فاطمة ناعوت تكتب وشريهان تعجب فتشكر

شريهان العصفور الذى عاد
بقلم: فاطمة ناعوت 
نصف الدنيا

هل رأيتم من قبل عصفورًا يملأ الدنيا تغريدًا ورقصًا؟ يرسم فى الفضاء بجناحيه، وجسده النحيل، تابلوهاتٍ أوبراليةً راقصةً، ثم يلوّن التابلوهات بقطرة من ألوان ريشه؟ 

هل يمكن لهذا العصفور أن يختار قفصًا من الفولاذ، يفتح بابه ويدخل، ثم يركل البابَ بقدمه، ويمكث فى القفص وحيدًا سنواتٍ طوالا، كيلا تراه عين، أو تسمع أنينَه أُذُن؟ 

جميعُنا شاهد هذا العصفور، وأحببناه. كلٌّ منّا بحث عن القفص الذى تاه بين الحدائق والغابات. سألنا الشجرةَ فقالت: «أنا مثلكم أفتقدُ زقزقته بين أغصانى. ابحثوا عنه فى الغابة الأخرى، وارجعوا لى بخبر عنه». سألنا الزهرَ الذى مررنا به، فقال: «مازلنا ننتظرُ رقصته التى كانت تجعلنا نمدُّ أعناقنا لنشاركه الرقصَ، لولا أن جذورنا مُكبّلةٌ فى الطمي! لكننا رقصنا معه بسيقاننا وأوراقنا. ابحثوا عنه وردّوا إلينا الخبر». بحثنا عنه طويلا لكى نفتح بابَ القفص، ونحرِّرَ العصفور الحبيس فى معتقله الاختياريّ. لكن أحدًا لم يعثر على القفص، ولا على العصفور. 

عصفورٌ عنيد. كان يختبئ عن عيوننا، ويسمع نداءاتِنا، فلا يبالى.  يسمع  الأشجار والأزهار التواقة إلى صدحه ورقصه، فيهمسُ : «لم يحن وقتُ العودة. أمهلونى حتى أطيبَ وأُشفَى وأعود إليكم جميلا كما عرفتمونى.» 

كان العصفورُ مجروحًا، ينزفُ. فقرّر أن يتجرّع الوجعَ ووحيدًا. أبتْ كبرياؤه أن تلمحَ فى عيوننا نظرةَ إشفاق أو عطف. رفضَ أن يسمع عبارة مثل: «انظروا العصفورَ الذى ملأ الدنيا غناءً كيف صمت! انظروا الساحرَ الذى لوّن السماءَ بألونه ورقصه، كيف أقعدَهُ المرض!”

ذات يومٍ، هجمت على البلدة جماعةٌ من اللصوص، تقتل الأبناء وتسرق الزرع وتهدم البيوت. هنا قرر العصفورُ أن يتوكأ على آلامه ويخرج ليحمى وطنَه. تحوّل وجعُه إلى قوّة. واستحال أنينُه الواهنُ صراخًا كالرعد فى وجه العدو، وأضحى نزفُ جناحيه الضعيفين سيفًا شُرِعَ مع سيوف الرفاق، تزود عن الأرض والعِرض. فنجتِ البلدةُ من الغزو، ونجا العصفورُ من جروحه.

● ● ● ● ● ● ●

إنها «شريهان». العصفورة الجميلة التى اختبرها المرضُ،  فابتسمتْ فى وجهه قائلة: “سلامُ الِله عليكَ أيها المرضُ، ورحمتُه وبركاته. أهلا بك يا آلام. اليومَ فقط عرفتُ أن الَله يُحبُّنى فأرسلَ لى ابتلاءً  لكى يختبر إن كان حبيّ له مكافئًا لحبه لى. اصعدْ أيها المرضُ برسالتى إلى الله وخبّره أننى استلمتُ هديته وفرحت بها.”

شكرتْ  ربَّها على مرضها وفرحت به مثل طفلة تلاعبُ نحلةً، ولا تعلم أن فيها لسعًا ووجعًا. فما كان من النحلةِ إلا أن خجلت ومنحتها الشهدَ المُصفَّى. 

حين أشعلَ المصريون ثورتهم فى ٢٥ يناير ٢٠١١، خرجت معهم لتحررَ مصرَ من الظلم والفقر والجهل والمرض. وحين سرق اللصوصُ ثورة الشعب، خرجت من جديد يوم ٣٠ يونيو ٢٠١٣، لتنتزع الثورةَ من أنياب الوحوش الكواسر. المتمردة الحرون، كانت يدًا بيد مع شباب حملة «تمرد»، فكانت مثلهم أحدَ صُنّاع الفرح. داستِ المرضَ بحذائها، ورفعت عينيها إلى السماء، فأرسل لها اللهُ هديةً فى صندوق، مربوط بعلم مصر. فتحتِ الصندوقَ، فوجدت الشفاءَ، مغلّفًا بتحرر الوطن. 

أهلا بعودتك إلينا أيتها الخُلاسيةُ الجميلة، وإليكِ أهدى هذه القصيدة:

«هى أنا الخُلاسيةُ
التى تركتَها سنواتٍ تُربّى شَعرَها
فى ضواحى إشبيليّة
وتغزلُ مع الغجرياتِ فساتينَ واسعةٍ بكرانيشَ زرقاءَ
تناسبُ أحزانَ الفلامنكو.
بشرتُها
لوّحتها الشمسُ
والنجومُ سقطتْ، لتُرصِّعَ جدائلَ، جاوزتِ الخِصرَ 
تتماوجُ فى الهواء، مع قدمى، تدقّان الأرضَ، على إيقاع الكاستينيت.
هى أنا الخلاسيةُ
ترقصُ فى دوائرَ منذ دهور
فمتى يعودُ إليها الفرحُ
كى تُحرّرَ الضفائرَ، من شرائطها؟»
**
تعليق الفنانة شريهان
آلم مؤلم وقلم مؤلم و ... ’قلم مؤمن، صاحب رسالة، متصالح مع نفسه وضميره، بناء، وشافي من أقصي وءآلم آلم “سلامُ الِله عليكَ أيها المرضُ، ورحمتُه وبركاته. أهلا بك يا آلام. اليومَ فقط عرفتُ أن الَله يُحبُّنى فأرسلَ لى ابتلاءً لكى يختبر إن كان حبيّ له مكافئًا لحبه لى. اصعدْ أيها المرضُ برسالتى إلى الله وخبّره أننى استلمتُ هديته وفرحت بها- "آلم مؤلم, ’وقلم مؤلم, ’وقلم مؤمن صاحب رسالة متصالح مع نفسه وضميره بناء وشافي من أقصي آلم".. وهذا الأخير هو قلمك أنتي يا صاحبة الرسالة الشافية، هو أنتي ياشديدة الإنسانية وصاحبة القلم الحر، "قلم يقوي المناعة الإنسانية".
  ـ هذا هو أنتي يا إنسانة فاطمة ناعوت, كلمة وقلم صادق صاحب نفسه وإنتمائه، طاقة إنسانية مصرية طيبة، نقية، طاهرة، جميلة تسبح في النفس البشرية، لتقول فقط كلمة حق، وتظهر أجمل مافيها، كلماتك دواء شافي للنفس من كل داء, لأقصي وأبشع آلم مؤلم.
-  يا شديدة المصرية والصدق والإنسانية، سبحتي في نفسي وفي أعمق أعماقي، وصعدتي لربي فوق السبع سموات، لتعودي وتكتبي بقلمك معني وكلمة بالنسبة لي هي من أكبر وأهم وأعظم ماكتب في حقي وعمري وتاريخي، ولا أتمني أبداً أكرم من صدق كلماتك الحرة تكريم.
- "قلبي" ينظر لمقالك مبتسماً سعيداً ويشكرك، و"نفسي" تنحني ساجدة لخالقها حمداً وشكراً ثم تنظر لتقرأ معني كلماتك مرة آخري وتشكرك تشكرك تشكرك، وكل ما هو قادم وباقي في عمري يقبل جبينك.


هناك تعليق واحد: