الصيف الكندي العلماني والصيف العراقي الإسلامي/ أسعد البصري

الصيف الكندي مذهل ، انخفض الكوليسترول . 

مرة أخرى أكتشف عبقرية القدماء " العقل السليم ، في الجسم السليم " فكرة أفلاطون الذكية . 

بدلا من الإنبهار بمقولات الحداثة الأدبية ( النص هو مجموعة قراءات سابقة ، كما الأسد هو في الحقيقة مجموعة الخراف التي افترسها  لماذا لا تعجبكم مقولة أفلاطون القديمة عن العقل السليم؟. )

إن معظم الأفكار المريضة ( والحداثة الأدبية أولها ) نابعة من الكوليسترول ، ومن الطعام الرديء الذي نتناوله . 

المشي ، والسباحة ، والساونا ، والكثير من الخضروات والفواكه ، حُبْ كبير ، و فراش مليء بالهزات الأرضية المتعاقبة ، قراءات للكتاب الكبار فقط ( مع الإبتعاد التام عن الدهون ، و كتاب مدينة الصدر العباقرة ) هذا هو الفكر الصحيح ، المفيد للعصر ، والقلب ، والشرايين . 

عاشت كندا ، و تبارك صيفها الإنساني المُفعَم بالحُب ، والمطر ، والشمس . 

بالمناسبة أنا لم يعد يهمني أمر السياسة العربية ، نصفها مؤامرات أجنبية ، والنصف الثاني أفكار متخلفة . تصلب في شرايين التاريخ العربي ، وأجيال متعاقبة من ارتفاع الكوليسترول ، و سوء التغذية .

أمام البرلمان الكندي ، ليلة الإحتفال بالعيد الوطني Canada Day المصادف July / first من كل عام ، قال لي لي صاحبي منتصف الألعاب النارية ، وتفتح الفتيات تحت الضوء والفرح " الإمام الحقيقي هو ذلك الذي تلطم عليه ( حرائر ) كندا ، وليس إماماً ذلك الذي تلطم عليه ( إماء ) العراق " . 

المشكلة أننا لم نعد قادرين على مشاهدة التلفزيون العربي . 

ما معنى برنامج ( باب رزق ) على الشرقية ؟ .

ما معنى امرأة عراقية بدينة ، و مسنة تقول إن ولدها ، هو المعيل الأول للأسرة في بلد نفطي بترولي ؟ .

في بيتي مثلا لست معيلا لأطفالي . أنا رجل كندي فقير جدا . الحكومة الكندية تنفق على كل طفل ( ٥٠٠ ) دولارا شهريا ، راتبا من الحكومة للطفل منذ الولادة . 

أحد أطفالي عنده مشكلة بسيطة بالمشي ، الحكومة تنفق عليه مضاعفا ( ١٠٠٠) دولارا شهريا ، لأنه يحتاج دروس موسيقى ، و ترفيها إضافيا . 

زوجتي عندها عملها و حياتها . البيت ليس لي ، بل هو من الحكومة للعائلة ، هو وطوابقه الثلاثة ، و حديقته المليئة بالورود . 

ما هو دوري إذن ؟ . 

دوري اللعب مع الأطفال لأستمتع معهم ، و دوري أيضا أن أحب زوجتي ، وأعيش بسرور . في حال فشلت بمهمات السعادة ، تَطردني زوجتي ، وهذا حق من حقوقها . 

أما كلام الشرق ، عن إمام في العهد القديم يتصدق على المحرومين ، أو سيستاني حقير يوزع بطانيات على الفقراء ، و برنامج الشرقية ( باب رزق ) ، و رجال ( أبو شوارب ) معيش الحمولة . 

هذا كلام بدائي جدا . الشعوب المتقدمة تأخذنا على قدر عقولنا. 

أمثال السيستاني ، في دار عجزة بكندا ، يلعب ورق ، و يسمع موسيقى ، و عنده ممرضات يعتني به . وأمثال مقتدى الصدر في مصح منغولي ، يلعب على الكومبيوتر . 

نحن شعب متخلف ، أرجو أن لا تصدقوا أنفسكم رجاء . 

ابنتي دنيا ، عمرها ثلاثة عشر عاما ، تفكر أفضل من نصف الكتاب العرب ، وأكثر إخلاصا للحقيقة ، لأنها ببساطة دخلت المدارس الكندية ، وتتكلم الإنكليزي والفرنسي بطلاقة ، إضافة إلى العربي طبعا . 

منذ ثلاثين سنة ، لم يتغير تعداد السكان في كندا ، ثلاثين مليون كنديا . رغم الهجرات المنظمة إليها . المرأة الكندية حافظت على نسبة خصوبة قدرها واحد ونصف طفلا لكل سيدة كندية . معدل عمر الكندي تسعون عاما ، بسبب التأمين الصحي ، والخدمات ، والبيئة . 

في العراق تغير عدد السكان منذ ثلاثين عاما . كان عددنا ثلاثة عشر مليون عراقيا عام ١٩٧٩م . ورغم الكوارث ، والحروب ، والهجرات الواسعة ، والمقابر الجماعية المزعومة ، والمجاعات فإن عددنا اليوم أربعون مليون عراقيا. 

هذا يعكس كارثة إنجاب ، و خصوبة أرانب لا مسؤولة في العراق . يقابلها تنظيم دقيق للنسل في كندا . رغم الخدمات الكبيرة التي توفرها الدولة الكندية للأمهات ، والأطفال تلتزم السيدة الكندية بمسؤولية كبيرة تجاه عدد الأطفال . 

ويدعي العراقيون أنهم يتعرضون إلى إبادة ، أية إبادة ؟ . العراقيون أربعون مليوناً اليوم . بعد عشرين سنة يصبحون ثمانين مليونا . بلا تعليم ، ولا ضمان إجتماعي ، ولا رعاية صحية . . هل تتخيل ثمانين مليوناً من الميليشيات ، و الجريمة ، واللطم ، والدجل الديني الظلامي ؟ .

تخيّل ثمانين مليون عراقيا يهاجمون السعودية ، ليس للحصول على جواز سفر محترم عالميا كالجواز السعودي ، ولا للحصول على كهرباء مستقرة ، و خدمات مماثلة للمواطن السعودي . بل لبناء معابد جديدة فوق مستحاثات عظمية جديدة في البقيع . 

لو لم يأت الشيخ محمد عبد الوهاب ( ١٧٠٣م - ١٧٩١م ) ، بإرادة هدم المعابد الشيعية في البقيع ، لكان الإيرانيون اليوم يبيعون جوارب نسائية في المدينة ، و يصرفون دولارات بمكة ، وربما يهربون أسلحة إلى المنطقة الشرقية . 

ولكان العراقيون يلفون عصابات خضراء مكتوبٌ عليها يا زهراء ، وعلى أكتافهم القاذفات في شوارع السعودية لحماية الأضرحة المزعومة . ولكانت جثث رجال الأمن السعودي تُلقى بلا رؤوس في الأسواق . 

الإسلاميون الشيعة ينشرون الوعي العذابي ، و جلد الذات ، و سرقة المال العام والفساد ، و عبادة الموتى أينما ذهبوا . فشل تاريخي ينهض على صدر العراق من جديد . 

لم تفعل الحكومة السعودية بمواطنيها الشيعة ، ما فعله بنا الحكم الشيعي العراقي الحالي . لم تهجرهم من مناطقهم ، ولم تغتصب نساءهم في السجون ، ولم تلاحقهم في بيوتهم بفرق الموت و مغاوير الداخلية . 

فما هي مظلوميتهم المزعومة ؟ . سوى فتنة البقيع ، والتوسع الفارسي في المنطقة . 

لا أعتقد أن العراق تعرض لكوارث بيئية ، و يورانيوم مشع . بل أعتقد أن العراق نفسه أصبح كارثة بيئية ، و يورانيوم مخصب . 

أكتب هذا لنعرف معنى كلمة ( تخلف ) . 

عندما يكون الشعب متخلفا ، يكون أنبياؤه ، و أئمته متخلفين مثله . حتى ربه ، يكون رباً همجياً ، و بربرياً ، و جاهلاً مثل شعبه تماماً .

لتعيش البشرية بمستوى الشعب الكندي ، يقول العلماء ، سنحتاج في هذه الحالة إلى ستة كواكب مثل كوكب الأرض . حتى تتوفر لكل إنسان نفس المصادر الطبيعية المتوفرة للمواطن الكندي .

مستوى العيش ليس الدولارات كما يظن البعض ، فهذه لا قيمة لها في كندا ، لأن الدولة تمتلك المال الحقيقي و تديره . 

مستوى العيش معناه نقاء الهواء ، مساحة الغابات ، الشواطيء والبحيرات ، التأمين الصحي و مستوى التعليم والعلاج ، كفاءة المعاهد والجامعات ، الحرية الجنسية ، الجبال ، والتسلق ، والمراكز الرياضية ، الوعي الإجتماعي ، والوعي الصحي ، والوعي البيئي ، والوعي بالحرية الشخصية . 

مستوى الأمان ، و مكافحة الجريمة ، و هيبة القانون . هذا هو مستوى العيش الكندي . 

لكل إنسان كندي الحق بالسكن ، والتعليم ، والطعام ، والعلاج ، والثياب على نفقة الحكومة . 

هذا هو دين الدولة الكندية ، وهذا هو إمامهم . 

لهذا أنا لا أفهم معنى أن الخليفة الرابع كان يوزع العطاء كل يوم ، و يكنس بيت المال كل مساء . هل هذا دليل ازدهار ؟ ، نمو اقتصادي ؟ استقرار سياسي ؟ . كلام غامض لا معنى له . فلكلور لطيف لا أهمية له . 

أحيانا نحتاج ان نشرح معنى قولنا بكلمة ( تقدم ) ، و دولة متقدمة . حتى لا يزعجنا أحد لا بالخميني ، ولا بالإخوان المسلمين ، ولا بالعلمانية العربية . 

لأنه في كل الأحوال ، لن تكون هناك مراحيض عامة نظيفة في الدول المتخلفة . 

عندما يحدثونني عن الزيارات المليونية في العراق ، ينصرف ذهني دائماً إلى المراحيض القذرة ، والتحرش الجنسي ، والسرقات ، والغش ، والنفاق . 

العلماء الكنديون ، يحفرون بالفرشاة للبحث عن مستحاثات عظمية ل " مموث " و " ديناصور " مدفون قبل مئات الآلاف من السنين ، بينما " علماء " الدين الظلامي في العراق يعبدون المستحاثات العظمية للأولياء الذين ماتوا قبل أكثر من ألف عام . 

بل تهجم الملايين العراقية البائسة ، من ظلام عقولها لمصمصة الطاعات ، والبركات حول القبور المقدسة كل عام ولا تشبع ، بل امتدت شهية العظام عندهم إلى الدول المجاورة . 

شعوب تعيش بنور العقل وبهجته ، وشعوب تعيش بكآبة التخلف . 

في الصيف العراقي ، هذا العام ، قال أحد رجال الدين ، إنما يريد الله ليريهم فحيح جهنم في رمضان ، لهذا الكهرباء مقطوعة ، و الحرارة خمسين مئوي ، حتى يتوبوا ، و يُكثروا من العبادة . 

اللهم نشكرك على صيفك ، و نورك ، و رحمتك في كندا 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق