كأنّكِ أنتِ.. آمال عوّاد رضوان/ وهيب نديم وهبة

آمـــــــال؛
كانتِ الأرضُ مالحةً.. وكانَ النّحلُ يَهيمُ حوْلَ القفيرِ بلا رَحيقٍ.. ويَنامُ في قميصِ النّرجسِ دونَ عسلٍ.. والوَحيُ يَبحثُ عن شعلةِ النّارِ.. الورْدِ في جسَدِكِ القصيدة.. وفي تكوينِ عناصرِ الأرض.. العِشقِ.. الموتِ.. الانبعاث...
وحينَ أتيتِ بقميصِ الفراشةِ.. وشاهدَكِ الجِنّيُّ فجرًا.. في سريرِ الوردِ ساحرةً.. كمِثلِ عروسِ القمرِ.. مُشِعّةً بالضّياءِ، حَوْلَكِ يَطيرُ الكلامُ.. ويُسرَقُ الحُلمُ..
راحَ.. ونسجَ مِن خيوطِ الفجرِ هودجًا.. وخطَفَكِ في ليلةِ برْقٍ.. عاصفةٍ بالرّعودِ.. إلى مملكةِ الشّعرِ...
هنالِكَ.. يا فراشتي القصيدة.. في "مملكةِ الشِّعر".. كانَ عُرسٌ واحتفالٌ وموسيقى.. وكانتِ الّلغةُ مُبلّلةً بالعِطرِ.. ورائحةِ النّرجسِ البَرّيّ.. أنزلَتْ ماءَ الشِّعرِ.. إلى يَنابيعِكِ العميقة...
كلُّ ما تقولُهُ الحِكايةُ: كبُرَتْ "آمال" هيَ والقصيدة.. حتّى صارَ نخيلُ العراقِ أطوَلَ.. وبَلحُ الشّامِ أحلى.. ولؤلؤُ البَحرَيْنِ أجمَلَ.. وليلُ المَغربِ العربيِّ أكثرَ بهاءً وشِعرًا.. وبرتقالُ يافا أشهى.. وعناقيدُ الدّوالي فوقَ سُفوحِ كرملي لؤلؤةً.. تمُدُّ حوريّاتُ حبّاتِها إلى شفتَيْهِ.. الّلغةَ المُبلّلةَ بقصْفِ الرّعدِ والبُروق...
تقولُ الحكايةُ.. حينَ كانتْ تُغنّي.. كانتْ تمشي عيدانُ القصَبِ بالغناءِ حتّى الحقول.. وتُنزِلُ جوقةَ المَلائكةِ في ترانيمِ العِشقِ.. إلى يَنابيعِ الرّوحِ الهائمةِ.. في مياهِ موسيقى القلب..
قالَ الجِنِّيُّ.. "عندما كانتِ العنادلُ تَعبُرُ نهرَ الشّعر.. كنتُ أحمِلُها على كتفي.. وأسيرُ حتّى أشجارِ السّروِ.. المُختبئةِ في خيالِ القصيدةِ.. على ضِفافِ الوَجْدِ"...
قلتُ.. "أسمَعُكَ تنسكِبُ الآنَ.. كمِثلِ الضّوءِ.. في شرايينِ الّلغةِ العاشقةِ"...
قالَ.. "لكنّي خسِرْتُ لذّةَ المُغامرةِ.. وكانتْ تَقفِزُ.. في كلِّ مَرّةٍ نَعبُرُ بها النّهرَ.. مِن سَماءِ الوحْيِ.. إلى ملكوتِ خيالِ القصيدة"..
قلتُ: "أسمَعُكَ جيّدًا.. وأعرفُ أنّكَ تتوهُ معَها.. تذوبُ فيها.. وتَسري في دمِكَ.. وحتّى لو توّجْتَها تاجَ مملكتِكَ.. سوفَ تترُكُ التّاجَ.. فوقَ مَقعدِكَ المرمريّ.. وتُغادرُ.. بجُنحتِها الملائكيّةِ.. إلى سماواتِ الحُرّيّة"...
قالَ.. "سبحانَ الله.. سبحانَ مَن بدّلَ بالشِّعرِ.. أقاليمَ الكوْنِ.. ومَلكوتِ السّماء"...
قلتُ.. تلكَ الّتي كبُرَتْ في "مملكةِ الشِّعرِ".. وصارتْ.. صوتُها عندليبٌ.. والخصبُ أرضُها.. وزرْعُها سنابلُ الحُلمِ والحُرّيّة.. وبيتُها القصيدةُ.. مُشيّدةٌ بالمَحبّةِ.. بنفحةِ روحِ سيّدي المُغادرةِ الصّلب.. وانعتاقِ الرّوحِ مِن قيدِ الذّلّ...
حينَ اغتسَلْتِ بماءِ الشِّعرِ.. أخرجَ الغيمُ مِنْ جُعبتِهِ.. مُسودّةَ المَطرِ.. وكتَبَ الحكاية....
قالَ الجِنِّيُّ: "كأنّكِ أنتِ... "!
قلتُ: "كأنّكِ أنتِ القصيدة"!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق