فشل الخطاب السني في العراق وخذلان المقاتلين/ أسعد البصري

عام ١٩٩٣م كان الشاب كرار الوائلي الذي في مقتبل العمر قد قدم نفسه إلى حزب الدعوة والسيد نوري المالكي في دمشق ، وأثبت لهم بأنه منتمي للحزب و عنده أخ معتقل بتهمة الحزب أيضا . ضمن إمكانات حزب الدعوة الذي كان معارضا و مطاردا تكفل بسكن لائق لهذا الشاب و قاموا بزجه في جامعة دمشق قسم الفلسفة ثم الماجستير في جامعة لبنان ، ثم إلى لندن . طبعوا له بعض الكتب الأدبية البسيطة لكنه الآن في وزارة الخارجية و سفير عراقي يتدرب على الأعراف والأسرار ويكتسب مهارات للمستقبل . 

المقصود من هذه الحكاية هو أن حزب الدعوة التقط هذا الشاب من الشوارع في دمشق و جعل منه الآن سفيرا . لا يستطيع السنة منافسة التنظيمات الشيعية لأنهم لا يمتلكون هذه الروحية . ليس عندهم قيادة حقيقية . إنهم فقط متلهفون لصفقة سريعة تنفعهم كأفراد وبوقت سريع .

الأستاذ سرمد الطائي تلقى دعما من مقتدى الصدر و مؤسسة المدى الشيوعية حتى زرعوه في الفضائيات و جريدة الحياة السعودية . و الأستاذ علاء الخطيب تلقى دعما مباشرا من المالكي حتى زرعوه في الفضائيات الرسمية و قناة الجزيرة ... هكذا يصنعون رجالهم و خطابهم وليس " طلوع رب العالمين " مستحيل . 

كتاب شيعة كثيرون ( أصدقاء لحزب الدعوة الحاكم ) عرفوا الطريق إلى السعودية حتى أصبحوا ضيوفا دائمين في الجنادرية وإعلام الدول الثرية . 

الشيعة يتحركون صح ، وهيمنوا حتى على الإعلام العراقي في الخليج . 

السنة يتحركون خطأ لأنهم يفكرون بالصفقات السريعة وليس بالنفس الطويل و تربية الكوادر و دعمها . وأنا لا أدري ما جدوى دعم الخليج السخي لبعض هؤلاء السياسيين الذين لا يتمتعون لا بالخيال ولا بالسخاء . 

حتى إعلامنا خطأ ، المالكي يهجم على بهرز نتحدث عن بهرز ، يهجم على حويجة نتكلم في حويجة ، يهجم على الفلوجة نتكلم في الفلوجة ، يصادق على القانون الجعفري نتكلم في القانون الجعفري ... نحن نساهم بالخدعة الشعوبية التي قام بها الخطاب الشيوعي بجعل نقد المالكي يوميا فكاهة وتسلية و أفيون و ديمقراطية . 

الحكومة الصفوية تمتلك المبادرة والسنة مجرد ردة فعل . ربما أنا الوحيد الذي انتبه لضرورة الهجوم على المعتقد الصفوي و إحراجه في الأساس الذي تقوم عليه قوته وهي المراجع و النجف .

كان يجب أن نبادر أيضاً ونمنح المقاتلين الأفذاذ في الأنبار أملا ، و مشروعا ، و شرعية لا مجرد ثرثرة و ردة فعل لأفعال المالكي . 

ماذا عندنا ؟ شعراء سنة يقرؤون شعرا عموديا في الخليج كالشاعر عمر عناز و هزبر محمود يحرصون على عدم الخوض في السياسة حتى يكون طريق زيارة أهلهم في العراق مكتوما من الكواتم . عندنا شاعر عمودي مهم مثل محمود الدليمي لا يكترث له أحد لأنه حتى لا يعرف الطريق الآمنة من الموصل إلى الخليج .

صحفي شاب مبتديء في فضائية الفرات التابعة للسيد عمار الحكيم يقبض حوالي أربعة آلاف دولار شهريا ، هذا غير المخصصات الأخرى من قطعة أرض و سيارة و مخصصات النقابة . السؤال كم يقبض صحفي معروف مثل وجيه عباس مثلا ؟ .

ينبغي تنبيه الكتاب السنة الشباب الذين يتعرض بعضهم للإغتيال والإجتثاث والتهميش إلى أن مأساتهم يتحملها السياسي السني نفسه . الخميس الماضي المصادف ٢٧ مارس اغتال مسلحون مجهولون في الموصل الإعلامي المعروف واثق الغضنفري الذي يقدم برنامجا في قناة سما التابعة لأثيل النجيفي . الإعلامي السني في العراق يتم اغتياله لمجرد الكفاءة رغم أنه لم يخرج مظاهرات ، ولم يدع إلى ثورة ، مجرد مقدم لبرنامج شيق عن تراث مدينة الموصل . 

الثقافة الشيعية ذات تفوق كبير في العراق اليوم وهذا يرجع لأسباب كثيرة أولها القمع والإغتيال بالكواتم لكل الكفاءات السنية تحديدا ، غير أن أهم هذه العوامل هو امتلاك الشيعة لمشروع ثقافي عقائدي جعل من ثقافتهم ذات رافدين ، الأول تقليدي ديني تمثله حوزة النجف بكل ثقلها ، و عدد طلابها ، و المليارات الخاصة بها ، والرافد الثاني هو احتكار الشيعة لكل المؤسسات الإعلامية والثقافية الرسمية في الدولة العراقية بكل مواردها البترولية الضخمة .

إن المرشد الأعلى الإيراني السيد علي خامنئي الذي يحكم العراق حاليا ، هو شخصية دينية و ثقافية و مرجع روحي في نفس الوقت . هل تعلم بأن الخامنئي قاريء نهم للروايات مثلا ؟ . فهو يقول

" أنا لم اقرأ كل الروايات التي كتبت عبر التاريخ بلا شك ولكنني قرأت الكثير من الروايات المتعلقة بقرون مختلفة . قرأت روايات قديمة جدا ، مثالا على ذلك لنقل بأنني قرأت الكوميديا الإلهية و قرأت أمير أرسلان و كذلك ألف ليلة و ليلة ، لكن البؤساء معجزة في عالم كتابة الرواية . قلت مرارا اذهب واقرأ البؤساء ولو لمرة واحدة ، هذه الرواية كتاب في علم الإجتماع ، والتاريخ ، والنقد ، كتاب روحي ، و كتاب في الحب والمشاعر ." 

هذا يعكس اهتمام الشيعة بالثقافة والإعلام خصوصا في حربهم المعلنة لتهجير السنة من العراق ، و الهيمنة الكاملة على البلاد باسم المذهب . مقابل هذه الكفاءات المذهلة نلاحظ الساسة السنة إما يقبضون من الحكومة الصفوية ليعملوا كصحوات و وكلاء للمشروع الصفوي ، أو يقبضون من الخليج ليؤسسوا خطابات هزيلة ضحلة مليئة بالشتائم الطائفية . لا يعرفون الفن الشيعي في التربية والدعم و بناء الكفاءات و تأسيس مشروع سني وجداني يمنحهم على المدى البعيد الكرامة التي يطالبون بها بأصوات عالية في ساحات الإعتصام .

الخيمة وسعدي يوسف و شتيمة النبي محمد/ أسعد البصري

وجهة نظر ل سعدي يوسف كتبها مؤخراً بمناسبة اليوم العالمي للشعر تقول بأن البحث عن شعر يجب أن يكون خارج العالم العربي لأن العربي لا يستطيع الخروج من الخيمة . 

عجيب هذا الرأي حقاً . وهل يستطيع الشاعر العربي أن يوجد أساسا خارج الخيمة ؟ . ولو أن سعدي يوسف نفسه لم يدخل الخيمة الشيوعية في حياته هل كان يمكن له أن يظهر ؟ . هذا واقعنا ونحن جميعا جزء منه . 

الشاعر الجواهري لولا خيمة العائلة النجفية الشيعية العريقة ، ولولا خيمة الشيوعيين ، ولولا خيمة الملوك الذين مدحهم هل كان يمكن لنا أن نسمع به ؟ . 

الجواهري عاش تحت مئة خيمة حتى أصبح هو نفسه اليوم خيمة يلوذ بها الخائفون وقت الشدة . كما شاهدنا كيف لاذ به سعدي يوسف نفسه حين هاجمه كاتب محترف كرشيد الخيون على خلفية شتمه السيستاني فاستشهد بأبيات الجواهري على صفحته هكذا 

"  عدا عليّ ، كما يستكلِبُ الذِّيبُ
قومٌ ببغدادَ
أنماطٌ أعاجيبُ

عشرون كلباً عوى خلفي
وفوقَهمو
ضوءٌ من القمرِ المنبوحِ
مسكوبُ " 

الجواهريّ العظيم 

هل بعد هذا يأتي أحد يلوم شاعرا معجونا بالعذاب والحرمان لأنه يَحْتَمي مثلا بالعروبة أو الإسلام  ؟ . خيمة أخيرة تأويه من هذا العراء الشاسع ؟ .

بعد قصيدة " عائشة " التي وصفها سعدي يوسف بأنها " صنم النبي " عبر سعدي بوضوح عن رغبته في أن يقضي أيامه الأخيرة وحيدا . بهذه الشتيمة للنبي محمد يعبر سعدي عن اعتذار واضح للسيستاني و لفخري كريم وكل الذين شتمهم لأنه يرفعهم إلى درجة النبي محمد . حتى الفلوجة التي شتم السيستاني باسمها لا يستطيع دخولها بعد شتم النبي .

إنه يريد أن يقول بأن الحياة انتهت لا قضية ولا شعب ولا أي فكرة في الوجود تستحق الموت وحيدا . حتى الموت والدفن سيكون غريبا . الموت تغسيل و صلاة و ذكر ل محمد عند المسلمين ربما هو سيوصي بطريقة خاصة به . حتى الشعر ربما لا يعني له شيئا . من الصعب علينا أن نفهم المأساة الشخصية و سنتعب أنفسنا في البحث عن تفسير لأشياء تحدث بلا تفسير . 

" كان محمّدٌ ، ما بين رُكعته ، وتالي رُكعةٍ ، ينوي يُباشرُها
وأحياناً يرى ما بين ساقَيها ، صلاةً ..." 

هذا كثير ولا يمكننا تبريره أو تأويله ... ثم لا توجد ضرورة أو اضطرار عليه ... إنها فقط رغبة إنسان بتحطيم نفسه لا أرى شيئا آخر  " ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون" / سورة الحجر . 

سأل أحدهم المفكر ادوارد سعيد لماذا كتاباته في الصحافة الأمريكية عن الفلسطينيين لينة جدا و معتدلة ، فقال بأنه يحرص على أن يكون مسموعا و إذا رفع نبرة صوته سيخسر المستمعين ، و يخسر فرصة إقناعهم . فإذا كنت تكتب بالعربية و كان كلامك شتيمة صريحة لنبي المسلمين فهل هناك موضوع بعد ذلك ؟ وهل هناك مَن يرغب بسماع رأيك أو موقفك ؟ . حين تشتم فأنت عادة تضع وجودك مقابل وجود المشتوم فإذا كان المشتوم هو النبي فإنك تختفي لا يعود لك وجود . 

لقد عاش أبو العلاء المعري وهو يحاول جاهدا أن يدفع عن نفسه تهمة سب الأنبياء . لماذا ؟ . لأنه كأديب له تراثه في الأمة واللغة يحرص أن يبقى و يستمر فلا يضيع ميراثه و جهده بسبب اتهام الوشاة له بالزندقة ، وهذا حدث لمواهب كثيرة ضيعت كتبها بسبب حماقتها وأولهم ابن الراوندي الزنديق الشهير الذي لم يترك الوراقون لنا مصنفا واحدا باسمه . كل ما بقي منه هو كلام الآخرين عنه . أما أن يتبرع شاعر هكذا و يشتم النبي محمد ؟ فهذا تبرع سخي حقاً . 

أرى أن نوجه نحن إليه النقد على هذا الفعل الشنيع أفضل من أن يرميه سهم غريب فنتعب أنفسنا طلبا لثأره . فهو شاعر كبير بمعنى أنه ربما أكبر من البياتي و بلند الحيدري لكن هل أكبر من السياب ؟ هل أكبر من الجواهري ؟ .... هذا دون أن يصيبنا الجنون ونفكر بالمتنبي والمعري والبحتري . ثم أنه كتب شعرا أكثر من كل الشعر العربي كما يقول من الجاهلية إلى بداية القرن العشرين ؟ . شعر ؟ بهذا الحجم ؟ . ابن زريق ترك قصيدة واحدة و كذلك مالك بن الريب فما هي القصيدة الواحدة التي يتركها سعدي ؟ . لقد كتب شعرا أكبر من ديوان المتنبي ب مئة مرة . والله شيء عجيب . نحن نغض النظر عن أشياء كثيرة و ندافع عن الشاعر المستهدف المحاصر بسبب مواقف وطنية لكن هل ندافع عنه وهو يشتم النبي و يخوض في عرضه ؟ . هذا مرفوض ..

عن مارتن لوثر كنغ كتب أحد الكتاب الأمريكيين مؤخراً كتابا بعنوان " البطل المريح " ، وحين سألوه عن العنوان قال بأن البطل المريح هو البطل الميّت الذي يمكنك أن تمجده وأنت مطمئن لأنه قد مات ولم يعد بإمكانه أن يخيب أملك كما كما خيب سعدي يوسف آمالها الكثيرين بشتمه للنبي الكريم محمد بن عبد الله 

عندما حضرت الحطيئة الوفاة أوصى أن يعلق هذا الشعر على كفنه 

"'لا أحدٌ ألأم من حطيئة 
هجا البنين وهجا المريئة "

كمال جنبلاط/ شوقي مسلماني

1 (هامش)   
بحثتُ عن الإسرائيلي فوجدته يقف خلف ذلك الخطاب!. 
**

2 (ثريّا عاصي)  
"لا تستأهل هذه الجماعة الثقة، ولا تمتلك الصدقيّة، إذ كيف لهذه الجماعة أن تحافظ على وحدة البلاد واستقلالها وأن تضع ركائز مؤسّسات دستوريّة لدولة عصريّة وهي التي تعتمد في قتالها من أجل السلطة على المرتزقة، فضلاً عن أنّها طلبت أكثر من مرة من القوى الغربية التدخّل مباشرة لقلب نظام الحكم. كم كانت خيبتها كبيرة عندما عدّلت الولايات المتحدة الأميركيّة عن خطّتها العسكريّة، بالإضافة إلى هذا المعطى نحن لا نعلم أن حراكاً جماهيريّاً تحالفت قيادته مع المستعمرين جلب الأمن والازدهار، بل على العكس كانت الحصيلة دائماً نماذج جرّت الوبال على الناس". 
**

3 (كمال جنبلاط) 
ينهض الربيع فينا كلّما ذكرناه، ويزدهر الحلم الورديّ على عتبات التغيير. هو الفكرة النبيلة، والفكرة النبيلة تنتصر، وهو القدوة بالصبر والأناة، وهو حبّة القمح التي غاصت في التربة كي تملأ البيادر غلالاً.  
كمال جنبلاط مدرسة. هو العِلم الذي تفتّح في مشاتل العزّة. ساءه أن يرى "المحسوبيّة" مثل غدّة سرطانيّة تنمو في جسم الدولة. ساءه أن تستعرّ الرشاوى. ساءه أن تُمتهن الكرامة.  
أعلن برنامجه المرحلي للإصلاح باعتباره الجسر الممكن إلى وطن لا إلى مزارع تفقّس الخوف والغبن.  
افتقدنا كمال جنبلاط حين امتدّت إليه يد الغدر ولكنّنا أيضاً نقرأ الوصيّة: "لبنان وطن للجميع".  
السلام على المعلّم الذي أحبّ فاغتالوه. 
(نُشرت سنة 1983"!!") 
**

4 (لك الأرض ولن يرثها المفسدون)  
"للطوائفيين مكان ينامون فيه فأين ننام نحن"؟ 
كنتَ المدى والنهرَ والسواقي ودفءَ التلاقي، كنتَ الحبَّ الذي يمّمتْ شطرَه وجوهُ الأحبّة، والأملَ المرتجى لحياةٍ لا مسود فيها ولا سيّد. وهكذا كنتَ وهكذا أنتَ وهكذا القلبُ أرحب من سماء. لا معنى لاختلاف البشر إلاّ أنّهم كلّهم بشر، ولا يعرف معنى الحدود سوى إنّها غير ملزمِة في عالم هو أوسع من طموح فرد أو جماعة. وهكذا كنتَ وهكذا أنتَ. اصبرْ إذا مسّ العالمَ الجنون، إذا ضاقتِ الأحداقُ في زمن الطوائف. اصبرْ إذا رموك بحجر لأنّك الشجر المثمِر. اصبرْ لوحشة الطريق وقلّة الزاد والصديق. كنتَ الأمل أقوى من ليلهم وما يأثمون. كنتَ الشعلة وكانوا العناكب والأفاعي. لا يروعنّك أنّهم كثيرون وأنّك قلّة. لك الأرض ولن يرثها المفسدون. 
(نُشرت سنة 1985). 
**

5 (حصار)     
قال لي إنّهم كانوا يسبحون في البحر عندما فاجأهم صيّاد سمك ورمى شبكته عليهم، وفيما علق واحد وأصيب الآخرون بالذعر كانت سفينة صيد سمك تعبر. ورأى كبير الصيّادين انهماك الصيّاد فأيقن إنّه عند صيد وفير. وصرخ برفاقه: "القوا الشباك، وحاصروا كلّ المنطقة"!. 
**

6 (أنسي الحاج)  
التاريخ كتاب السفّاحين والضحايا، وَضَع فيه نفر من عبّاد الطغاة قناعَ المجد على وجه الوحشيّة. 
**

7 (لا) 
المسألة متراكمة 
ليست صنيع رقّة 
بل صنيع آلات وخْز.  
Shawki1@optusnet.com.au

الشاعرة نداء خوري بين ارتعاشات الجسد واشراقات الروح/ شاكر فريد حسن

 
نداء خوري شاعرة فلسطينية متميزة وقديرة لافتة للنظر قادمة من ربى فسوطة الرابضة على سفوح الجليل الأعلى في فلسطين. وهي مثقفة تمتاز بسعة اطلاعها وثقافتها الواسعة ، وإنسانة عصامية متمردة على العادات والتقاليد والجمود والتحجر،  ومن دعاة تحرير المرأة .
أطلت نداء خوري على المشهد الشعري والثقافي في هذه الديار كشاعرة رفيعة المستوى ، ومبدعة مختلفة لها شخصيتها الشعرية وأدواتها الفنية ، وأسلوبها الخاص ، ولغتها الخاصة ، وأيقونتها الكتابية الخاصة . وامتد صوتها الصادح في هذا المشهد العريض مترامي الأطراف ، الذي فيه ما يتشابه ويتشابك ، وفيه ما يشذ ومختلف ومغاير يكتب خصوصيته ، وذلك عبر قصائدها الجميلة التي نشرتها على صفحات المجلات والدوريات والملاحق الثقافية الفلسطينية وأصدرتها في مجاميع شعرية بلغ عددها أحد عشرة ديواناً ، وأيضاً من خلال مشاركتها في الندوات الأدبية والنشاطات الثقافية والأمسيات الشعرية .
وقد جاءت نصوصها وكلماتها لتشف عن روح وثابة ومقاتلة رافضة للقيود والسلاسل التي تكبل المرأة ، وللقيم والأفكار الرجعية المتزمتة التي تجعل منها أسيرة وسجينة أدوات حياتية ، ونجدها تتمسك بحريتها وتتمرد على كل المسلمات والتقاليد الاجتماعية البالية والفرضيات الإنسانية المقيتة التي تحد من طموح الأنثى وتغتال إنسانيتها ولا تقر بحقها في الحياة والوجود الإنساني .
إنها صوت يتحلى بالجرأة والشجاعة في البوح الصادق عن نبضات وارتعاشات الجسد واشراقات الروح الأنثوية ، والتعبير عن الرؤى والمواقف تجاه قضايا المرأة ، وتصوير التجارب والمشاهد الحسية ، وكانت عنونت إحدى قصائدها بـ "حبل غسيل جسدي" .
وفي قصائدها نلمس تلك الروح الرومانسية الهائمة الحالمة الثائرة المتفجرة بالغضب ، التي ترفض القيد وكل ما هو سائد ومألوف ، وهي بذلك تتجاوز نصوص الكثير من الشاعرات العربيات والفلسطينيات المحدثات . وتدل موضوعاتها وعناوينها ودلالاتها النفسية  ، وما تحمله من إشارات ودلالات وإيحاءات ورموز على مراحل تجربتها الإبداعية ونضوجها الفني .
نداء خوري شاعرة تساورها مشاعر الغربة الروحية والفكرية في عالم قاهر للذات النفسي والجسدي ، وذات تجربة شعرية خصبة تحتشد بصور الألم والمعاناة على الصعيدين الخاص والعام ، وينطوي نصها الشعري على قلق ذاتي اضطرابي ، فردي وجمعي ، ونقرأ فيه وجه المرأة المستلبة والمظلومة ، والوطن ، والإنسان ، وذكريات الماضي الجميل ، وروح الثورة والتمرد ، ولغة الجسد الذي مزقته الهزائم والنكبات . 
والقارئ لدواوين نداء يجد العمق الجدلي والتخييل الذاتي الشعري ، وما تمثله وتجسده نصوصها من مشروع إبداعي تحرري منحاز لقضايا المرأة وانتصار لحريتها ، وتعامل المجتمع العربي التقليدي الذكوري معها ، الذي يهينها ويمسخها ويهمشها ويحاصرها . ويشعر بالومض الخافت للهب ، والثورة النفسية التي تضطرب في أعماقها وصدرها وتكشف الأسرار سحيقة الأغوار في روحها المتمردة من ترابية الجسد ، الذي طالما سبح في مفاهيم دونية أساءت إليه .
إن كتابة نداء خوري متورطة في الجسد الذي يحتل الحيز الكبير موقع الصدارة في كتاباتها الشعرية الحافلة برؤية ابستمولوجية للفعل الإنساني في علاقته بالجسد الذي يأبى الصمت والخفوت واضطرام أواره . وتجربتها في ذلك تمثل نموذجاً متميزاً ومتفرداً للشعر النسوي الإنساني الذي يعيد الاعتبار للجسد والروح الأنثوية . وعن الجسد في شعرها تقول نداء في احد الحوارات معها : " الجسد هو الدليل القاطع على عبثية وجودنا ، وهو إثبات لعبور الروح في هذه الدنيا ، هو تجسيد لذواتنا ، هو العنوان الذي نقيم به، هو العنوان لزمن لنا ، وللجسد جمال وشهوة وملائكية . وله سقوط ونزوة ، للجسد احترام وقدسية كما أن له خطاياه وجروحاته وآلامه . والجسد إطار الروح ، هو لنا إطار في الحياة كما هو لنا إطار لصورنا عندما ندخل إليها ونسكن الجدار بعد الموت ، أجسادنا حواجز تقضي ونحن نحاول أن نتجاوزها ونعبر منها إلى الآتي ، ألسنا نحن شعب العبور وأناس العبور ما بين أسطورة الزمن ومعصية الوجود . اوليست ضحايانا أجسادا تتقدم ، متمردة على روحها ، وقوة الحياة تدفعها إلى نفي الحياة ، لأجل أن تحقق الروح ذاتها . وهل لأحد فينا أن يعترف إلى أي حد نحن مشغولون بكيف تحقق الروح ذاتها داخل الجسد ".
ومن أشعار نداء التي تحكي عن لغة الجسد وعمق المشاعر الإنسانية الدافئة ، وتلامس هموم المرأة العربية وعذابها ، وتعانق الحب والحلم والحرية عبر بوابة نسيم الحياة وكل ما هو جميل فيها ، نقتطف هذه السطور : 
 العطش من جسد نساء 
أشلح عيوني لأنام 
عارية 
من عيون الناس 
يأتيني الماء 
يعلمني وجع العري 
وسر البكاء 
يشربني 
يبل ريقه 
ينهنه ويحمد ربه الذي 
خلق العطش من جسد نساء 
ولنداء خوري ديوان بعنوان "الخلل" وفيه ترتقي بجماليات الكتابة الشعرية ، وتطمح إلى لغة تتجسد فيها الحياة ، الحب ، الضياء ، حيث ينتصر الخير على الشر ، والنور على الظلمة ، والحياة على الموت ، لغة تعيد للإنسان صورته الإنسانية الحقيقية . والخلل الذي تتحدث عنه وتعنيه هو الخلل القائم في حياتنا الاجتماعية والسياسية وسلوكيات وأخلاقيات الناس وممارسات رجال الدين ، فضلاً عن الفوضى والتسيب والانحلال الذي اجتاح مجتمعنا بفعل الثقافة الاستهلاكية المتعولمة ، ومن واجبنا كمثقفين ومبدعين ومصلحين العمل على تغييره وإصلاحه .
وهو ديوان يمثل صرخة المرأة المقهورة المظلومة في مجتمع رجعي متخلف لا يعرف الرحمة ، ولا يؤمن بالحرية ، ويصادر حقها باتخاذ القرار ، ويمنع عنها الميراث ، إنه ثورة على المسلمات وقيود المجتمع وقيمه المتوارثة واستعباد الرجل ومصير الأنثى ومستقبلها . وفيه تصور شاعرتنا نداء خوري شفافية الروح التي تبحث عن المطلق ، عن المثال ، عن الجوهر ، عن انتصار الروح على كل ما يحيط بالواقع من خلل .
إن قصائد نداء خوري إنسانية وانسيابية مفعمة بالجدة والدهشة والرقة الأنثوية والعبق الشاعري ، وتغرق بالوجد والمؤانسة ولغة الجسد ، وتمنح الحروف جمالاً والقاً وأنوثة تثير الكلمات . وهي ذات قيمة وأبعاد إنسانية بإطار فلسفي ، تبتعد عن التقريرية والمبالغة ، وتزخر بالصور الشعرية الراقية والمعاني الخلابة ، واللغة المتميزة بالنضارة والجمال والتعبير البلاغي البديع والجميل ، وتوظف فيها العبارات والرموز الدينية للتعبير عن عالمها الداخلي والروحي .
وفي الإجمال ، نداء خوري شاعرة متألقة ومتأنقة ، وشاعرة الصورة الشعرية الجمالية ، تسكن روحها لغة الجسد ، وكتابتها تتميز بنوعية خاصة ترتكز على البوح والإلهام الشعري والإيضاح الجريء عن رغبات الروح والجسد وما يحفل بهما من طاقات وافتنان ، والتداخل بينها وبين الجسد يمنحنا الدفء الإنساني ، ويعطينا قمة الأداء الشعري .

الشاعر/ عصام ملكي

الشاعـر بعين الناس مــــــا بيبقى حِلو
ان مـــا كــان عندو بكلمتو معْمل حلو
بعين العنـايــــه لازم يشوف الأمُـــور
وعـــــا مواقفو أخــــلاق يدلـق بالدَلو.

ومفروض إنّو يكون فـي عندو شُعور
ويكـون صـــــــــــادق والمحبِّه منهَلو
ولازم ضمــيرو ينقرا بين السطــــور
كل مــــــــــا عُيون الفاحصين تقابَلو.

وفـــــــوق المنابر ينْسمى مشعال نور
يِضوي عــــا غيرو وكلمتو تِطلَع مَلو
ويزورِق المعنى عــا موجات البحور
والمعرِفه تـــحـــمـــــــل بِديْها مشعَلو.

ويقول: شوفو شو كتَب شاعــــر غَيور
بالموهبِه حلّق عــــــــــــا كون منجهَلو
والحكم عندو يكون عـــــادل والزهور
مـــــــــــا يقول عنها شوك للي بيسألو.

الشاعر جريمِه يكون عـــا شكل القبور
الخارج نعومِه والعضـــــــــــام بداخِلو
مــــــــن واجباتو للوعي يركّب جسور
هوّي خلِق تـــا يكون إحساس وضمير
يعني حـَـــيــــــــاة المنفقَه مَنها إلـــــو.
  

‫أيها الشعب المصرى التعيس/ نرمين كحيلة

هذا هو الخطاب الجديد للرئيس القادم بعد أن ثبت أن الشعب المصرى من أتعس شعوب الأرض بحسب المسح الثاني للأمم المتحدة لمؤشرات السعادة والرضا بين الشعوب. ويوضح التقرير أنه يمكن قياس السعادة بمدى شعور الأفراد بالسعادة والرضا في حياتهم، والدول الأكثر سعادة غالباً ما تكون الدول الأكثر ثراء إلى مدى معين، إضافة إلى عوامل أخرى مساعدة مثل الدخل الإضافي والدعم الاجتماعي، وغياب الفساد ومستوى الحرية التي يتمتع بها الأفراد. 

تصدرت الدانمارك قائمة دول العالم الأكثر سعادة، وللعام الثاني على التوالي ومنذ إطلاق أول مسح دولي شامل عن السعادة من قبل الأمم المتحدة في عام 2012، جاء شعب الإمارات في صدارة الشعوب العربية الأكثر سعادة، والـ14 عالميا، متقدما 3 مراتب مقارنة بالعام الماضي.

فيما احتلت كل من عمان المرتبة 23 وتلتها قطر في المركز 27 فالكويت 32 ثم السعودية بالمركز 33 في قائمة الشعوب الأكثر سعادة في العالم.

ويستند ترتيب الدول على مسح غالوب العالمي (Gallup World Poll) الذي يستطلع رأي الأفراد في تقييمه لمستوى المعيشة والرضا عن الحياة من درجة صفر (الأقل سعادة) إلى 10 (في غاية السعادة).

ويصدر التقرير عن معهد الأرض من جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة، وغطى التقرير في نسخته الثانية 156 دولة. 

والسؤال الذى يفرض نفسه بقوة: من سرق من الشعب المصرى سعادته وهنائه؟ فقد كان المصريون رغم بساطة معيشتهم سعداء يحمدون الله على نعمة الستر واللقمة الحلال لكن للأسف حتى هذه استكثروها عليه وأخذوا منه حلمه بأن يعيش المصرى آمن فى بلده يشعر بالاستقرار والدفء بين أهل بلده وأسرته وجيرانه بعد أن أصبح أى مواطن معرض للسحل والقتل والاعتقال والتعذيب وأصبح مهددًا فى لقمة عيشه ومعيشته كلها بعد أن أصبح بلا قيمة ، تطحنه الأزمات المختلفة. وكما قال الشيخ عبد الرحمن السديس: كان صباح مصر جميلا ، يرشون الماء أمام المحلات ، وعبد الباسط يتلو القرآن ، والأمهات يجهزن الإفطار للأبناء ... أما اليوم فالأرض تشرب الدماء والدموع في عيون الأمهات.

ولا ننسى بهذه المناسبة أن نهنئ شعب الإمارات الشقيق والشعب السعودى الشقيق على فوزهما بمرتبة متقدمة فى قائمة الشعوب السعيدة على حساب إخوتهم المصريين ودمائهم ، اشتروا سعادتهم بتعاسة غيرهم والتآمر عليهم ، متناسين أن السعادة تسير فى شكل دائرى أى من يسعد غيره يسعد وأن هناك دراسة تقول أن أسعد الناس هم من يقومون بالأعمال الخيرية لإسعاد المحتاجين ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم)). ويفهم من هذا أن الله إذا كان يحب إدخال السرور على قلب المسلم فإنه يبغض إدخال الحزن على قلب المسلم.

فالواجب على كل مسلم: أن يعمل جاهدا على إدخال السرور على قلب إخوانه المسلمين.

وواجب على كل مسلم: أن يحذر كل الحذر من إدخال الحزن على قلوب إخوانه المسلمين. لكنهم اتبعوا منهج أدوس على غيرى كى أعيش فتساووا بذلك مع إسرئيل التى نالت المركز الحادى عشر فى الدول السعيدة (طبعا على حساب كل العرب والمسلمين)

حسبنا الله ونعم الوكيل فى كل من سرق فرحة المصريين وسعادتهم.

قضية اليوم/ محمد محمد علي جنيدي

أقول بداية بأنني لست مؤمنا بالتعليق على أحكام القضاء سواء كنت مؤيدا أو معارضا لها ولكن فقط ومن أجل لما هو معلوم قضائيا أن الحكم بالإعدام هو أقصى عقوبة يمكن أن يصدر ضد متهم، وبالتالي يتوقع من أي قاضي أن يطمئن إلى حد علم اليقين التام بأن المتهم مستحق لتوقيع مثل هذه العقوبة عليه، ولقد جرى العرف في كل بلدان العالم بأنه لو كان عدد المتهمين في جريمة قتل ما هو (( واحد )) فقط في قضية ما فإنها تنظر لجلسات تطول كثيرا يكون القاضي خلالها قد كون عقيدته واطمأن لسلامتها اطمئنانا تاما لا شائبة فيه، فإذا ما بلغت عنده هذه العقيدة حد علم اليقين أصدر حكمه بالإدانة أو البراءة، فهل جرت القضية والتي تشغل الرأي العام المصري كله والعالمي الآن على هذا النحو وأخذت وقتها الكافي مع كل متهم، وأردف بسؤال آخر هل هذه الدقائق القليلة بحسب ما تناولته بعض وسائل الإعلام والتي نظرت خلالها قضية بمثل هذا العدد والذي تجاوز 500 متهم كافية لمناقشة محتواها الجنائي بجميع ملابساته.. ولاسيما أن هناك قضية رأي عام أخرى مجاورة  وتخص قيادات من النظام السابق لثورة يناير ومازالت تنظر وتنظر وتتداول جلساتها منذ أغسطس 2011حتى الآن.. أتمنى من فقهاء القانون أن يدلوا بدلوهم ويضعوا النقاط على الحروف حتى يقرأ السطر كاملا وبالشكل الصحيح فيريحوا ويستريحوا.

m_mohamed_genedy@yahoo.com

انتظار/ عـادل عطيـة

قصة قصيرة

رآني مهموماً مغموماً!
لم يسألني عن السبب، بل قال لي: "ابشر.. فلك أخبار سارة، تنتظرك!
وبينما كنت أهم بفتح فمي؛ لاستنطقه هذه الأخبار، فإذا به، يشير إلىّ بالصمت، ويقول: لا تسألني الآن!
بشارته أطلقت العنان لأفكاري؛ لتركض أمامي:
هل هو من الفتّاحين العرّافين؛ لأنه لم يسألني عن سبب همي؟!
أم أنه لم يلاحظ كآبتي؛ حتى أنه لم يحاول مواساتي، وأن الموضوع، ربما، يتعلق بترقية في العمل، وزيادة في المرتب؛ لأنه دائماً يتحدث عن أنه من العالمين بخفايا الأمور المهمة؟!
بعد اسبوع، رآني أنظر إليه بلهفة تكاد تنطق، وكأنني استجدي الأخبارالسارة، التي وعدني بها، فبادرني: لا تستعجل الخير!
جاء الاسبوع الثاني، وكما جاء مضى، بينما لا أزال في الترقب، والحيرة، تحت مظلة الغموض!
في الأسبوع الثالث، نظرت إليه نظرة تُظهر ما أنا عليه من عذاب الانتظار، حتى ولو كان هذا الانتظار: انتظار لشيء اترجاه! 
هذه المرة، فاجأني بنبرة ذات مغزى، وقال: ألم تصلك رسالتي بعد؟!...

في 21 آذار من كل عام نتذكر معركة الكرامة/ محمود كعوش

أظن أن العرب بحاجة لكرامة جديدة تعيد لهم كرامتهم

كما في الأعوام السابقة تحل ذكرى معركة الكرامة هذا العام وسط أجواء من التصعيد الإرهابي الذي تمارسه  قوات الاحتلال الصهيوني ضد أبناء الشعب الفلسطيني تحت سمع وبصر العالم بما في ذلك العرب والمسلمين، دونما حسيب أو رقيب ولا حتى وازع من ضمير. فالعرب مهمومون  بمشاكلهم المتراكمة ومنشغلون بربيعهم المزعوم. والمسلمون كما العرب أيضاً مهمومون ومنشغلون بمشاكلهم الداخلية التي عجزوا حتى الآن عن حلها أو حتى التخفيف من وطأة تفاقمها وارتداداتها السلبية عليهم وعلى مستقبل بلدانهم. أما الفلسطينيون على المستوى الشعبي فإن جل اهتمامهم ينحصر بالوضع الإقتصادي الفلسطيني المأزوم وكيفية مواجهة تفاصيل الحياة وتكاليفها المرتفعة والمتفاقمة، ولا أظن أن واقعهم هذا يترك لهم مجالاً كافياً للتفكير بالوسائل والسبل الناجعة لمواجهة الاحتلال ومعالجة معضلاته المتراكمة والمعقدة. وعلى المستوى الرسمي فإن الوضع لا يبدو أفضل حالاً، لأن فريقي السلطة في كل من رام الله وقطاع غزة ما يزالان على تباعدهما وخلافهما الخاص بالسلطة الوطنية المزعومة، والذي على ما يبدو يزداد صعوبة وتأزماً كلما طال الوقت أكثر!!    
عندما يكون المواطن العربي حامل الهمين القومي والوطني في حضرة مشهد كهذا بكل ما يظهره ويبطنه من سوداوية، فإن واجبه وحق الوطن عليه يحتمان عليه التعبير عن ألمه ورفضه للواقع العربي الطارئ، كما يحتمان عليه إظهار رغبة جامحة  للانتفاض على هذا الواقع والنهوض به من جديد!! ولربما أن من حُسن طالع هذه الأمة أن الأمل ظل على عهده ووفائه لها، لأن ما من مرةٍ فُقدت إرادتها أو هُدرت كرامتها إلا واستردتها من جديد . وفي كل المرات كان الفضل الأول والأخير في ذلك للشعب العربي لا لحكامه الذين استحكم بهم العجز وباتوا لا حول لهم ولا قوة.
وكأي مواطن عربي انشغل بالهمين القومي والوطني ونذر نفسه لخدمة الأمة والحفاظ على مصالحها فإنني أضم صوتي إلى صوت كل من يسعى لاستنهاض الإرادة والكرامة العربيتين من خلال استذكار "ملحمة الكرامة" الخالدة والمشرفة، التي تتصادف ذكراها السادسة والأربعون مع الحادي والعشرين من الشهر الجاري "1968.3.21". فعندما سطر المقاومون الفلسطينيون والجيش الأردني الباسل تلك الملحمة الأسطورية التي اصطُلح على تسميتها "معركة الكرامة" لمليون سبب وسبب ومليون اعتبار واعتبار أولها المكان الذي حدثت فيه وآخرها استعادة الكرامة العربية، لم تكن الأمة العربية قد استيقظت بعدُ من حالة الذهول التي كانت قد انتابتها جراء نكسة الخامس من حزيران 1967، خاصة وان تلك النكسة بكلِ ما أفرزته من مضاعفاتٍ ونتائج سلبية تمثلت بخيبة الأمل والانكسار وفقدان الكرامة، حدثت في أوجِ المدِ القومي العربي وفي ظل قيادة مارد عربي استثنائي هو الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، تغمده الله بواسع رحمته.
يومها كان قد مر على حدوث النكسة أقل من عام ، الأمر الذي جعل من تلك المعركة ـ الملحمة وما ترتب عليهاَ من نتائج إيجابية لصالح الجانب العربي "حالة جديدة وفريدة من نوعها في تاريخ الصراع العربي ـ الصهيوني". فلأولِ مرة منذ انطلاقتها في الأول من كانون الثاني 1965، اضطرت الثورة الفلسطينية مدعومةً بالجيش الأردني إلى مواجهة جيش الاحتلال الصهيوني في معركة عسكرية حقيقية استعمل فيها هذا الجيش البربري إرهابه وجميع أنواع أسلحته الفتاكة، أميركية الصنع وعالية التقنية. 
لا شك أن "معركة الكرامة" قد شكلت آنذاك حالةً فريدةً من نوعها، باعتبار أنها مكنت الثورة الفلسطينية مدعومةً بالجيش الأردني الشقيق من إسقاط مقولة "الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر" التي اعتاد الكيان الصهيوني والغرب على ترويجها منذ بدء الصراع العربي ـ الصهيوني الذي تفجر مع الولادة القيصرية لهذا الكيان في قلب الوطن العربي، وذلك بعدما تمكنت الثورة والجيش الشقيق من رد جيش الاحتلال على أعقابه وتحقيق الانتصار عليه في معركةٍ افتقرت إلى الحد الأدنى من التكافؤ العسكري بين الفريقين المتخاصمين.
لقد شكل العدوان الصهيوني الذي أدى إلى "معركة الكرامة" في ذلك الوقت أول توغلٍ حقيقي لجيش الاحتلال عِبَرَ نهر الأردن، بلغ في حينه مسافة عشرة كيلومترات على جبهةٍ امتدت من الشمال إلى الجنوب نحو خمسين كيلومتراً، وذلك من جسر الأمير محمد "دامية" شمال المملكة الأردنية حتى جنوب البحر الميت، بهدف القضاء على الفدائيين الفلسطينيين في مخيم الكرامة على بُعد خمسة كيلومتراتٍ من جسر الملك حسين "اللنبي" وفي مناطق أخرى إلى الجنوب من البحر الميت. كما أنه مَثَلَ أول عمليةٍ لجيش الاحتلال على نطاقٍ واسعٍ في ظل رئاسة الإرهابي حاييم بارليف لأركان جيش الاحتلال الصهيوني. 
وقتذاك حشد الكيان الصهيوني قواتٍ كبيرةً مدعمة بجميع أنواع العتاد الحربي بما في ذلك الطائرات العامودية والمروحيات أملاً في أن "يُلقن" الثورة الفلسطينية بقيادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني ـ فتح "درساً رادعاً"، على حَدِ ما ورد آنذاك على ألسنة قادته السياسيين والعسكريين، من خلال "تحقيق نصر سريع ومفاجئ" يستغله في رفع معنويات الصهاينة التي كانت قد تدهورت بل انهارت تحت وطأة عمليات المقاومة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي كان قد مضى على بدئها ثلاثة أعوام وبضعة أشهر فقط. لكن حكمة ووعي الثورة الفلسطينية والجيش الأردني فوتا على كيان العدو الفرصة التي كان يعول عليها، لأن تحركات وحشود جيشه المعتدي كانت في دائرة الرصد والمتابعة، وهو ما سهل مهمة التعامل مع العدوان وفقاً لمتطلبات الحرب الشعبية حسب ما جاء في التقييمات العسكرية الصهيونية والدولية التي صدرت حول "معركة الكرامة" في ما بعد. فالعدوان الصهيوني الذي لم يكن في حالٍ من الأحوال مفاجئاً للثورة الفلسطينية والجيش الأردني مُني برغم ضخامته من حيث العدد والعتاد بخيبة أمل كبيرة، بعدما اصطدم بمقاومة عنيفة من قِبَل الثوار الفلسطينيين والجنود الأردنيين لم تكن في حسبان جيش الاحتلال وقادته. فنتائج ذلك العدوان لم تأتِ أُكُلَها بالنسبة للكيان الصهيوني لأن "رياحه" لم تسرِ كما اشتهت "سُفن" جيشه المعتدي، باعتراف بعض قادته، ومن بينهم رئيس الأركان الإرهابي حاييم بارليف. ولقد دلل طلب أولئك القادة وقف القتال بعد ساعات قليلة من شروع جيشهم في شن عدوانه الهمجي على الهزيمة المبكرة لهذا الجيش، بعدما مُني بخسائر فادحةٍ في جنوده وعتاده العسكري، وبالأخص في آلياته وطائراته. لكن الثورة الفلسطينية والجيش الأردني وفي ظل نشوة الصمود والتصدي الجبارين، وربما في ظل نشوة النصر المبكر أيضاً، رفضا ذلك الطلب وأصرا على انسحاب كامل لجيش الاحتلال الصهيوني من جميع الأراضي الأردنية التي دنسها بعدوانه السافر قبل الحديث عن أي وقف لإطلاق النار مما أجبره على الاستجابة الفورية لذلك الإصرار. 
نعم أُجبر جيش الاحتلال الصهيوني المعتدي على الإنكفاء والتقهقر في أجواءٍ من البلبلة والتشتت مخلفاً وراءه جثث قتلاه وجرحاه. وقد تكبد مزيداً من القَتلى أثناء انسحابه بفضل الكمائن التي كان الثوار الفلسطينيون قد نصبوها له قبل وخلال تلك المعركة التاريخية. وفي محاولة يائسة دللت على عجزه وهمجيته وتدني روحه المعنوية المتهالكة والمنهارة، دمر جنوده الجبناء عدداً كبيراً من المنازل وأتلفوا مساحات واسعة من الأراضي الزراعية التي اعترضت طريق انسحابهم المهين، كما وخطفوا 147 مزارعاً أردنياً ادعت حكومة تل أبيب في ما بعد "أنهم من الفدائيين". وقد ارتكب الجنود الصهاينة تلك الأفعال المشينة في سياق مسرحية هزلية مفتعلة لذر الرماد في العيون!!
يُستدل من الوثائق الفلسطينية أن الجيش الصهيوني المعتدي قد بدأ هجومه فجر يوم 21 آذار 1968، وطلبت قيادته وقف إطلاق النار ظهر ذات اليوم، وأجبر الجيش على الانسحاب من الأراضي الأردنية في ساعات مسائه الأولى. انسحب الجيش الباغي وهو يجر وراءه ذيول الخيبة والهزيمة. وبالاستناد إلى التقارير العسكرية التي تم تداولها بعد "معركة الكرامة"، فإن خسائر جيش العدوان قد بلغت 70 قتيلاً وأكثر من 100 جريح و45 دبابة و25 عربةً مجنزرة و27 آلية مختلفة و5 طائرات. أما الثورة الفلسطينية فقد خسرت 17 شهيداً في حين خسر الجيش الأردني 20 شهيداً و65 جريحاً و10 دبابات و10 آليات مختلفة ومدفعين فقط. وقد أكدت "الموسوعة الفلسطينية" و"مؤسسة الدراسات الفلسطينية" في "الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام 1968" صحة تلك الأرقام.
تمثلت أبرز الأهداف التي حددتها الثورة الفلسطينية كعناوين لصمودها وانتصارها في "معركة الكرامة" الأسطورية، برفع المعنويات العربية بما فيها الفلسطينية التي كانت قد انحدرت إلى أدنى مستوى لها بعد نكسة الخامس من حزيران 1967، وتحطيم معنويات العدو الغاشم وإنزال الخسائر الفادحة في صفوفه، وتحقيق الالتحام الثوري مع الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج بحيث تحول الشعب العربي إلى قوة واحدةً منيعةً ومتماسكة، وزيادة التقارب والثقة بين قوات الثورة الفلسطينية بجميع فصائلها من جهة والجيش الأردني البطل من جهة ثانية، وتنمية القوى الثورية داخل صفوف الشعب العربي واختبار ثقة المقاومين بأنفسهم في معارك المواجهة المباشرة والالتحام مع العدو. وقد كان للثورة الفلسطينية من خلال "معركة الكرامة" ما أرادت، فحققت جميع هذه الأهداف بفعل الصمود والتصدي الواعيين لها، وبنتيجة حالة التقهقر التي أصابت جيش الاحتلال والهزيمة الحقيقية التي أُحدقت به والتي كانت الأولى من نوعها في تاريخه حتى تلك اللحظة.
اعترف المراقبون العسكريون في كل مكان بأن "معركة الكرامة" سجلت نقاطاً ناصعة البياض لصالح العرب عامة والفلسطينيين خاصة دخلت بشرفٍ واعتزازٍ السجل التاريخي للصراع العربي ـ الصهيوني. كما اعترفواً بأنها شكلت تحولاً إيجابياً كبيراً في مسيرة الثورة الفلسطينية بكل فصائلها وبالأخص حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" ، باعتبار أنها كانت وستبقى قائدة النضال الفلسطيني. وقد دلل على ذلك إقبال المتطوعين العرب ولا سيما المثقفين وأصحاب الكفاءات العالية على الثورة ، والهبة الجماهيرية العربية التي عبرت عن نفسها خلال دفن الشهداء في العواصم والمدن العربية المختلفة ، والالتفاف الشعبي العربي وحتى الأجنبي حول الثورة وتأييدها ومناصرتها والانخراط في صفوفها كإفرازٍ آلي لنصر الكرامة العربية. كما وإن "معركة الكرامة" من خلال "الصمود" والنصر أعادت للأمة العربية جزءاً كبيراً من كرامتها التي هُدرت في الخامس من حزيران 1967 وأعادت الثقة للقوات المسلحة العربية وثقة الشعب العربي بهذه القوات، وذلك لأن "الكرامة " كمعركة عسكرية شكلت امتحاناً حقيقياً لتلك القوات بعد نكسة حزيران من خلال مشاركة الجيش الأردني البطل فيها بشكلٍ فاعل.
يُذكر أن جميع التقارير التي تم تداولها في حينه اتفقت على أنه إلى جانب الخسائر التي مُني بها جيش الاحتلال الصهيوني الغازي في عتاده وأفراده على غير ما اعتاد عليه في معاركه السابقة مع العرب في القياس الزمني ل"معركة الكرامة"، فقد فشل هذا الجيش في تحقيق الأهداف العسكرية والإستراتيجية التي رسمها لرفع معنويات الصهاينة. وليس من باب المبالغة القول أن "معركة الكرامة" قد ساهمت في رفع وتيرة الخوف والرعب في قلوبهم أكثر بكثير مما كانت عليه من قبل. أضف إلى ذلك أن الثورة الفلسطينية مدعومة بالجيش الأردني ومؤيدة بالجماهير العربية قد فرضت على جيش الاحتلال الغازي نسقاً جديداً من الاشتباك الالتحامي لم يعتد عليه من قبل، وأسقطت نظرية الحرب الخاطفة والمفاجئة التي درج على شنها ضد العرب منذ نكبة فلسطين عام 1948 والتي عادةً ما كانت تحقق له انتصارات عسكرية ترافقت دائماً مع هزائم سياسية.
ومع تهاوي خرافة "الجيش الذي لا يُقهر" أمام الثورة الفلسطينية التي لم تكن تملك غير النذر اليسير من الأسلحة الخفيفة والدعم العسكري الأردني في ظل نصر الكرامة المؤزر، بدأت الإرادة العربية تتشكل على أرضية من الكرامة المتعافية لتبعث الأمل مجدداً باحتمال النصر العربي المقبل، الأمر الذي حَفَز َالقيادة المصرية بعد عام واحدٍ فقط من ذلك النصر على استعادة زمام المبادرة وإظهار الرغبة الصادقة والأمينة في تجديد المواجهة مع العدو. فعلى خلفية نصر الكرامة المبارك، أعلن الزعيم العربي الكبير جمال عبد الناصر طيب الله ثراه في الثامن من آذار 1969 بدءَ حرب الاستنزاف ضد الكيان الصهيوني الغاصب، وكلف الراحل عبد المنعم رياض بقيادة العمليات الفدائية على الجبهة المصرية ـ الصهيونية. لكن رياض استشهد مع نفر من ضباطه وجنوده وهم يقومون بواجبهم القومي في التاسع من آذار من ذلك العام، أي بعد يوم واحد فقط من بدءِ الحرب. 
لا شك أن رحيل القائد عبد المنعم رياض بتلك السرعة غير المتوقعة قد شد من عضد وأزر الجيش المصري بقيادة عبد الناصر وزاده إصراراً على مواصلة المواجهة والتحدي في إطار حرب الاستنزاف لتمهيد الطريق أمام النصر المنتظر، ثأراً وانتقاماً لنكسة حزيران وانتصاراً لفلسطين والحقوق العربية العادلة. وبالفعل أضافت "معركة الكرامة" جرعة إضافية من الثقة وشكلت حافزاً رئيسياً لحرب الاستنزاف المصرية ضد قوات الاحتلال الصهيونية، مثلما شكلت حرب الاستنزاف في ما بعد حافزاً بل أرضية عسكرية خصبة لانتصار العرب في حرب تشرين الأول 1973، باعتراف كبار العسكريين العرب والأجانب وباعتراف القادة العسكريين الذين شاركوا في تلك الحرب أو أشرفوا عليها. 
للمرة السادسة والأربعين بعد حدوث معركة الكرامة في 21 آذار 1968 أجدد طرح ذات السؤال: ترى ألا يحتاج العرب وهم في خضم ما يجتاح العديد من بلدانهم تحت مُسمى الربيع العربي ويافطة التغيير بترتيب أميركي – صهيوني - غربي، إلى معركة كرامة جديدة تستنهض فيهم الهمم وتخرجهم من النفق المُظلم الذي زُجوا فيه بعدما تعذر عليهم تحرير شبر واحد من الأراضي العربية المحتلة طوال فترة الصراع العربي – "الإسرائيلي" وتعيد إليهم كرامتهم المهدورة؟ بالتأكيد يحتاجون!! 
محمود كعوش
كاتب وباحث مقيم بالدانمارك
kawashmahmoud@yahoo.co.uk
كوبنهاجن في آذار 2014

الأدب الروائي الفلسطيني داخل اسرائيل/ نبيـل عـودة

   من اشكاليات أدبنا الفلسطيني داخل اسرائيل ، محدودية الجانر الروائي في ابداعنا المحلي. لا اعني بتعبير محدودية عدم وجود اعمال روائية او غياب الجانر ألروائي انما ما اعنية ان الرواية في ادبنا الفلسطيني داخل اسرائيل لم تأخذ مكانها كلون ادبي له وزنه ومكانته ، كما هي الحال في القصة القصيرة عامة والشعر على وجه التحديد..
  يمكن الإشارة الى عدد من المحاولات الروائية الجيدة في ابداعنا المحلي ... مع ذلك يبقى الفن الروائي بعيدا عن أن يشكل تيارا ثقافيا يمكن الاشارة اليه. 
لفت انتباهي مقال كتبه الناقد الدكتور حبيب بولس (1948 - 2012) وانا اراجع هذا الموضوع ضمن ما كتب ونشر ، جاء في مقاله: " في رأيي أن الأسباب الرئيسية التي تقف عائقا أمام تطور هذا الجانر تنقسم إلى فئتين: أسباب عامّة، أعني بها الأسباب الخارجة عن إرادة المبدع وأخرى خاصّة نابعة عن المبدع نفسه. من الأسباب العامّة سببان هامّان هما طبيعة الظروف التي نعيشها أولا وقلّة المرجعية لهذا الجانر محليّا وفلسطينيا ثانيّا. أمّا السبب الرئيس الخاص فيعود إلى عدم قدرة المبدعين لدينا لغاية الآن الموازنة بين الخطابين: التاريخي/ الأيديولوجي/ الواقعي والخطاب الإبداعي/ الروائي/ التخييلي.."
صحيح ان الدكتور حبيب بولس حدد الإشكالية الأساسية في اطار  الخطابين التاريخي- الواقعي والأدبي - الإبداعي. 
الخطابان(التاريخي والأدبي) ليسا وقفا على الجانر الروائي ، انما هم اشكالية لكل ابداع أدبي  قصصي أو شعري او فني متنوع.
صحيح تماما انه لا وجود لهذين الخطابين ، التاريخي (الأيديولوجي) والأدبي (الفني)، خارج عملية الابداع .. فهما مرتبطان ارتباطا وثيقا وجدليا بعملية الابداع نفسها. 
ألسؤال هل التوازن بين الخطابين هو قاعدة مطلقة؟ وكيف نتعامل مع الخطابين؟ وما هي الشروط اللغوية لتطوير جانر روائي يمكن ان يرسي هذا الفن في ادبنا داخل اسرائيل؟ 
من البديهيات ان الخطاب الأدبي (الفني ، طبعا بما في ذلك اللغة الروائية)، او الحدث التاريخي (الأيديولوجي) يشكلان جوهر الابداع وليس شرطا عبر استيعاب المبدع لهذه ألمعادلة وهذا يبرز في ادبنا الروائي عبر عدم فهم العلاقة التفاعلية بين الخطابين لدى اوساط واسعة من المبدعين.. في معظم الحالات نجد ان الاحساس الذاتي للمبدع هو معيار التوازن بين الخطابين. 
لكن التوازن النابع من الذات في الخطابين لا يفي بالمطلوب دائما.
ان التوازن او التعادل  بين الخطابين في صياغة النص ليست مطلقة، كما قد يفهم مما ورد في مقالة الناقد بولس.. او ما سبق وورد في مداخلتي. 
في حديث لي معه قبل وفاته وافقني ان العلاقة بين الخطابين هي علاقة نسبية، تتعلق الى حد بعيد بقدرة المبدع نفسه في فهم نسبية هذه ألعلاقة اين يعلى خطابا على حساب خطاب وما هي محدودية كل خطاب ، أي تبقى عملية الكتابة الروائية او الإبداعية، مسالة ترتبط بالقدرات الذاتية والتجربة الذاتية والحس الذاتي.
اذن يمكن القول أننا امام حالة ابستمولوجية التي تعني باختصار شديد علم المعرفة الذي هو فرع من الفلسفة متخصص بدراسة طبيعة ألمعرفة مداها وحدودها.. ولا ابداع أدبي او فني او فكري خارح المعرفة بمفهومها الفلسفي الواسع ، وليس بشكلها كحالة من التطور الطبيعي للإنسان.
المعرفة.... هي المعيار السحري لكل ابداع أدبي في حالتنا.. وكما قال غوته:"الذي لا يعرف ان يتعلم دروس ال 3000 سنة الأخيرة يبقى في ألعتمة".
صحيح القول ان الخطاب ألتاريخي الأيديولوجي ، أي الحدث او الفكرة ، والخطاب ألأدبي الفني ،أي القدرات اللغوية، هما القاعدة لأي ابداع أدبي روائي ، قصصي ، شعري أو مسرحي أو فني  ولكنه موضوع مركب أكثر اذا تناولناه من زاوية المعرفة ، المعرفة تعني القدرة على التوازن النسبي وليس المطلق  وتطوير  قدرات المبدع في فهم هذه العلاقة ونسبيتها. بكلمات اوضح : اين يجب ان يعطي المبدع مساحة أكبر لأحد ألخطابين وما هي حدود هذه المساحة حتى لا تصبح سلبية وقاتلة للجانر الروائي او غيرة من اشكال الابداعات  الأدبية والفنية... ومدى الادراك الذاتي للواقع التاريخي ، الاجتماعي ، السياسي، الأخلاقي والثقافي بشمولية الثقافة .
قال هيغل: "ان ما هو معقول هو ما يمتلك امكانية دخول الحياة" 
ان اللغة في النص تشكل مرتكزا هاما .. والموضوع ليس معرفة اللغة فقط ، معرفة اللغة امر هام ، بل القدرة على تطوير لغة مناسبة للجانر الأدبي  الروائي او القصصي او الشعري وغير ذلك وهنا نسال هل اللغة الروائية مجرد انشاء سردي؟ حسب مقولة هيغل نستنتج ان الرواية تحتاج الى  لغة روائيه بدونها مهما كانت الفكرة عبقرية تظل بعيدة عن المعقول ألروائي! 
ان معرفة عرض الخطاب التاريخي قد يقود الى كتابة ريبورتاجية صحفية بغياب الخطاب اللغوي الروائي (اللغة الدرامية) ، معرفة الخطاب الأدبي قد يقود الى كتابة نص مليء بالفذلكة اللغوية والنحت الصياغي وصولا الى تركيبة جمالية لا تقول شيئا للقارئ ، إلا ان الكاتب يعرف النقش باللغة ... وربما ما ينقص الخطابين ، هو خطاب ثالث: "الخطاب ألتخيلي" القدرة على مقاربة الواقع بالنص ألروائي وخطاب رابع: "الخطاب ألدرامي" اي القدرة على بناء الأحداث المتخيلة التي تعبر عن الخطاب التاريخي ليس بشكله في الواقع اليومي ، وتغذي اللغة النص بأبعاد درامية جمالية وليس  مجرد النقش اللغوي الأقرب للرسم بالريشة. اللغة الدرامية بحد ذاتها تشد القارئ تماما كما تشده صياغة ألحدث ولكن دورها ان تعمق الناحية الدرامية ، القكرة الدرامية لوحدها هي مجرد خبر . اللغة الدرامية تحول الخبر الى حدث روائي. وهنا يحدث تفاعل هام  ومصيري بين النص الروائي واللغة الروائية . . أي اللغة الدرامية بكلمات أخرى.
 ما هي اللغة الروائية ؟ هل من السهل اكتسابها بالدراسة ؟ .. وهل معرفة بحور الخليل مثلا تكفي لجعل الناظم شاعرا؟ 
 ليس كل من يحسن النظم ومتمكن من لغة الضاد هو شاعر..   
نجد في ثقافتنا المحلية (وفي الثقافة العربية عامة) مئات ناظمي الشعر، السؤال كم عدد الناظمين الذي نجحوا بجعل نظمهم قصائد شعرية حقيقية ؟ هنا نجد ان المئات يُختصرون لأفراد قلائل.
في القصة القصيرة لدينا عشرات الناثرين ... السؤال: كم ناثر نجح بأن يصل لإنتاج قصصي فني؟ 
احيانا في مراجعاتنا النقدية لا نقول كل الحقيقة حول التركيبة الابداعية ، لأسباب مختلفة ، أهمها اعطاء دفعة وتفاؤلا للناثر أو الناظم لعل التجربة القادمة تكون أكثر اكتمالا.. طبعا هذا لا يمكن فصله عن مستويات الابداع العامة لمجتمعنا.. ومقياسنا لا يمكن ان يكون حسب الابداعات العربية او العالمية.. حلمنا ان نصل ، لكن الحلم يحتاج الى الكثير من العناية الغائبة من أجندة مؤسساتنا الرسمية والشعبية. 
هناك لاعبون في ساحة النقد ، يرتكبون جريمة بحق المبدعين حين يوهمونهم انهم بلغوا القمة ... ولكنه موضوع آخر!!
بالطبع هناك اشكاليات أكبر في ابداع جانر روائي. 
النظرية والتحليل النقدي النظري جيد  لتحليل العمل ، تقييمه ونقده ... وليس ليدرسها المبدع ويطبقها. ان عملية الابداع مركبة ومتداخلة بعناصر انسانية وعقلية ومعرفية (ابستمولوجية) وتجريبية واجتماعية واقتصادية أكثر اتساعا من مجرد فكرة تصلح لنص روائي او قصصي او شعري.
اعتقد ان مشكلة الجانر الروائي ترتبط بتطوير ألمعرفة عندها سننتقل من "غبار روائي" الى "نجوم روائية".
اني أدعي ان معظم الروايات التي ظهرت في أدبنا العربي داخل اسرائيل ، تفتقد للمركب الروائي الأساسي. وتكاد تكون خطابا تاريخيا مجردا من القدرة على القص والدهشة وجعل اللغة طيعة متدفقة مثيرة ومتفجرة. طبعا لدينا نصوص روائية جيدة لكنها من القلة بحيث لا تشكل تيارا ادبيا روائيا.
الابداع الحقيقي ، نثرا أو شعرا ، لا يعني نقل حدث تاريخي او انطباعي  بلغة سليمة. أو بديباجة مليئة بالفذلكة والألعاب الصياغية . الموضوع ليس انشاء لغويا بسيطا أو فخما جدا . هناك لغة للقص تختلف بتركيبتها عن لغة المقالة . تختلف بتركيبتها عن لغة الريبورتاج ، تختلف بتركيبتها عن لغة الشعر. لغة تفرض نفسها على كل قوانين اللغة وقيودها، ويبدو لي ان نشوء لغة عربية  حديثة يخضع في معظمه لتطور الأدب القصصي والشعري الحديث ، ويمكن رصد البدايات الثورية لهذه اللغة الحديثة في الأدب العربي الذي طوره ادباء المهجر، وبنشاط الآباء اليسوعيين في لبنان.واليوم تلعب الصحافة ولغتها ومفرداتها دورا هاما في تطوير لغة عربية سهلة ممتعة سريعة الاندماج مع المناخ الثقافي وفرضها على اللسان العربي رغم المجامع اللغوية التي لا تزال تفسر "الساندويش" ب "الشاطر والمشطور"!!
ان رواة الأساطير يستخدمون اسلوبا هو أقرب للغة الرواية اذا استبدلنا المفردات العامية . اسميها لغة تشويق وأسلوبا يعرف كيف يشد المستمع بالمفاجئات والدهشة التي تظل حتى نهاية الأسطورة.
لا اقلل من قيمة الموروث التراثي التي ارتبط بشخص ألراوي في المقاهي او السهرات. لكنه لا يشكل قاعدة للكتابة الروائية او ألقصصية انما ملهما لتنمية القدرة على التخيل وفهم عناصر الاثارة ودورها في الابداع السردي. يجب ان لا ننسى ان الرواية هي وليدة عصر تحرير ارادة الإنسان. الانسان ولد ليكون حرا، ان لم يكن اجتماعيا ففي فكره ونصوصه  وهذا ما اثبتته حركتنا الشعرية الفلسطينية داخل اسرائيل التي ولدت في ظروف تسلط قمعي وإرهابي وحصار ثقافي .. قبل ان تبدآ لأسباب لا مجال لها الآن بالتراجع (يمكن القول في مرحلة الحريات والتواصل مع الثقافة العربية بدون قيود).
رغم الانفتاح الواسع على الثقافة العربية والعالمية وما أنجزته من أعمال روائية راقية جدا إلا ان روايتنا لم تحدث تلك العاصفة التي احدثها شعرنا.  
اذن أين مشكلتنا..؟! 
بالطبع أرى أهمية ما طرحه الناقد الدكتور حبيب بولس...حيث كتب : " في مجتمع كمجتمعنا وفي ظروف كظروفنا نجد أن الرواية دائما تخاتل طموح كتابة التاريخ الفني للمخاض ألسياسي الاجتماعي في فلسطين إبان ألنكبة قبلها، في خضمها، بعدها ومحليا أيضا،وهذا أمر من الممكن أن يشكّل منزلقا للكتابة الروائية في ظروفها الاجتماعية المعيشة. فعلى ألكاتب - أي كاتب - أن يحذر التاريخ، وأن يعرف كيف يقيم توازنا بينه وبين الإبداع، إذا أراد فعلا كتابة رواية فنية. وكم كان محقا ذلك الكاتب المفكر ألمغربي عبد الكبير ألخطيي حين قال: "التاريخ هو الوحش المفترس للكاتب"، وهو يقصد بذلك أن صوت التاريخ – الواقع- الايدولوجيا ، حاضر على الدوام في شغاف قصصنا، يتأدى بطرائق وأساليب مختلفة متنوعة ، جهيرا حينا- خافتا حينا أخر".
أجل هذا صحيح . ولكن هل وضعنا يدنا على الوجع الأساسي ؟
الناقد استمر في تحليل "الواقع الموضوعي" ، اذا صح هذا التعبير ... الحائل بين تحول الابداع الروائي الى جانر مركزي في ثقافتنا. وهو تحليل علمي نقدي سليم تماما . ولكني ككاتب قصصي وروائي أيضا ، (اصدرت ثلاث روايات) ، اواجه مشاكل مستعصية لا تبقي في نفسي الرغبة لتجربة روائية جديدة ، بل فقط للكتابة الثقافية العامة ، وكتابة المقال الفكري والسياسي والمراجعات الثقافية ، أو النقد كما تسمى مجازا... وكتابة القصة القصيرة ، أي لا أجهد نفسي لأكتب رواية رغم توارد عشرات الأفكار الروائية الجيدة. دور النشر غائبة او تستغل الكاتب لتحلبه . لا مؤسسات ترعى المبدعين . هناك تسيب ثقافي ، الكثير من  النصوص انشائي يفتقد للغة الرواية ولأجواء الرواية ، ستجد عددا من " النقاد " ، حتى بدون بعض الفضة ، يجعلوا كل نص ابداعا لا مثيل له في الأدب العالمي  رغم انه لا يستحق القراءة.  
كل واقعنا هو واقع مريض. ليس فقط ان شعب اقرأ لا يقرأ ، مؤسساتنا غائبة عن الفعل الثقافي . ثقافتنا بنيت بظروف عصيبة من التحدي البطولي ، ومن معارك الحفاظ على لغتنا وثقافتنا وانتمائنا القومي ، ضد سياسة القمع والحكم العسكري البغيض . 
مع ذلك كان هناك القادة الطلائعيين الأبطال داخل الجسم السياسي ( الحزب الشيوعي ) الذين تصدوا بقوة ونجاح وربطوا بين السياسي والثقافي بوعي كامل لأهمية هذا الربط في المرحلة التاريخية التي كنا بمواجهتها، خلقوا أجيالا من المثقفين والمناضلين  شكلوا العمود الفقري لانطلاقة ثقافتنا وضرب جذورها عميقا بالأرض .. وصولا الى انبهار العالم العربي كله بما انجزناه سياسيا وثقافيا. 
للأسف اليوم في ظل الحرية نتهاون بما انجزناه ونضيع ما وصلنا اليه. وهذا ينعكس سلبا على ابداعنا (وعلى واقعنا السياسي أيضا)وعلى تطوره بما في ذلك الجانر الروائي الهام جدا في كل ثقافة متحدية. 
الرواية كانت تاريخيا ، معيارا لتطور المجتمعات الرأسمالية ، بل ويعزي المفكر الفلسطيني الكبير ادوارد سعيد في كتابه الهام والمثير " الثقافة والامبريالية " التطور المبكر للروايتين الفرنسية والانكليزية الى كون فرنسا وانكلترا شكلتا الدولتين الاستعمارين الأساسيتين ، وأن تطور الرواية الأمريكية تأخرت حتى بداية القرن العشرين مع بدء انطلاق الامبريالية الأمريكية الى السيطرة على العالم.
يُفهم من طرح الدكتور ادوارد سعيد أيضا ، ان الرواية شكلت أداة اعلامية لظاهرة الاستعمار.. لتبريره أخلاقيا (رواية " روبنسون كروزو" مثلا ، حيث يصل الأبيض الى جزيرة مجهولة ويجد شخصا أسود ويبدأ بتثقيفه وإعادة تربيته وجعله انسانا راقيا – أي نقل له الحضارة باستعماره لأرضه وتحويله الى خادم له ، وهي تشبه الواقع الفلسطيني مع مغتصبي وطننا) ولكن الرواية ، هذا الفن الراقي والرائع ، الذي انتجه الاستعمار المتوحش والجشع ، خلق الرواية المضادة ، أو ألأدب المقاوم بمفهوم آخر..
لوكاتش ، المفكر الماركسي التنويري الكبير يصر بأن الرواية ( الأدب القصصي ) ليست إلا ملحمة البرجوازية التي ظهرت على مسرح التاريخ في أعقاب النهضة ألأوروبية وبالتحديد بعد الثورة الصناعية التي جعلت منها الطبقة السائدة في المجتمعات ألأوروبية يمكن ان نستخلص هنا ان التطور الاجتماعي  وتطور الطبقة البرجوازية ، بكل ما يشكله ويشمله هذا التطور من مضامين هو من ضروريات انطلاقة ألرواية وهي حالة لم تقف امام تطور الشعر مثلا .. وتاريخيا لم يكن الشعر بحاجة لها.
اذن ظهور الرواية الفلسطينية داخل اسرائيل بدأ عمليا مع تطور المجتمع العربي وبدء اندماجه بالمجتمع الصناعي عملا وفكرا ... لذلك نجد ان الرواية المضادة للرواية الصهيونية كان لها السبق ("متشائل" اميل حبيبي مثلا) ، لكن الرواية بمفهومها الاجتماعي الشامل ، ما زالت تتعثر!! 
nabiloudeh@gmail.com

غرداية "الجزائرية".سيرة"بغي، وأساطيرخيانة/ حاج محلي

بغرداية الجزائرية،  تنظير مفعم ، بالخيانة،  والاستبداد،  للفوضى الخرقاء،هي أنفاس أخيرة،  لعُهد عواجز السّحت ، والمقت،  والتي لم تكن يوما بريئة، وأساطيرها تُغني عن أي سؤال!
وساطات قطعان،  خُدّم،  النظام البائس،  صفاقة،  ساسة الديكتاتورية،  وبطون البغي،  من الثغور المدنية،  والبذور العسكرية
بغرداية التسامح ، والسلم،  الموثّق،  الموثوق،  تهويل بتهويش،  يُراد به إخماد أصل المعركة،  الحَريّة بالصّمود ، والتضحية،  والتبجيل،  باقتفاء هوامش،  حسر وحصار،  المدّ الشعبي الهادر،  ضد أجندات استنفار التربّص،  بالرّاهن،  والمستقبل،  والسيادة،  ولو أبيد الخلق عن بكرة جدّهم!
صراع طائفي،  وهمي مزعوم،  يسعى به أقطاب،  كتائب نسف الجزائر،  ونَصف تربتها،  وثرواتها،  بختل،  وشطط ، ومواربة مفضوحة،  تدنس دما،  وتهين تاريخا،  ومصيرا أخويا مشتركا،  لم يخضع يوما،  لمواثيق الإيديولوجيا ، أو رؤى الفكر المذهبي،  العقدي ، بشهادة كلّ الأهالي،  وحتّى الذي لم يبال،  يوما بهموم ، أسياد الفجيعة،  والوقيعة!
متاع النظام الجزائري،  وبضاعته المسمومة،  لغرداية الكرم،  والوطنية،  امتداد لتطّرّف مسخ،  وفجور،  يَندَسّ بخسّة،  ليكبح تطلّع،  مسيرة شعب خالدة،  تتوق التغيير،  اليوم،  وأكثر من أي وقت مضى!
سيرة مغامرة تآمر،  اعتيادية حادة،  وساقطة،  نتنة،  تتدفق بزيف وكذب بواح،  لتمزج شمولية الدمار،  بوسم التكالب ، والعار
عصابات النظام الهاوية، ، وهويتها المتغطرسة، الجافية،  والتي برزت للعيان،  كل أطراف معادلاتها النارية ، الإجرامية ، الوحشية،  تتصدّع ،  ولن تعفيها،  محاولات زجّ الجزائريين،  في مراتع الخلافات"القذرة"،  من عدالة الأرض و السماء
محاور الشرّ،  وقوى أغلال الظلامية ، بنوادر مواقف رخيصة ، ومجمل خدمات،  تُضيّق سبل الحركة الآمنة،  لفُسّاد ، عزلوا  البلاد،  واستنزلوا بكراهيتهم ،  أشرّ العباد،  فاستنفذوا  كل مقومات الاستمرارية!
واجهة غرداية،  ستفضي لساعة حقيقة،  لا مفرّ منها،  أدلة ثبات التوريط،  بإثباتات عفس،  أي أفق لانفتاح،  سياسي،  ديمقراطي،  حداثي،  بتبعات نقل الفرقة،  ضيما ورعنا ، لعقر الدار،  بعزم،  وافتخار،  يرجم كلّ من يعادي،  معسكر التّرس بوتفليقة،  أو معاقل عسكر الطعن،  وإقبار ثوابت الأمة،  ومكتسباتها،  ونسيجها،  الموغل في التاريخ المحاصر! 
إكتملت الصورة ، وانفرط عقد،  السيّد المتوّج إفكا، بالإنجازات،  والذي طالما استرسل،  في الشرح،  والتشريح،  بحسم البيان،  المذيّل بسماحة الوجدان،  وطول اللسان، على مدار 14 عاما،  أفلا يطلّ علينا،  في عيد النصر،  الموافق لـ 19 مارس،  خطيبا،  مستبسلا،  مجندلا،  منتصرا،  للقضية العاوية،  ومقاومته الأكروباتية ، الغاوية ، المتشبّعة،  بروح النّخوة المتداعية،  في غمرة ، مخطّط "وعيد" بعبع الربيع العربي،  الموجب لعهدة رابعة ، قاضية..؟!
إرهاب استباقي، ميداني، وإعلامي،  يعتصم بالمكائد،  ويترك الحبال على الغارب،  مقامرة،  واهتداء بنواميس العدى، أوطان النظام الحاضنة!
حاج محلي

فساد المثقف وإفلاسه/ عباس علي مراد

"العظيم الفكر من اعترف بأنه مبلّغ وانه مودَع الحقيقة"
المطران جورج خضر من مقالة له بعنوان الإستكبار
تعتبر الثقافة رافعة من أهم الروافع التي تساعد الشعوب والأفراد الإرتقاء في السلم الحضاري والتطور الإنساني بجميع جوانبه، عمرانية، اقتصادية، اجتماعية، فنية، أدبية وحتى سياسية...
لعب الفلاسفة، الشعراء، الحكماء والأدباء دوراً تاريخياَ في مساعدة اممهم وأوطانهم وشعوبهم ليكون لها موقعاً حضارياً متميزاً في فترة زمنية معينة وكان العرب من بين تلك الأمم، لكن مؤخراً بدأت تبرز في العالم العربي ظاهرة خطيرة لا بل انها مميتة تظهر مدى فساد وإفلاس عينة من المثقفين أو أشباه المثقفين الذين تخلّوا عن احترام الحقائق واتباع آلية السوق في العرض والطلب، حيث يمارس المثقف الإقصاء الذاتي عن مبادئ وقيم وعقائد انسانية ووطنية وقومية يعتقد أن الزمن قد تجاوزها. وهناك مثقفون آخرون من الذين يتمسكون بشعار معين ولا يزالون يرفعونه ليغطوا على النتِن من الأفكار التي يروّجون لها والتي تفوح منها كل روائح الموبقات الثقافية والإجتماعية والسياسية حيث يَعتبرون الإستعمار المباشر لشعوب العرب وجهة نظر تستحق أن تؤخذ بعين الإعتبارعلى اساس انها احدى الحلول لمشاكلنا، فترى بعضهم ينقلب الى إمامٍ في الكذب والتسويف والتحريف والتبرير والتعليل مستثمراً لغة مطواعة تجود على المثقف المفلس والفاسد والمنحرف حتى يجود في صناعة الكذب والتدليس والإبتذال والإستزلام حتى أصبحوا أساتذة في الإنتهازية وتصبح عندهم الحرية تقاس بمقاس مؤشرات الأسهم في البورصة والدفعات في الحساب المصرفي.
من المهم أن ينظر المثقف الى الأمور من وجهة نظر مختلفة وان يغيّر آراءه بما يخدم  ويماشي مصالح الامة والشعوب والناس، لكن من حق الناس على المثقفين ان يستقيلوا من نفاقهم ويعلنوا للقاسي والداني انهم  يبحثون ويركضون خلف مصالحهم الشخصية المباشرة والغير مباشرة، الظاهر منها والباطن حيث يتوارون خلف اقنعة متعددة يجيدون صناعتها حسب الظروف، ببراعة واسلوب يعتقدون  انه راقٍ على رخصه واسفافه وتهافته وتفاهته والذي يشكل الوجه الآخر للتسط الفكري والثقافي الذي لا يقل خطورة عن اي نوع آخر من التسلط حيث يعتبر هذا المثقف نفسه انه معنيّ بمحاربته والوقوف في طريقه ومواجهته زيفاً وبهتاناً، بتلفيق لغوي رخيص وسافر على حساب العقل والثقافة والشفافية ونشر الغث والسطحي من الأفكاربعيداً كل البعد عن العمق والإلتزام بالمصلحة الإنسانية، عازلاً نفسه عن واقعه وينظر الى الأمور بعدسات ميكروسكوبية مكبّرة ومصغّرة كما تقتضي الحاجة او حسب ما تمليه المصلحة الشخصية والأنانية الملونة بشتى الألوان والمدفوعة بإغراءات مادية تقودهم وتصل بهم الى حد خيانة القيم الإنسانية والوطنية والقومية والتي يعمل بكل جدّ وجهد وبكل ما اوتِيَ من فكر وحبر من أجل طمس والغاء الهوية متسلحاً بمنطق تضليلي جهنمي يقوّض من الداخل تلك القيم حيث فقدَ او انه لم يكن يملك فكر النهوض والتقدم واستشراق المستقبل مواصلاً بث الجهل والتمسك بالتخلف الذي يعيق المسيرة الحضارية من أجل عدم خسارة ما يعتقد انه دوره القيادي والطليعي، حيث يعتقد نفسه معصوماً عن الخطأ وفوق النقد، ولا يختلف المثقف المفلس والفاسد سواء كان علمانياً او قومياً او ماركسياً او اسلامياً او يدعي أية صفة من تلك الصفات وغيرها، فيتبع زوراً وبهتاناً القاعدة الفقهية الشهيرة التي تقول "أينما كانت المصلحة فثم شرع الله" في تحريف متعمّد على اعتبار المصلحة الشخصية مقدمة على المصلحة العامة عنده، فمصلحة الخلق قد يراها المثقف المفلس والمفسد حسب هواه.
ما نزال الى يومنا هذا نتساءل، لماذا تقدمت حضارة الغرب وتراجعت الحضارة العربية والإسلامية؟!
في الغرب ينظر الى دور المثقف نظرة مختلفة، حيث توضع عنده المصلحة العامة قبل المصلحة الخاصة، فلا محاباة من هنا او تفضيل من هناك لرئيس او وزير على حساب المصلحة الوطنية، وهذا يعني ان الحضارة الغربية لا مشاكل لها وعندها، لكنها على الأقل تعالجها بأسلوب حضاريّ وفكريّ وعلميّ وواقعيّ من جوانبها الإنسانية والقانونية ويشكل المثقف الرافعة الأساسية وخط الدفاع الأول عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، بينما عندنا المثقف المرتزق، المفلس والفاسد يمارس الذبح الثقافي بحق كل من يقف في وجه تنظيراته التي يباهي بها باقي الأمم مع انها لا تسمن ولا تغني من جوع لا بل تأتي على الأخضر واليابس وتأتي على ذاكرة الشعوب والسيطرة على وجدانها وتدجينها عبر نشر التبريرات والتفسيرات والنظريات وطبعاً الإناء ينضح بما فيه، فعليه لا يستغربنا أحد اسلوب هؤلاء الذين يتغنون في الصراخ والعويل والسب والشتم والهجاء والتقريع واللعن بما يستعملونه من عبارات هابطة بذيئة، عليه نرى ان هذا الواقع المزري بحاجة الى معالجة جذرية وجدية ووضع حد لهذه المهزلة التي جعلتنا اضحوكة امام الامم والشعوب الاخرى.
ثمة اسئلة لا يمكن الهروب منها والإجابة عليها ومنها على سبيل المثال كيف يمكن وضع حد لهذه الظاهرة حتى نستطيع العودة الى المساهمة في الحضارة الإنسانية؟

سدني – استراليا
Email:abbasmorad@hotmail.com

غزة.. لا تحزني/ نبيــل عليان إسليــم

يعيش قطاع غزة هذه الأيام أزمة تكاد تكون من أصعب الأزمات التي شهدتها غزة، من حصار خانق ألقى بظلاله على جميع مناحي الحياة في قطاع غزة، وإغلاق لمعبر رفح بشكل شبه كامل، وحالة اقتصادية يرثى لها، وجيش من البطالة في صفوف العمال والخريجين، وأزمة كهرباء خانقة، ووقود باهظ الثمن وإغلاق للأنفاق التي تعتبر شريان حياة لغزة، واغتيالات وقصف صهيوني متكرر، واتهامات مصرية للمقاومة في قطاع غزة بتهديد الأمن القومي المصري والتدخل بشأنها الداخلي، إضافة إلى تهديدات عربية ودولية ظاهرها يعنى به أحزاب وجماعات وباطنه يقصد به غزة ومقاومتها وأهلها.
لقد تعودنا ومنذ عشرات السنين أن نسمع استنكاراً وشجباً عربياً وإسلامياً عندما يرتكب العدو الصهيوني جرائمه بحق الفلسطينيين، وإن بالغوا بالنصرة والتضامن يقدموا فتات مالهم أو بعضاً من الأدوية، وكان الشعب المكلوم بل والشعوب العربية الحرة تتهم الحكام بالخنوع والضعف وأن الرد ليس بالمستوى المطلوب، أما اليوم فلم نعد نسمع شجباً أو استنكاراً، بل يُجَرم كل من يساعد المقاومة في غزة أو يقدم العون للشعب المحاصر، ويُتهم بالإرهاب من يجمع لأهل غزة مال، أو يفكر في تشكيل وفد للتضامن مع المحاصرين في غزة ونصرتهم.
القضية الفلسطينية كانت وعلى مر الزمان رافعة للحكام العرب الذين يتقربوا من شعوبهم، فبقدر نصرتهم لفلسطين والمساهمة في تقديم يد العون السياسي والإنساني بقدر ما يحقق رضى شعوبِهم عنهم، أما الآن وبعد تعدد استخدامات كلمة إرهاب فقد وجد الحكام ما يتذرعون به لإدارة الظهر للفلسطينيين بل أكثر من ذلك، فقد أصبحت بعض الأجهزة الأمنية العربية تدبر مع الكيان كيف تكسر شوكة المقاومة وتحضر غزة الأبية إلى بيت الطاعة.
كثر من يسألوا لماذا غزة؟ وما الذي يريدونه منها؟ بكل تأكيد نجيب بأنهم لن يكفيهم إلا أن تكون غزة خالية من المقاومة، مكسورة الإرادة، منحنية الجبين، تقبل بفتات المعونات، يسرح ويمرح على أرضها أجهزة مخابرات كل من له مطمع، أو خائف على كرسيه.
فلا تحزني يا غزة.. فعلى أرضك رجال مرغوا أنف الصهاينة في التراب حتى ترك القطاع بلا رجعة.
فلا تحزني يا غزة.. فأنت حاضنة جيش التحرير والأمة تستلهم منك الثورة والتغيير.
فلا تحزني يا غزة.. فشعبك هم مضرب الأمثال في الإرادة والصمود والتحدي.
فلا تحزني يا غزة.. لأن إرادة التغيير لدى أهلك أقوى من كل مؤامراتهم وتهديداتهم.
فلا تحزني يا غزة.. فأنتِ على موعدٍ مع التحرير واستعادة الأرض ودحر المحتل "ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريباً".

التدخل العربي في الشأن الفلسطيني/ نقولا ناصر

(الدول العربية لا تتوقف لحظة عن "نصح" القيادات الفلسطينية بأن تنأى بنفسها عن الخلافات السياسية للعرب داخل كل دولة من دولهم أو بين هذه الدول لكنها ترفض عمليا أي استقلال فلسطيني فعلي عن هذه الخلافات ومحاورها)

إن الإجماع الفلسطيني على عدم التدخل في الشأن الداخلي أو البيني للدول العربية لا يعامل عربيا بالمثل، فالتدخل العربي في الشأن الفلسطيني سياسيا وأمنيا ومخابراتيا وماليا كان من العوامل الرئيسية الحاسمة في الإنقسامات الفلسطينية وما زال العامل الرئيسي في الانقسام الراهن الذي تحول إلى انفصال جغرافي بين الضفة الغربية وبين قطاع غزة المحتلين.

ويختلف عرب فلسطين في ما بينهم على كل شيء تقريبا لكنهم، عبر كل انقساماتهم، يتفقون مجمعين على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وعلى مبدأ عدم زج حركة التحرر الوطني الفلسطينية في الخلافات والصراعات بين هذه الدول ومحاورها.

وبالرغم من الجدل الوطني الفلسطيني الساخن حول هذه المساواة الفلسطينية غير العادلة بين الدول العربية التي تدعم الحركة الوطنية الفلسطينية ومقاومتها وبين تلك الدول التي تحولت إلى عامل ضغط إضافي على المقاوم والمفاوض الفلسطيني معا بعدما أبرمت معاهدات "سلام" مع دولة الاحتلال الإسرائيلي أو "جنحت" إلى "السلام" معها، فإن الإجماع على المبدأين بين الفصائل الفلسطينية الأعضاء وغير الأعضاء في منظمة التحرير الفلسطينية يمثل سياسة رسمية فلسطينية.

ومثل العقوبة الجماعية "العربية" التي فرضت على الشعب الفلسطيني، سواء تحت الاحتلال داخل وطنه أم تحت الحصار في مخيمات اللجوء والمنافي خارجه، في أعقاب حرب الكويت عام 90-1991 يجري اليوم فرض عقوبة جماعية "عربية" أيضا على قطاع غزة، وفي كلتا الحالتين كان الشعب الفلسطيني ضحية الخلافات العربية – العربية في الحالة الأولى وضحية الخلافات السياسية الداخلية في مصر في الحالة الثانية.

وفي كلتا الحالتين يتضح أن الدول العربية التي لم تتوقف لحظة عن "نصح" القيادات الفلسطينية بأن تنأى بنفسها عن الخلافات السياسية للعرب داخل كل دولة من دولهم أو بين هذه الدول إنما ترفض عمليا أي استقلال فلسطيني فعلي عن هذه الخلافات وتصر على زج الفلسطينيين في الخلافات العربية ومحاورها، ليس بسبب أي ثقل عملي لهم يرجح كفة هذه المحور العربي على ذاك، بل لأن الانحياز الفلسطيني إلى أي محور يضفي عليه شرعية قومية يستقوي بها على خصومه من ناحية وعلى معارضيه السياسيين في الداخل من ناحية أخرى بسبب مركزية القضية الفلسطينية في الوجدان الشعبي العربي.

ولا يتردد أي محور عربي في فرض عقوبة جماعية على الشعب الفلسطيني حتى ترضخ قياداته، وما زال تشتيت التجمع الفلسطيني في كل من الكويت والعراق حيّا في الذاكرة حتى الآن.

وإذا كانت المأساة الإنسانية التي تكاد تتحول إلى كارثة سياسية في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في سورية هي مثال راهن ما يزال نازفا لمحاولات جرّ الشعب الفلسطيني إلى الخلافات العربية بعيدا عن قبلة نضاله الوطني في فلسطين المحتلة، فإن ما يكاد يتحول الآن إلى تضحية بقطاع غزة وأهله على مذبح صراع سياسي داخلي في مصر هو مثال آخر ما زالت نتائجه الإنسانية والسياسية تتدحرج ككرة الثلج.

إنسانيا، وعلى ذمة وكالة الصحافة الفرنسية يوم الخميس الماضي، حذر الاتحاد الأوروبي في تقرير لقنصليه برام الله والقدس من "النتائج الخطيرة" على الأمن الإقليمي إذا ما استمر "الوضع الإنساني والاقتصادي الخطير" في قطاع غزة. إن الإعلان المصري الأخير عن تدمير أكثر من (1370) نفقا بين القطاع وبين مصر، التي قال القنصلان إنها كانت تمده بأكثر من (80%) من احتياجاته من مواد البناء والدواء والغذاء وغير ذلك من السلع الأساسية، إنما يرقى إلى مشاركة في العقوبة الجماعية التي تفرضها دولة الاحتلال على القطاع.

أما سياسيا فإن تدمير الأنفاق من دون فتح بديل مصري لها يعني قرارا بإغلاق البوابة الوحيدة المتاحة لفك الحصار الذي تفرضه دولة الاحتلال على القطاع، وبتركه تحت رحمة الاحتلال ودولته التي أعلنت القطاع "كيانا معاديا". أما قرار المحكمة المصرية بحظر "حماس" واعتبارها "منظمة إرهابية" فلا أحد يجادل بأنه كان حكما سياسيا لا عدليا، يطلق ضوءا أخضر لإطلاق آلة الحرب الإسرائيلية ضد المقاومة المحاصرة في القطاع، ناهيك عن توفيره غطاء كذلك لاستمرار المفاوضات الفلسطينية بقيادة فتح مع دولة الاحتلال وهي مفاوضات يرفض شبه إجماع فلسطيني استمرارها، ليتحول الموقف المصري عمليا إلى انحياز في شأن داخلي فلسطيني إلى أقلية منفردة بقرار التفاوض ضد الأغلبية الرافضة له.   

وبالرغم من إعلان "حماس" المتكرر عن تمسكها برعاية مصر للمصالحة الفلسطينية، فإن القرار العدلي إذا ما تحول إلى قرار سياسي فإنه سوف يسقط حتما دور الوساطة المصري، إذ لا يعود من المنطقي بعد ذلك أن تتوسط مصر بين منظمة تعدها "إرهابية" وبين حركة فتح.

فإذا كانت "فتح" حسنة النية في المصالحة فإن الموقف المصري الجديد سوف يتحول إلى عقبة تطيل أمد الانقسام الفلسطيني، أما إذا لم تكن فإنها سوف تستقوي بالموقف المصري لتواصل مساعيها التي لم تتوقف لإنهاء الوضع الذي سبق لها ان أعلنته وضعا "غير شرعي" و"انقلابا" في القطاع لأنه كان وما زال يمثل عقبة كأداء أمام مفاوضيها، وفي الحالتين سوف تكون النتيجة الحتمية هي تمديد عقوبة الحصار الجماعية المفروضة على القطاع.

إن حقيقة إعلان مصر لجماعة الإخوان المسلمين تنظيما "إرهابيا" وحقيقة أن "حماس" لا تخفي مرجعيتها الإخوانية، وحقيقة مطالبة مصر للدول العربية، ومنها طبعا "دولة فلسطين"، باعتبار الجماعة كذلك، هي حقائق لا تترك مجالا للشك في أن السبب الحقيقي للحملة المصرية على الحركة هو مرجعيتها الأيديولوجية وليس أي اتهامات أمنية لها تكرر الحركة نفيها وحرصها على علاقة استراتيجية مع مصر تفرضها حقائق الجغرافيا السياسية بغض النظر عن أية أيديولوجيا تكون مرجعية لها.

لقد عرفت المقاومة الفلسطينية مرجعيات إسلامية وقومية وأممية ووطنية، وكانت قياداتها مسلمة ومسيحية وفلسطينية وعربية ومنها ما هو خليجي أو مصري أو سوري أو عراقي الهوى، لكنها كافة كانت رافعة ورافدا لحركة التحرر الوطني الفلسطينية أكثر مما كانت عبئا عليها، غير أن التدخل العربي في الشأن الفلسطيني لم يرحم أيا منها، فحاربها جميعها فقط لأنها مقاومة، متذرعا بمرجعياتها الحزبية المختلفة، مرة بقوميتها وأخرى بيساريتها كما يتذرع الآن بمرجعيتها الإخوانية، ناهيك عن التذرع بعلاقات هذا الفصيل أو ذاك بهذه الدولة العربية أو تلك.

ولا يقتصر التذرع العربي بالمرجعيات الأيديولوجية لحصار المقاومة على فلسطين، فمثلما يأخذون اليوم على "حماس" مرجعيتها الإخوانية يأخذون على المقاومة اللبنانية لدولة الاحتلال مرجعيتها الشيعية لمحاصرتها. وعلى الأرجح أنهم سوف يتذرعون بمرجعية الفاتيكان للتدخل لو كان عرب لبنان الموارنة هم الذين يقودون المقاومة.

ولا بد أن عرب فلسطين اليوم يتساءلون عما إذا كان هؤلاء أنفسهم كانوا سوف يعيبون على صلاح الدين الأيوبي انتماؤه إلى القومية الكردية حتى لا يدعمونه في تحرير القدس وإنهاء احتلال الفرنجة الصليبيين للمنطقة في معركة حطين، أو كانوا سوف يعيبون على الظاهر بيبرس أنه كان مملوكا معتقا حتى لا يدعمونه في وقف اجتياح المغول للمنطقة في معركة عين جالوت.

إن من لا يريد المقاومة ودعمها لن يعدم الذرائع لحصارها بالتأكيد.

لقد توحد العرب خلف قيادة صلاح الدين الكردي المسلم وبيبرس المملوكي المسلم بعد أن أصبحوا بلا قيادة عربية لأن اقتتال ملوك الطوائف واصطراعهم على السلطة والحكم قاد إلى انهيار الدولة العربية الإسلامية الموحدة وانحسارها ما فتح بلادها للغزو الصليبي والمغولي.

والمفارقة ان التاريخ يكاد يكرر ذاته، فملوك الطوائف العرب المعاصرون يعادون إيران المسلمة اليوم لأنها تفعل ما ينبغي عليهم هم فعله فتقود مقاومة المنطقة لرأس الحربة الصهيوني للغزوة الغربية الحديثة التي ورثت أميركا قيادتها من الأوروبيين، متجاهلين ان إيران قد أدركت الدرس التاريخي الذي لا يريدون تعلمه من معركتي حطين وعين جالوت وهي أن مقبرة الغزو الغربي – الصهيوني الجديد للمنطقة سوف تكون في فلسطين حيث كانت مقبرة الغزوين الصليبي والمغولي.

* كاتب عربي من فلسطين
* nassernicola@ymail.com

بحر الابدية/ هدلا القصار

لوركا هل تمد يدك ؟
وتوهبني ساعة أخرى؟
لأقطع مخاض موت الأشياء المبهمة
و تمنحني عهدا آخر لمعجزة أخرى

هل تمنحني عمراً
لرغبة شيخاً مسكون باللحظات....
وفستان لا يرتطم بالعشق الرضيع
ولحظة أخرى ليذوب الهمس في الأذن
ولحظااااااات لشفتي تصرخ الضوء ...
ويوماً آخر لأنام على حشائش الصدر دهراً

أو سنة أخرى لتنمو اجنحتي من جديد
وأعيش على النجوى صوراً
أو رصاصة لأقتل طاووس المنفى

ونهدا ثالثا أعبئ فيه أسرار الخيبة
لامحي جفاف الفؤاد
ودفن الخسارات
وأنتصار بكهف الحواس السبع

هل تمنحني تاريخ آخر لتنام الأوجاع على اوتار الأصابع
ومعانقة الناي في حدائق الورد

هل تمنحني شغف آخر
وليلة بأربعين جنون

أغلى سيارة في العالم/ فاطمة ناعوت


* ألأبيضُ لونُ السيّارَه/ كيْ تكتبَ فوقَهُ أشعارا/ كاللوحِ الثلجيِّ بدتْ/ إنْ دارتْ تُشعلُ سيجارَه/ نقتها "فافي" لراحتها/ والزهرةُ تعشقُ أزهارا/ عيناها كبدرينِ معاً/ والثغرُ الفضّيُّ منارَه/ ألشكلُ سُلُحْفاةٌ لكنْ/ إنْ شاءَتْ تسبُقُ طيّارَه/ ألإسمُ بأوّلهِ "فاءٌ"/ و"الفاءُ" ذكاءٌ وشطارَه/ من أحلى بأعينكُمْ؟ قولوا:/ تربحُها "فافي" بجداره.”
***
أخيرًا أركب "السيارة الحُلم"، التي لم يبرحني حلم اقتنائها منذ طفولتي. أحب تلك السيارة لأنها مستوحاة من الجعران الفرعوني المقدس، الذي نراه على جدران وادي الملوك كخنفساء سوادء تخرج من الرمال تجرّ كرة متوهجة، ترمز للشمس التي تتحرك من الشرق إلى الغرب. جعلها المصريُّ القديم ختمًا ملكيا على الخطابات، وعلى مزاليج الأبواب لطرد اللصوص، وزيّن فصوص الخواتم كتميمة تحمي من الشرور، منقوش على جناحيه تعويذة: “آمون قوة التوحيد”.  لهذا فهي تنتمي لنا كمصريين، قبل الألمان وإن قال العلماء إن تلك الحشرة ظهرت على كوكب الأرض قبل ٣٠٠ مليون سنة. 
كانت السيارة البيتلز (فولكس فاجن) فكرة في رأس الفاشيست الألماني هتلر، فرسم اسكتشها بقلمه في ثلاثينيات القرن الماضي، وأمر بتصنيعها لشعبه، لتكون سيارة الأسرة الألمانية إذ تتوفر فيها بعض الشروط مثل: السرعة الفائقة (١٠٠ كم/ساعة )، الاقتصاد في الوقود (٧ لتر/١٠٠ كم)، الحجم العائلي، لأن "الأطفال لا ينفصلون عن الأبوين"(من أقوال هتلر)، تبريد هواء، لأن  الماء يتجمد في الريداتور  بفعل الطقس البارد. رخص الثمن (سعرها ١٠٠٠ رايخ). وكان اسمها الأصلي "كافير" Käfer وبالإنجليزية بيتل أي "خنفساء". ورغم مبتكرها الطاغية، إلا أن هذه السيارة الجميلة تعدُّ صديقة شباب العالم، وألهمت مؤسسة ديزني لعمل سلسلة أفلام "العربة الطائشة" تقوم فيها السيارة "هيربي" بدور البطل.
هي سيارة صديقي "أحمد العربي"، المعدّ بالتليفزيون المصري، موديل ١٩٧٩، واختار لها لونًا أبيض لؤلؤيًّا وكحّل عينيها (فوانيسها الأمامية) بإطار أسود لتزداد حسنًا فوق حسن. بها أشياء لا تخطر على بال، مثل زر يتحكم في إضاءة عدادها الوحيد المدوّر. ومع الفرامل، يندفع الكرسي للأمام، ويصطدم أنفك بالزجاج الأمامي الرأسي بسبب غياب التابلوه، فيخبرك "العربي" ضاحكًا إنها خاصية الكرسي المتحرك الذي يمتص الصدمات. لا يقلق العربي من اللصوص ويترك سيارته مفتوحة، ليس لأنها غير مغرية للسرقة، بل بسبب تعويذة الجعران الفرعونية. إن ركنها في مكان، يعود فيجد الناس متحلقين حولها ظانّين أنها مفخخة، ربما لأنها "مفخفخة". وإن أغلقها ونسي المفتاح داخلها، فلا موجب للقلق، لأنه يمد يده من شنطة السيارة ويفتح الباب من الداخل. إن وجد كامين شرطة أو لجنة، يشير له الضابط بيديه ليمر، فإن طلب العربي أن يقف للتفتيش مثل بقية السيارات، نهره الضابطُ قائلا: “عدي بقا بحتّة الجبنة اللي انت راكبها دي!" طبعًا الضابط لا يقصد الإهانة، فقط اختلط عليه الأمر بسبب لونها الأبيض واستدارة جسمها الكروي فحسبها قطعة جبن دومتي كاملة الدسم. 
أشار العربي إلى مرآة الصالون قائلا: “يكفي أنني أنظر هنا فأشاهد ما ورائي دون أن أدير رأسي للخلف. كما أن هذه السيارة لديها مشاعر، حين أكون غاضبًا، تترفق بي ويدور المحرك من أول محاولة، وحين أكون منشرحًا، تبدأ المشاكسة واللعب فلا تدور إلا بعد نصف ساعة. ركّب العربي بها عدد ٢ كلاكس. أحدهما رومانسي حالم، يستعمله إن مرّت أمامه فتاة جميلة، والآخر مزعج خشن، خاص بالذكور. الآن يفكر العربي في جلب سائق خاص، وخلع الكرسي المجاور للسائق، ليجلس على المقعد الخلفي براحته ويمد ساقيه ويكتب على طاولة صغيرة أمامه، ويبحث إمكانية وضع ثلاجة صغيرة للمشروبات السريعة.
حين نشرت صورة السيارة على صفحتي بفيس بوك، انهالت عروض الشراء. أحدهم قال: “ادفع فيها أي مبلغ تطلبينه.” وكتب فيها أحد أكبر شعراء لبنان، شربل بعيني، القصيدة السابقة.
من حقك أن تعتبر هذا المقال إعلانًا لو علمتَ أن العربي يود بيعها. ومن حقي أن أعتبر مقالي هذا قصيدة مطولة في السيارة الحلم.
***
 *  من قصيدة "سيارة فافي" |  للشاعر اللبناني: شربل بعيني.

على صدوركم باقون/ شاكر فريد حسن

بالأمس استفاقت قرية جلجولية الواقعة في المثلث الجنوبي على أعمال تخريبية طالت حياً كاملاً ، حيث تم الاعتداء على أكثر من 20 مركبة مركونة وقاموا بثقب إطاراتها وكتابة شعارات عنصرية عليها وعلى الجدران والبيوت .

ولا ريب أن هذا الاعتداء العنصري الذي نفذته مجموعة من العنصريين المهاوييس الذين يكنون الكراهية والبغضاء والحقد والعداء لكل ما هو عربي ، يكشف حقيقة العقلية والايديولوجيا العنصرية التي يؤمنون بها ، وهو عمل جبان بربري فاشي وإرهابي ، وليس موجهاً فقط ضد أهالي جلجولية ، وإنما ضد جماهيرنا العربية الفلسطينية الباقية والمنزرعة في تراب أرضها ووطنها .

إنه جزء من الهجمة اليمينية الشرسة بحق هذه الجماهير ، واستمرار لمسلسل الزيارات العنصرية للمدن والبلدات العربية ، والاعتداءات على المساجد وأماكن العبادة والمقابر ، والمطالبات بحظر الآذان  ومنعه في المدن الساحلية ، يافا وحيفا وعكا واللد والرملة  .

ليس خافياً على احد أن كل هذه الاعتداءات العنصرية تستهدف الوجود الفلسطيني في هذه البلاد ، وتشويه الهوية ، وتضييق الخناق ، وتشديد الحصار على جماهيرنا ، سعياً لتنفيذ المشروع الترانسفيري وخطة "التبادل السكاني" ، التي يحلم فيها ليبرمان وغيره من الأوساط السياسية داخل المؤسسة الإسرائيلية .

ومع إدانتنا واستنكارنا لهذا العمل الإرهابي في جلجولية نؤكد أن جماهير الصبر والصبار لن تصمت ولن تسكت إزاء كل اعمال التطرف والإرهاب ، وستتصدى لكل من يتطاول عليها ويرفع يده عليها . فهذه الجماهير التي ولدت وترعرعت وعاشت وصمدت وبقيت في أرضها ووطنها ، وتمسكت بهويتها وتاريخها وتراثها ، شبت على الطوق ، وهي تناضل بلا كلل لأجل بقائها وتطورها ومساواتها وحقوقها العادلة ، وفي سبيل تحقيق السلام العادل ، الذي يضمن حقوق شعبنا الفلسطيني ، ولن ترحل ، وستبقى هنا في وطن الآباء والأجداد ، وستظل على صدورهم باقون كالجدار – كما قال شاعر الشعب والمقاومة الراحل توفيق زياد .