا ومشاركة عينيّة مخفيّة أحيانا وظاهرة حينا وبالذات والضربة لقلب هذا الهلال.
لم يبق خبير إسرائيليّ ذو قيمة لم يعلنها صراحة أن الأسد ونظامه خطر على إسرائيل وأي بديل سيأتي بعده سيكون في مصلحة إسرائيل حتى لو كان الإخوان المسلمين لا بل فليكن الإخوان المسلمين، رغم كل الترهات التي نسمعها في هذا السياق. المفاجأة كانت أن الأسد ونظامه صمد هذا الصمود الأسطوريّ أخذا بالحسبان عتاوة الأعداء والعدوان، وظهيره غالبيّة عظمى من شعب سوريّ عصيّ وجيش سوريّ فكريّ أعصى.
لا يجب أن يكون المراقب خارق الذكاء حتى يستنتج أن من سرّب المعلومة عن الغارة وصاغها وكأنها ضرب لقافلة أسلحة في طريقها إلى حزب الله لوكالات الأنباء الغربيّة، هي المخابرات الإسرائيليّة ظنّا من إسرائيل أن سوريّة سوف تصمت على حدوثها، لكن "العتمة لم تأت على قدر يد الحراميّ".
يظلّ السؤال إذ نفينا أن يكون وراء الغارة موضوع الاستحقاقات الداخليّة الناجمة عن نتائج الانتخابات البرلمانيّة: لماذا قامت إسرائيل بما قامت به والآن بالذات وبهذا الشكل بالذات؟!
إسرائيل لا شكّ ومهما كانت أسبابها وضعت أمامها "سيناريوهين" اثنين، الأول ردّ سوريّ فوريّ سيجرّ وراءه سلسلة ردود يمكن أن تؤدي إلى تدخل غربيّ يحقق لإسرائيل ما لم تستطع أن تفعله طويلا ليخوض عنها الغرب حربا هي عاجزة عنها ضدّ ما تراه ومنذ هزيمة تموز 2006 أمام المقاومة اللبنانيّة خطرا استراتيجيّا عليها، وتزيح بذلك عن كاهلها جزء من الضربة الارتداديّة المتوقعة وفي هذا هي رابحة قياسا وتكون أسدت لحلفائها العرب خدمة كبرى.
أمّا السيناريو الثاني هو أن لا تردّ سوريّة فتكون بذلك إسرائيل كذلك كمن أسدت خدمة لحلفائها الفعليين والموضوعيين على الساحة السوريّة دون أن تتكلّف ثمنا، خصوصا وأن الدلائل تدّل والمؤشرات تشير أن الرياح في سوريّة تهبّ لا كما اشتهت الأدوات سوريّة كانت أو عربانيّة أو عثمانيّة، وبالتالي لا كما اشتهى المفعّلون وفي مقدمتهم إسرائيل، ولذا فالحاجة ماسّة لإعطاء هذه الأدوات جرعة تنشيطيّة وبالأساس معنويّة ميدانيّة خصوصا وقد جاءت تزامنا مع مؤتمر باريس ومؤتمر الكويت وليس صدفة بتاتا وإنما دليلا على الغرفة العمليّاتيّة الواحدة.
رغم أن السناريوهين الاثنين يصبان في مصلحة إسرائيل لكنها استبعدت الأسوأ الأول ومن الصعب التصوّر أنها ورغم ربحها من الأول، كانت يمكن أن تّقدم على فعلتها لو لم تعط الثاني الحظ الأوفر.
هذا هو المنطق الأقرب إلى العقل الذي حكّم الخطوة الإسرائيليّة لا استحقاقا داخليّا ولا يحزنون، وبغض النظر عن ذلك أحسنت القيادة السوريّة صنعا أن كشفت عن الغارة وأهدافها ونتائجها واحتفظت بحق الرد في المكان والزمان الذي ترتأيه. ورغم أني لست خبيرا عسكريّا ولا خبيرا سياسيّا في قنوات القرار السياسيّ السوريّ، لكني أسمح لنفسي كقاريء ومراقب تعزّ عليه سوريّة بشعبها وجيشها وقيادتها أن أقدر أن سوريّة وحلفاءها أحسنوا كذلك صنعا أن تغاضوا عن الرّد الميدانيّ على هذه الغطرسة وهذا ما أعتقد أنهم فاعلون وفي هذا رأس الحكمة في الظرف الحاليّ تفويتا على إسرائيل وحلفائها وأدواتهم أي هدف لهم من وراء الغارة، حتى لو كان في ذلك بعض مكسب معنويّ آنيّ لهم.
sa.naffaa@gmail.com
هذه الرؤية هي بوصلة إسرائيل على الأقل في السنوات الأخيرة، خصوصا وأنها ارتاحت فلسطينيّا نسبيّا ومرحليّا بعد أن تُرك الفلسطينيّون بدون ظهير بغياب استراتيجيّة عربيّة جامعة بديلة داعمة ،لا بل أكثر من ذلك بعد أن تُركوا لقمة سائغة بتخلّ عربيّ وانشغال بعدو جديد متخيّل هو إيران، اللهم إلا من صمودهم وبقائهم على الأقل رغم المعاناة، ومن أمل يتوسمونه في هذا الهلال ولو بعد حين.
وإن غاب ما سقناه أعلاه فلم يغب عن نقاش البعض من المتناولين الغارة ربطُها باستحقاقات داخليّة إسرائيليّة تتعلق بتشكيل الحكومة ومعولين كثيرا على خسارة نتانياهو بعضا من مقاعد تحالفه مع ليبرمان رغم أن حساباته كانت أن يكون الكتلة الأكبر ولو على حساب خسارة بعض المقاعد وقد أخطأوا في هذا. الاستحقاق الوحيد الذي يمكن أن يكون لمثل هذا التصعيد والذي مهّد له نتانياهو أياما بتصريحات ناريّة ضد سوريّة وحزب الله، هو فقط رغبة نتانياهو إبقاء حقيبة الدفاع في يد براك الذي لم يخض المعركة الانتخابيّة وأعلن اعتزاله الحياة الحزبيّة لكن لم يسمعه أحد قال كذلك الوزاريّة، رغبة عند نتانياهو يغذيها بذريعة هشاشة الوضع الأمني الإقليمي وضرورة منع أي اهتزاز في القيادة (الوزارة) على الأقل في الوضع الراهن، لكن الحقيقة الأقرب للعقل هي رغبة في بقاء من لا يشكل عليه خطرا سياسيّا وسدّ الطريق أمام بدائل يمكن أن تشكل مثل هذا الخطر كبوجي يعلون القائد الأعلى الأسبق للجيش الإسرائيلي عضو حزب الليكود اليوم أقوى المرشحين ل"الدفاع" إن لم تُسند الحقيبة لبراك.
هذا هو الاستحقاق الوحيد الذي يمكن أن يكون مثلُ هكذا تصعيد دافعا له. كل ما عدا ذلك في هذا السياق هو اجتهاد ليس بالعمق المطلوب في تحليل أسباب هذا العدوان، فنتانياهو ضامن رئاسة الحكومة وسهولة تشكيلها قبل الانتخابات وبعدها وليس بحاجة لمثل هكذا عمليّة ضغطا على الأحزاب المختلفة ائتلافيّا.
لن تبلغ السذاجة حدّا عند أحد وبغض النظر عن موقعه من العدوان على سوريّة، أن يعتقد أن إسرائيل ومثلما يبدو ظاهرا تقف موقف المتفرّج ممّا يُسمى خطأ "الأزمة السوريّة" حيث أن ما يحدث في سوريّة هي حرب عدوانيّة استباقيّة مخطط لها طويلا، ركب أصحابها ظهر "الربيع العربيّ" ومطاياهم بعض أدوات سوريّة جهلا، وعمالة في بعض ليس بقليل، حرب تصبّ في الرؤية الاستراتيجيّة الإسرائيليّة آنفة الذكر بضرب هذا الهلال مصدر الخطر الاستراتيجي، ولذا فإسرائيل جزء فاعل في هذه الحرب كثيرا قبل اندلاعها تخطيطا ونصحا وتدريبا وعونا ومشاركة عينيّة مخفيّة أحيانا وظاهرة حينا وبالذات والضربة لقلب هذا الهلال.
لم يبق خبير إسرائيليّ ذو قيمة لم يعلنها صراحة أن الأسد ونظامه خطر على إسرائيل وأي بديل سيأتي بعده سيكون في مصلحة إسرائيل حتى لو كان الإخوان المسلمين لا بل فليكن الإخوان المسلمين، رغم كل الترهات التي نسمعها في هذا السياق. المفاجأة كانت أن الأسد ونظامه صمد هذا الصمود الأسطوريّ أخذا بالحسبان عتاوة الأعداء والعدوان، وظهيره غالبيّة عظمى من شعب سوريّ عصيّ وجيش سوريّ فكريّ أعصى.
لا يجب أن يكون المراقب خارق الذكاء حتى يستنتج أن من سرّب المعلومة عن الغارة وصاغها وكأنها ضرب لقافلة أسلحة في طريقها إلى حزب الله لوكالات الأنباء الغربيّة، هي المخابرات الإسرائيليّة ظنّا من إسرائيل أن سوريّة سوف تصمت على حدوثها، لكن "العتمة لم تأت على قدر يد الحراميّ".
يظلّ السؤال إذ نفينا أن يكون وراء الغارة موضوع الاستحقاقات الداخليّة الناجمة عن نتائج الانتخابات البرلمانيّة: لماذا قامت إسرائيل بما قامت به والآن بالذات وبهذا الشكل بالذات؟!
إسرائيل لا شكّ ومهما كانت أسبابها وضعت أمامها "سيناريوهين" اثنين، الأول ردّ سوريّ فوريّ سيجرّ وراءه سلسلة ردود يمكن أن تؤدي إلى تدخل غربيّ يحقق لإسرائيل ما لم تستطع أن تفعله طويلا ليخوض عنها الغرب حربا هي عاجزة عنها ضدّ ما تراه ومنذ هزيمة تموز 2006 أمام المقاومة اللبنانيّة خطرا استراتيجيّا عليها، وتزيح بذلك عن كاهلها جزء من الضربة الارتداديّة المتوقعة وفي هذا هي رابحة قياسا وتكون أسدت لحلفائها العرب خدمة كبرى.
أمّا السيناريو الثاني هو أن لا تردّ سوريّة فتكون بذلك إسرائيل كذلك كمن أسدت خدمة لحلفائها الفعليين والموضوعيين على الساحة السوريّة دون أن تتكلّف ثمنا، خصوصا وأن الدلائل تدّل والمؤشرات تشير أن الرياح في سوريّة تهبّ لا كما اشتهت الأدوات سوريّة كانت أو عربانيّة أو عثمانيّة، وبالتالي لا كما اشتهى المفعّلون وفي مقدمتهم إسرائيل، ولذا فالحاجة ماسّة لإعطاء هذه الأدوات جرعة تنشيطيّة وبالأساس معنويّة ميدانيّة خصوصا وقد جاءت تزامنا مع مؤتمر باريس ومؤتمر الكويت وليس صدفة بتاتا وإنما دليلا على الغرفة العمليّاتيّة الواحدة.
رغم أن السناريوهين الاثنين يصبان في مصلحة إسرائيل لكنها استبعدت الأسوأ الأول ومن الصعب التصوّر أنها ورغم ربحها من الأول، كانت يمكن أن تّقدم على فعلتها لو لم تعط الثاني الحظ الأوفر.
هذا هو المنطق الأقرب إلى العقل الذي حكّم الخطوة الإسرائيليّة لا استحقاقا داخليّا ولا يحزنون، وبغض النظر عن ذلك أحسنت القيادة السوريّة صنعا أن كشفت عن الغارة وأهدافها ونتائجها واحتفظت بحق الرد في المكان والزمان الذي ترتأيه. ورغم أني لست خبيرا عسكريّا ولا خبيرا سياسيّا في قنوات القرار السياسيّ السوريّ، لكني أسمح لنفسي كقاريء ومراقب تعزّ عليه سوريّة بشعبها وجيشها وقيادتها أن أقدر أن سوريّة وحلفاءها أحسنوا كذلك صنعا أن تغاضوا عن الرّد الميدانيّ على هذه الغطرسة وهذا ما أعتقد أنهم فاعلون وفي هذا رأس الحكمة في الظرف الحاليّ تفويتا على إسرائيل وحلفائها وأدواتهم أي هدف لهم من وراء الغارة، حتى لو كان في ذلك بعض مكسب معنويّ آنيّ لهم.
sa.naffaa@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق