علي الخليلي، وداعاً يا شاعر الوطن/ شاكر فريد حسن

مات علي الخليلي، الأديب الألمعي ، والقامة الشعرية السامقة ، والمبدع الحداثي المتجدد، وأحد الآباء المؤسسين للمشهد الشعري الفلسطيني المقاوم تحت حراب الاحتلال في المناطق الفلسطينية عام 1967. انه سادن الثقافة الوطنية الفلسطينية الملتزمة ، وحارس الحلم الفلسطيني الأبدي، وراعي الأقلام والمواهب الادبية . عرفناه انساناً هادئاً متزناً واعياً وعقلانياً ، عزيز النفس، نقي المشاعر ، راقي الفكر، معلماً مميزاً ، ومنارة ادبية متوقدة الشعلة ، لم تشغله هموم المناصب والمواقع ، ولم يبحث يوماً عن منصة او مال او جاه بل اكتفى بالقليل ، بوظيفة تسد الرمق وتوفر الرغيف وكفاف العيش البسيط . انصب عمله ونشاطه في رعاية الغرسات والأفنان الادبية الفلسطينية، وترسيخ الوعي الثقافي والفكر الديمقراطي ، ونقد الواقع الاجتماعي والسياسي والادبي والثقافي ، ساعياً ومؤمنا بالتغيير عبر الانحياز للجماهير المسحوقة المطحونة . وكان يرى في الثقافي اداة التغيير الحقيقة ، ولذلك انتمى للثقافة الوطنية الشعبية الديمقراطية وللحقيقة والنسق الكتابي الابداعي الملتصق بقضايا وهموم الناس والشعب والوطن والمجتمع والمستقبل ، الملتحم بحركة التاريخ وصيرورته، مكرساً كل مواهبه وطاقاته الابداعية وجهده للادب الجاد الهادف وللشعر الوطني الانساني وخدمة الحركة الادبية والثقافية والقضية الوطنية التحررية ، وتميزت حياته بالعطاء الثر والبذل الوفير.
وان نسينا يوماً فلم ولن ننسى نحن ابناء الجيل الادبي الفلسطيني ،الذي ظهر ونشأ وترعرع في سبعينات القرن الماضي وتربى ادبياً على يدي علي الخليلي ، جيل عبد الناصر صالح وعادل الاسطة ومحمد حلمي الريشة وعبد الحكيم سمارة وابراهيم عمار واسامة العيسة وباسم النبريص وصقر ابو عيدة  ومحمد كمال جبر وسامي الكيلاني واحمد رفيق عوض ووليد الهلسة وفداء احمد وعدوان علي الصالح ومصطفى مراد وغيرهم الكثير . لن ننسى ايام القحط الثقافي وقلة المنابر الادبية عندما كان علي الخليلي على ظهور خيلها في عز الشبوبية ،يوصل الليل بالنهار في مزاولة عمله محرراً لمجلة "الفجر الادبي" ، التي استقطبت واحتضنت كل المواهب والاقلام الادبية الصاعدة ، فكان يتلقف بشغف كل مادة ادبية تصل الى يديه  فيقرأها بتمعن ودقة  ويجري عليها التعديلات الضرورية ، اذا كانت بحاجة لذلك، لتصبح صالحة للنشر فيدفع بها للطباعة . وهكذا رعى جيل كامل من الشعراء والمبدعين ، الذين اصبحوا اسماء لامعة ورموزاً مضيئة في سماء الادب وفضاء الابداع الشعري والقصصي والروائي الفلسطيني. 
 ولن تنسى "نابلس" عاصمة جبل النار ، ناسها وازقتها وحاراتها واسواقها وشوارعها وارصفتها وساحاتها وميادينها ، علي الخليلي  صاحب الشنب العريض، والقامة المنتصبة ، الذي كان يصول ويجول فيها حاملاً مصباح "ديوجين" ليشعل نور المعرفة ويبث الوعي وينشر الكلمة والثقافة الوطنية ويذوت القيم الديمقراطية ، التي يؤمن بها .
علي الخليلي اديب متميز في مختلف اجناس والوان الكتابة الابداعية من شعر ورواية ونقد ومقال سياسي وادبي ودراسات تراثية ، ومنجزه الثقافي يتلخص في الدفاع عن القيم  المبنية على التعددية الفكرية والثقافية ، وقيم المحبة والجمال والتسامح والتكافل الانساني. وحين نقرأ نصوصه وقصائده الشعرية ، التي خطها يراعه وفاضت به قريحته والهامه ووحيه الشاعري ،عن الوطن وجراحاته وعذاباته اليومية ، وعن هموم شعبه وواقع المشردين في مخيمات الصمود والشقاء والبؤس ، نجدها تشتعل حباً وحنيناً ووهجاً وتوقداً وتفاؤلاً وانتماءاً حقيقياً لجياع وفقراء الارض والدنيا، وصناع الحياة والمستقبل  مبشرة بالنهار الآتي حتماً بعد ليل الاحتلال الجاثم على صدر شعبنا .
فوداعاً يا صديقي القديم علي الخليلي ، وسلاماً لروحك ، التي عانقت تراب فلسطين ، ولك منا في وقفة الوداع دفء المحبة ووافر العرفان .   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق