ناقوس الذكرى/ سهى بطرس قوجا

فتاة جالسة على كرسي في شرفة غرفتها، ترتشف القهوة وتتأمل في السماء والقمر، شردّ ذهنها إلى أجمل الذكريات، فتقول بآهات عفوية مُلتهبة خرجتْ من أعماقها مُسرعة:
كيف السبيل إلى النسيان؟! ذكراهُ تدمرني كلما مرتْ على البال، رحل وتركني وحيدة، رحل بدون أن يُعلمني بأنهُ سيجعلني يتيمة من بعدهِ، عبير ذكراه ما زال يلامس قلبي. آه من ذكراه ما أروعها وما أقساها، تُميتني وتُحييني، وما أحلاه من عذاب!  
مرتْ السنين وما زالت تلك الهمسات، مرتْ السنين وذكراه ما زالت حيةٍ منقوشةٌ في القلب وساكنةٍ في العقل. مرتْ سنين وكلامهِ الطروب كمعزوفة تُطرب لها الآذان، مرتْ السنين وبريق عينيهِ اللامع من ابتسامتهِ لا يفارق مُخيلتي، مرتْ سنين وعطره باقيٍّ في الأنفاس، مرتْ سنين وما زلتْ أشعر بحرارة راحة يديهِ تلامس يدايّ، مرتْ سنين وشعور نبضهِ يدق مع كل خفقةٍ من خفقات قلبي، مرتْ سنين واكتشفت أنني ما زلتْ أتنفسهُ وأنهُ يسكنني! 
فكيف بتلك السنين؟! وكيف بالحنين والشوق القاتل إليها؟! تذكرتهُ، حنيتْ لأيامهِ وكم وددتُ عيشها ثانيةٍ، تخيلت نفسي معهُ كما كنْا في تلك السنين حبيبين، تذكرتهُ وهو ماسكًا بيدي يدعوني لمُرافقتهِ، قائلا ليّ:" هل تسمح أميرتي بقبول دعوتي للعشاء؟" أبتسمتُ لهُ قائلة:" وهل يعرف أميري أني قبلتُ دعوتهِ؟"، ضحكنْا معًا ضحكة من الأعماق وضمني بقوة إليهِ والسماء تمطر فوقنْا، وقال:" اليوم موعدنا يا جميلتي وفاتنتي ومُدللتي". خفق قلبي لكلماتهِ الرقيقة وحرارة حبهِ تسللتْ إلى عروقي، شعرتْ أنني أحلق في السماء عاليًا، ماسكةٍ النجوم بيدي من شدة سعادتي وأشواقي! شعرتْ بدفء حنينهِ يسري في ثنايا روحي، وشعرت بروعة وصدق حبهِ من بريق عينيهِ. 
فكيف بتلك السنين التي ذهبت ولنْ تعود، وكيف بهذه السنين التي تحمل فقط الذكرى والشوق والحنين والألم؟! وكيف بذاك الطفل الساكن في الأحشاء ويُحرك شرارة الإحساس بين الحين والآخر، أنهُ حبهُ يأسرني من حيث لا يدري! حبٌّ أمتزجتْ فيهِ حروف الألم مع الشوق واللهفة واللقاء والفراق.  
نظرتْ للنجوم أتأملها، لمحتهُ بينها يبتسم، وفرحتْ رغم ألمي وآهاتي المكبوتة، وبكتْ عيني! ذكراه همّ وجنون، ألم وشجون، ذكراه همسة من الماضي تحمل أجمل نسمةٍ، اكتشفت فيها رغم سنين فراقهِ أنني ما زلتْ لحنينهِ باقيةٍ.
لا يؤلمني في زماني ****  ألا طيف ذكراكم
كنا نظن أننا لن نفترق  ****  وما الظنون ألا أوهام
تسارعتْ الأيام تسبقها المنى **** وتلاشت الأحلام في بحر النسيان
برحيلكم نزف القلب ** وأدمعت العين ** وصرخ الفؤاد ** وكسر الخاطر
فيا أحبابنا برحيلكم **** النفس تاهتْ ولا أجدها

إلى أين يتّجه هذا الحراك السياسي الدولي؟/ صبحي غندور

هناك حراكٌ سياسي دولي واسع يشهده العالم في هذه الأيام، للتعامل مع أزمات كبيرة تعيشها منطقة "الشرق الأوسط" بما فيها؛ الحرب في أفغانستان، وقضية "الملف النووي الإيراني"، ومصير الصراع العربي/الإسرائيلي، والقضية الفلسطينية. لكن "الملف الأبرز" في هذا الحراك الدولي الآن، هو الأحداث الدموية في سوريا. فالأوضاع الأمنية السورية المتدهورة يوماً بعد يوم أصبحت هي الأساس المطلوب معالجته فوراً قبل أن يتحوّل إلى حروب إقليمية، أو إلى مصدر نيران تُشعل حروباً أهلية أخرى في بلدان مجاورة.
أيضاً، فإنّ التفاهم الأميركي/الروسي على كيفية معالجة أوضاع سوريا سيكون هو المدخل لتوافق واشنطن وموسكو على قضايا دولية أخرى. الأمر نفسه أيضاً ينطبق على مفاوضات الدول الغربية مع إيران حول "ملفها النووي". فالعلاقة وطيدة الآن بين كل هذه القضايا وبين الأطراف الدولية والإقليمية المعنيّة بها.
فإلى أين يتجه هذا الحراك السياسي الدولي؟ وهل ما تقوم به واشنطن من اتصالات وزيارات للمنطقة يتكامل مع ما تقوم به موسكو من لقاءات واجتماعات؟ أم هو "تنافسٌ دبلوماسي" بين القطبين الدوليين المعنيّين بأزمات المنطقة؟!
حتّى الآن، استفادت واشنطن من تداعيات الأزمة السورية لجهة إضعاف دولة كانت – وما تزال- تقف مع خصوم الولايات المتحدة في المنطقة، وأبرزهم إيران، وتُشكّل ثقلاً مهماً لروسيا في المشرق العربي والبحر المتوسط، وتدعم قوًى لبنانية وفلسطينية تقاوم الاحتلال الإسرائيلي. كما أنّ الصراعات المسلحة في سوريا أدّت أيضاً إلى وجود أعداد كبيرة في الأراضي السورية من مقاتلي الجماعات الدينية المتطرفة، المحسوبة على الخط الفكري والسياسي لتيار "القاعدة"، ممّا سمح باستنزاف النظام السوري من جهة، وبتصفية أعدادٍ كبيرة من مؤيدي "جماعات القاعدة" من جهةٍ أخرى.
وواشنطن لم تكن في السابق مستعجلة جداً على فرض تسوية سياسية للأحداث الدامية في سوريا، لكنّها حرصت في السنتين الماضيتين على ضبط الصراع وعلى عدم انتشاره إقليمياً أو دولياً، فكانت الإدارة الأميركية تُشجّع الآخرين على تسليح بعض قوى المعارضة، دون تورّطٍ أميركيٍّ مباشر، ولا تُشجع في الوقت ذاته على حلول سياسية وأمنية لم يحن أوانها أميركياً بعد، كالذي حصل مع المبادرة العربية في خريف العام 2011.
يبدو الآن أنّ الظروف قد تغيّرت، وأنّ المراهنة على الحلول العسكرية قد فشلت لدى كل الأطراف المعنيّة بالأزمة السورية، وأن هذه الأزمة أصبحت عائقاً أمام تفاهماتٍ دولية أخرى مطلوبة بين واشنطن وموسكو، وفي المفاوضات التي تحصل مع إيران على دورها في المنطقة وعلى مستقبل العراق وأفغانستان. لذلك أرجّح أن ما حدث حتى الآن هو توافق روسي/أميركي على مبدأ ضرورة تحقيق تسوية سياسية للأزمة السورية خلال وقت قريب، لكن مع  استمرار الاختلاف بين الطرفين على التفاصيل والحصص في التسوية المرتقبة.
وما تشهده الآن عواصم دولية كثيرة من لقاءات، وما ستشهده المنطقة أيضاً من زيارة للرئيس الأميركي أوباما وتنشيط للمسألة الفلسطينية، سيجعل من هذا العام موعداً زمنياً لولادة ما كان ينمو في رحم السنتين الماضيتن من متغيّرات، في بلدان المنطقة وفي العالم. فأميركا لم تعد قادرة وحدها على تقرير مصير العالم، كما حاولت في العقد الأول من هذا القرن الجديد. ومع ما عاصرته البلاد العربية مؤخّراً من رياح تغييرٍ سياسي، بعضه كان نسمات والبعض الآخر أعاصير، حان وقت صياغة نتائج المتغيّرات الناجمة عنه، والتي قد تكون في أشكال الحكم أو حتّى في بنية الأوطان. لكن لا فصل ولا انفصال بين أوعية الأزمات المتصلة من كابول إلى الصحراء المغربية، ولا استبعاد لإسرائيل ولمستقبل علاقاتها مع دول المنطقة عن كل هذه الأزمات ومصائرها.
هل سينجح الحراك الدولي الحاصل الآن بفرض حلولٍ وتسويات، رغم ما أمامه من صعابٍ وعقبات؟! وما هي في حال الفشل الخيارات البديلة؟ أي هل سيكون الخيار البديل هو مزيدٌ من التصعيد العسكري في سوريا، وامتداد شرارات النيران إلى دول أخرى كلبنان والعراق والأردن، مع احتمالات حدوث حروب إقليمية تشترك فيها إيران وإسرائيل وتركيا؟ وهل لواشنطن وموسكو والقوى الإقليمية الكبرى مصلحة في هذه الحروب؟ أم سيكون الاحتمال، في حال الفشل بتحقيق تسويات، هو استمرار الأزمات على ما هي عليه، ثمّ ضبط إيقاعاتها المحلية ومنع توسيع رقعتها الجغرافية؟ وهل هناك إمكانية لفعل ذلك، بل هل هناك مصالح دولية بذلك؟ لا أعتقد أنّ هذا ممكن، ولا أرى أنّ هناك مصلحة أميركية وروسية وإيرانية في استمرار التأزم الأمني والسياسي الحاصل. إسرائيل وحدها مستفيدة حالياً من الحروب الأهلية العربية، ومن التجاهل الدولي والعربي الجاري الآن للقضية الفلسطينية. وإسرائيل فقط، ومن معها في الأوساط السياسية الأميركية، ترغب بتغيير خرائط المنطقة وتفتيت كياناتها الراهنة.
إنّ غياب الدور العربي الفاعل هو الذي يستحضر الدور الأجنبي الدولي والإقليمي المهيمن الآن. وغياب الحكم الصالح وغير المستبد في أيّ بلد عربي هو الذي يشجّع الآخرين على التدخّل وعلى تحويل الوطن إلى ساحة صراعات، في ظلّ غياب مرجعيةٍ عربية فاعلة تنهي الصراعات المحلية وفق المصالح العربية وحدها.
إنّ الفراغ لا يقبل نفسه، بل هو دعوة (كقانون علمي حتمي) للامتلاء بشيء آخر. وهناك فراغٌ حاصلٌ في المنطقة العربية لأكثر من ثلاثة عقود، فراغ الدور العربي والقيادة العربية لمجريات أحداث المنطقة، فراغٌ حصل بعدما كانت القاهرة تقود المنطقة طوال عقديْ الخمسينات والستينات، ولم تسترد هذا الدور بعد.
هناك الآن فعلاً صراع محاور إقليمية ودولية في المنطقة العربية، لكن على الرافضين له أن يصنعوا البديل الوطني الصالح، والبديل العربي الأفضل، وليس تسهيل سياسة الأجنبي ومشاريعه الطامحة للسيطرة على كلّ مقدّرات العرب، كما هو أيضاً المشروع الإسرائيلي الحاضر في الأزمات العربية والعامل على تفتيت المنطقة إلى دويلات متصارعة.
وهناك أبعاد خارجية مهمّة للصراع المسلّح الدائر الآن في سوريا، وهو صراع إقليمي/دولي على سوريا، وعلى دورها المستقبلي المنشود عند كلّ طرفٍ داعمٍ أو رافضٍ للنظام الحالي في دمشق. لذلك نرى اختلاف التسميات لما يحدث في سوريا، فمن لا يريد تبيان الأهداف الخارجية للصراع يصرّ على وصف ما يحدث بأنّه "ثورة شعبية على النظام"، فقط لا غير. ومن لا يعبأ بالتركيبة الدستورية السورية الداخلية وبطبيعة الحكم، ويهمّه فقط السياسة الخارجية لدمشق، يحرص على وصف ما يحصل بأنّه "مؤامرة كونية"!.
إنّ مصير العلاقة الأميركية/الأوروبية مع روسيا والصين يتوقّف الآن على كيفيّة التعامل مع الملف السوري. وستمرّ أيامٌ وأسابيع من التصعيد العسكري على الأراضي السورية، ومن المفاوضات الصعبة غير المعلنة، ومن محاولات تحسين "الموقف التفاوضي" لكلّ طرفٍ إقليمي ودولي على أرض الصراع في سوريا، لكن إذا لم تُنفّذ في النتيجة "التسوية"، فإنّ سوريا والمنطقة كلّها ستدخل فعلاً حروباً أهلية وإقليمية كبرى، لن ترحم أيَّ طرفٍ معنيٍّ بها، ولا يمكن التنبّؤ بنتائجها!.
 *مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن
Sobhi@alhewar.com

قداديسُ العِشق تحتَ أجراسِ المطر/ ماهر الخير

" إلى الأصدقاء في سيدني "

أين أحاديثُ المسَاء..؟
ترانيمُ المَاءِ في صوتِنا
تسكبُ شمسَ بُحَّتنا
من إبريقِ الفجر ِالمعَشَّق
نبسطُ مُلاءاتِ المُخمل
 في نسائمِ الزمان
نضحك...
لأننا نكذب
نضحك...
لأننا نصدقُ ما كذبناه

***   ***   ***

من سرقَ أوراقي
قصائدَ اللازَوَرْدي؟
جفَّ الحِبرُ من بحاري
أنا المنادي من نِصفِ الليل:
حيَّ على الحُبّ
حيَّ على الحياة...

***   ***   *** 

من صدَّ نايةَ التنهيدة
من طقَّ رِقَّ الصَّلاة
من ثقبَ طبلةَ الأعيادِ في زُقاقِ الطفولة
من ذبحَ الحَمَام
من كفَّ، عن بوحِ أسرارِ الخرير،
ناعورةً الأيام
من هدَّ طاحونة الأحلام؟

***   ***   ***

ذلك العُمْرُ بيننا
مقدَّسٌ
نبكي عليه،
نقيمُ  قداديسَ الجنائز
نقرعُ أجراسَ المطر
نقدِّمُ الذبائح:
قمْ إلينا...
قمْ إلينا...

***   ***   ***

أنصتوا:
هزيزُ عربةِ الحنين...
تجرُّها الملائكة
أنصتوا:
نعيبُ الجوى يشاكسُ الريح:
لن يغلبنا قضاءٌ ولا قدر...

***   ***   ***

نشبكُ الأقمارَ بتنهداتِ الصلاة
نرشُّ  الضوءَ من مبخرةِ الفناء
نطلق أرواحنا تمشي بثوب الناسكينَ والكهنة
بياضاَ يعبقُ في الأمكنة:
 إتبعونا...
المجدُ للحبِّ في الأرضِ  والسَّماء


***   ***   ***

انبثقي يا زنابقَ النهر
شقِّي المداراتِ المهمهمة في أسِرَّة الدُّجى
إرشقي الغبشَ الجارف
عسى السيلُ يشهقُ من السّفلِ للعُلا...
أعراسَ جداولِ
تزفُّ وردَ الخمائل....

الوجدان الشيعي ضد تقسيم العراق/ أسعد البصري

أراقب الثقافة العراقية بحزن
من الواضح أن المثقفين الشيعة وطنيون
لا يريدون تقسيم العراق ولا يريدون حربا أهلية
لا يريدون هكذا ببساطة طلاق العرب والثقافة العربية
أراقب من بعيد صمتهم وانغمارهم بالأسئلة الثقافية العربية
نعم طبلوا لحقوق الشيعة ومظلوميتهم فيما مضى
لكن ليس عندهم استعداد لتقسيم العراق
ولا لحرب أهلية ولا لبناء سواتر وحجابات مع الوطن العربي
لا يريدون وحدة اندماجية بإيران
ولا قتالا إلى جانب الجندي الإيراني
الشيعة العراقيون عرب أبطال
حاربوا إيران دفاعا عن العراق ثمان سنوات
إن وجدانهم يتحفز ضد فكرة التقسيم وبشكل عفوي
خفتت الزيارات الشيعية ونغمة الخطابات الطائفية
ليس بسبب الضعف بل بدافع الخوف على العراق
بدافع الذاكرة المشتركة والحنين الوطني
حتى حديث الشيوعيين المبالغ فيه هذه الأيام
عن اعتقال السلطات الإيرانية
 لرجل الدين المشلول أحمد القبنجي
وعن محاولة اغتيال بكاتم صوت للشاعر عبد الزهرة زكي
كلها علامات تكشف ورطة الوطنيين في هذا المطب
كأنهم يعلنون مسافة بين شيعة العراق و سياسة إيران
وبينهم وبين حكومة المالكي
هناك بحث غريب عن مؤاخاة و حل من طرف الوجدان الشيعي
إنهم فقط ذهبوا أبعد من اللازم في شهوة الإنتقام من السنة
بحيث صارت القضية لا تُطاق من الطرف الآخر
صار السنة يبحثون عن أرض محررة
من حوزة النجف و سلطة السيستاني
هذا الوضع سيتغير بمعجزة والعراق أرض معجزات
السني يفضل حرب استنزاف وتقسيم البلاد
على أن يكون مواطنا درجة ثانية
يتعرض للإحتقار والمداهمة والإغتصاب في السجون
أهل الفلوجة يدفنون شبابهم كل ليلة
وأهل النجف يعقدون الصفقات التجارية
 و يملأون أرصدتهم بالملايين
شباب الفلوجة أكثر غضبا و حقدا من شباب النجف بكل تأكيد
مَن يريد أن يقول جملة واحدة في العراق اليوم
عليه أن يكون بصدق الأنبياء و أوضح من النور
لأن ما تركه الكذابون والمنافقون جعل رائحة الكلام كريهة
لا توجد ثقة ولا أدنى رغبة بتصديق أو سماع أي شيء
العقد الإجتماعي العراقي انتهى
لم يعد هناك عقد بين الناس والدولة ولا بين الناس والناس
حتى عهد الله لم يعد موجودا بين العراقيين
انتهت حكاية قديمة عمرها آلاف السنين بطريقة مأساوية
الشعب العراقي اليوم كله طائفي
ألم ينتخب هذا الشعب بإرادته هذه الأحزاب الطائفية ؟
ثم كيف للسنة أن يطمئنوا وهناك مَن يقول
بفتوى واحدة من السيستاني نذبح السنة جميعاً
كيف لأهالي سامراء أن يناموا مع أطفالهم وهم يعلمون
أن المراقد المشؤومة في مدينتهم أهم من حياتهم
لو فجرها مجانين بليل
فإن مجانين الشيعة يذبحون الأحياء في سبيل القبور ؟
هذه ليست حياة بل كابوس
يجب المطالبة بإقليم فيه قوات مسلحة قوية تحمي الناس
إن أكبر كارثة حدثت هي التغيير الديموغرافي لبغداد
حوالي مليون ونصف مواطنا سنيا هجروا بغداد
بعد عاصفة العنف التي سببها تفجير المرقدين في سامراء عام ٢٠٠٦م
انخفضت نسبة السنة في بغداد من ستين بالمئة
إلى ٢٥ بالمئة وبعضهم يقول خمسة عشر بالمئة
إعادة هؤلاء و تثبيتهم في مدينتهم سيكون من أهم المشاريع
من المؤسف أن سياسة التغيير الديموغرافي هي الأكثر إيلاما
وتمت تحت أنظار الإحتلال و نشاط القاعدة المشبوه
ما قيمة تفجيرات سخيفة تختلقها إيران وسوريا في الأسواق
ما قيمة تفجير قبر إمام أو نبي أمام تغيير ديموغرافي في بغداد ؟؟
إن عاصفة كبيرة ستهب على بغداد بكل تأكيد
ربما تهجير معاكس سيحدث لا أحد يعرف
هذه مشاكل لا يتم حلها بمقال سياسي
ولا بقصيدة أو بدعاء المؤمنين
أو بصلاة جمعة نجسة مشتركة
رجال قساة فعلوا ذلك ببغداد
ورجال أقسى منهم
لا يعجبهم هذا الفعل وسيأتي الرد حتما

نشيد الأناشيد لمجد العشق/ خالد الأسمر

أستسقى المدى اليباس،
جال جنوب الجنان،
شمال المسرة،
أخذه الوجد لشطآن
شاردة.

شاح بوجهه عن
لعبة القضاء والقدر،
فوقع في فخ الفاجعة.

عبر البرزخ الأول،
فرأى الشمس ظلال
وبين القلب والقلب ضلال.

عبر البرزخ الثاني
–   لم ينظر الى الوراء البتة-
مضى الى ما كان عليه
الغابرون/العابرون والغاوون
يقطف مثلهم ثمار الأرض،
قطاف يذخر بالثمالة.

ثم يكون العبور الثالث/
يرتدي عباءة المحارب،
يصول ويجول في المالك،
كل جسده مثخن بالجراح
ولا ألم يضاهي ما يكابده العاشق.

وفي نهاية المطافات الكبرى،
أنظر  مع الناظرين خوض
مساحات الوحدة القارسة،
أشعل شمعة في العراء،
ما من صدى لكماتي في
الفناء، أعرج الى السماء،
أتعلم كل الأسماء، أبجدية المأساة.

ان أستطعت سوف أخرق
أقطار السموات والأرض
لأجلب لك أجمل درة.

أعلو في حُجب وسراب،
أنال نجمة عابرة،
يغريني دلال البنفسج،
يغلي في دمي أقحوان بري.

أهبط في وديان متوجسة
الدهاليز بممرات موبؤة،
تمتص صهوة عنفواني،
 أخطو في تلك الوحول
أتعثر، أنكسر، أندثر
كبلور ملون منثور
أحور، أقوم، أعلو
من طور الى طور،
أملك خزائن كسرى مراراً،
عرش بلقيس وعباءة الخضر أطواراً.

انني خلق جديد مديد
ينبثق من بحر لجي علي،
مداري مناري مساري منالي
ان اركب امواج هادئة.
ان تهبني دورة الفصول
تذكرة سفر الى المجهول.

فمن  وراء سدرة  كثيفة الضياء
 أهتدي لظلي، لوحي، لمرقدي،
من وسع محبتك وكرمك،
أسعى الى ان اكون كريماً محباً،
أصغي لصوتك لصوتي وانشد
 نشيد الأناشيد لمجدك في ألاعالي.


المنظمات الدولية وحرية الاسري/ سري القدوة

أن المجتمع الدولي مطالب اليوم ممارسة الضغط ، على حكومة الاحتلال الفاشية ، واتخاذ إجراءات عملية ترغمها على الانصياع للقانون الإنساني والإرادة الدولية ، خاصة وإنها تعتبر نفسها دولة فوق القانون ، ولا تعير اهتماما للشرعية الدولية ، الأمر الذي يستدعي محاسبة قادتها أمام محاكم مجرمي الحرب الدولية على ما يرتكبوه من جرائم يومية بحق أسرانا وعموم أبناء شعبنا الفلسطيني .
أن مؤسسات المجتمع الدولي وعلى رأسها الصليب الأحمر الدولي ، ومنظمات حقوق الإنسان ، وكافة المؤسسات الحقوقية ذات العلاقة مطالبة  بالوقوف أمام مسؤولياتها القانونية والأخلاقية لحماية الأسرى ،والتحرك الفوري لإنقاذ حياة المضربين منهم عن الطعام منذ أشهر ، وكذلك والمرضى والنساء والأطفال .. وتمكينهم من تحقيق مطالبهم المشروعة ، والعمل على إطلاق سراحهم جميعا كونهم مناضلين من اجل حرية شعبهم .
ان السلطات الإسرائيلية تحتجز الأسرى الفلسطينيين بعيدا عن مناطق سكناهم، في معتقلات تقع خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967، مخالفة بذلك المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 التي تنص على انه "يحظى النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال.."، والمادة 76 التي تنص على انه "يحتجز الأشخاص المحميون المتهمون في البلد المحتل، ويقضون فيه عقوبتهم إذا أدينوا".
وان سياسة تعذيب المعتقلين التي تتبعها إسرائيل بحق الأسرى الفلسطينيين تخالف أحكام اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاانسانية، والمادة 32 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تمنع تعذيب الأشخاص المدنيين من الحرب، وتخالف أيضا المبدأ 21 من مجموعة المبادئ الخاصة بحماية جميع الأشخاص الخاضعين لأي شكل من إشكال الاعتقال أو السجن، والمادة 40 من اتفاقية حقوق الطفل التي تحظر الاستغلال غير المناسب لوضع المعتقلين بغية إجبارهم على الاعتراف وتوريط أنفسهم في تهم جنائية أو تقديم معلومات ضد أشخاص آخرين".
وإن استمرار السلطات الإسرائيلية في احتجاز الأسرى في ظل ظروف صحية سيئة، يشكل خرقا صارخا للمراد 91 و92 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص، من بين أمور أخرى، على: " أن يتوفر لكل معتقل عيادة مناسبة يشرف عليها طبيب مؤهل ويحصل فيها المعتقلون على ما يحتاجونه من رعاية طيبة، وكذلك على نظام غذائي مناسب، وتخصيص عنابر لعزل المصابين بأمراض معدية أو عقلية".
في ضوء هذه القوانين الدولية الخاصة بالأسري بات من الاجدر علي المنظمات الدولية العاملة في فلسطين الخروج عن صمتها وقولها الحقيقة ونستغرب هنا عن دور منظمة الصليب الاحمر الدولي وتلك المواقف الصامتة والمريبة في نفس الوقت  وهنا وبعد الاعتراف الدولي في دولة فلسطين كعضو مراقب بات من الضروري العمل علي تطبيق معايير القوانين الدولية الخاصة بالتعامل مع اسري الحرب وان بنود القانون الدولي الإنساني وقوانين الاحتلال الحربي لا تزال تنطبق على الأراضي ألفلسطينية التي تنص على استمرار تطبيق بنودها طوال مدة الاحتلال ما دامت الدولة المحتلة تمارس وظائف الحكومة في الأراضي الواقعة تحت الاحتلال وهنا يجب معاملة الاسري الفلسطينيين كاسري حرب ضمن المعايير الدولية وبات من المهم الان أن لا تقف منظمة الصليب الاحمر الدولي صامتة عاجزة لا تعمل أي شيء سوى الزيارات الشكلية للأسري فلسطين في سجون الاحتلال .
أن المؤسسات الدولية مطالبة اليوم بضرورة التحرك والخروج عن صمتها إزاء استمرار إضراب الأسرى دون التدخل لإنقاذ حياتهم، والعمل على الإفراج عن الأسرى المضربين عن الطعام، منذ أكثر من 210 يوما مع كتابة هذا الموضوع خاصة وأن الأسرى المضربين يعيشون أوضاعا صحية صعبة للغاية وباتت حياتهم مهددة بالخطر وفي حالة انتظار الموت المحقق وهنا نتساءل اين دور منظمة الصليب الاحمر الدولي في ادانة اسرائيل من ممارساتها بعد استمرار الاسري في اضرابهم الي هذه المدة لماذا لا تخرج منظمة الصليب الاحمر الدولي وتدين اسرائيل علي ممارساتها وإجرامها الوقح .. وفي ضوء ذلك بات لا بد من تحرك دولي مدين ومناهض لسياسات الاحتلال الاسرائيلي وخاصة بعد استمرار اضراب المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال وان سلطات الاحتلال الاسرائيلي تمارس رفضها بكل وقاحة وتبجح الي الاستجابة لمطالبهم العادلة وتمارس عمليات قتلهم وإعدامهم بشكل ممنهج ومباشر ..
وأن الفعاليات التضامنية مع الأسرى التي تقام أمام مقرات المؤسسات الدولية تهدف إلى إيصال رسالة إلى الأمم المتحدة، وإلى المجتمع الدولي بأسره بضرورة أن يمارس دوره الإنساني من أجل اطلاق سراح الأسرى المضربين عن الطعام، وأن يقوم بدوره بالضغط على سلطات الاحتلال لإنهاء معاناة الأسرى وذويهم وان حق الأسرى المشروع في الحصول على حقوقهم التي نصت عليها الاتفاقيات والمواثيق الدولية يعد من اهم اهداف هذه المنظمات وخاصة منظمة الصليب الاحمر الدولي ، ولدعم صمودهم وتحديهم لسلطات الاحتلال التى تمارس جميع أنواع الغطرسة بحقهم .
انهم ابناء فلسطين والرجال الابطال الذين يشرفون الشعب الفلسطيني .. انهم الاسري في سجون الاحتلال هؤلاء الذين يعلمون الاجيال القادمة معني الصمود والنصر والتضحية بكل شيء من اجل الوطن .. هناك في باستيلات الاحتلال الصهيوني تعتقل اسرائيل ابناء الشعب الفلسطيني وتمارس ابشع انواع التعذيب بحقهم وتحرمهم من ابسط الاحتياجات الانسانية ضاربة بعرض الحائط كل القوانين والأعراف الدولية فالي متي سيستمر هذا الصمت الدولي المريب ومتي سنسمع تقارير منظمة الصليب الاحمر الدولي الفاضحة للاحتلال الاسرائيلي والتي تطالب بمحاكمة قادته كمجرمي حرب ..
سري القدوة
رئيس تحرير جريدة الصباح الفلسطينية
www.alsbah.net

قلبي على العراق!/ شاكر فريد حسن

ينتابني احساس بالحزن والمرارة والألم ،لما آلت اليه الاوضاع السياسية والحياة الاجتماعية العامة في العراق ، منارة التاريخ ، وبلد العلم والثقافة   والابداع والتراث والحضارات والفن الراقي ، وبلد الحب والجمال والاصالة والكرامة والمحبة والتسامح . هذا البلد ، الذي طالما احببناه واردناه بلداً للحرية والديمقراطية والوحدة الوطنية ، لكنه تحوًل،للاسف والاسى، بلداً للفقر والبطالة والفساد والامية والجهل والتخلف والتسول ، ومسرحاً للشقاق والخلاف والتجاذب السياسي والصراع الطائفي والمذهبي والعشائري ، وساحة للتفجيرات الدموية الاجرامية البشعة والآثمة المدانة والمتواصلة ، التي تعصف فيه ،وتهز شوارعه واسواقه ودور العبادة فيه .  هذه التفجيرات ، التي تقترفها وترتكبها القوى الظلامية الارهابية والزمر المجرمة بحق الجماهير العراقية العريضة الواسعة المنتفضة ضد سياسة النظام الحاكم ، مستغلة اجواء التشنج والتهيج الطائفيين والصراع على المغانم والمصالح والمناصب والسلطة .
 ولا شك ان هذه التفجيرات ، التي طالت مناطق متفرقة من بغداد العاصمة وغيرها، وراح ضحيتها جرحى وقتلى عراقيين من الابرياء العزل، تشكل حلقة في مسلسل الاستهداف الطائفي، وتبغي اولاً، وقبل كل شيء، جر البلاد الى حالة من الفوضى واثارة النعرات الطائفية والعقائدية والعشائرية ، واشعال نار الفتنة وتأجيجها بين مكونات الشعب العراقي ، وتمزيق وحدة العراق ونسيجه الاجتماعي. وواضح تماماً ان من يقف وراء هذه التفجيرات الدموية هي اجندة اجنبية ودولية واقليمية معادية للعراق ،حيث تستغل الحالة السياسية المحتقنة والمأزق السياسي الراهن ، الذي يعيشه هذا البلد ويلقي بظلاله على مناحي الحياة كافة . ولتنفيذ مخططها القذر هذا ، الذي يستهدف سيادة العراق واستقلاله ووحدته واستقراره ومستقبله، فانها تستخدم منظمات وقوى مأجورة وعميلة في داخله.
 ان من حق الجماهير العراقية أن تثور وتنتفض ضد سياسة الدكتاتور الجديد الحاكم بالحديد والنار ، واحتجاجاً على تردي وتدهور الاوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتدني مستوى المعيشه ، واستفحال مظاهر الفساد ، واستمرار سياسات القمع والتعذيب والاقصاء والتهميش والاستقطاب الطائفي .  والمطالب، التي ينادي بها المتظاهرون في الشوارع والساحات العامة في انحاء مختلفة من العراق، هي مطالب شعبية وديمقراطية وعادلة ومشروعة وقابلة للتطبيق والتنفيذ.
ومن نافلة القول، ليس هذا العراق الجديد ، الذي حلمنا به وبشرنا فيه ، وليس العراق، الذي نريده ان يكون نموذجاً ومثالاً للتعايش والمدنية والتعددية والحرية والديمقراطية والعدالة والازدهار الثقافي والادبي والتطور العمراني والرخاء الاجتماعي والاقتصادي .فالعراق الحاضر سيظل في دوامة الصراعات والنزاعات الطائفية والفئوية والسياسية ما لم يتم تصحيح المسار، وتضميد الجراح، وشفاء العقول المريضة، وتجذير الوحدة الوطنية ،والوقوف صفاً واحداً في وجه مؤامرة التجزئة والتقسيم الطائفي وزرع الفتن والفوضى والدمار في العراق وفي كل اوطاننا العربية ، والتصدي بكل قوة وصلابة للمجرمين القتلة ،الذين يرتكبون المجازر المفجعة البشعة المدانة ، وينسفون دور العبادة ، ويذبحون الاطفال والشباب والنساء والشيوخ والكهول ، وينشرون الخوف والرعب بين الناس . وهذا الامر يتطلب من الشعب العراقي وقواه السياسية والفكرية والوطنية الحية في هذه المرحلة الحرجة، التكاتف والتعاضد والتلاحم وحل الخلافات بالحوار السياسي والديمقراطي الوطني الجاد والمسؤول ، بمشاركة كل قوى اليسار والديمقراطية والحرية المناصرين والداعمين للتجربة الديمقراطية والحياة الدستورية المدنية في العراق ، ولجم كل المتربصين والمتآمرين والارهابيين والمتطرفين والظلاميين ، المنتمين والمنضويين تحت خيمة الارهاب والفكر الديني المتطرف المعادي للجماهير والحضارة والتمدن والنور والانسانية ، الذي يفجرون السيارات المفخخة ويقتلون الابرياء العزل وينسفون اماكن ودور العبادة ، ولا يريدون  الخير والمستقبل للعراق  وعلاوة على ذلك عزل بقايا النظام السابق ودعاة الغلواء والتعصب الطائفي البغيض . وليعش العراق حراً موحداً متلاحماً ومتماسكاً ، ولتسقط المؤامرة الاستعمارية الدنيئة ، التي تستهدف تجزئته وتفتيته الى  مجموعات وطوائف وملل وعشائر ، ونهب ثرواته وموارده الطبيعية.

دنشواي / بني سويف .. الشبه والخلاف/ أنطوني ولسن

أولا : دنشواي
من لا يعرف قرية دنشواي نقول هي قرية تابعة لمركز شبين الكوم محافظة
 المنوفية . قرية بسيطة إشتهرت بأبراج الحمام الكثيرة والمتواجدة حول بيوت  أهل القرية وأجران الغلة. أهلها مثل بقية أهالي القرى في الريف المصري سواء في شمال مصر في الدلتا ، أو في جنوب مصر المعروف بأسم صعيد مصر يتميزوا عن أهل البندر في المدن بالطيبة والتسامح ومساعدة الغير وقت الحاجة حتى لو كان هذا الغير غريب ومحتل . وهذا ما حدث مع أهل هذه القرية في عام 1906 بما عرف بأحداث دنشواي والتي عرفها العالم بأجمعه في ذلك الزمان وأعطى للقرية وأهلها سمعة طيبة وتضامنا معهم للظلم الذي وقع عليهم .
حدث في الساعة الثانية من بعد ظهر يوم الأربعاء 13 يونيو من العام 1906 بعد أن أخذت مجموعة من جنود الأحتلال البريطاني التوجه إلى قرية دنشواي الشهيرة بأبراج الحمام للأصطياد . وهذا يحدث من وقت لأخر لكن ليس كما حدث في ذلك اليوم .
أراد أحد الجنود أن يصطاد الحمام الواقف عند أحد الأجران يلتقط حبات الغلة. جرى صاحب الجرن يحذر الجندي ويطلب منه الأبتعاد لوجود التبن خوفا من الحريق الذي قد يندلع .
كان من الطبيعي أن لا يفهم الجندي ما قاله صاحب الجرن فأطلق بندقيته لكنه أصاب إمرأة وتسبب في إندلاع النار بالفعل مما أثار حفيظة أهل القرية فخرجوا أفواجا يلاحقون جنود بريطانيا العظمي .
 قبض خفراء القرية على ثلاثة من الجنود البريطانيين  وهرب اثنان كابتن الفرقة وطبيبها. لكن مع الأسف وقع أحدهم  وكان قد أصيب بضربة شمس فتركه زميله وجرى طالبا النجدة .
لسوء حظ القرية أن أحد شبابها عندما رأى الجندي في حالة إغماء أراد إسعافه بتقديم الماء له . لكن الجندي كان قد فارق الحياة ، وفي الوقت نفسه كانت النجدة قد وصلت فقتلت الشاب إعتقادا منهم بأنه قاتل الجندي وتم القبض على عدد كبير من أهالي القرية .
من الطبيعي أن يأمر  اللورد كرومر الحاكم العام بتشكيل محكمة لمحاكمة من تم إلقاء القبض عليهم . ومن الطبيعي أيضا أن تكون المحكمة مشكلة من المصريين فاختار بطرس غالي باشا رئيسا للمحكمة . وهذا الأختيار لم يكن حبا لبطرس غالي باشا . لكن محاولة منه في تهيج الرأي العام المصري من المسلمين ضد المسيحيين بعد أن فشل في إستقطاب المسيحيين المصريين لجانب الأستعمار البريطاني . ونعرف مقولته الشهيرة عندما تحدث عن الشعب المصري وقال عنهم  ، أنك لا تستطيع أن تفرق بين المصريين لتعرف من منهم المسلم ومن منهم المسيحي غير في يوم الجمعة يذهب المسلم ليصلي في المسجد . ويوم الأحد يذهب المسيحي ليصلي في الكنيسة  .
تشكلت المحكمة على النحو التالي :
** بطرس باشا غالي رئيسا للمحكمة .
** أحمد فتحي زغلول باشا " شقيق الزعيم سعد زغلول " كاتب حيثيات الحكم .
** ابراهيم الهلباوي المحامي الذي عين من قبل المحكمة للدفاع عن المتهمين . لكنه مع الأسف لم يقم بمهمته كما يجب أن تكون . فكرهه الشعب وعاش منبوذا حتى وفاته .
قُدّمَ إلى المحاكمة عدد 52 قروي بتهمة القتل العمد. تم إثبات التهمة على 35 منهم بتاريخ 27 يونيو 1906 ، والحكم على البعض بالجلد ، والبعض بالأشغال الشاقة . والحكم بالأعدام على أربعة من المتهمين .
تم تنفيذ حكم أعدام الأربعة قرويين داخل قرية دنشواي في الثانية من بعد ظهر يوم الخميس 28 يونيو عام 1906 أمام أعين أهل القرية وذويهم .
تم إغتيال بطرس باشا غالي ونبذ من إشتركوا في المحكمة منهم شقيق الزعيم سعد زغلول باشا . ولم تحدث فتنة طائفية بين المسلمين والمسيحيين سواء على مستوى القرية أو الأمة كما كان يتمنى كرومر . ذلك بسبب الوعي الوطني لدي كل المصريين وليس مثل هذه الأيام التعيسة الحزينة التي تمر بها مصر .
سمع مصطفى كامل باشا بالحادثة فكتب وهو في باريس مقالا نشر بجريدة الفيجلرو الفرنسية تحت عنوان :
إلى الأمة الأنجليزية والعالم المتمدن .
ثم سافر إلى لندن وأخذ يخطب في الناس عن بشاعة الحادثة ويعقد المؤتمرات منددا بحكم اللورد كرومر في مصر ومطالبا برحيل الأنجليز المستعمرين عن أرض مصر.
بالفعل قد تم نقل اللورد كرومر الى بريطانيا بعد أن استمر حكمدارا حاكما في مصر لمدة 25 سنة .
ثانيا : بني سويف
مدينة بني سويف هي عاصمة محافظة بني سويف وتعتبر ثاني محافظة على طريق الجنوب لمصر بما عرف بصعيد مصر أو الوجه القبلي .
شعب بني سويف مثله مثل باقي الشعب المصري بسيط ومحب للسلام والمحبة ولا يميل للعنف . من الطبيعي أن تحدث أحداث من هنا أو هناك . مع زيادة العدد البشري في مصر تتغير تركيبة المجتمع والبيئة .
كنت مع من سافر من طلبة التوجيهية بمدرسة التوفيقية الثانوية بشبرا عام 1955في رحلة على حساب وزارة التربية والتعليم إلى كل من الأقصر وأسوان .
في أسوان كانت المفاجأة بالنسبة لي على الأقل أنني رأيت المحلات التجارية بغير أبواب تغلق وتفتح بأقفال مثلما الحال في القاهرة أو باقي المدن في ذلك الوقت ، لكن المحلات تغلق بستارة من البلاستيك يوضع أمام المحل كرسي صغير فيعرف الناس أن المحل مغلق وصاحبه إما ذهب ليصلي الفرض أوعاد إلى منزله .
عملت بوزارة الداخلية في نفس العام . بعدها بعامين ذهبت إلى أسوان مرة أخرى وكان الوضع كما هو بالنسبة للمحلات . تكرر ذهابي في مأموريات متقطعة سواء إلى الجنوب " الصعيد " أو في الشمال " وجه بحري " فأنا من هواة السفر وكنا بالمصلحة يوكل إليّ وثلاثة أخرين مثل هذه المأموريات أقصى ما كنا نقضيه أسبوع للقيام بما يوكل إلينا في تلك المأموريات .
بدأ العمل في بناء السد العالي . في زيارة لي في تلك الفترة إلى أسوان لاحظت تغيرا أذهلني . المحلات باتت تغلق بأبواب وأقفال مثلما يحدث في القاهرة وغيرها من مدن مصر . عندما إستفسرت كانت إجاباتهم الوضع قد تغير وأصبح عندنا عمال وغيرهم من بحري فكان يجب علينا الحيطة والحذر .
وهذا مع مدينة بني سويف المعروف عن أهلها الطيبة وسماحة الخلق والمحبة والتعاون بين الأهل في المدينة ، تغيرات غيرت الكثير من صفات المصريين .
بلطجي في مدينة بني سويف قتل ضابطا للشرطة في المدينة فماذا حدث للبلطجي وللمدينة ؟!!..
الأجابة العفوية هي أن يتم القبض على البلطجي ولا مانع من ضربه كما هي العادة مع الشرطة والأهالي في بعض الأحيان مع أخذ المتهم مهما كانت تهمته إلى قسم الشرطة ليتم تحرير محضر بالحادثة ويتم حبس المتهم لحين عرضه على النيابة للتحقيق وإجراء اللازم ، إن كان بريئا فيتم الأفراج عنه  . أما إذا كان متهما فيأمر وكيل النائب العام بحبسه على ذمة القضية لحين عرضه على المحكمة .
لكن ماحدث للبلطجي في بني سويف تعدى كل الأعراف القانونية بتعدي رجال الشرطة أنفسهم من ضباط وأمناء وجنود شرطة ومن إنضم إليهم من الشعب . وقد يكون قد إنضم إليهم أعداد من مليشيات الأخوان الذين شوهدوا في كثير من الأحداث تدخلهم مع جنود الشرطة لقمع المتظاهرين .
نعود إلى ما حدث للبلطجي الذي قتل ضابط شرطة في مدينة بني سويف بعد القبض عليه .
في حالة غضب شديد عارم نسى رجال الشرطة مهمتهم التي أقسموا اليمين عليها والتي تحتم عليهم تطبيق القانون وتقديم المتهم إلى القضاء ليحكم عليه طبقا للحيثيات التي ستكون أمام القضاء ، وأخذوا القصاص بأنفسهم ولم يتركوا البلطجي إلا بعد أن أصبح جثة هامدة ممزقة وهم يكبرون ويركلون ويدهسون في حالة أقل ما يوصفوا بها أنها حالة جنونية . وهذه وصمة عار تتكرر هذه الأيام من رجال شرطة الأخوان والذين لا نعرف بعد السماح لهم بإطلاق لحاهم ماذا سيحدث للشعب المصري الذي لا حول له ولا قوة .
وجه الشبه بين دنشواي وبني سويف
**في حادثة دنشواي كان القتيل الذي مات من ضربة شمس وليس بيد أحد ’ ضابطا في الجيش البريطاني المحتل لمصر .
** والقتيل في بني سويف كان أيضا ضابطا في قوة شرطة بني سويف وقتل بيد بلطجي .
** غضب الشعب في دنشواي .
** وغضب الشعب في بني سويف .  
 نأتي إلى وجه الخلاف بين دنشواي وبني سويف .
** في دنشواي . الضابط البريطاني كان جنديا في جيش الأحتلال البريطاني .
** في بني سويف . الضابط المصري كان جنديا في شرطة مصر المفروض فيها حماية الناس وتقديم كل خارج على القانون إلى القضاء ليحكم بالقانون المدني ، ليس بقانون الغاب .
** في دنشواي . تم تشكيل محكمة لتنظر القضية .
** في بني سويف . تم أخذ القصاص بأيدي رجال الشرطة وليس بالقانون . وهذا مؤشر لأنتشار الفوضى بين أبناء وطن واحد وأصبح القوي يقتل الضعيف ولا مكان للقانون في مصر. وقد بدأت البشاير في الشرقية خيث تم قتل إثنين من البلطجية ذبحا بالسكين ثم سلخهما وسحلهما . ولا مكان لا للشرطة ولا للقانون . كذلك تم ذبح مسيحي وإلقاء جثته في النيل لأدعائهم بأنه عاكس إمرأة أو ما شابه . دون إعتبار للشرطة أو القانون
** في دنشواي . إستطاع مصري أصيل في بلاد الغربة أن يكتب عن الحادثة ويهين بريطانيا العظمى وجنودها ، وذهب إلى عقر دارهم في لندن وأخذ يتحدث عن ما حدث في دنشواي مدينا ما فعله البريطانيون في مصر . وقد نجح في إبعاد اللورد كرومر الحكمدار الحاكم في مصر وإعادته إلى بلده إنجلترا .
كلنا نعرف من هو هذا الأنسان .. أنه مصطفى كامل باشا رحمه الله .
فهل يوجد في مصر من يستطيع إقالة وزير الداخلية المصري لعدم قدرته على تطبيق القانون من قبل رجال الشرطة وأخذ القصاص بأيديهم ؟
ومع إقالة وزير الداخلية تأتي إقالة رئيس الوزراء الذي لا يهش ولا ينش ولا له في الطور والطحين ، مجرد رئيس وزراء لا سلطة له ولا يعرف كيف يدير وزارة .
بوادر القصاص الشخصي البعيد عن القانون قد تقود مصر إلى فوضى عارمة يقتل فيها القوي الضعيف . والتي قد تبشر بحدوث حرب أهلية بين أبناء مصر المضطهدين والمهملين من حكامهم الأخوان وأتباعهم .
فهل من مُخَلّصْ يُخَلّصْ مصر والشعب المصري من كارثة على وشك الوقوع ؟

حدثهم عني/ امل الحمداني

حدثهم عني ........
دعهم يقرأون اسمي بين ثنايا حرفك...
قل لهم
اني كنت قمراً في لياليك المظلمه
واني كنت شهرزاد
تبوحك في الليله ...آلاف الاحلام
وذات خريف ..راقصت ظلك على حفيف الاشجار
*************
حدثهم عني..........
دعهم يعرفون ..انك موشوم بي
واني بُعٍثتُ من براثين الصقيع
لأحتل مملكتك..
أو .. أكون فيها أسيره
*************
قل لهم ...
انها مليكتي .. منذ عصور
منذ ان عمدتها في بحور عيني
قل لهم...
ان لها قلباً كالمطر
وهي كل حكاياتي
وأن في صمتها ..جميع اجاباتي

زيارة اوباما القادمة، أوهام متجددة/ راسم عبيدات

... لعل الجميع يذكر الولاية الأولى للرئيس الأمريكي أوباما،والذي بعض العرب والفلسطينيين،نظروا اليه على انه المخلص والمنقذ،لمجرد انه أستخدم لغة جديدة تضرب وتلعب على وتر المشاعر والعواطف والدين في تسويق  بحلة جديدة لنفس السياسة الأمريكية الخارجية،تلك السياسة الأمريكية التي ثابتها الدعم والولاء المطلق لإسرائيل في كل ما تنتهجه وما تقوم به من سياسات وإجراءات وممارسات بحق الفلسطينيين والعرب،وتوفير الغطاء السياسي والحماية لها في المحافل والمؤسسات الدولية ضد أي قرار أو عقوبات قد تتخذ أو تفرض عليها بسبب إجراءاتها وممارساتها وجرائمها المتناقضة والمتعارضة مع القوانين والاتفاقيات الدولية،والضغط على العرب والفلسطينيين  لتقديم تنازلات تستجيب للشروط والإملاءات الإسرائيلية - الأمريكية فيما يتعلق بالتسوية والمفاوضات في أي استعصاءات تواجهها بسبب التعنت الإسرائيلي.
وبالفعل السلطة الفلسطينية  اشترت الأوهام الأمريكية وراهنت على حلب"الثور" وعادت للمفاوضات وفق النصائح والوعود والضغوط الأمريكية ،مفاوضات سرية وعلني،مباشرة وغير مباشرة،ولكن تلك المفاوضات العبثية والماراثونية،كان الهدف الأمريكي- الإسرائيلي منها واضح استمرار إدامة الأزمة لمنع تدهور الأوضاع في المنطقة،على أن تقوم ما يسمى بالرباعية  شاهد الزور بالضغط على الدول الأوروبية الغربية لتمويل مشاريع ومساعدات اقتصادية للفلسطينيين،ووفق شهادة حسن سلوك يستصدرها"المتصهين" بلير للسلوك الفلسطيني من أمريكا وإسرائيل،وعلى ضوئها يتقرر الصرف من عدمه،بما في ذلك العوائد الجمركية والضريبية الفلسطينية.
وللتذكير رغم قصر الذاكرة عندنا كعرب وفلسطينيين،فالولاية الأولى للرئيس الأمريكي أوباما،كان العداء فيها للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني،الأكثر من أي إدارة أمريكية سابقة،حتى أن المواقف العدائية الأمريكية من تلك الحقوق،كانت أكثر تطرفاً من الموقف الإسرائيلي نفسه،فهي من عارضت انضمام السلطة الفلسطينية الى هيئة الأمم والوكالات الدولية التابعة لها،وهي من استخدمت الفيتو ضد إدانة الاستيطان،وهي من رفضت بشدة وعارضت الطلب الفلسطيني للحصول على العضوية الكاملة في مجلس الأمن،وهددت باستخدام الفيتو في حال عرض الطلب الفلسطيني على مجلس الأمن،ومارست كل الضغوط على السلطة لثنيها عن الذهاب الى الجمعية العامة من أجل الحصول على العضوية المراقبة،بل وحرضت العديد من الدول لجهة عدم التصويت الايجابي،وكانت بصماتها واضحة في تعطيل المصالحة الفلسطينية.
إن زيارة أوباما القائمة  ستكون بمثابة إنعاش أو ضخ الروح في عملية سلام ميته،وهي ستكون تكرار للحديث والوعود السابقة،وخصوصاً ان الحكومة الإسرائيلية والمجتمع الإسرائيلي يزدادون صلفاً وعنجهية وتطرفاً،وفي ظل ما نشهده من تغول وتوحش  و"تسونامي" استيطاني غير مسبوق،ليس في القدس وحدها،بل في الضفة الغربية،فإن تلك الحكومة لن تستجيب للطلب الأمريكي بتجميد جزئي أو مؤقت للاستيطان،ولربما تقبل بتلك الخطوة مؤقتاً خارج القدس وما يسمى بالتجمعات الاستيطانية الكبرى،على ان يتعهد الطرف الفلسطيني مقابل ذلك بعدم المضي قدماً في الانضمام الى الوكالات والاتفاقيات الدولية،وبالذات محكمة الجنايات الدولية،على الرغم من  قناعتي بعدم قبولها بهذا المطلب والخيار،فالاستيطان ثابت من ثوابت فكرها الصهيوني،كذلك فإن بوادر بناء الثقة التي يجري الحديث عنها،وبالذات إطلاق سراح الأسرى،لن تصل الى حد إطلاق سراح أسرى بحجم ومكانة سعدات أو البرغوثي،فهؤلاء ضمن مشروع ابتزاز سياسي أكبر،وما سيجري الحديث عنه،سيكون ضمن برنامج ومشروع نتنياهو لما يسمى بالسلام الاقتصادي،تسهيلات اقتصادية،والإفراج عن أموال الضرائب المغتصبة،ورفع بعض القيود عن الحركة بين الضفة والقطاع،وزيادة تصاريح العمل للعمل والدخول لعدد أكبر من التجار الى القدس والداخل- 48 -.
المأساة هنا أن السلطة الفلسطينية،تريد استئناف المفاوضات بأي ثمن،وهي لا تريد  خيار آخر غير المفاوضات،في الوقت الذي نرى فيه بأن المفاوضات العودة إليها،يجب أن لا تكون كما يريد نتنياهو وأوباما بدون شروط مسبقة وبدون مرجعية دولية وبدون سقف وجداول زمنية محددة،وبدون وقف كامل للاستيطان،وبدون اعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على أساس حدود عام 1967،وبدون إطلاق سراح الأسرى وبالذات القدماء منهم.
فالعودة الى هذه المفاوضات بدون هذه الشروط  سيقودنا الى العودة الى نقطة البداية،تفاوض من أجل التفاوض كما أراد ذلك أحد رؤوساء الوزراء الإسرائيليين السابقين "اسحق شامير" عندما قال في مؤتمر مدريد سأفاوض الفلسطينيين والعرب عشرون عاماً،دون أن أقدم لهم أي تنازل جوهري،أو انسحاب من الأرض،ومر أكثر من عشرين عاماً على ذلك،وكل الحكومات الإسرائيلية تعاملت معنا كفلسطينيين على هذا الأساس،حيث كانت تلك المفاوضات تعني ربحاً صافياً للمحتل وخسارة صافية لنا كفلسطينيين،فمصادرة الأراضي والاستيطان تضاعف مئات المرات من مدريد وحتى الآن،وحتى اتفاقية أوسلو المجحفة جداً بحقنا كفلسطينيين،جوفها الاحتلال من مضمونها،ولم يبق منها سوى التنسيق الأمني والتبعية الاقتصادية.
وأنا لآ أدري لماذا نصر على أن نخسر أنفسنا وندمر مشروعنا الوطني ونفكك قضيتنا في سبيل مفاوضات بائسة وعقيمة،حيث تعطلت مفاوضات وحوارات القاهرة الفلسطينية للمصالحة على مذبح زيارة أوباما،وكذلك لم نلمس منذ الحصول على الدولة المراقب،أي خطوات نحو التحلل من التزامات أوسلو وسلطة الحكم الذاتي،والانتقال لو بشكل متدرج على أساس أننا دولة،فلا أفق لانتخابات برلمانية للمجلس الوطني،بدل المجلس التشريعي .

وزيارة اوباما عدا انها ستحمل طابع علاقات عامة،وإظهار اهتمام الإدارة الأمريكية بعملية السلام،حيث من المرجح أن يضغط أوباما لالتقاط صورة تذكاريه تجمعه بنتنياهو وعباس وعبدالله الثاني،فهناك الكثير من العناوين على جدول تلك الزيارة،ليس الملف الفلسطيني أهمها،بل الملف النووي الإيراني،وطمأنه إسرائيل بأن أمنها وتفوقها،وجودها ومستقبلها في أيدي أمريكية أمينة،وإيران يجب أن تكون في حصار وعزلة وخاضعة لعقوبات دولية ما لم تخضع لشروط "ومتطلبات المجتمع الدولي"،وكذلك قضية ترميم العلاقات الشخصية بين نتنياهو واوباما،والملف السوري،والتطورات العربية أو ما يعرف بالربيع العربي،والفوضى التي بدأت تتسع عربياً،ولربما تخرج عن السيطرة الأمريكية.
العودة للمفاوضات تفترض وجود عوامل قوة فلسطينية،أساسها وحدة فلسطينية،ومصالحة وإنهاء انقسام،وصياغة تحالفات عربية وإقليمية جديدة تقوى الموقف الفلسطيني،وتحدث تعديل في ميزان القوى،وبدون ذلك فالعودة للمفاوضات وبالطريقة السابقة وشروطها ،يعني سلطة مؤبدة تحت الاحتلال،ومشروع استثماري للبعض،وضياع للمشروع الوطني وتفكيك للقضية.

الحاضر المغزول بخيوط الماضي/ سهى بطرس قوجا

هذا الزمان الذي يحمل الكثير والكثير بين طياتهِ، غالبًا ما نقف فيه مكتوفي الأيدي، سألين أنفسنا: هل نعيش ذكريات الماضي، أم نعيش حاضرنا ولحظتنا، أم نخطط لمستقبلنا في حاضرنا؟
الحياة كما نعرفها عبارة عن ماضي وحاضر نعيشهُ ومستقبل مجهول نسعّى لتحقيقهُ من خلالهما. ونعود ونفتح أوراق كتاب حياتنا ونقرأ فيها كل ما مرّ بها، فنجد فيها ذكرياتنا وما فيها من المؤلم والمُفرح، ومن التشاؤم والتفاؤل، والنجاح والفشل، وطفولتنا البريئة والجميلة التي نتمنى إن نعود إليها. حياتنا بمجملها نستذكرها ونبحث فيها، فنجد ما ألمنا ويؤلمنا ويؤثر على نفسيتنا ونجد فيها ما أسعدنا! أنها لحظات عاشت معنا وسايرت حياتنا، وخطتْ خطواتها مع خطى أقدامنا حتى أوصلتنا إلى حاضرنا. فهل نتركها لتسكن فينا ومعنا وترجعنا معها ثانية إلى زمان مضىّ، أم نتركها لزمانها ولا ندعها تتطفل علينا، لكي لا تكبلنا بقيودها، فقط نأخذ منها العبرة والدرس؟!   
الحياة أو حياتنا بمعنى أقرب هي المنحة والهبة، وقد تكون قد قستْ علينا وآلمتنا كما أفرحتنا، ولكن لحظتنا هي الآن، فلما نكبل حركتنا بماضي فَانٍ، ماضي كان لهُ لحظتهِ ووقتهِ الخاص؟! وقد يعتقد البعض بأنني أقول إن نغض النظر عن ماضينا تمامًا ولا نفكر فيه! على العكس تمامًا، الماضي أساسنا ولا يمكن فصل زمنًا عن زمن وإنسانًا عن إنسان وسنينًا عن سنين، ولولا ماضينا لمْا كان لنا حاضر وحياة أكثر إشراقًا، ولكن نحن نبحث عن اللحظة التي سرقت سنيين من العمر وسجنتنا في سجنها وبتنا آسراها.
يتكلم بألم ويسرد قصته قائلا:" لقد كانت حياتي المقبلة، زهرتي الجميلة التي استنشقت عطرها، محبوبتي الصغيرة البريئة، رأيت فيها ذاتي، أطفالي، عشقتُ حروف أسمها، دلالها، حنانها، إنسانة بكل معنى الكلمة هكذا كنتُ أراها، نجمة في السماء تتلألأ وتشع بنورها لتدخل قلبي وتنيره. أحببتها وأحبتني...  ذات مرة قالت لي:" أنتَ حياتي وبيتي"، فأجبتها وقلت لها: أنتِ دنيتي التي بها أعيش. فابتسمت لي وقالت: هل من المُمكن إن تنساني في يوم من الأيام؟ فنظرتُ إليها بصمت، وأجبتها: هل من المُمكن إن أنسى أنفاسي، شهيقي وزفيري؟!
بعدها أخذ صاحب القصة نفسًا عميقًا، وتوقف للحظة وضحك ضحكة مُثقلة بالألم مع قطرات دمع نزلت من عينيه، ثم أكمل قائلاً: ولكن صدمتي وصمتي كانا أكبر، فليس كل ما يتمناه المرء في الحياة يدركهُ، لم تجعلنا نسعدُ مع بعض، وهنا كانت مصيبتي، حين سرقها مني القدر والموت، وحملها على جناحيه وطار بها بعيداً، رحلت وتركتني وحيداً، أعيش في ذكراها، رحلتْ وأخذتْ معها روحي، لا أعرف لمنْ أعيش من بعدها؟
مسكينًا هو! حبه لم يكتمل ولم يُكتب لهُ الحياة، تمزق قلبهُ برحيلها ويعيش شعورا من المرارة ممزوجًا بالحزن واليأس والغربة في داخل نفسه، وضع نفسهُ في سجن قضبانهُ من حديد، بل من صدّى ماضٍ يمنعهُ من العيش في حاضره، ينتقم من نفسهِ بنفسهِ، ولكن هل ما يفعله هو الصواب؟! بالطبع جوابنا يكون بالنفي، نعم أنه متألم، ولكن بفعلتهِ هذه يقتل حبيبته مرة أخرى، يقتلها وهي التي تسكن داخلهِ وأنفاسهِ، يقتل ذكراها التي تركتها في قلبهِ ووجدانهِ!
التمسك بخيوط الماضي والعيش فيه، هو كمنْ شخص يُمسك بقدميك لمنعك من التواصل والمسيرة، كل إنسان عانى وسيعاني وهذه حال الدنيا، ولكن تذكر إن المعاناة في النهاية هي مُجرّد اختبار. فلا تجعل هذه المُعاناة والجروح تتراكم في أعماق نفسكَ، وتثقل كاهلك، بلْ أدفعها خارجًا لكي تتبخر وتتلاشى وتتضاءل، وأنت وحدك من تستطيع تحديد لحظة تلاشيها.
ونبقى نقول: ماضينا أيام عشناها وسنين تركناها ولحظات مررنا بها، ولكن هل مرت دون أن تترك أثراً لذكراها؟ هل نسيناها؟ بالطبع: لا. هذا الماضي هو دافعنا إلى الأمام وهو الصبر والصمود، ومن الصعب التخلص من ذكرى الماضي وخاصة إذا كانت أليمة، ولكن نستطيع إن نتعلم منها، ونستخدم ما تعلمناه في تطوير حاضرنا، لأنهُ إذا صادفنا موقف في الحاضر مُشابه لموقف عانينا منهُ في الماضي، عندها نستطيع إن نتعامل مع الموقف الحاضر بشكل مُختلف.
فعش في حدود اللحظة الراهنة وفكر بكل ما هو جميل في الحياة. فالماضي لا يعود والمستقبل مجهول، وحاضرنا لهُ لحظتهِ التي نعيشها، فلمْا لا نزرع الأمل في دروبنا ونحييهِ في قلوبنا، ونعيش لحظتنا. 
وصدق ما قالهُ الحكماء بأن الأيام ثلاثة :
أمس:  وهو صديق مؤدب، أبقى لك عظة، وترك فيك عبرة.
واليوم: صديق مودع، أتاك ولم تأته، كان عنك طويل الغيبة، وهو عنك سريع الظعن، فخذ لنفسك فيهِ.
وغداً:  لا تدري ما يحدث الله فيهِ، أ من أهلهِ  أنت أم لا؟!

الإغتصاب وعيد الحب هذا العام/ اسعد البصري



لأول مرة شعراء رومانسيون عراقيون سنة
 لا يكتبون شيئا عن عيد الحب على صفحاتهم
هذه  أشياء ألاحظها ببساطة 
لأن فكرة الإغتصاب هذا العام أصابتهم بالإحباط والإخصاء
اغتصاب السجينات العراقيات من الطائفة السنية حصرا 
في سجون الحكومة العراقية الصفوية الحالية 
 صار يمكنك أن تعرف شيئا عن شلش العراقي على الأقل
نستثني المتصابين عشاق في الستين والسبعين
هؤلاء  لا يكتبون بدافع الحب بل لطرد فكرة الموت الوشيك
إن الإغتصاب الطائفي جعل طائفة بأكملها
 تشعر بالعقم والقرف من الحب 
و دون أن تشعر الطائفة الأخرى أو تقصد ازداد شعورها بالشهوة
 بحيث تبالغ بعيد الحب هذا العام 
لأنها غاصبة قاهرة ولو بشكل رمزي 
كاتب مهم مثل شلش العراقي  
يكتب عن عيد الحب في بغداد 
عن انتشار اللون الأحمر رمز الحب في كل مكان فيرد 
فيرد عليه كاتب مهم آخر هو سرمد الطائي 
بأن عليه أن يخرج من بغداد 
ويصور بلغته الجميلة عيد الحب في باقي المحافظات وذكر 
وذكر أن كورنيش البصرة ازدحم بالشباب والشابات 
هذا العام والعشق والفرق الموسيقية واللون الأحمر ما معنى هذا ؟؟ 
هل هذا حال الموصل ؟؟ الأنبار ؟؟ سامراء ؟؟ 
فكرة الإغتصاب خيمت على هذه المحافظات ككابوس 
لكنها في اللاوعي تحولت إلى فرحة زهراء 
عند الطائفة الأخرى بكل أسف ... 
الإغتصاب يعني القوة والنصر والقهر الفرح تذكروا
تذكروا أسد بابل 
إنه رمز عراقي يعكس طريقة تفكير العراقيين 
تمثال أسد يغتصب إنسانا .. 
رمز لقهر العدو و هزيمته 
الإغتصاب عن العراقيين القدماء 
يعتبر أقصى حدود النصر والبهجة 
وطبعا للمُغتَصَب أقصى حدود الهزيمة والحزن

الطيب ابن كيران من تطوان: الفنان كالحصان كائن يتنفّس الحرية قبل الهواء/ حمّودان عبدالواحد

الفنان المغربي الطيب ابن كيران
       الطيب ابن كيران الذي نقدّمه للقراء العرب في هذه العجالة ليس هو ذاك الصوفي المغربي الذي عاش في القرن الثامن عشر صاحب كتاب " عقد نفائس اللآل في تحريك الهمم العوال إلى السمو إلى مراتب الكمال " ، بل هو ابن اليوم . هو ذاك المغربي التطواني الولادة والمنشأ والدراسة ، هو ذاك المبدع الخلاق الذي انطلق من حرفة النجارة ليمارس الفنّ في صور وأشكال وألوان تحمل بصمات تجربة طويلة متنوعة وغنية ( 127 معرضا بالمغرب وإسبانيا واليابان وإنجلترا .. ) ، دوما متفاعلة ومتطورة ، عميقة وقوية ومؤثرة في تساؤلاتها وتصوراتها للإنسان والوطن ، والماضي والجذور التاريخية ، والمادة والحياة ، والكون والوجود ...
      نشأ الطيب ابن كيران في أسرة تعمل في الخشب ثم الرسم مع تغطيته بزخارف عربية معقدة. وعلى الرغم من دراسته بمدرسة الفنون الجميلة بتطوان ، فإن تكوينه العام سيكون فيما بعد عصاميا ، ذلك أن أحدا لم يلقنه فن النحت أو عمل النقش ، وكان منذ طفولته على اتصال تجريبي بالعناصر التي ستطور فنه ، مما سمح له أن يكون نجارا تقليديا ماهرا.
           
    استغلتُ وجودي في مدينة تطوان خلال عطلة لأزور منزل هذا الفنان المغربي الذي يقطر بالسخاء والعفوية ، ويفصح عن رقة وأناقة نادرتيْن ، وتسكنه ، على الرغم من عمر يناهز 72 سنة ، حيوية تقدّمه كما لو كان شابا في ربيع حياته .
      كان فضولي لمعرفة الطيب ابن كيران كإنسان وفنان ما له حدّ .. والحق أن بعض الإخوة الذي عرّفني به وقدّمني إليه كان له الفضل ، بما ذكره لي عن منزله وورشة عمله وإنتاجه الغزير والمتنوع ، في زرع رغبة اللقاء به في منزله والوقوف على بعض أعماله الفنية ، والجلوس معه للحديث معه والاستفادة من أفكاره وخبرته ومشواره الحافل بالأحداث والمغامرات والمستجدات والتطورات..
      وكم كانت دهشتي كبيرة لما استقبلني الرجل ببساطة وحفاوة في حديقة داره وهو يسقي بعض النباتات وشجر نخيل صغير ، طالبا من كلابه النابحة السكوت ومطمْئِنا لي بقوله المعتذِر : " إنها لا تعرفك ".
      لم يكن بإمكاني إخفاء دهشتي المفرطة إثر دخولي ورشة عمله .. الورشة ظاهريا " سوق " بالمعنى الفوضوي للكلمة ، وهي تزخر بالألواح والصور والقطع المنحوتة والأخشاب وأشياء أخرى .. لكن نظاما يعتمد على الترقيم والعلامات يجعل من هذه الورشة فضاء له بلاغته الخاصة وشخصيته المتميزة . وبينما كنت مشدوها أمام كثافة الورشة وازدحام الإبداعات والمواد المعلّمَة فيها ، استوقفتني قطعُ خشب يظهر عليها أنها تخضع لعمل فني ما زال في الطريق :
- ما هذا ؟
- هذا تحدّي الساعة !
- يعني ؟ !
- أنا بصدد نحت أشكال هندسية في هذه الأخشاب على الطريقة العربية الغرناطية .. كما هي في سقوف بعض قاعات قصر الحمراء ... صعوبة هذه الأشكال المتراكمة والمتداخلة واضحة .. هذا ما يحفزني !
        ازددت اندفاعا وإعجابا وانجذابا بعد ذلك لمّا وضعتُ قدمي داخل منزل مضيفي ، وعرفت أنذاك لماذا وصف كلّ من زار هذا المنزل بأنه " متحف فنون " . إنه بحق فضاء يجمع بين أعمال رسم ونحت ونقش وصور فوتوغرافية تاريخية وروبورتهات لعلماء تطوان وملوك من المغرب والسعودية ، وأيضا لشخصيات شعبية تسكن مخيلة التطوانيين ( مثل زراع كُوّان ) ، وأخرى لمجهولين ، وصور وثائق تاريخية مثل المعاهدات المحررة زمان الاستعمار الاسباني بين جنرالات هذا الأخير وبعض أعيان شمال المغرب ..
       لا شك أن هذا الفضاء الجذاب والمليء بالألوان والأشكال واللوحات والقطع المنحوتة والصور والنقود الأثرية والآلات الموسيقية كالكمان ، يكاد يكون هو السحر بعينه .. إنه الحياة في لباس التاريخ وأقنعة الفن والإبداع ، إنه إن صح التعبير " مغارة علي بابا الألف ليلي ، الرجل الطفل المبدع الخلاق " ، مغارة زاخرة بالذكريات والشهادات والطموحات والأحلام ...
      هذا الفضاء الساحر، هذا البيت المتحف ، هذه المغارة العجيبة ... لا يمكن فكّ الرموز المؤدية إلى كنوزها وعقدها الفريدة وأسرار الجمال والأصالة فيها دون الوقوف على عنصرين يعتبرهما الطيب بنكيران ضروريين لفهم أعماله وسبر معانيها وحدس بعض أبعادها الإنسانية والتاريخية والاجتماعية .
    قال لي لمّا لاحظت أن " القفل والحصان " لهما حضور متكرر ، وتوزيع طاغ بالمقارنة مع العناصر الأخرى في أعماله :" هما علاماتي ، شعاراتي ، أو قل إن شئت طابَعي ' ، وأضاف عندما تلفظت بجملة " تقصد طابع أسلوبك " :
- كما هي الحمامة عند بن يسّف !
ولم أملك نفسي أمام ما رأيتُه تناقضا بين مدلولات القفل والحصان :
- القفل يحيل إلى فكرة الغلق والإغلاق ، وآلة لحفظ الأسرار، ووسيلة للتكتم على خفايا الأمور..
القفل يثير في الذهن أيضا عالمَ السجون والقيود ، وله علاقة نوعا ما بالمحذورات والممنوعات  .. ، أما الحصان فعكس ذلك ...
     
قاطعني مكملا :
إنه رمز الحرية الطليقة الجارية القوية السريعة ، والفن الحقيقي هكذا ، يجب أن يكون حصانا وحرية ، وأنا كفنّان كائنٌ حصاني يتنفّس الحرية قبل الهواء ...
- ما الذي يجمع بين " القفل " و" الحصان " ؟ هل نحن بحضور استعارة تختزل أسلوبَك الفني القائم على
الجمع بين المتناقضات ؟
- كلّ واحد وفهمه ، شُف وافهَم ، علاش بغيتني أشرح لك ؟
      العمل الفني كخطاب أو أثر مفتوح متعدد الدلالات ويتكلم إلى قارىء بصيغة الجمع ... هذا ما قصدتْ إليه – حسب ما يبدو - هذه العبارةُ البنكيرية البسيطة ، التي تترجم تصورا خاصا لفلسفة الفنّ ورسالته الجمالية والإنسانية... لكنه في لفتة ذكية منه ربط بين سؤالي وبين تراجعه الضمني أو الجزئي عن التخلي عن الجواب مشيرا علي بالوقوف أمام صف طويل من المفاتيح موضوعة بطريقة خاصة على قطعة من الخشب .
      
- ما رأيك ؟
- تجمع مفاتيح !؟
- أنظر ، ألا ترى شيئا آخر غير المفاتيح المادية ؟ إنّ لها من خلال هيئاتها المختلفة وطرق
وضعها على الخشب المخدوم والمنحوت دلالات .. 
- تقصد " إحالات " ، أو إن شئنا " إيحاءات " !
- بالضبط .. وأنا لا يهمني من تقديمها في عملي باعتبارها مفاتيح " قديمة " حتى ولو كانت هذه الصفة مهمة
بالنسبة لمجموع الإيحاءات التي أرمي إليها .. صحيح أن لها قيمة زمنية ، وأنها تحيل إلى الماضي ، لكنها قبل كل شيء " كلام " عن عادات وظروف اجتماعية ، كما أنها تترجم نظرة إنسان للمكان والزمان .. إنها طريقة في التفكير وهيئة في التساؤل .. وهي أيضا اختلافٌ بين المتشابِه  في القامة وهيئة الوقوف والنقطة التي تتوجّه إليها .. ألا ترى أن عيون المفاتيح ووقفتها هي بمثابة الإنسان المتطلع لما هناك ، لما هو بعيد أو غامض ، والواقف المتسائل والمنتظر أحيانا أو غالبا ؟ ألا ترى في هذه المفاتيح التاريخية ، وهي على هذه الهيئة من الوقوف وهذه النظرة بهذه العيون ، وقفة الإنسان الوجودية المتسائلة ؟ هذه المفاتيح ، في هذا العمل أو ذاك ، ما هي إلا أنت وأنا وكل الآخر أي وجودنا في بعديْه العمودي والأفقي ، في ارتباطه بجاذبية الأرض وتعلقه بنداء السماء ..
     قاطعتُه مستدركا موضوعَ العلاقة بين الحصان والقفل بلغة مازحة تخفي جدية الموضوع المقصود :
- هنا في هذه المفاتيح السحرية يكمن إذن الجواب على ما استعصى علي من فهم لغز الحصان
رمز القوة والحرية ، والقفل غالق الأبواب وحارس الأسرار وحافظ الكنوز ..
     قال وابتسامة نصف بريئة وشبه ثعلبية تداعب شفتيه وتبرق من عيونه الزرقاء :
- وكما ترى هنا فإنّني أضع المفتاح في عين القفل !
لم أملك نفسي من التعليق بانفعال :
- وكأنّ الأمر يتعلق بعملية جنسية ، أليس كذلك ؟
- تريد أن تعرف كل شيء .. لا أصدّق ... هذا ما جاء بك .. إذن اتبعني !
     وسِرْتُ وراءه ، وأحيانا أمامه حسب طلبه وإرادته ، وهو يريني أعماله الفنية ولوحاته ، الواحدة تلو الأخرى .. يتكلم بشوق وحرارة عن ما تمثله له وظروف نشأتها وما أثارت من ردود أفعال أثناء عرضها في المتاحف المغربية والدولية .. ويحلو له بين الفينة والأخرى أن يحكي بعض الطرائف التي وقعت له مع بعض كبار الشخصيات السياسية التي زارت معارضه ..
     في الحقيقة ، لا تكفي ورقة من الحجم الحالي للتعريف بهذا الفنان الفريد من نوعه وتقديم أعماله وأفكاره ورؤيته الفنية للأشياء والعالم والتاريخ وقيم الجمال والحرية .. لكنّي أعتقد أنه من حق القارىء أن يضطلع على حقيقة مُرّة يعاني منها اليوم هذا الفنان العربي الكبير. لقد فاجأني حين طرحت عليه السؤالَ التالي :
- إذا أردتَ أن تلخّص إحساسك الحالي كإنسان أو فنان أو مغربي أو عربي أو مسلم أو ما شئت، وأنت في
قمة مشوارك الفني وقد جربت الكثير من الأشياء وتوصلت إلى معرفة " فن الحياة " .. ، ما هي الكلمات التي تصلح للتعبير عن هذا الإحساس ؟
بهذا الردّ المباغث ، وفيه من المرارة والعتاب ما فيه  :
- إنني معروف في الدول الأجنبية وخصوصا عند الغربيين وعلى رأسهم الإسبان ، لكن بلدي ، والأقطار
العربية معه ، يهملني ! ولا أعرف لماذا لا يعبّر الإعلامُ المغربي ، المحلي والوطني ، والعربي عن فضول ثقافي بانجازاتي ، ولا تعير السلطاتُ اهتماما يُذكَر بأنشطتي الفنية كما يفعل " الناس " الأجانب الذين يأتون من بعيد لزيارتي !
     جواب يتقاطع مع هذا الشعور العام عند الفنانين العرب ، شعور يترجم تهميش السلطات لهم .. إلى درجة يمكن التساؤل معها عن مدى فهم المسئولين السياسيين والصحافة الرسمية وغيرهما لمعاني الفن وأغراضه النفسية والروحية والجمالية والفلسفية والاجتماعية والوجودية .. وكأنّ شعور الطيب ابن كيران  بتهميش السلطات المحلية والوطنية والعربية لتجربته كفنان تشكيلي ونحات ما زال يتعامل مع الأشياء والحياة بتلك الموسيقى الطبيعية التي تمكّن الأطفالَ من السكن في العالم بعفوية مثيرة للدهشة والإعجاب ، يدفع بالضرورة إلى طرح الأسئلة التي لا بد منها : ما هي وظيفة الفن ؟ ما هو الدور أو ما هي الأدوار التي يلعبها في حياة الفرد والمجتمع ؟ هل بإمكان المسئولين أن يفهموا فعلا ما يستطيع الفن تقديمَه من خدمات في سبيل التنمية النفسية والفكرية للمواطنين ؟ هل بمقدور السلطات الساهرة على المصلحة العامة أن تعِيَ قدرة الفن على تأدية مهامّ من شأنها إنشاء الأجيال القادمة على أساس تربية الذوق الجمالي فيها ؟
      إذا كان الجواب معروفا ، فلماذا لا يُكرم المسئولون العربُ فنّاني بلدانهم ومفكريها وأدباءها وشعراءها – المعترف بهم دوليا والمقدّرين عند البلدان الأجنبية ، وغيرهم وما أكثرهم - ما داموا على قيد الحياة ؟ هل يخافون من الطاقة البرومثيوسية المحرّكة لتجاربهم الفنية ورؤاهم الفلسفية والجمالية ؟ هل يخشون حاملي شعلة النار ، المُتَحَدّين للآلهة ، المحارِبين ثقافةَ الخمول وقوى الظلام والظلامية ؟

حتى أنت يادكتور مرسى!؟/ رأفت محمد السيد

عفوا سيدى الرئيس فقد إخترناك عن قناعة لأننا توسمنا فيك ترسيخ العدالة الإجتماعية التى هى أحد وأهم مطالب ثورة ينايرالمجيدة ، فمن حقك أن ترى إبنك حديث التخرج  فى وظيفة مرموقة كأى أب ، ولكن كونك راع ومسئول عن رعية كبيرة ، فعليك أولا أن تحقق احلام رعيتك ، أبنائك من هذا الشعب ، هؤلاء الشباب العاطلين الذين حصلوا على مؤهلاتهم منذ سنوات ويجلسون بلا عمل ينعون حظوظهم ، سيدى الرئيس لقد كرهنا نظام مبارك لأنه غرس عادات قبيحة مازلنا نعانى منها حتى هذه اللحظة وهى (الوساطة والمحسوبية واستغلال النفوذ ) وكأنه قد كتب على شباب مصر من عامه الشعب ألايكون لهم حظ فى الحياة كغيرهم ، فليس من حقهم أن يلتحقوا بالكليات العسكرية كالحربية والشرطه لأن هذا أبوه هو عبد الواحد الجناينى ، وذاك أبوه هو عم أنور عامل الأسانسير وليس من حقهم التعيين فى البنوك وشركات البترول وشركات الطيران وغيرها من المؤسسات المرموقة بحجج واهية ، على الرغم أن أغلبهم من أصحاب الكفاءات ولكنهم لم يجدوا مثل هذه الفرص التي تبدو وكأنها تم تفصيلها لابناء الرؤساء والوزراء و كبارالمسئولين بالدولة والمعارف والمحاسيب مما يعكس أننا أصبحنا أمام مشهد إستغلال منهجى عام لجميع مؤسسات الدولة واستغلال للسلطات ،وكأن مصر قد أصبحت من جديد وسية أو عزبة ملك أفراد بعينهم يفعلون بها مايشاءون – نحن على ثقة سيدى الرئيس من أنك رجل ورع تخشى الله ، فلن أنسى عندما قلت قبل الجلوس على كرسى الرئاسة  لو اصبحت رئيسا فسوف اضع أيه فى مكتبى لتكون أمام عينى دائما وهى : بسم الله الرحمن الرحيم " واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله " صدق الله العظيم ، فلاتعطى أعدائك فرصة اللغو والتشكيك لاسيما ونحن على ثقة أنك رجل عادل ، فلا تجعلنا نستشعر بالندم أننا إخترناك وساعتها سنردد بحسرة وألم " حتى أنت يادكتور مرسى "

أوباما يهمش عباس/ نقولا ناصر

(يوسي بيلين: بموجب قانون العودة الإسرائيلي، يستحق وزير الخارجية الأميركي جون كيري الجنسية الاسرائيلية لأن جده وجدته لأبيه كانا يهوديين)

تؤكد كل الدلائل والمؤشرات الأميركية أن الرئيس باراك أوباما في مستهل ولايته الثانية قرر تهميش رعاية بلاده لعملية التفاوض بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين دولة الاحتلال الإسرائيلي بتأخيرها إلى مرتبة متدنية في سلم الأولويات الخارجية للولايات المتحدة ولا يمكن تفسير ذلك إلا بكونه تهميشا أيضا لدور نظيره الفلسطيني محمود عباس الذي يعد التفاوض استراتيجية وحيدة لقيادته.
وعندما تكون المفاوضات هي الاستراتيجية الوحيدة لقيادة منظمة التحرير، يوجد مفتاح نجاحها أو فشلها في الولايات المتحدة، كونها الرحم التي تمد الاحتلال الإسرائيلي ودولته بأسباب الحياة والحماية، لذلك فإن واشنطن عندما تنسحب من عملية التفاوض أو تهمشها أو تسحب رعايتها لها ووساطتها فيها، وتمنع في الوقت ذاته أي دور بديل للأمم المتحدة أو للاتحاد الأوروبي أو لغيرهما، فإن هذه الاستراتيجية تنهار تماما.
ويصبح الاستمرار الفلسطيني في استراتيجية المفاوضات مكابرة في الخطأ السياسي يرقى إلى حد الخطيئة الوطنية، واستثمارا خاسرا في فشل مجرب، ومضيعة لوقت فلسطيني ثمين يسابق الزمن لانقاذ ما يمكن إنقاذه تمنح زمنا إضافيا مجانيا للاحتلال لمواصلة خلق حقائق التهويد الاستيطاني المادية على الأرض، وبخاصة في القدس، من دون أي مقاومة ومن دون أي استراتيجية فلسطينية بديلة.
والمفارقة أن الانخراط الأميركي طوال العقدين المنصرمين من الزمن في "إدارة" الصراع العربي الإسرائيلي في فلسطين وعليها بدلا من الانخراط الجاد في البحث عن حل عادل له هو الذي قاد إلى الوضع الراهن الذي وضع وجود الشعب الفلسطيني ذاته على المحك وأوصل ما سمي "عملية السلام" إلى الطريق المسدود الذي تواجهه الآن.
قد يكون التهميش الأميركي للمفاوضات سبب لاحتجاج مفاوضي المنظمة وإحباطهم وخيبة آمالهم، لكنه بالتأكيد ليس سببا لأي تذمر وطني وشعبي فلسطيني، لأنه يوفر بيئة فلسطينية تجعل البحث عن استراتيجية وطنية بديلة استحقاقا عاجلا، ويفتح الآفاق الوطنية رحبة على خيارات أجدى للنضال الوطني، ويزيل عقبة كأداء أمام المصالحة الوطنية كانت إلى الآن سييا رئيسيا في تعثرها وتأجيل تنفيذها، ومن المؤكد أن الإصرار الأميركي على الاستمرار الفلسطيني في استراتيجية المفاوضات يستهدف الحيلولة دون كل ذلك، بقدر ما يستهدف محاصرة عباس لمنعه من استكشاف أي خيارات فلسطينية بديلة.
يوم الأربعاء الماضي، حذر وزير خارجية أوباما جون كيري في واشنطن من أن "نافذة فرص حل الدولتين تنغلق" الآن، وهذا تهديد مكرر يستهدف الضغط على الرئاسة الفلسطينية المتمسكة بهذا الحل وتعده "المشروع الوطني" الفلسطيني للقبول باستئناف المفاوضات بشروط دولة الاحتلال ومن دون شروط من جانبها، ومع ذلك أعلن كيري بأن رئيسه "غير مستعد في الوقت الراهن لأمر آخر غير الإصغاء إلى كل الأطراف".
وقد وفر رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو على أوباما مهمة "الإصغاء" له عندما يلتقيان الشهر المقبل بما وصفه أحدهم ب"مبادرة إعلان نوايا" لاستئناف مفاوضات من دون شروط للتوصل إلى "اتفاق دائم" على "حل مؤقت طويل المدى" في إطار "ما لخصته في خطابي يجامعة بار ايلان (قبل أربع سنوات): دولتان لشعبين، دولة فلسطينية مجردة من السلاح تعترف بالدولة اليهودية" كما أعلن لوفد من قادة يهود الولايات المتحدة يوم الاثنين الماضي.
وكان كيري يتحدث بعد يوم فقط من إعلان أوباما في خطابه عن حالة الاتحاد الأميركي أمام مجلسي الكونغرس بأن من "الرسائل التي سوف أوصلها عندما أسافر إلى الشرق الأوسط الشهر المقبل" رسالة "اننا سوف نقف ثابتين مع إسرائيل في سعيها للأمن وسلام دائم"، وبالرغم من "الرسائل" الأخرى التي سوف ينقلها خلال زيارته ومنها "الإصرار على احترام الحقوق الأساسية لكل الشعوب" وكذلك "وجوب أن تظل أميركا منارة لكل من ينشدون الحرية" لم يرد في خطابه أي ذكر للشعب الفلسطيني الذي ينشد الحرية والتحرر من الاحتلال أو لحقه في تقرير المصير كواحد من "الحقوق الأساسية لكل الشعوب".
وليس من المتوقع أن يكون كيري مختلفا عن أوباما في الفصل التعسفي بين "السلام" الذي يسعى إليه وبلاده وبين "إنهاء الاحتلال"، فهو كرئيسه معني بسلام يضمن الأمن لدولة الاحتلال فحسب، ليس لأنه ملتزم بموقف رئيسه فقط، بل لسبب شخصي أيضا كشفه يوسي بيلين في مقال له نشرته صحيفة "اسرائيل هايوم" العبرية في السادس والعشرين من كانون الأول / ديسمبر الماضي، إذ "بموجب قانون العودة (الإسرائيلي)، يستحق كيري الجنسية الاسرائيلية، لأن جده وجدته لأبيه كانا يهوديين. واعتنق أخو كيري اليهودية... والادعاءات التي تزعم بأن كيري معاد لاسرائيل تجعله يبتسم"!
في الظاهر، تعطي زيارة أوباما لرام الله في الحادي والعشرين من آذار المقبل انطباعا مغايرا خادعا، لكنها في الواقع سوف تكون مجرد مناسبة بروتوكولية لن تحمل أي جديد أميركي يخرج مفاوض المنظمة من مأزقه، بل ستكون مناسبة لإعادة تأكيد المواقف الأميركية الضاغطة على عباس، وفي رأس هذه المواقف إبلاغ عباس أن الولايات المتحدة لن تعترف بدولة فلسطين قبل أن توافق عليها دولة الاحتلال في مفاوضات ثنائية مباشرة على عباس أن يستأنفها من دون شروط.
وعلى الأرجح أن يحرص أوباما خلال "توقفه" في رام الله على عدم إعطاء أي مؤشر يدل على سحب معارضة بلاده لاعتراف الأمم المتحدة بفلسطين دولة غير عضو فيها، ولتأكيد ذلك ربما يتجنب أوباما بروتوكول استقباله رسميا كرئيس دولة زائر لدولة مضيفة بسجاد أحمر وحرس شرف وعزف النشيدين الوطنيين الفلسطيني والأميركي ما يضطره لتحية علم "دولة فلسطين"، وربما يتجنب أيضا عقد أي مؤتمر صحفي مشترك مع عباس حتى لا يتيح له فرصة التحدث بصفته رئيس دولة فلسطين وهو يقف إلى جانبه مستمعا.
وعلى الأرجح سوف يسعف أوباما عباس ب"جزرتين" للمساهمة في حل الأزمة المالية لحكومة ما سوف يسميه أوباما طبعا "السلطة الفلسطينية"، وليس حكومة دولة فلسطين، الأولى ب"إقناع" دولة الاحتلال بالافراج عن الأموال الفلسطينية التي تحتجزها، والجزرة الثانية الإفراج عن (700) مليون دولار من المساعدات الأميريكية يحاول كيري وإدارته الآن إقناع الكونجرس بالافراج عنها، وعلى الأرجح كذلك أن يكون هذا "الإفراج" مشروطا سياسيا بموافقة عباس على استئناف المفاوضات، أو في الاقل استئناف محادثات للاتفاق على استئنافها، من دون شروط.
ومن مظاهر التهميش الأميركي أنه لم يرد ذكر للفلسطينيين في خطاب أوباما عن حالة الاتحاد بينما وردت كلمة "إسرائيل" مرة واحدة فقط في خطاب بلغ عدد كلماته (6500) كلمة تقريبا، وجاء ترتيب "عملية السلام" في آخر القضايا الخارجية على جدول أعمال ولاية أوباما الثانية، وهو "ما قد يجعل نتنياهو يتنفس الصعداء" لأن معناه أن أوباما "لن يستثمر الكثير من الجهد لانتزاع تنازلات من الحكومة الاسرائيلية من أجل إعادة بدء المفاوضات" كما كتب هافيف رطيج جور في "ذى تايمز أوف اسرائيل" الأربعاء الماضي.
ويلفت النظر أن أوباما سوف يخصص للرئاسة الفلسطينية ساعتين تقريبا من مدة زيارته، مقابل ثلاثة أيام يقضيها في القدس المحتلة في أول زيارة رئاسية رسمية له لدولة الاحتلال، ويبين برنامج الزيارة المعلن أنها ستكون دورة تثقيفية له في المسوغات النازية للنكبة الفلسطينية عندما يزور في يومه الأول متحف الهولوكوست، وفي تاريخ الصهيونية عندما يزور ضريح ثيودور هيرتزل، وفي جهود دولة الاحتلال في السعي للسلام عندما يزور ضريح اسحق رابين، ولتثقيفه في تاريخ ارتباط اليهود بالقدس وفلسطين سيأخذه نتنياهو في اليوم الثاني للاطلاع على "مجسم للقدس في عهد الهيكل الثاني" ولرؤية مخطوطات البحر الميت، ثم ليصحبه في اليوم الثالث قبل ان يغادر إلى الأردن لمشاهدة إحدى بطاريات "القبة الحديدية" التي مولت الولايات المتحدة تطويرها بأكثر من مليار دولار في ذروة ازمتها المالية. وتذكر زيارة أوباما المرتقبة لرام الله لمدة ساعتين على هامش زيارته لدولة الاحتلال بزيارته الأولى "المجاملة" لها لمدة (45) دقيقة وهو مرشح للرئاسة عام 2008 على هامش زيارته آنذاك لدولة الاحتلال التي لبس فيها القلنسوة اليهودية عند زيارته لحائط البراق في القدس المحتلة.
لقد "تفاوض" الرئيس عباس مع ثلاثة رؤساء أميركيين خدم كل منهم لولايتين، آخرهم أوباما الحالي، وكانوا جميعهم "محامين" عن دولة الاحتلال في التفاوض معه، ويبدو أن على الشعب الفلسطيني أن ينتظر رئيسا جديدا له يستفيد من تجربة عباس ليدرك بأن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تكون الحامي الأول لدولة الاحتلال والممول والمسلح الرئيسي لها وتكون في الوقت ذاته راعيا ووسيطا نزيها بينها وبين أي مفاوض فلسطيني يسعى إلى تسوية سياسية عادلة للصراع.
وبغض النظر عن الانقسام الفلسطيني الحالي وحدة السجال السياسي فيه، فإن التهميش الأميركي للمنظمة وعباس والاستخفاف بهم إهانة لا تستهدفهم وحدهم، مهما عزز ذلك وجهة النظر المختلفة معهم حول عقم الرهان على أميركا وفشل استراتيجية المفاوضات برعايتها، بل يستهدف قضية شعبهم العادلة برمتها، ويخدم العدو المشترك لعرب فلسطين جميعهم، ولذلك فإنه تهميش مرفوض ومستنكر منهم جميعا لأنه يمس كرامتهم الوطنية.
* كاتب عربي من فلسطين
* nassernicola@ymail.com