ألتسامي ما بين المادة والانتهازي/ موفق ساوا

مدخل
التسامي : هو عملية تحول المادة، من الحالة الصلبة إلى الحالة الغازية، دون المرور بالحالة السائلة.
الانتهازي: رجل يتحول، من مهنة الى اخرى، او من حزب الى اخر، دون المرور بحالة الخجل..!!

المادة    : تمتلك الكثير، من الخواص، الفيزيائية، والكيميائية.
الانتهازي: يمتلك الكثير، من السلوكيات، والطرق الخبيثة، وهو نموذج اشبة بالقرقوز، نفعي، ويمتلك صفات مذمومة، تدور في دورته الدموية، كالاجسام الخبيثة الغـريبة في جسد الانسان، وهو يبيع وطنه ووعائلته من اجل الوصول الى قمة (الأنا).

المادة  : من الخواص الكيميائية للمادة، إمكانية تفاعلها مع المواد الأخرى، لتنتج مواد جديدة (نافعة).
الانتهازي : شخص كالزواحف، يتواجد في كل أنحاء العالم تقريبا، ويعيش في الشقوق، والثقوب، والقمامات السياسية، وهو مفترس يستطيع تقريبا الوصول الى أي شي، وان يأكل ما يحصل عليه بسرعة.

المادة : دقائقها متراصة ومنتظمة وتهتز موضعيا. لها شكل خاص (ثابت) ولها حجم ثابت وغير قابلة للانضغاط.
الانتهازي: سلوكه غير متوازن قابل للانضغاط. يهتز مع اية عملية تغيير في النظام ويأخذ شكله ولونه. حيث يصطاد غذاءه من أجساد الشعوب، عن طريق إخراج لسانه بسرعة باتجاه فريسته، التي يريد اصطيادها، ومن ثم يبتلعها بسرعة البرق.

المادة :  تتحول المادة من حالتها الغازية إلى الحالة السائلة وبالعكس .وتحول  من حالتها السائلة إلى الحالة الجامدة وبالعكس .
الانتهازي : وهو من الثدييات، يتحول بسرعة فيغير  لونه ضمن عوامل عدة منها، لون المحيط الداخلي والخارجي، وكمية الإضاءة في المكان. سريع البديهية في تغير لونه، لانه يملك حاملات للألوان، كالحرباء، وهي "حاملات الزانثين التي تحتوي على مزيج من ألوان الأصفر والبرتقالي أو الأحمر، وحاملات بلورات البيورين، وهي على شكل بلورات البيورين العاكسة، وحاملات الميلانين ذات اللون البني".
يعيش في حاويات السياسة عموما، وهو  اناني، وانطوائي لا يحب العيش مع انتهازي أخر، في نفس القمامة. ويظهر او يتظاهر، بأنه انسان صادق، وأليف، لكنه يصعب الكشف عنه في الوهلة الاولى بسهولة.

 الموضوع
حينما اِسْتَوَى (الرجل الانتهازي) عَلَى صَهْوَةِ فَرَسِهِ في أول خطوة له، ليدخل الساحة السياسية، او الفنية، او الادبية، او غيرها، معتقدا ان الطريق للوثوب الى القمم سهل لتحقيق أحلامه، التي تفتقر الى أرضية متينة، ينطلق منها الى ما يبتغيه، وصولا الى الكرسي الذي يسحر عباد الله على الارض.

وقبل الولوج في هذا المعترك، حـَمـَلَ على ظهره صُرَراً من احجار ٍ، مغلفة بقشور التفاح، ومسجلة بماركة مزيفة، تحمل اسم (تفاح الامل)، فسار ممتطياً صَهْوة َجواده، يجوب الأرض الله باتجاه الفجر الجديد في ربيع مُسَيـَّج برمال الصحراء، ليوزع للناس كرات ثقافية فارغة، وخالية من حرفي، الحاء والباء، ويتلوا بين الناس، خطابات ومواعظ ، حفظها عن ظهر قلب في الساحات والمسارح العامة والخاصة.
ولم يكن يوما من الايام، يؤمن بأي أيديولوجية معينة، سوى ما يريد هو فقط، ولا يرى في الافق سوى ما يتخيله في عقليته، المصابة بإنفصام الشخصية.

وفي اول مشواره حينما اِسْتَوَى (الرجل الانتهازي) عَلَى صَهْوَةِ فَرَسِهِ، كان يَخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ، وتخيل ان الأرْضَ قد تخْتَالُ له، بِالنَّبَاتِ، فـَمْشِى الْهُوَيْنَا، جارا وراءه فشله الممهور بحروف الحقيقة.
نعم كثيرة هي الحالات التي صادفتنا ونعيشها يوميا كأمثال هكذا شخصيات، سواء أَكان في معترك الساحة السياسة، او في مسيرتنا الثقافية والفنية، فنجد أنماطا مختلفة من شخصيات متذبذبة، تتلون بأقنعة مختلفة، لها القابلية على ان ترتدي، لباسك، او لباس الاخرين، بالرغم من كون هذا اللباس يليق به، او واسعا او ضيقا عليه، متقمصا الشخصية، التي تناسبة، للتحايل من أجل الوصول الى هدفه، لذا فانه حتما سوف يكبوا أرضًا، لينهض من جديد، دون خجل، او وجل، ودون إستحياء، تماما كحال النعامة، عندما تدفن رأسها ظنا منها أن احدا لا يراها، معتقدا إنه يمتلك زمام الامور، واتقاد الذكاء، فنراه بالامس كان في اقصى اليسار، واليوم يصطف مع اقصى اليمين، وهو ما نسميه في السياسة بمصطلح (الانتهازية) والتي تعني، لغويا، المبادرة، وانتهاز الفرص، لدوافع ذاتية أنانية لتحقيق مكاسب شخصية على حساب الاخرين، بمكر ودهاء في اغتنام الظروف لأهداف ومتطلبات انانية بحتة تقودهم مصالحهم ولا يهمهم الدفاع عن الحقيقة، لأن الحقيقة، كالشمس، تكشف وتهزم الزيف بتعبير أرسطو.
وعندما نقرا الخارطة السياسية، والثقافية، والفنية، نرى البعض، من كان شيوعيا قد صار (قومجي)، ومن كان بعثيا فقد لبس رداء الدين، ومن كان رجل دين، نراه الان تحول الى رجل سياسة، ونشاهده في البرلمان، او في مناصب الدولة. ورأينا، ايضا، مضمدا صار طبيبا، بليلة وضحاها، او ممثلا، وبقدرة قادر، تحوَّلَ الى مخرج مسرحي وسينمائي او كاتب عرائض تربع على كرسي وزارة .... والكل يغني على ليلاه.
فغدت هذه الظاهرة معقدةً، ويصعب معالجتها، ما لم يتم اكتشاف دواء لسرطان هذه النفوس، التي تفشت، وابتلت بها شعوب الارض، في كل مكان وزمان.
..................................
*رئيس المؤسسة العراقية الاسترالية للثقافة والفنون
 رئيس تحرير جريدة العراقية الاسترالية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق