إنهم يبيعون مصر – فمن أعطاهم هذا الحق؟ / رأفت محمد السيد

فى بلد يحكمها على الورق رئيس مؤقت وصل إلى سُدة الحكم (بالصدفة البحتة) وبلا إنتخابات ،وبالأمر العسكرى غير المباشر، فى بلد يقبض فيها الرئيس (المؤقت) على السلطة التشريعية منفردا !! لعدم وجود مجلس نواب بعد حل مجلس الشعب المنتخب ، فالمنطقى أنه ليس من حقه بأى حال من الاحوال سن اية قوانين إلا للضرورة القصوى والملحة ، فنجده يصر على أن يستغل هذه السلطة ، بل ويسئ إستخدامها لمصلحة طبقة من الفاسدين فى العصر البائد! لذا أستشعر أن مصر ترجع إلى الخلف ، وأن نظام مبارك يطل بانيابه ليعود وبقوة من جديد .
حديثى اليوم عن" قانون تنظيم إجراءات الطعن على عقود الدولة" بحجة رعاية الإستثمار والمستثمرين والذى أضاع جميع حقوق العاملين بغرض إيقاف دعاوى بطلان عقود بيعها، والتى مثبت بالأدلة الدامغة والمستندات بأنها صفقات مشبوهة أضاعت مليارات على الدولة هى أموال هذا الشعب فقد أقر القانون الجديد فى تعديلاته أن اموال الدولة صارت مرتعا أو تكية بلا صاحب ( مال سايب) وكما قيل فى المثل المصرى الشهيروالذى أطلقة أبناء هذا الشعب المنتبهين لما يدور حولهم منذ ازمان طويلة " المال السايب يعلم السرقة "- فكأن هذا القانون جاء ليتستر على قضايا الفساد المنظورة أمام المحاكم الإدارية حاليا والتى صدر فى بعضها احكام لصالح الدولة كعمر أفندى ، والأخرى تنتظر النطق بالحكم أيضا لصالح الدولة !!؟؟ ليتستر على مجموعة من الفاسدين الذين استولوا على المال العام، فالنزاعات التى تنظرها المحاكم حاليا بعد تقديم طعون على صحة عقودها ستؤدى الى استفادة بعض الشركات والهيئات الاستثمارية من القانون الجديد على راسها  مجموعة طلعت مصطفى بشأن ارض مشروع مدينتى وشركة اسمنت بنى سويف ومنجم السكرى وبنك الأسكندرية.
وأتعجب كل العجب من رجل كان على رأس المحكمة الدستورية فى مصر ويصدر مثل هذا القرار بقانون ، وهو يعلم ويعى جيدا عدم دستورية هذا القرار بقانون الذى أصدره ، لأنه من غير المنطق القانونى وطبقا لاستقرار القواعد القانونية أن يسرى هذا القرار بقانون على الطعون المقامة قبل تاريخ العمل به ؟!فحتى لو سلمنا بحسن النوايا التى لايعرفها القانون فأرى أن هذه إضافة شاذة وتؤدى إعمال القرار بأثر رجعى وما يؤدى إليه ذلك من اختلال كافة المراكز القانونية التى يتعين احترامها – فكيف ينص دستور عام 1971 فى المادة 33 منه على ان" للملكية العامة حرمة وحمايتها ودعمها واجب على كل مواطن وفقا للقانون" ثم يأتى من بعده دستور 2014 الذى صوروه أنه أعظم الدساتير والذى نص على أن  وان دستور عام 2014 المعدل ينص فى المادة (34) على ان : «للملكية العامة حرمة لايجوز المساس بها وحمايتها واجب وفقا للقانون» وينص فى المادة (97)على أن «التقاضى حق مصون ومكفول للكافة، وتلتزم الدولة بتقريب جهات التقاضي، وتعمل على سرعة الفصل فى القضايا، ويحظر تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء، ولايحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعي، والمحاكم الاستثنائية محظورة.
إن هذا القرار بقانون من وجهة نظرى المتواضعة ماهو إلا مكافأة من الدولة لهؤلاء الفاسدين والمفسدين بإصدار قانون يقنن أوضاعهم ويحمى ويحصن المستولى عليه من المال العام ، كما أنه وهو الأهم جاء مجحفا ظالما غير مراعيا لحقوق العاملين الذين ضيعتهم الدولة أكثر من مرة ، الأولى : عندما باعوا هذه الشركات والمؤسسات والبنوك لاسيما الرابحة منها ، والثانية : عندما تركوهم ألعوبة فى يد المستثمر دون ضمان حقوقهم وحقوق أسرهم ، والثالثة : وهى القاضية عندما صدر القرار العجيب بقانون ليحصن المستثمر ويزيده جبروت وتسلط وتحكم ، فمنهم من تخلص من العاملين تحت مسميات مختلفة كالمعاش الإختيارى المبكر ليظهر أمام الجميع أن خروج العاملين بناءا على رغبتهم وبدون إجبار أو إكراه فى حين أن العاملين خرجوا من تعسف وظلم وإساءة نفوذ هذا المستثمر الذى زادت فى عهدهم أحوال العاملين من سئ لأسوا ، بل ان العاملين وهم يعملون تحت مظلة الدولة كانوا يستشعرون بعنصر الامان إلى حد ما ومن ان الدولة مهما قست فهى ام حنون لاتضر بمصالح أبنائها .
إن مايصدره الرئيس المؤقت من قرارات بقوانين يعنى القضاء على كل الفرص المتاحة لمجلس النواب القادم لتأدية مهمامه الرقابية فى الرقابة على الحكومة والحفاظ على حقوق الشعب ، فضلا عن هذا القرار يتعارض مع الدستور كما أوضحت أنفا ، لابد أن يتم وقف وإلغاء قرار رئيس الجمهورية ( المؤقت ) فورا بشأن قانون تنظيم إجراءات الطعن على عقود الدولة ، لأن هذا القرار لايمت بصلة لا للدستور ولا القانون الذى نعرفه والذى نص الدستور الجديد فيه صراحة فى أحد بنوده على أن " طعن المواطن على العقود التى بها شبهة فساد هو حق مكفول " وإنما هو قرار بقانون ساكسونيا الذى يقنن ماتم بيعه فى صفقات مشبوهة ويبيح بيع ممتلكات مصر بلا رقيب وبثمن بخس ولاعزاء لحقوق العاملين المهدرة فى شركات ومؤسسات وبنوك تتجرع مرارة قهر وظلم المستثمر دون رقابة من الدولة ولا الأجهزة الرقابية ولا البنك المركزى المصرى - ولاحول ولاقوة إلا بالله .

اهتزازات إسرائيلية خفية/ د. مصطفى يوسف اللداوي

يشهد الكيان الصهيوني تغييراتٍ هادئة في بعض المستويات القيادية، وهي وإن بدت بطيئة وغير لافتة، إلا أنها تنم عن إحساس حقيقي بأزماتٍ داخلية، وتعبر عن اضطراباتٍ تشهدها مختلف المؤسسات الدفاعية والأمنية الإسرائيلية، بعد سلسلة من الهزائم أو الإخفاقات أو الفشل الذي أصاب جبهتها الداخلية، وصفها الوطني.
وهو ما قد عبر عنه بوضوحٍ أكثر من مسؤولٍ في الحكومة الإسرائيلية، ما يدل دلالةً قاطعة على أن حالة التبجح والعربدة التي تترجمها الحكومة والجيش الإسرائيلي، اعتداءً على السكان والأرض، أو تعدياً على القدس والحرم، أو اعتراضاً في السياسة، وغضباً على خطوات المصالحة، لا يستطيع أن يخفي بعض همهمات القلق، وصيحات الغضب التي يطلقها مسؤولون إسرائيليون، محذرين من خطورة الآتي، وصعوبة الواقع الحالي. 
ويدعون الحكومة إلى عدم الاطمئنان إلى الهالة الافتراضية التي تبدو من خلال الجيش والأمن، أو القوة والاستخبارات، فكلاهما لم يتمكن من القضاء على المخاوف الداخلية، والاضطرابات البنيوية المتزايدة التي يعيشها المواطن الإسرائيلي.
يقصد الإسرائيليون بتحذيراتهم ما أصاب الجبهة الداخلية من اضطراباتٍ وقلق، وما أثارته التقارير من حالة خوفٍ وفزع، نتيجة الاختراقات التقنية الكبيرة والناجحة، التي قامت بها كوادر تقنية عربية وفلسطينية، وتعاونت معها كفاءاتٌ أخرى من المسلمين وغيرهم، انطلاقاً من أماكن قصية جداً، بعيدة جغرافياً عن الكيان الصهيوني. 
لكنها كانت قادرة على قصف أهدافٍ إسرائيلية كثيرة، وتحقيق إصاباتٍ نوعية ومؤلمة، وتكبيد الجانب الإسرائيلي خسائر مالية كبيرة، يدفعها المواطن الإسرائيلي من حسابه الشخصي، بالإضافة إلى ما تؤديه الحكومة والجيش ومختلف المؤسسات الأخرى. 
وقد بدا جلياً للقيادة الإسرائيلية أنها لم تتمكن من صد العدوان، ولم تنجح في ضرب قواعده، كما لم تصل إلى منفذيه وموجهيه، الأمر الذي يجعل من احتمال بقاء جبهة القتال والمواجهة مفتوحة، وهي جبهة كبيرة وعديدة الأهداف، إذ لا تقتصر أهدافها على المؤسسات الأمنية والعسكرية ورئاسة الحكومة والكنيست وجميع الوزارات الإسرائيلية، بل إنها طالت مؤسسات الكهرباء وتوزيع الغاز، والمستشفيات وشبكات الصرف والري، وطالت المستشفيات ومحطات الحافلات، وقد تصل إلى حواسيب شركات الملاحة الجوية الإسرائيلية. 
الأمر الذي سيؤدي إلى حدوث تشويهاتٍ حقيقية في برامج الدولة العبرية كلها، ولكن الأهم هو ما قد لحق بالمواطن الإسرائيلي نفسه، الذي تأثر بما اعترفت به حكومته رسمياً، وما نقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية، عن النجاحات الحقيقية التي أحدثتها حرب السايبر الجديدة، التي أربكتها نظراً لتعدد جبهات الاختراق، وكثرة المتطوعين في هذه الحرب الخطرة، وحالة النشوة التي أصابت العاملين فيها نتيجة الانتصارات الكبيرة التي تحققت على أيديهم. 
ولعل من أشد ما يشكو منه المسؤولون الإسرائيليون، أن الكثير من الجنود المتمرسين في هذه المعركة، هم من صغار السن، ولعلهم لا يقوون على حمل البندقية والقتال في الميدان، ولكن ما قد أحدثوه من خرقٍ في صفوفهم كان له من الأثر على جبهتهم الداخلية أكثر من البندقية، وأشد ألماً، وهم جيلٌ صاعد، يعرف كيف يستخدم التكنولوجيا الحديثة، ويتابع التطورات، ويمتلك القدرات، وعنده من الكفاءات ما يجعل منه طاقة مستمرة، تمكنه من العمل الدؤوب الذي لا يتوقف.
المواطن الإسرائيلي لم يعد بعيداً عن هذه الحرب، فقد أصابت الكثير منهم رصاصاتٌ قاتلة، وشظايا مقعدة، نالت من حساباتهم البنكية، وطالت أرصدتهم في المصارف، وعبثت في بطاقاتهم الائتمانية، فوجد الكثير منهم أن حساباتهم تنقص، وأن مشترياتٍ غريبة قد تمت عبر بطاقاتهم، وأنها نفذت بنجاح رغم كل محاولات التأمين والحماية. 
وغيرهم قد اشتكى من عدم القدرة على الدخول إلى حساباته الشخصية، وأن الكثير من المعلومات الخاصة به قد فقدها، أو قد تم السطو عليها، وأن أسراره قد كشفت، وما يحرص على إخفائه قد علم، وأن رسائل من الصناديق البريدية قد فتحت، وغيرها إلى آخرين قد أرسلت، في هتكٍ كبيرٍ للخصوصية الفردية.
الأمر الذي أكد لديهم مخاوف حكومتهم، بأن مقاتلي الكمبيوتر والإنترنت قادمون، وأنهم يهددون فعلاً كل الشبكات الإلكترونية، وسيدخلون إلى كل الحواسيب الشخصية والعامة، وقد يأتي اليوم الذي ترتد فيه عليهم وسائل أسلحتهم، فتفتك بهم قبل غيرهم، وتضرهم وقد لا تصيب أعداءهم، إذ ما الذي سيمنع السايبريين من اختراق أنظمة المطار، والقواعد العسكرية، ومنظومات الصواريخ، وحواسيب المفاعلات، وشبكات المصانع، وملفات المستشفيات، ودفاتر الضرائب وحسابات الجمارك وغير ذلك. 
وقد علم الإسرائيليون أن هذه ليست خيالاتٍ ولا مستحيلات، وأنها ليست صعبة أو متعذرة، بل إنها محاولاتٌ قد تنجح، وقد سبق لها هي أن أرسلت فيروسات إلى حواسيب المفاعلات النووية الإيرانية، وقد نجحت في إرباك عملها، وتعطيل نشاطها، الأمر الذي يجعل من العكس ممكناً وسهلاً، وهي تأخذ تهديدات المقاتلين الجدد على محمل الجد، وترى أن الخطورة حقيقية وليست وهمية، وأن إمكانيات النجاح عالية، وأن وسائل الحماية غير كافية، وهي مكلفة ومجهدة، وفيها خسائر، ويكتنفها مغامرات.
لهذا أقدمت الحكومة الإسرائيلية على تعيين جلعاد أراد وزيراً لإعلام وتكنولوجيا المعلومات، وهو الذي كان مسؤولاً عن الجبهة الداخلية الإسرائيلية، على أن يعين وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعالون مسؤولاً جديداً مكانه تحت مسؤوليته في قيادة الأركان، ليكون مسؤولاً عن تحصين الجبهة الداخلية، وتحقيق الحماية المطلوبة للشعب اليهودي، وتبديد مخاوفهم، وإنزال السكينة على قلوبهم، وتعميم الطمأنينية التي فقدت بينهم، وإعادة الثقة بجيشهم وأجهزتهم الأمنية.
هذه ليست أضغاث أحلام، ولا معارك في الخيال، ولا حرب أبطالها جنرالاتٌ وألوية من ورق، إنها معركة حقيقية، ولها كلفتها، وفيها مقاتلون أشداء، لديهم الحمية والبأس، وعندهم الجرأة والقوة، ويملكون الإرادة والتحدي، والفضاء أمامهم مفتوحٌ حتى السماء، ومجالها رحبٌ بلا انقضاء، لا يصدنهم عن المواجهة أحد، ولا يردعنهم عن المساهمة في المعركة بطش العدو، الذي لن يتمكن عبر كل إجراءاته من تحصين نفسه، وحماية كيانه، والحيلولة دون استهدافه، وقد نجح هذا اللواء التقني في تحقيق انتصاراتٍ ومازال، وأصبح يرعب ويخيف، ويقلق العدو ويصيبه في القلب، فلا يستخفن أحدٌ بجدية هذه المعركة، ولا يقللن من خسائر العدو فيها، ولا يتأخرن قادرٌ عن خوض غمارها، والمشاركة في معمعانها.

العامل الديني عند ماركس.. واقع الانعكاس ونقد الاغتراب/ د. زهير الخويلدي

مقدمة:

 تبدو ظاهرة التدين لصيقة بالوجود الاجتماعي للإنسان الواعي ولذلك تطرح على كل إنسان ينتمي الى ‏جماعة يتصرف في شؤونها نظام سياسي معين، وهي ظاهرة يبحث فيها أيضا كل عاقل ومفكر وقد اهتم ‏فيلسوف الرجة كارل ماركس بالدين بشكل مباشر صريح وبطريقة ضمنية منذ بداية مشواره الفكري وبشكل ‏مبكر ولذلك شكل الدين وحده من بين كل المسائل النظرية والعملية المنطلق والمدخل إلى بقية المسائل ‏الفكرية وهو ما جعل المسألة الدينية تبرز في هذا السياق بقوة وبكثافة وتحتل قيمة نظرية وعملية على ‏صعيد منظومة ماركس المعرفية وعصره.‏

ان المعضلة الرئيسية التي يتصدى الفكر المعاصر لحلها هي المعضلة الدينية لأن صلابة الخطاب الديني ‏وشموليته تصطدم بمرونة الواقع وحدثية صيرورة التاريخ وأن أهم الصعوبات التي تواجه العقول الحرة ‏على صعيد التفكير الفلسفي في الديني هي النزول من عالم النص إلى عالم الواقع والتوفيق بين المحتوى ‏المطلق والثابت للنص الديني وبين حركة الواقع النسبية، وعندما تجعل نخبة من الاكليروس من لغة النص ‏ميدان عملها وتحرص على نقل عالم القداسة النصية وتفسيرها والتعبير عنها باستخدام اللغة العادية فان ‏الدين يصبح الحقل الرئيسي لقلب العلاقات الحقيقية بين الإنسان والله وبين الذات والموضوع ويسقط ‏الإنسان خارج الصفات التي تخص نوعه. ‏

يمكن أن نقسم آراء النقاد والمؤرخين حول علاقة ماركس بالعامل الديني إلى فريقين: الأول يصنفه ضمن ‏التيار الإلحادي اللاأدري الذي ينكر وجود الله والغيب والبعث ويحارب الدين بلا هوادة ويمثله مارسيل ‏نوتش وواكنهايم [2] وبولتزير وغيره كثير وفريق ثاني يعدل الموقف الأول ويلطف اللغة ويعتبر ماركس قد ‏تعامل مع الدين تعاملا فلسفيا تاريخيا عقلانيا وأنه يبحث باستمرار عن القاع الإنساني في التجربة الدينية ‏والإمكانيات الهائلة التي تتضمنها الأديان في أية مشروع انعتاقي تحرري ويمثله غرامشي وماوتسي تونغ ‏وروزا لكسمبور وبدرجة أقل ألتوسير وبيير بيغو. [3]
‏ لكن السؤال الذي يطرح هنا هو: ماهو الطابع النوعي الخاص الذي اكتسبه العامل الديني ضمن الخطاب ‏الفلسفي لماركس؟ هل باستطاعتنا أن نستنبط أصالة فكر ماركسي على الصعيد الديني؟

هل صحيح أن ‏الماركسية مثلها مثل أي فلسفة ملحدة تعادي الدين وتعتبره أفيون الشعوب؟ هل تقوم الماركسية بمحاربة ‏الدين ومعارضته في المطلق أم أنها تنزل الدين في إطاره التاريخي وسياقه الاجتماعي مثله مثل أي فكرة ‏بشرية أخرى؟ ألا تعامل الدين من زاوية فلسفية وعقلية وتاريخية؟

هل هذا الموقف المناهض هو فريد ‏ومبتكر وخاص بها أم أنه يمتد إلى أصول عميقة وبعيدة في التفكير البشري؟ ألا ينطلق من رؤية تضع ‏الإنسان وليس الله مركز اهتمامها وتفكيرها وتضع الحياة الدنيا وليس الآخرة هدفا لها؟

هل يصح وصف ‏الماركسية بالفلسفة الملحدة إذا ما كانت متفقة مع الأديان في مناهضة استغلال الإنسان للإنسان؟ ما الفرق ‏بين الإيمان والإلحاد إذا كانا ينطلقان من مشكلة واحدة ويقفان على الأرضية نفسها؟ ألا تكون في هذه ‏الحالة الماركسية فلسفة لاهوتية تنطلق من مشكلة الله لتعلن رفضه؟ ‏

إن الإشكالية المركزية التي نسعى إلى إبرازها هي: هل أن الدين مشكلة تعترض البشرية في طريقها إلى ‏الوعي بذاتها أم عامل مهم من عوامل التقدم والنهوض؟‏

عندئذ يمكن تقسيم هذه الإشكالية إلى مجموعة من الأسئلة الفرعية هي: ‏
هل أن الماركسية هي التي تحارب الدين ام أن رجال الدين هم الذين يحاربون النزعات الفلسفية العقلية ‏والتحررية التي تشهر بهم وتمثل خطرا يهدد مصالحهم واستمرارية السلطات التي يدعمونها؟

هل تأتي شدة ‏هجوم رجال الفكر على المؤسسة الدينية من أن هذه الفلسفة هي من حيث الجوهر فلسفة مادية دنيوية أم ‏أن ذلك كان نتيجة الموقف المحافظ الذي يتخذه رجال الدين من الصراع الاجتماعي والسياسي وتحالفهم مع ‏الطبقات المسيطرة ضد الطبقات المحرومة؟ ألا توجد علاقة بين إنكار الماركسية لمبدأ الملكية الخاصة ‏وإبداء العديد من التحفظات تجاه العامل الديني؟ ‏

من جهة مقابلة هل يحمي الدين الملكية الخاصة ويبرر تراكم الثروة على شكل الإنتاج الرأسمالي أم أنه ‏يشرع للملكية العامة ويحرم الاحتكار والربا واستئثار طبقة اجتماعية بمعظم الثروات ويرفض كل أشكال ‏التفاوت واللامساواة والظلم على الصعيد الاجتماعي؟

ماذا تعارض بالضبط الماركسية من العامل الديني؟ هل ‏تقف ضد الدين مطلقا وتعتبره مجرد مرحلة تاريخية يمر بها الفكر البشري ونمط من العلاقات التي يقيمها ‏الإنسان مع نفسه والآخر والعالم في ثوب معتقدات وطقوس أم أنها تعارض تدخل رجال الدين ومؤسساته ‏في أمور الحياة اليومية والسياسية باسم فكرة متعالية يصبغون عليها القداسة والاطلاقية؟

لماذا يتحفظ ‏الماركسيون على مشاركة رجال الدين في السياسة ولا يعاملونهم كبشر يعبرون عن مصالح مطموحات ‏الطبقات الاجتماعية التي ينحدرون منها وليسوا مقدسين ولا مفوضين من طرف الله ولا يمثلون الدين؟

هل ‏تقول الماركسية بأن الأديان هي سبب الحروب والنزاعات التي شهدها التاريخ البشري أم أنها تعترف ‏بكونها ساهمت في ترسيخ ثقافة السلم والتسامح والتكافل بين الأفراد والمجموعات والدول؟

ألا يجب أن ‏تدافع الماركسية عن نقاء الدين وعن إيمان ما بعد الدين وكاعتراف فردي بالحقيقة الوجودية ضد التشويه ‏والتحريف الذي يتعرض له في الحياة العامة؟

أليس من الأجدر أن يتبنى الماركسيون فكرة لاهوت الثورة ‏والأرض والتحرير حتى يفكوا العزلة عنهم ويتصالحوا مع واقعهم الحضاري وثقافتهم الوطنية ويدافعون ‏على إعطاء الشرعية لأحزاب مدنية تقدمية ذات مرجعية دينية؟

أليس من الأجدر أن يدور حوار جدي ‏ومسؤول بين رجال الدين والإيمانيين من جهة والعلمانيين والناشطين الوضعيين حول فكرة المجتمع المدني ‏وحقوق الإنسان والتنمية والديمقراطية دون ادعاء العصمة والقدسية ودون إنكار الدين وإلغاء مسائل ‏الإيمان والعقيدة؟

تتمثل خطة البحث في مشكل الدور الذي يعطيه ماركس إلى العامل الديني في تجاوز النظرة التبسيطية التي ‏تعتبر الماركسية فلسفة ملحدة والتفطن إلى الدور الحساس الذي يلعبه الدين في تأخر المجتمعات وتقدمها ‏ولذلك اخترنا مفصلة عملنا إلى ثلاث لحظات منطقية هي:‏
‏- الاغتراب الديني والنظر إليه كانعكاس إيديولوجي كاذب للعالم.‏
‏- نقد الدين هو الشرط الممهد لكل نقد سواء للمجتمع أو للاقتصاد أو للثقافة والفلسفة.‏

‏- الدين شيء حقيقي له قاع أنساني ويمكن أن يكون دعامة للرفض والاحتجاج والثورة.‏
ما نراهن عليه هو تفادي النظرة التبشيرية الدعوية لقضايا الإيمان ونقد كل توظيف نفعي واستعمال أداتي ‏للدين والبحث عن الإدراك العلمي لهذه المسألة في واقعنا التاريخي وعلمنته بشكل انسي قصد التعويل عليه ‏كعامل مساعد في كل دمقرطة ممكنة للفضاء العمومي.‏

‏1- حقيقة الاغتراب الديني:

‏ " لم يتجاهل ماركس المسيحية تجاهلا تاما بما أنه اهتم بالناحية الاجتماعية . وقد جاء من مدارس ‏مسيحية..." [4]‏

من المعلوم أن ماركس لم يعش أزمة دينية في سنوات الشباب مثل عدة فلاسفة آخرين تجعله يثور على كل ‏المعتقدات التي ورثها بحكم التنشئة التربوية ولكنه لم يبد ميلا شديدا تجاه اللاهوت مثل بقية عامة الناس ‏ولم يكن حريصا على إقامة الشعائر الدينية أو متحمسا لها وإنما توجه منذ البداية نحو التفكر والاستبصار ‏والبحث عن نظرة معتدلة إلى هذه المسائل الشائكة.

اللافت للنظر أنه أنجز رسالة دكتوراه حول المادية ‏القديمة انحاز فيها إلى التصور الطبيعي عند أبيقور على حساب النزعة المادية الميكانيكية الفجة التي ‏نجدها عند ديموقريطس بل انه كان أميل إلى تبني الأفكار الفلسفية التي تنقد الاتجاه المثالي وتعترض على ‏الأفكار الغيبية وترفض الأقوال الميتافيزيقية باعتبارها تتجاوز عالم التجربة وتبتعد عن الواقع الموضوعي ‏وكان بالتالي أميل إلى الإيمان بديانة الطبيعة والتي جعلته يستمد أفكاره الدينية من الهيجليين اليساريين ‏وخاصة فيورباخ الذي نادى بإحلال المعرفة الإنسانية مكان المعرفة الإلهية.‏

هذا الموقف ظهر جليا للعيان عندما مال ماركس إلى تبني الأفكار العلمية المبتكرة في عصره وخاصة ‏نظرية داروين البيولوجية في التطور واقترب من المناهج الوضعية التي شيدها أوغست كونت والنقدية ‏الكانطية وأعجب بالتحاليل الاجتماعية الاقتصادية لبعض الاشتراكيين رغم إغراقها في الطوباوية وهجومه ‏الكبير على علم الاقتصاد الليبرالي.‏

إن الأساسي في نظرة ماركس للدين هو ربطه لهذه الظاهرة الثقافية المنتشرة في الوسط الشعبي بالعزاء ‏الوهمي والسعادة المزيفة وقد فسر فيلسوف البروليتاريا تشكل الظاهرة الدينية بعملية الانعكاس الكاذب ‏للواقع الاجتماعي الذي يعيش فيه الإنسان، وقد أدى ذلك إلى اعتبار الدين سبب ظهور الوعي الزائف ‏ووقوع الناس في الاغتراب والبقاء في وضع مقلوب.

في هذا السياق يقول أنجلز في مناهضة ديهرينغ:" كل ‏دين لم يكن سوى انعكاس خيالي في أدمغة البشر لقوى خارجية تهيمن على الوجود اليومي..." ‏
‏ 
إن الدين يقيد أياد الإنسان بواسطة إكليل من الزهور وصورة المقدس عند المتدين هي صورة الأزهار ‏موضوعة على القيد ولاسيما وأنه يمكن أن يكون مصدر شقاء الإنسان وبؤسه ويعطل البشر عن الانصراف ‏نحو تغيير واقعهم ولذلك نجد ماركس يصرح في مقدمة لنقد فلسفة الحق عند هيجل:" إن الدين زفرة ‏المخلوق المضطهد وضمير عالم ليس له ضمير، كما هو روح الأوضاع التي ليس لها روح...انه أفيون ‏الشعب."‏

على هذا النحو يعرف الناطق الرسمي باسم الطبقة العاملة الدين بأنه تعويض خيالي وجزاء معنوي وعزاء ‏عن الشقاء الواقعي في هذا العالم لأنه يمكن أن يقدم توفيقا وهميا خالصا للتعارضات الواقعية القائمة ‏ويمتص التناقضات ويلغي التباينات بشكل التفافي، انه مجرد تعبير عن الإذعان والسلوى وعقيدة سلبية ‏تلجأ إلى تبرير علوي وتحث على الخنوع والركون، انه انعكاس للشقاء الواقعي ويكون عزاء وتخدير ‏ومواساة وهمية وتعبير عن العجز وتبرير للبؤس والتعاسة، كما أنه يمثل شكلا مغتربا لوعي الذات، وهو ‏وعي الذات عند الإنسان الذي لم يجد نفسه.‏

غني عن البيان"أن الدين هو النظرية العامة لهذا العالم وخلاصته الموسوعية ومنطقه في شكل شعبي ‏وروحانيته وحماسته وعقوبته المهنية وأساسه الكوني من أجل العزاء." والمقصود بذلك أن الدين اغتراب ‏إيديولوجي يجعل الذوات تشعر بقدرتها على الاستغناء عن الواقع والإذعان لسلطته بالاستناد إلى انفصال ‏التجربة اليومية لدى الإنسان المضطهد الممزق والذي يحتاج إلى العزاء والتعويض.‏

إن الدين هو في معظمه إيديولوجيا تخفي مصالح ورغبات القوى التي أنتجتها وهي انعكاس زائف مشوه ‏تظهر فيه العلاقات بين البشر مقلوبة وتجعل من الأوهام الذاتية وكأنها أفكار صحيحة تحدد نمط حياتهم وان ‏المبادئ والأحكام اللاهوتية يمكن أن تقوم بالتعويض عن المهانة وتبرر الشرور وتفسر ذلك بالابتلاء ‏والمحن وتتستر عن الاضطهاد بتصور قيام جزاء عادل في الماوراء وتدعو إلى احتقار الذات والجبن ‏والضعة والذل والخنوع". ‏

يقول ماركس:"إن المبادئ الاجتماعية للمسيحية قد بررت نظام العبودية البالي ومجدت في العصور الوسطى ‏نظام القنانة السائد وقادرة على الدفاع على قمع البروليتاريا ولو أظهرت أثناء ذلك بعض الأشياء."،لكن ما ‏المقصود بالاغتراب الديني؟ وبعبارة أخرى كيف يوقع الدين الإنسان في الاغتراب؟

إن الحقيقة المؤلمة لحياة الناس على الأرض هي واقع اغترابهم اليومي عن ذواتهم بحيث تمثل شخصياتهم ‏صورة عن الإنسان المغترب الفاقد تماما لهويته. والمفارق أن الذي يقود إلى الاغتراب ليس الأفكار ‏المجردة والغيبيات بعيدة المنال بل الأسس المادية للإنتاج الاجتماعي والشروط التقنية التي تتطور في ‏المجتمع الحديث.

والاغتراب لم يعد يقتصر على العامل بل تعدى ذلك إلى قيمة العمل ذاتها ووصل إلى حد ‏اغتراب الثقافة بأسرها لأن هناك تضامن عميق بين الاغتراب الاجتماعي والاغتراب الثقافي والاغتراب ‏الديني . ‏

في هذا السياق يقول أنجلز عن الانحراف الذي حصل في المسيحية الأولى:" هذا التعويض السماوي هو ‏الذي أصبح ذات يوم أفيونا مدهش الأثر كانت السلطة تستخدمه لجعل الناس يقبلون تعاسة الدنيا بانتظار ‏وعود الآخرة..." غير أن الاغتراب لما كان هو الفعل الذي تطرح بها الذات الموضوع وتتخارج معه فان ‏الدين يمثل لحظة الاغتراب الذاتي والخضوع لقوانين الدولة الشمولية يمثل لحظة الاغتراب الجزئي أما نمط ‏الملكية الخاصة وتراكم الثروة بشكل غير مشروع والاحتكار والتفاوت في تقسيم العمل وفي التوزيع ‏واللاتكافىء في التبادل فهو يمثل لحظة الاغتراب الكلي.‏

على هذا النحو فان الاغتراب الديني هو اللحظة التي يحقق فيها الانعكاس المقلوب احتلاله الكلي للوعي ‏وبالتالي لا تعود صلة الإنسان مع ذاته ومع الأشياء في صورة مطابقة وصحيحة بل في وضع مشبوه ‏ومقلوب بحيث يقدم الوهم على الحقيقة والتعويض الخيالي بدل الإشباع الواقعي وعالم السماء على عالم ‏الأرض وتنتصر لغة العجز والتمني والانتظار على المبادرة والفعل والانخراط.‏

إن الدين عند ماركس هو شمس وهمية تدور حول الإنسان بما أن هذا الأخير ظل منذ زمان لا يدور حول ‏نفسه والحل هو أن يدور الإنسان حول نفسه لأن ذاته هي الشمس الحقيقية التي ينبغي أن يدور حولها ‏وليس الأشياء الخارجية التي يضفي عليها طابع القداسة.

عندئذ" لا يحدث الاغتراب الديني في حد ذاته إلا ‏في الوعي، في الضمير الباطني للإنسان، لكن الاغتراب الاقتصادي يحدث في الحياة الواقعية". لذلك يعرف ‏ماركس الدين على أنه الوعي الذاتي للإنسان الذي أضاع ذاته، والغريب أنه كلما وضع أشياء أكثر في قوة ‏مطلقة موجودة خارج العالم كلما حفظ أشياء أقل في نفسه وهو كذلك شمس وهمية تترك الناس يدورون ‏حول أنفسهم عوض الدوران حول العالم.‏

‏إن ضياع الفلسفة في الدين هو انعكاس لضياع أعمق هو الاغتراب الديني الحقيقي الذي يتجلى في مفهوم ‏الإيديولوجيا. لهذا فإن "ما يهم ماركس ليس الفرد المجرد ولا الوعي والنفس الزكية التي تتحدث عنها ‏الأديان والفلسفات بل الإنسان الذي يعمل ويكابد والنفس التي تموت بسرعة وهي تبتعد عن الدين لأنه يعمل ‏على تهميشها أو على الأقل سلب هذا الفرد هنا..." [5]‏

يربط ماركس بين الاغتراب الديني والاغتراب الاجتماعي ويحاول العثور على أسباب الاغتراب الاجتماعي ‏في العامل الاقتصادي وضمن ظروف العمل وعلاقات الإنتاج ويربط بين مفهوم الاغتراب والاستغلال ضمن ‏نظام الأجرة .

و"إذا كان الاغتراب وقع التطرق إليه كمفهوم نظري فان توسيعه المتزايد ينبغي أن يلزمنا ‏بالقول أن كل عمل مغترب هو مستغل... إن هيمنة القبلية من طرف نموذج الاغتراب على كل النشاطات ‏ليس له من نتيجة سوى الاستغلال" [6].لكن، كيف فعل ماركس آليته النقدية في قضايا الإيمان والاعتقاد؟

‏2- نقد الايديولوجيا الدينية:

‏"هذه الفلسفة تمتلك مقصد نقدي مزدوج: تأخذ شكل النقد الحقوقي عندما تواجه السلطة السياسية وتأخذ ‏شكل نقد الدين عندما تواجه السلطة الروحية..." [7]‏

ظل ماركس مهتما بكيفية خلاص الإنسان ككائن منتج وعمل على تحريره من استعباده ومن اغترابه في ‏نطاق علاقات الإنتاج الرأسمالية وتموضعه بواسطة شروط الإنتاج والبضائع ولذلك اقترح كحل نقد الدين ‏وإلغاء الملكية والثورة الاجتماعية وإقامة دولة الطبقة العاملة حتى تحل النزعة الإنسانية والفكر العلمي ‏محل الخرافة والوهم والميتافيزيقا والمثاليات.‏

‏" إذا كانت الطبيعة الإنسانية هي الأسمى بالنسبة للإنسان فإنه ينبغي حينئذ أن يكون أول قانون وأسماه هو ‏حب الإنسان للإنسان، الإنسان هو اله الإنسان هذا هو المبدأ العملي العظيم..." وهو ما أكد عليه ذات مرة ‏في بعض من مسوداته: "إن الفلسفة النقدية في كفاحها ضد العالم لا تقف فقط ضد هذا العالم وإنما أيضا ‏ضد الفلسفة التي كانت تسوده إلى ذلك الحين" . "ماركس مثل بقية الهيجليين الشباب الآخرين يتصور النقد ‏في علاقة مرجعية مع الفلسفة وبالتحديد كتحقيق للفلسفة". [8]‏

إن الإنسان لا يغترب في العالم الديني وفي دنيا الماوراء دون أسباب واقعية في المجتمع والدولة والثقافة ‏ويكفي أن يسترد هذا الإنسان مادته التي خلصها عن ذاته وجسدها في الله حتى تظهر النزعة الإنسانية ‏بجلاء، في هذا الإطار يقول ماركس:" إن إلغاء الحياة المثلى في السماء يستلزم حياة مثلى على الأرض ‏تجعل من حلول مستقبل أحسن على الأرض لا موضوعا لإيمان أجوف بل إلزاما وواجبا على الإنسان ‏تحقيقهما..."

وبالتالي فان نفي الماوراء يكون نتيجته الحتمية إقامة حقيقة العالم الدنيوي وبالتالي ينبغي أن ‏نحذف الأساس الدنيوي الذي يرتكز عليه الاغتراب الديني ولن يكون ذلك ممكنا إلا بنقد الدين ، انه وادي ‏الدموع الذي يمثل الدين هالته المقدسة ونقده يعني الهبوط من السماء إلى الأرض. ‏

في هذا السياق يقول ماركس:" إننا نريد أن نحي جانبا كل ما يتلبس مظهر ما فوق الطبيعي وما فوق ‏الإنساني لأن مثل هذا الادعاء هو مصدر كل زيف وكذب..."إن نفي الماوراء هو السبيل الوحيد لعودة ‏الإنسان إلى حياة النوع لكينونته الحقيقية وتحقق الإنسانية مصالحة مع ذاتها لاسيما وأن الدين هو علاقة ‏الإنسان بذاته أي طبيعته الذاتية.ألم يقل ماركس:" الدين حلم العقل البشري بيد أننا حتى في الأحلام قد لا ‏نجد أنفسنا في الفراغ أو في السماء بل على الأرض وفي عالم الواقع..."؟

النقد هو موضوع الفلسفة وغايتها عند ماركس وهو امتحان موضوع ما بغية تحديد قيمته ونقد الدين يعني ‏البحث عن مشروعيته الاجتماعية والسياسية من دونها وتحرير لقيم الأرض من مطلقات السماء ولاسيما ‏وأن مسار الفلسفة النقدية عوض أن يصعد من الأرض إلى السماء يهبط من السماء إلى الأرض.

إن نقد ‏الأوهام الذاتية يسبق حتما نقد الأوضاع الواقعية ولذلك فإن نقد الدين هو شرط انتقال أي جماعة من ‏اللاعقل إلى العقل ومن الأسطورة إلى التاريخ وتحقيق المنعطف السياسي الذي يسمح بتعاصر اللامتعاصر ‏وإتاحة الفرصة إلى الإنسان بأن يحتل مكانا يليق به في هذا العالم. ‏

إن نقد الدين يسير جنبا إلى جنب مع نقد كل أشكال الوعي الزائفة الأخرى لاسيما وأن الظاهرة الدينية هي ‏ظاهرة تاريخية إنسانية لا يمكن عزلها عن بقية الظواهر الأخرى.

من هذا المنطلق لا يخرج الدين عن كونه ‏نتاجا تاريخيا للبشر في ظروف حياتهم اليومية وفي وضعهم التاريخي خاصة وأنه شكل اجتماعي للوعي ‏وثيق الصلة بالحياة الإنسانية التي انبثق منها ويستمد تصوراته ومكوناته النظرية المقدسة والدنيوية من ‏حاجات البشرية الواقعية وتطلعاتهم.يلبي الدين حاجتين .

الأولى نظرية وتتمثل في فهم الصلات التي تربط ‏الناس ببعضهم البعض وبالعالم والثانية عملية وتتمثل في تأكيد سيادة البشر على حياتهم الفردية. ألم تنتزع ‏كلمة الدين أفيون الشعب من سياقها الثقافي واللغوي والتاريخي ليبالغ في استعمالها في غير المعنى الذي ‏جعلت له؟ ألم يشر ماركس هو نفسه إلى القاع الإنساني العميق في الدين وما تتضمنه لغته من رغبات ‏إنسانية وتطلعات دنيوية؟

تبعا لذلك"إن نقد الدين يخلع السحر عن الإنسان من أجل أن يفكر ويفعل ويبدع حقيقته وهو يصبح عاقلا ‏عندما يكون إنسانا مخلوعا من القداسة" وبالتالي "لا يمكن أن يختفي الانعكاس الديني للعالم الواقعي عند ‏الإنسان إلا عندما تظهر له ظروف العمل والحياة العملية علاقات شفافة وعقلانية مع أمثاله ومع الطبيعة". ‏‏[9]‏

لقد غادر النقد مع ماركس أرض الفلسفة المثالية والتمظهرات المجردة واصطف على يسار هيجل ليدخل ‏أرض اللاهوت والتصورات الأخلاقية وينجز نفسه فعليا عندما ثار على ماهو قائم ويصبح في خدمة التاريخ ‏والفعل السياسي والاجتماعي، إن النقد يتخطى مبادئ المعرفة وقوانين المنطق وأسس الأنطولوجيا ليشمل ‏الشروط الاجتماعية والتاريخية من أجل القضاء على الأوهام اللاعقلانية والايديولوجيا المثالية ولكي يثبت ‏أن المجتمع الأرضي هو مصدر الخير وأن الإنسان حامل قيم وأن الذات يمكن أن تكون مسؤولة عن ‏وجودها في العالم.‏

‏"إن لفظ الإيديولوجيا في القاموس الفلسفي الفرنسي يمتلك دلالة سلبية. انه يفترض نوعا من التجريد من ‏درجة ثانية بإشارته إلى خطاب حول الأفكار. لكنه سيعاد له الاعتبار في الفكر الماركسي رغم بقاء دلالته ‏غامضة, انه يشير إلى الأفكار بوصفها وسائل في الفعل والسجال السياسي. هكذا نتحدث كثيرا عن ‏الإيديولوجيا البرجوازية وعن الإيديولوجيا الاشتراكية " أو البروليتارية" وعن الصراع الإيديولوجي عندما ‏يتعارض هذان الخصمان." [10]‏

لا يمكن تحقيق نقد الدين تماما دون الانتهاء من نقد الإيديولوجيا البرجوازية ومن نقد الفلسفة المثالية لكن ‏ماركس يذهب إلى أبعد من ذلك بضمه نقده الجزئي للدين إلى نظريته الكلية في البراكسيس لاسيما وأن ‏أوهام الاستلاب الديني لا يمكن تبديدها بمجرد نقد الدين وإنما عن طريق الثورة والتغيير الشامل للحالة ‏الاجتماعية التي ولدت من تلك الأوهام، وهذا ما نعثر عليه عند ماركس في الإيديولوجيا الألمانية في ‏قوله:"إن الثورة لا النقد هي القوة المحركة للتاريخ وكذلك للدين والفلسفة وكل الأشكال النظرية."‏

لكن إلى أي مدى يمكن أن نعتبر ماركس صاحب ديانة جديدة؟ أو بعبارة أخرى هل ترك للدين وظيفة ثورية ‏ممكنة في إطار الحراك السياسي الذي يعرفه أي مجتمع؟

‏3- الدين دعامة رئيسية للثورة:‏
‏" إن الصراع ضد الدين هو بصورة غير مباشرة صراع ضد ذلك العالم الذي يمثل الدين أريجه الروحي، إن ‏الشقاء الديني هو في الوقت نفسه تعبير عن الشقاء الواقعي واحتجاج ضده"‏.

لعل فرادة الماركسية في كونها فلسفة ثورة خصوصا عند تبنيها لأطروحة 11 عند فيورباخ التي تعلن الأمر ‏القطعي بالتوجه نحو البراكسيس:" ما فتئ الفلاسفة يؤولون العالم في حين أنه يجب تغييره" وتتوضح ‏ضرورة الثورة في رغبة ماركس العارمة في قلب الأوضاع رأسا على عقب والشروع في صناعة الإنسان ‏وفتح الآفاق أمام الكائن البشري من أجل انجاز ذاته وإعادة تأصيل علاقته بنفسه وبالطبيعة على نحو ‏إنتاجي، في هذا السياق يقول جورج لابيكا:"لا يمكن للعالم في حالته الحالية أن يستمر.

إن العالم الحالي ‏وأشكال وجوده وتفكيره وإحساسه أو فعله هو العالم الآخر، عالم الدين والفلسفة وما شابههما الذي احتل ‏مكان العالم الأرضي. إن فعل التغيير هو العودة إليه ومحاولة العثور عليه..." [11]‏

إن ماركس ينقد الدين كإيديولوجيا وكأداة محافظة تبرر سيطرة طبقة على أخرى وليس الدين في حد ذاته ‏كتجربة روحية يقيم من خلالها الإنسان صلة بالمطلق وفي نقده هذا يشير إلى الطابع المزدوج العملي ‏والنظري للدين وعلاقة الوعي الديني بالصراع الاجتماعي والسياسي ويقر بأن الأديان تلعب دورا تاريخيا ‏حاسما في الانتقال من حقبة معينة إلى أخرى.

إن الدين عند ماركس ليس مركب غيبي مثالي وخرافة تقيد ‏الناس بنمط طفولي من التفكير والسلوك ويعبر عن علاقات بدائية بين الإنسان ونفسه والآخر والطبيعة بل ‏هو احتجاج وتعبير عن اللحظة الفاعلة والرغبة الحثيثة في تخطي النظام القائم بصورة واقعية وفعلية ، ‏وهو محفز تاريخي وواقعي يتحول إلى نهج للسلوك الفاعل والايجابي ودعامة أساسية للاحتجاج والرفض ‏وقد قامت العديد من الثورات والانتفاضات تحت راية الدين مثل التمردات الفلاحية في العصور الوسطى ‏وحركات التحرر الوطني في الأزمنة الحديثة.‏

لقد بين أنجلز أن المسيحية الأولى كإيمان ديني صافي قبل أن تأخذ شكل عقيدة ومؤسسة محافظة في يد ‏السلطة منذ عهد قسطنتين وقبل أن تنقلب إلى حلم وهروب من الواقع التعيس وانتظار للوفاء بالوعد كانت ‏احتجاجا وعنصرا ثوريا تعكس التوق العارم من قبل الطبقة الناشئة إلى التغيير وتأثيث عالم أفضل ولعل ‏الثائر الألماني توماس مونزر هو خير مثال على ذلك الالتقاء بين الإيمان والثورة حيث لبس الدين ثوب ‏النضال ضد الإقطاع والنبلاء.‏

‏" تحتل المسألة الدينية مكانة متصاعدة في كتابات أنجلز وأشكال المرور بالدين هي بالأحرى توصيفات ‏وملاحظات. وقد كان أنجلز حساسا بالتأثيرات الاجتماعية والسياسية للدين. لقد كان الدين بالنسبة إليه قبل ‏كل شيء واقعا اجتماعيا وليس مسألة دينية. وقد بدأ باكرا تعاونه مع ماركس وأخرجا من عملهما المشترك ‏ليس نقدا للدين بل علما بالتاريخ يأخذ بعين الاعتبار الظاهرة الدينية كانعكاس خيالي للعالم الخارجي أي ‏كإيديولوجيا..." [12].‏

‏ في هذا السياق يصفه أنجلز في كتابه حرب الفلاحين في ألمانيا:"كانت تعاليم مونزر السياسية وثيقة الصلة ‏بتصوراته الدينية الثورية ومثلما كان لاهوته يتخطى التصورات الرئيسية في عصره كذلك كانت تعاليمه ‏السياسية تمضي إلى أبعد من الشروط السياسية والاجتماعية السائدة مباشرة وكانت فلسفته الدينية تتاخم ‏الإلحاد مثلما كان برنامجه السياسي يقارب الشيوعية...

كان هذا البرنامج يطالب بإقامة مملكة الرب مباشرة ‏على هذه الأرض...لقد رأى مونزر في مملكة الرب مجتمعا بلا فوارق طبقية ولا ملكية خاصة ولا سلطة ‏دولة مستقلة أجنبية تفرض نفسها على أعضائها..."‏

لقد كان الفلاحون يطالبون بالعدالة والاعتراف بظروف المساواة التي شهدتها المسيحية الأولى فتصبح ‏قواعد سائدة في المجتمع الذي يوجدون فيه وقد اعتمدوا على تساوي البشر أمام الله كحجة مقنعة في ‏مطالبتهم بالمساواة على الأرض في الثروات وأمام القانون.، خاصة وأن شعار ثورتهم كان:" يا رب أيد ‏عدالتك السماوية..."إن ازدهار الأديان مرتبط على نحو وثيق بتحول في المجتمعات ذات الامتيازات ‏والمؤسسات الناظمة إلى مجتمعات طبقية وان الوعي الديني لتلك الطبقة الناشئة المتجهة نحو التمرد ‏والثورة ينطوي في ظروف تاريخية واجتماعية معينة على معارف ومطالب مستمدة من قوانين الحياة ‏اليومية." وفق هذا المنظور لم تتشكل الأديان من أجل أن تلغى بل من أجل أن تأخذ بعين الاعتبار الجهد ‏الأرضي" [13].‏

من المعلوم أن ماركس ينقد الدين كإيديولوجيا وهمية مقيدة لسلوك الناس ولكنه مقابل ذلك يعترف بالبعد ‏الإنساني المكنوز في العامل الديني بقوله:" كلما عمد الأفراد الفاعلون إلى الاحتجاج على ظروف واقعهم ‏قلت حاجتهم إلى الدين كوهم بديل عن الواقع يبرر تعاستهم وعجزهم وشرعوا باستدعاء القاع الإنساني ‏العميق في الدين وتمثيله نظريا".

إن العامل الديني هو منعطف قوي يمكن أن يتحول إلى طاقة رئيسية ‏للايديولوجيا وتعمل على مخاطبة وحث الذوات الفاعلة تاريخيا من أجل حفز هممهم ودفعهم إلى البراكسيس ‏وتلبي لديهم مستلزمات رغبتهم في الصراع والمقاومة وحاجتهم إلى الحماسة والإرادة.‏
‏ على هذا النحو يقترح ماركس إخراج رجال الدين من دائرة الإيمان الخالص إلى دائرة الإيمان الفاعل ‏وتحويلهم إلى قوة محركة للتاريخ.

ومن هذا المنطلق اعتبر ميشيل هنري:" ماركس واحد من المفكرين ‏المسيحيين الأوائل","إن الإيديولوجيا نفسها في حد ذاتها تفرض قوة جذب نوعية ويمكن أن تكون ناجعة ‏بشكل فوري،إنها نصف دين ويمكن أن ترضي الحاجيات الدينية وأن تحدث تحولات في الإيمان وتحديدا من ‏خلال المسيحية وفي كل الأحوال نقلل من عدم القدرة على تجاوز اللاانطباق بين الإلحاد والإيمان " ربما هذا ‏الأخير يصلح أيضا في الدول الإسلامية".

يمكننا أن نعثر بمعنى ما في الإيديولوجيا والتطبيق الحسن ‏للماركسيين بالكاد في غير موضعها على الإيمان والأمل والمحبة وحتى أبعاد الرؤية والأخروية ‏والإنتظارية." [14] " كتب بيير بيجو حول ماركس: إن تعبيره يقترب في بعض الأحيان وبشكل غريب من ‏التعبيرات الدينية. وعندما يهب إلى البروليتاري "عيب في ذاته" عندما يرى فيه " الفقدان التام للإنسان" ‏وينتظر من خلاصه "الاسترجاع الكامل للإنسان" ألا يجعل منه بطريقة ما إنسان الهي يكون في الآن نفسه ‏ضحية ومخلص؟

خاتمة:‏
‏" لما نتحدث عن الأفكار التي تثور مجتمع ما برمته فإننا نعبر فقط عن أن عناصر المجتمع الجديد تتشكل ‏في حضن المجتمع الهرم نفسه وأن انحلال الأفكار الهرمة ترافق انحلال ظروف الوجود القديمة... عندما ‏كان العالم القديم في لحظة خسوفه فإن الديانات الهرمة قد اندحرت أمام الدين المسيحي.

وعندما تركت ‏الأفكار المسيحية في القرن18 مكانها لأفكار التقدم وخسر المجتمع الإقطاعي معركته الأخيرة مع البرجوازية ‏الثورية حينذاك فإن أفكار الحرية الدينية لم تتوان عن الإعلان عن مملكة التنافس الحر في مجال ‏المعرفة..." [15]‏

هكذا يعمل ماركس على الاستناد على المقولات الدينية من أجل بناء نظرية ثورية وينطلق من أفكار ‏المسيحية الاشتراكية من أجل تأسيس اشتراكية علمية وربما عوض المبدأ الديني: كل الناس أخوة بالشعار ‏السياسي : يا عمال العالم اتحدوا."

لقد أنجز الجوهري من نقد الدين في ألمانيا كما يقول ماركس نفسه ‏وكأن سيادته السياسية نزعت لمصلحة الدول القومية وسيادته العقلية لمصلحة العلوم الطبيعية والإنسانية ‏أما عندنا فبعيدا من أن تكون المشكلة الدينية قد حلت يتراءى لبعضنا بالعكس أن الدين هو الحل لمشكلاتنا ‏الوفيرة، الاجتماعية والسياسية والثقافية وغيرها..." ‏

ماركس لم يخش المقارنة بشكل علني بين البروليتاري والمسيح أين المعاناة هي أيضا في عيون ‏المسيحيين معاناة كونية." في الواقع يوجد تيار فكري يحاول اختزال النظرية الماركسية في فكر ديني ‏ويحاول أن يعتبر الماركسية كدين مضاد وشيوعية ماركس وانجلز هي استكمال علماني أي جسم صوفي ‏للمسيح في حالة اكتماله أي وروحنة تامة لإنسانية شبه متألهة.

يؤول الأستاذ من جامعة برنستون ‏الماركسية بألفاظ تكاد تكون دينية حيث يدرج ماركس ضمن مقولات المؤسسين للدين. وقد تمثل مشروعه ‏في إماطة اللثام السميك عن المظاهر من اكتشاف ما يتضمنه أثر ماركس الديني من جوهري. فماهي نتائج ‏بحثه؟

يثبت ر. توكير أن " الماركسية هي ديانة الثورة" وأن مذهب ماركس تشكل على غرار المذهب الديني ويذكر ‏من جهة البنية بالتصورات الدينية الكبرى للغرب. تظهر الاشتراكية العلمية حسب الكاتب خصائص أساسية ‏مشابهة لتلك التي نجدها في مسيحية القديس أوغسطين في العصر الوسيط.

انه لا ينبغي أن تغالطنا ‏التصريحات بالإلحاد من ماركس لأن إلحاده كما يقول ر. توكير يترجم في نهاية المطاف بواسطة قضية ‏دينية توكيدية. إن ديانة ماركس هي ديانة خلاص ولا نستطيع أن نفهم ماركس إذا لم ندرك فكرة الخلاص ‏هذه التي توجد كأساس لنسقه" [16]
إن نقد الدين يؤدي إلى اكتشاف وإبراز الطابع الحقيقي لتعاسة الإنسان ولآلامه الواقعية الحسية ولكن نقد ‏ماركس للدين مختلف عن نقد فيورباخ ونيتشه والماديين الموسوعيين لأن ماركس مع إبطال المعتقدات ‏الغيبية والأفكار الماورائية ولكننا ينبغي أن نبتعد عن الرأي الذي يعتبره مجرد ملحد مناهض للدين فهو ‏ينادي بتطهير الوعي من الأوهام والشوائب وإحلال الوعي العلمي والنزعة الدنيوية وترسيخها في الثقافة ‏الإنسانية والحياة اليومية. ‏

انه من التجني أن نعتبر ماركس مجرد منكر للدين أو صاحب دين وضعي جديد لأنه يتحرك فلسفيا ضمن ‏أقطاب الظنة وكاشفي الأقنعة وهو ما يعني تجاوز الفرضيتين معا الإلحاد والإيمان،" ينزل ماركس في ‏مخطوطات 44 في وجهة النظر الذي يصبح بمقتضاها الإلحاد فاقدا للمعنى.

إن معنى مقترح ماركس يكون ‏هنا القول بأن الإلحاد قد أصبح من هذه الزاوية شيئا ثانويا وأنه أصبح نهائيا من غير النافع أن نصدح به. ‏ويفسر ماركس بأن الإلحاد هو نفي لله وهذا النفي يطرح وجود الإنسان...

إن الله يستمر إذن بالنسبة إلى ‏الإلحاد كوسيط وحد أوسط ضروري بما أنه من خلال المرور به يعود الإنسان إلى ذاته كشيء ضروري..." ‏‏[17]‏

إن اعتراض ماركس على الدين ليس إنكار له وان نقده للتوظيف السيئ له لم يتخذ شكل مذهب عدمي ‏للإلحاد بل كان ذلك من أجل تأكيد الإنسان المكتفي بإنسانيته الذي لا يدين في وجوده لأحد سوى لعالمه ‏الإنساني ويعتبر نفسه المرجع والمصدر لقيمه الخاصة.

ان ماركس قد نظر الى الدين نظرة علمانية عقلانية ‏متحررة من كل المعتقدات والبواعث ولم يأخذ هذه المسألة بجدية وكشيء يستحق المقاومة الضارية كما ‏فعل لينين وستالين بل تبنى موقفا فلسفيا عقليا."ربما تقدر الماركسية أن تنفتح على الفكرة التي ترى ‏بوجود مكان للقوى الروحانية التي تغير الإنسان نفسه وتقدم حلا نهائيا لمشكله إلى جانب القوى الزمنية ‏التي تغير البنى المجتمعية.

ربما يمكن انجاز المتطلبات المشروعة التي تطرحها هذه القوى الروحانية باسم ‏الإنسان عوض الخضوع لهذا التحول في البنى نفسها..." [18] ألا تعد الماركسية كما أكد برديائيف إيمانا ‏علمانيا ودينا وضعيا جديدا؟

أليس دينها نفسه هو الذي جعلها ضد كل دين؟ وهل بالفعل أدى الإلغاء ‏السياسي للعامل الديني عن طريق العلمنة الجذرية إلى إلغاء اجتماعي وثقافي له؟ ألم يستمر العامل الديني ‏في التأثير على سلوكيات الناس من حيث طاقته التربوية والأخلاقية والتواصلية على الرغم من حملة ‏التشكيك والإنكار التي تعرض لها خلال زمن الحداثة؟ لكن إذا كان العامل الديني لازمة من لوازم أية ثورة ‏فألا يتحول إلى عائق يمنع تشكل دولة مدنية؟

ماهي وظيفة المعتقدات الدينية في تنظيم العلاقات بين البشر؟ ‏كيف نفسر حكم ماركس على أن الدولة دنيوية من حيث الأصل والمبدأ وأن الدولة التي تجعل الدين وسيلة ‏لإكمال ذاتها هي دولة مارقة وأسوأ دولة تتغلف بالطهرانية لإخفاء التناقضات وتجعل كل رغيف خبز رهنا ‏بالإيمان؟

وإذا كانت سيطرة الدين لا تزيد عن تكون دين السيطرة فهل المطلوب هو موقف ديني راشد تجاه ‏السياسة أو موقف سياسي حازم تجاه الدين؟ وبأي معنى تتصور الفلسفة الماركسية الدين السياسي؟ ألا ‏تتجه نحو محاربة اليمين الديني السياسي والى الدفاع عن حق الوجود للسياسة الدينية من وجهة نظر ‏يسارية؟ أليست الدولة الديمقراطية في حاجة إلى الجانب العقلاني الاجتماعي التقدمي من الدين من أجل ‏تحقيق كمالها السياسي بما هي دولة الطبيعة البشرية وحرية العقل؟
__________
‏* الهوامش: ‏
‏ [1] ‏André Comte-Sponville, l’esprit de l’athéisme, introduction à une spiritualité ‎sans Dieu,Editions, Albin Michel,2006,p9‎

‏ [2] ‏Wackenheim, Ch , la faillite de la religion d’après Karl Marx, Paris, ‎PUF,1963‎

‏ [3] ‏Pierre Bigo, Marxisme et humanisme, Paris, PUF, 3 éditions, 1961‎
‏ [4] ‏Marcel neusch , aux sources de l’athéisme contemporain, chretien malgré ‎lui, Ed centurion, 1977.p77‎

‏ [5] ‏Marcel neusch , aux sources de l’athéisme contemporain, chretien malgré ‎lui,Ed centurion, 1977.p80‎
‏ [6] ‏J .f. Lyotard ,dérive à partir de marx et freud, collection 10-18,UGE ‎‎,1973,pp141-142‎
‏ [7] ‏Emmanuel Renault, Marx et l’idée de critique, Ed PUF, 1995, pp7‎
‏ [8] ‏Emmanuel Renault, Marx et l’idée de critique, Ed PUF, 1995,pp17‎
‏ [9] ‏Karl Marx, le Capital‏,‏

‏ [10] ‏Henri lefebvre, problèmes actuels du marxisme, Ed PUF,1958, pp36‎
‏ [11] ‏Georges labica, Karl Marx, les Thèses sur Feuerbach, Ed PUF, 1987,pp129‎
‏ [12] ‏Nguyen Ngoc Vu, idéologie et religion, d’après Marx et Engels , edition ‎Aubier Montaigne,1975 , p115‎

‏ [13] ‏René de lacharrière , la divagation de la pensée politique,Marx et la ‎socialisation de dieu, PUF 1972,pp191‎
‏ [14] ‏Armand Guillaume, la séduction marxiste, un prêtre médite Marx, EMI, ‎Bologna 1987, pp219‎

‏ [15] ‏Karl Marx, manifeste communiste, pp65 ,pp66‎
‏ [16] ‏Nguyen Ngoc Vu, ideologie et religion, d’après Marx et Engels , edition ‎Aubier Montaigne,1975 , p157-158-159‎
‏ [17] ‏Franck Fischbach, la production des hommes , Marx avec Spinoza, Ed ‎PUF,pp126‎‏.‏

‏ [18] ‏Pierre Bigo, Marxisme et humanisme, Paris, PUF, 3 éditions, 1961,pp220‎

كاتب فلسفي

من أنطوني ولسن إلى العزيز شربل بعيني

لقد قرأت ما نشرته عن عدم وجود إسمكم بين المكرمين. كذلك نوهت على أنه لم ينشر إسمي أيضا رغم أن التكريمين قد أوصلهما قدس أبينا يوسف الجزراوي السامي الأحترام. وأيضا وصلتنا الدعوة للحضور وأتذكر أن القائمة بدأت بـ :
** د. موفق ساوا .
** الشاعر اللبناني شربل بعيني .
** الأب يوسف الجزراواي .
** الأستاذة بهية حمد .
** الأديب المصري أنطوني ولسن .
ولا أكذب عليكم لا أتذكر بقية الأسماء .
لكن المفاجأة أن إسمينا قد حذفا من كل من جريدة " التلغراف " الغراء ، وجريدة "الأنوار"  الغراء المشهود لهما بالأحترام.
   ولقد قرأت ما كتب على صفحتك من أنهما نشرا ما جاءهم. وهنا لي وقفتان صغيرتان: الاولى.. لماذا لم يحدد أيّ منهما المصدر الذي أرسل لهما الخبر؟.
هذه واحدة.. أما الثانية: فلم نسمع من القائمين على التكريم اي كلمة تؤكد لنا أنه لم يتم حذف إسمينا (شربل وأنطوني)، بعد أن تم تكريمنا فعلاً، وسلم أبونا يوسف الجزراوي السامي الأحترام الجائزتين إليك. وقد إتصلت بي وأخبرتني بذلك ووعدتني بالزيارة ومعك جائزتي.
سألتك، في مكالمة حديثة، إن كانت أسماؤنا مكتوبة على الجائزتين!. فأجبتني بنعم. لذا أتمنى عليك أن تصورهما وتنشرهما.
أما عن ما قيل وما سيقال فلسنا في حاجة إلى تفسيرات سوى معرفة من كتب الخبر للجريدتين المحترمتين وتوضيح من القائمين على مؤسسة "السواقي" التي تولت إقامة ذلك المهرجان، الذي لم نستطع، لا أنا ولا أنت، الذهاب اليه لظروف صحية وعائلية وخاصة .
مع وافر تحياتي وإحترامي
أنطوني ولسن
25 / 4 / 2014

نحنا عرب/ عصام ملكي


حاجــِـــه بَقا يـــــا رَبّ نَجـينا
البابُور ما بيِرْسي على المينا
كلـــمــا فَشخنا للـــوَرا منْعود
وعـا طُول حُبّ الذات عامينا.

نحنا عرب بالحَرب مَنَّا أْسُود
وما في حَدا عا الأرض يحْمينا
ومش بسّ إنُّو فهمنا محـــدود
نحنا عـــا كعْب الكنفشِه رْبينا.

ولا يــوم عِنّا طقس إسمو بْرود
ومـــــــــــا في حَدا أفراح يعْدينا
مــا منعرف الخُرْدُق من البارود
وأوقات مــــــا منعرف اسامينا.

تخمين نحنا مــــن قْرود السُّود
ومِــــن وين جينا؟ كلّنا نْسينا...
وتا نصير عالَم ما انعمل مَجْهود
يعني انتهينا قـــبــل مـــــا بْدينا.

بها الكون مَنُّو وجودنا موجود
تا نهرب من الحَقّ مـــــــا فينا
اللي بْيهتِــري بيصير كلُّو دود
والأرض متل الخَــوخ والتفاح
وقـــــت اللي هِيِّي دَوَّدتْ جينا.

بوسمغون بالجزائر قبلة لوفد تيجاني هام غدا الاربعاء/ أحمد ختاوي


ستكون بوسمغون بولاية البيض / الجزائر/ معقل التيجانية في أعمق تجلياتها الروحية  غدا الاربعاء  قبلة لوفد  هام يتكون من  أكثر من 40 مريدا لهذه الطريقة التي تعرف أكثر من  50 مليون مريد عبر العالم ..الوفد قادم إليها من مكة المكرمة ، حيث أدى مناسك العمرة ، وعرّج  على قبر الولي الصالح أحمد  التيجاني  بفاس بالمغرب ، سيحط رحاله غدا بعد الظهيرة ببوسمغون  في زيارة ميمونة تبريكية .
الاهالي والسلطت  ، أعدوا لهذا الحدث  الروحي  الهام  كل الوسائل الممكنة  لإستقبال الضيوف  الذين يتوزعون على أكثر من  10 دول ، من أنونسيسيا ، نيجريا ، فرنسا وغيرها .
للإشارة بوسمغون تعد معقل التيجانية في أسمى تجلياتها الروحية ، حيث يوجد  بها مرقد  الشيخ  أحمد التيجاني ، الذي أقام  بها ناسكا ، متعبدا  أزيد من 17 عاما ، وهو ابن 21 سنة من عمره ، قادما إليها يافعا  من عين  ماضي  بولاية الاغواط  بالجزائر .
كما تجدر الاشارة كذلك  الى أن الولي الصالح أحمد  التيجاني يحظى بتقدير روحي كبير   من قبل مريديه ، وهو الذي نشر مبادئ الدين الاسلامي  السمحة بربوع إفريقيا  بعيدا عن الفكر الخرافي والتفكير المتشدد  الشوفيني  ، حيث ظل يدعو  على مدار حقبته الروحية الى التحلي بروح  الصفح ، والتسامح ، وفق السنة المحمدية ، 
يُجمع  أغلب المؤرخين ن والدارسين لمنهجه ونهجه  الروحي، خاصة  البحاثة ، والمفكر الاسلامي  المعاصر،المتخصص في شؤون التصوف  الدكتور محمد بن بريكة  صاحب موسوعة " الحبيب ' التصوف الاسلامي من الرمز الى العرفان "أنه ظل يتعبد ب" خلوة " بوسمغون ' متمسكا بالروح السمحة التي جاءت بها تعاليم  الدين الاسلامي السمحة ..
"الخلوة "  ببوسمغون ، مزار المريدين  من جميع أصقاع العالم ، يؤمه جموع المريدين  من جميع  أصقاع المعمورة ، تشهد على  مدار السنة  توافد العديد من الزوار ، أغلبهم  من أفرقيا ،أندونسيا  وخاصة السينغال ووسط  إفريقيا .....
يُذكر أيضا أن  بوسمغون  بحر َ الاسبوع الفارط كانت محل زيارة وفد تيجاني هام 
ومن المزمع   أن تتوالى الزيارت تباعا  عبر الشهر القادم ، حيث سيشهد  توافد وفد آخر هام  يتكون  من  أزيد  من 30 مريدا حسب مصادر موثوقة  من  بوسمغون 

 ..أحمد ختاوي /  

طوشة في الطريق الى الجنة/ نبيل عودة

تناقلت أخبارنا المحلية في الأسبوع الأخير ظواهر طائفية لا يمكن للعقل السليم ان يمر عليها وكأنها امرا لا غبار عليه ولا يشكل ظاهرة مقلقة ومدمرة لتواصلنا الاجتماعي والوطني!!
****
 أحد المواقع التي كنت أشارك في الكتابة فيها، طرح موضوعا "خطيرا جدا" للبحث والتداول.
 توقعت ان الموضوع يتناول مصير الأقطار العربية في ظل ما يجري اليوم في مصر وتونس والجزائر وسوريا وليبيا، وهل سيتمكن العالم العربي من تقرير مصير العرب بما يتناسب ووزنهم الكمي(ولا اقول النوعي)، وبما يتناسب مع ثروتهم التي لا ترجمة اقتصادية لها في الواقع الاجتماعي العربي، او ان يتناول "الموضوع الخطير جدا" في البحث رؤية العرب لهويتهم ولقضايا مجتمعهم السياسية بكل اتساعها وكيفية مواجهتها من اجل الانطلاق الى مستقبل يستعيدون فيه مكانتهم بين الشعوب المتقدمة، بما يجعل القوى الخارجية تأخذ مواقفهم ومصالحهم بانتباه وحذر. او يطرح مشكلة الطائفية التي تمزق العالم العربي بين المسلمين انفسهم (سنة وشيعة) وبينهم وبين طوائف عربية اخرى كالمسيحيين مثلا.
المفاجأة غير السارة كانت حين قرأت عنوان الموضوع الخطير جدا الذي يشغل اوساط واسعة من عالمنا العربي: "هل سيدخل المسلمون وحدهم الجنة دون خلق الله؟"
 قرأت واحترت بين البكاء أو الضحك. مشاركات بعض الكتاب حول الموضوع الخطير كانت مجرد هرطقة، تغير إحساسي من الضحك أو البكاء إلى حيرة وقلق حول متاهات الوعي والعقل والاتزان عند الإنسان عامة وبعض العرب خاصة. هل من الممكن أن يشغل هذا "الموضوع الخطير"  مثقفين وأكاديميين في مجالات علمية، بدل مسائل الفيزياء مثلا، أو الاكتشافات التي تغير مجرى العلوم، مثل اكتشاف جزيئات سرعتها أكبر من سرعة الضوء؟ أو موضوع الانفجار الكبير وتشكل الكون ؟ أو طرح بدائل لمجتمع الفساد، عبر رؤية حداثية لمجتمع المساواة والعدالة الاجتماعية والتطور الاقتصادي والتعليمي والعلمي؟ أو إنجاز نظام ديمقراطي يضع الإنسان في رأس سلم أولوياته؟  أو رؤية ثقافية لبناء مجتمع يقرأ ويترجم ويجدد رصيده الثقافي، فلا يبقى غارقا في متاهات الماضي التي استهلكت بموضعها وبغير موضعها حتى السأم؟!
 مسائل كثيرة هامة جدا، ومصيرية جدا، تدفقت في ذهني وأنا أمنع نفسي من الضحك حزنا.. فشر البلية ما يضحك!!
ما دفعني للكتابة عن الموضوع ما شهده مجتمعنا العربي داخل اسرائيل في الأيام الأخيرة من طوشة عمومية في سباق لتسجيل ملكية السماء.
 ظننت اننا نتقدم الى الأمام بفعل التأثيرات الليبرالية للمجتمع الاسرائيلي وهو مجتمع اوروبي ليبرالي ديمقراطي يخضع لقانون وضعي رغم كل سلبيات النظام العنصري.
نعم تأثرنا بالمفاهيم الليبرالية والفكر الديمقراطي ومفاهيم حقوق الانسان وحقه في حرية العقيدة والإختلاف الثقافي والديني والاثني.  مجتمعنا، رغم كل الضغوطات العنصرية والتمييز القومي كان يشد الخطى نحو العصرنة  بكل اتساعها...
 على الأقل هذا ما كان واضحا قبل عقدين او اكثر من السنين.. وأعترف اني بدأت ألاحظ تراجعا مقلقا وميلا نحو التزمت الديني منذ ثلاثة عقود على الأقل ، تأثرا بالثورة الاسلامية في ايران كبداية وصولا الى نقل سلبيات التعصب الديني في العالم العربي الى مجتمعنا المحاصر في اسرائيل... ليس بدون رضا حكومي ومخابراتي وربما بتشجيع اوساط عليا في قمة الهرم السياسي للنظام الإسرائيلي والشهادة على ذلك احداث ما عرف باسم "ساحة شهاب الدين" في الناصرة  ولست في باب العودة لتلك القضية التي الحقت الضرر البالغ بالمجتمع العربي في اسرائيل.  لا ارى اننا قادرون، بما ترسب من سلبيات وتفكك اجتماعي وتعصب ديني... على النهوض والانطلاق من جديد نحو تعريف هويتنا الوطنية كهوية مركزية والتخلص من الترسبات السلبية التي باتت مدمرة للتكامل الاجتماعي ولتحديد الهوية الأساسية للجماهير العربية في إسرائيل وجعلها نقطة ارتكاز وانطلاق سياسي، اجتماعي، ثقافي ووطني.
ما اراه لألمي وأسفي هو المزيد من التفكك الاجتماعي والسياسي والإنطواء الطائفي، نتراجع بتسارع اراه في منتهى السلبية.. لدرجة اني اسأل نفسي اذا كنا شعبا واحدا او شعبين. ثقافة واحدة او ثقافتين. اجندة واحدة ام اجندات مختلفة. 
ما دفعني لكتابة مقالي ما تناقلته أخبارنا المحلية في الأسبوع الأخير من ظواهر لا يمكن للعقل السليم ان يمر عليها وكأنها امرا لا غبار عليه ولا يشكل ظاهرة مقلقة ومدمرة لتواصلنا الاجتماعي والوطني.
 مثلا الغاء نشاط ترفيهي في باقة الغربية خوفا من ألفتنة كما جاء في بيانات موقعة باسم حركة اسلامية وتبريرها ان الفعالية لا تتوافق مع الشريعة وما قد يسبب الاختلاط من وقوع النساء في الخطيئة والشرك... (أي ان المرأة لا تملك القدرات العقلية للتمييز بين الخطأ  والتصرف ألسليم، والرجل مجرد وحش مفترس للنساء)
لم ينته الأمر هنا.. جرى التعرض في عكا لفرقة "وطن على وتر" ومنع الجمهور من دخول القاعة بحجة ان الفرقة سخرت في عرض سابق لها من الاخوان المسلمين.
واستمرار لهذا التطور اعترضت الحركة الاسلامية في سخنين  على عرض فلم ألمخلص ( وسخنين مدينة يعيش فيها ابناء الطائفتين بتوافق ومحبة وآمل ان الحادث لن يغير ما اشتهرت فيه سخنين من تسامح وتعايش يعتبر نموذجا اجتماعيا حضاريا ووطنيا) الفلم يتناول حياة المسيح وسبب الاعتراض لأنه يعتمد قصة الانجيل المسيحي وليس حسب الرؤية الاسلامية للمسيح.. 
لا تعليق... 
عدد من ألمثقفين من مختلف الطوائف ، عالجوا الموضوع ولا اجد ما اضيفه على ما كتبوه من قلق ونقد لهذه التصرفات!
بالمناسبة اسوق ما قاله البابا فرانسوا في تصريح عقلاني له، اكد فيه انه من خلال التواضع والبحث الروحي والتأمل والصلاة، اكتسبنا فهما جديدا لبعض العقائد. قال "ان جميع الأديان صحيحة وعلى حق، لأنها كذلك في قلوب كل الذين يؤمنون بها".
أجل كل الديانات على حق وليس من قرروا انهم يتكلمون باسم السماء!!
اضاف البابا ان "الكنيسة لم تعد تعتقد في الجحيم حيث يعاني الناس، هذا المذهب يتعارض مع الحب اللأمتناهي للإله. الله ليس قاضيا ولكنه صديق ومحب للإنسانية. الله لا يسعى إلى ألإدانة وإنما فقط إلى الاحتضان. ونحن ننظر إلى الجحيم (جهنم) كتقنية أدبية، كما في قصة آدم وحواء. الجحيم(جهنم) مجرد كناية عن الروح ألمعزولة والتي ستتحد في نهاية ألمطاف على غرار جميع ألنفوس في محبة ألله
من المؤسف ما يحدث في مجتمعنا من تراجع نحو التعصب وطوشة في الطريق الى الجنة.   
 ان قضايا الإنسان (ليس العربي فقط) على وجه الأرض هي المواضيع الهامة، وهي التي تحتاج إلى قدر من الوعي لمعرفة الصواب من الخطأ والصحيح من الضلال، في إقرار مناهج سليمة لإدارة شؤون المجتمع والرقي بالإنسان.
ان اشغال عقول البسطاء بمن سيدخل الجنة (بعضهم يسمون "علماء" وبعضهم حملة شهادات جامعية، لا اعرف اذا تبقى لها قيمة بعد ان يغرقوا بالجواب ألعلمي على "الموضوع ألخطير)  هي سحق للعقل العربي وإغراقه بمتاهات لا مخرج لها.
حسب البابا فرانسوا الجنة هي موضوع رمزي، والويل لنا إذا توهمنا بأننا نعرف عنها أكثر مما نعرف عن واقعنا اليومي. إن الطرح الديني جاء من باب الترهيب والترغيب، أي لم يكن دافعا معرفيا، إنما دافعا أخلاقيا.
من المؤسف أن ينشغل عشرات "المثقفين والمتعلمين" بهذا الموضوع "الخطير"، وإعطائه صفة العلم، بينما هو موضوع بائس في مقياس العقل المتنور. ويروقني بهذه المناسبة أن يكون ردي بحكاية سمعتها في روايات عديدة، وها أنا أقدم صيغة جديدة للحكاية  بدل الثرثرة بلا معنى:
وقف احد الملائكة ( حامل مفاتيح الجنة) على باب السماء، يستقبل الناس الصالحين الوافدين إلى الجنة. طلب الملاك من الشخص الواقف في الدور: عرف نفسك وأذكر أفعالك. قال الرجل: أنا مسلم سني، فعلت الخير كل عمري، لم أفوت فريضة، لم أرتكب ما يشعرني بتأنيب الضمير. كنت مثالا للإنسان الصالح  والمنفذ لكل تعاليم الدين. قال له الملاك بعد أن فحص أوراقه الثبوتية وسجله العدلي: تفضل ادخل واذهب إلى غرفة (168) ولا تلتفت إلى بقية الغرف في الطريق، رغم الضجة والصخب التي في داخلها.
وهكذا دخل الرجل سعيدا إلى غرفة (168) وهو يكاد يطير من الفرح.
وتواصل ادخال الوافدين من ألصالحين
جاء دور  مسلم شيعي، فطلب منه ألملاك تعريف نفسه وذكر أفعاله. قال: أنا مسلم شيعي كنت مثالا لطيبة ألنفس لم أرد على ذمي من مخالفي عقيدتي ولم أؤذ أحدا في حياتي والتزمت بتعاليم الدين.  فحص الملاك أوراقه الثبوتية وملفه العدلي وقال له: اذهب إلى غرفة (270) ولا تلتفت إلى الغرف الأخرى حيث الصخب والضجيج.
 دخل الرجل  مليئا  بالسعادة، راكضا كالصاروخ إلى غرفة (270).
هكذا قابل الملاك مختلف الناس من طوائف إسلامية عديدة. ثم جاء دور المسيحيين من كل الطوائف؛ لاتين، اورتوذكس، كاثوليك، موارنة، أقباط، سريان، معمدانيين وأتباع مختلف الفلق المسيحية. ثم شهود يهوه والماسونيين، ثم جاء دور البوذيين والمجوسيين، وبعدهم جاء دور الشيوعيين من مختلف فلقهم؛ ماويين، تروتسكيين، ستالينيين، تقليديين وتيارات أخرى يصعب تذكرها. ثم جاء دور القوميين من تيارات مختلفة والشوفينيين على أشكالهم، كان الملاك يرسل كل شخص  إلى غرفة مختلفة  ويوصيه  بعدم الالتفات إلى الضجيج والصخب في مئات الغرف الأخرى التي يتعالى فيها الصراخ والهتافات والغناء وضرب الطبول. بذلك تجاوز عدد الغرف مئات كثيرة لشدة الاختلاف وكثرة العقائد والتحزبات والجمعيات والألوان والأجناس. ثم جاء دور رجل يهودي، فكان هذا الحوار:
- من أنت؟
-أنا يهودي مؤمن وصالح، لم أفعل غير الحق  وتنفيذ أوامر الرب بقتل أعدائه فقط.
- اذهب إلى الغرفة (99) ولا تلتفت إلى الغرف الأخرى رغم الصخب والضجيج فيها .
- لماذا الصخب والضجيج ؟
- هذا ليس شأنك.
- لكني ابن الجنة الآن  ولا بد أن أعرف ما يدور حولي.
- انتم اليهود دائما حشريون، لا تقنعون بما خصص  لكم.. اذهب إلى غرفة (99) وانتهى الأمر.
إلا أن اليهودي أصر بعناد أن يعرف مسألة الغرف الأخرى والضجيج، قال:
 لم أقرأ في التوراة أن في الجنة غرفا وصخبا وضجيجا . هذا أمر غريب لا بد من أن توضحه لي. هل من ملحق للتوراة  لم يصلنا؟ غضب الملاك  من عناده، لكن القرار الرباني حسب التسجيلات في الحاسوب تشير انه من أهل الجنة. قال له: انتم حشريون دائما، أصحابك اليهود من أتباع حاخامك في الغرفة (99) . الغرف الأخرى فيها أبناء طوائف أخرى، بل ويهود من أتباع حاخامات آخرين، بالطبع أعضاء حركات وتنظيمات مختلفة.. وكل مجموعة في غرفتها، تظن أن لا أحد غيرهم في الجنة، لذلك يفرحون ويصخبون ويضجون، يلقون الخطابات والقصائد ، يغنون ويرقصون محتفلين  بوصولهم إلى الجنة.  أنا لا أريد  أن أعكر صفو فرحهم  وتوهمهم أنهم الوحيدون في الجنة!
ستذهب الآن من أمامي، أم أرسلك لآخر الدور لتنتظر سنوات حتى تمثل أمامي مرة أخرى؟!
 nabiloudeh@gmail.com

أشهرٌ حاسمة لتقرير مصير العرب/ صبحي غندور

صحيحٌ أنّ هناك خصوصيات يتّصف بها كلُّ بلدٍ عربي، لكن هناك أيضاً مشاكل مشتركة بين أقطار الأمَّة العربية، وهي مشاكل تنعكس سلباً على الخصوصيات الوطنية ومصائرها. لذلك هي حاجة ماسَّة الآن لمشروع عربي نهضوي مشترك، كما هي الحاجة للمشاريع الوطنية التوحيدية داخل الأوطان نفسها.
فسلبيّات الواقع العربي الراهن لا تتوقّف على سوء الأوضاع العربية الداخلية وعلى المخاطر الناجمة عن التدخّل الأجنبي فقط، بل تنسحب أيضاً على كيفيّة رؤية العرب لأنفسهم ولهويّتهم ولأوضاعهم السياسية والاجتماعية، وعلى كيفية علاقاتهم مع القوى الخارجية. 
ولعل التّعامل مع سلبيّات الواقع والعمل لإيجاد بدائل إيجابيّة يتطلّب تحديد جملة مفاهيم وبرامج عمل ترتبط بالهويّة والانتماءات المتعدّدة للإنسان العربي، وبدور الدّين في المجتمع، وبالعلاقة الحتمية بين حرّية الوطن وحرّية المواطن، وبالفهم الصّحيح للعروبة وللمواطنة وللعلاقة مع "الآخر"، وأخيراً في التلازم المنشود بين الأهداف الوطنية وأساليب العمل اللاعنفية. 
لكن من المهمّ التوقّف عند ملاحظة السياق العام لتاريخ المنطقة العربية بأنّ "الخارج الأجنبي" يتعامل معها كوحدة متكاملة ومتجانسة، في الوقت ذاته الذي يدفع فيه هذا "الخارج" أبناء الداخل العربي إلى التمزّق والتشرذم والارتباط المصلحي معه. 
وأهمّية هذه الملاحظة تظهر الآن حيث لم تعد هناك قضية مركزيّة واحدة تشدّ اهتمام العرب جميعاً، كما كان الحال العربي قبل منتصف السبعينات من القرن الماضي، فقد أصبح لكلِّ بلد عربي قضيته الخاصّة التي تشغل شعبه وحكومته، رغم وجود عناوين مشتركة لهذه القضايا؛ مثل: الإصلاح السياسي الداخلي، التخلّف الاجتماعي والركود الاقتصادي، تحدّي الأمن والاستقرار، الحفاظ على الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي المشترك، إضافةً طبعاً إلى استمرارية وجود مشكلة الاحتلال الإسرائيلي وإفرازته على كلّ المنطقة.
نعم هناك تغييرٌ بلا شكّ يحدث الآن في المنطقة، لكنّه تغيّر حاصل دون حسمٍ للاتجاه الذي يسير فيه.. أي أنّ هذه المتغيّرات العربية تحدث الآن باتجاهاتٍ مختلفة، وليس لها مستقرّ واحد يمكن الوصول إليه. فجملة عوامل تتفاعل الآن لإحداث تغييرات داخل المنطقة العربية. بعض هذه العوامل هو نموّ طبيعيّ في مجتمعات الأمَّة، وبعضها الآخر هو مشاريع من الخارج يراهن على حصادٍ خاصّ يتناسب مع مصالحه في داخل المنطقة.
إنّ الأشهر القادمة من العام الجاري هي أشهرٌ حاسمة لمصير بعض الأوطان العربية وللأزمات القائمة في عموم المنطقة، وهي أزمات وقضايا تتفاعل منذ عقودٍ طويلة، وليس كحصادٍ للسنوات الثلاث الماضية فقط. فما كان قِطَعاً مبعثرة ومتناثرة؛ من أزماتٍ إقليمية متنوعة، ومن حالات ظلم واستبداد وفساد على المستوى الداخلي، ومن مفاهيم ومعتقدات فكرية وثقافية سائدة في المجتمعات، تجمّعت كلّها الآن وامتزجت مع بعضها البعض في ظلّ متغيّرات دولية لها انعكاساتها حتماً على مصير الأوطان العربية وما يحدث في بعضها من حراكٍ شعبي أو من مظاهر حروبٍ أهلية، وبأساليب لم تشهدها بلدان المنطقة من قبل.  
وستكون هناك تأثيرات كبيرة على مجمل المنطقة لأستحقاقات عربية وإقليمية ودولية في الأشهر القادمة. فإضافة لمواعيد عمليات انتخابية مستحقة هذا العام في مصر والعراق ولبنان والجزائر وسوريا، هناك أيضاً استحقاق موعد نهاية مهلة التفاوض حول الملف النووي الإيراني، وما قد ينتج عن ذلك سلباً أم إيجاباً في العلاقات بين إيران والدول الغربية. هذا إلى جانب تفاعلات الأزمة الأوكرانية التي هي أيضاً أمام استحقاق الأنتخابات في شهر آيار/مايو القادم. 
ولن تكون الأشهر القادمة حاسمة لمصير أنظمة وحكومات عربية فقط، بل أيضاً لمصير بعض الكيانات وحدودها الجغرافية، وما هي عليه تاريخياً من تركيبة اجتماعية وسكانية. ولن يقتصر الأمر على جناحٍ واحد من جناحيْ الأمَّة العربية، فبلدان آسيا العربية وإفريقيا العربية كلّها في دائرة حسم المصير المشترك.
صحيحٌ أنّ الانتفاضات الشعبية قد نجحت في تغيير الحاكمين لبعض الأنظمة، لكن تفاعلات ما بعد ذلك كانت - وما تزال - مرحلة حبلى بالمخاطر على مستقبل هذه الأوطان ووحدة شعوبها.. ولا يجب أن ننسى أنّ بارقة الأمل في مطلع العام 2011، التي اتجهت شرقاً نحو مصر وليبيا من تونس، قد سبقها هاجس التقسيم الذي حصل جنوب مصر في السودان، ثم تلاها خطر الحفاظ على وحدة الأوطان في سوريا واليمن وليبيا. 
إنّ المشكلة عربياً لم تكن – وليست هي الآن -  بالأشخاص والحكومات فقط، بل أيضاً بالسياسات، وبنهج التبعية للخارج، وببعض المفاهيم والمعتقدات على المستويين "النخبوي" و"الشعبي"، وبوجود حالاتٍ انقسامية داخل مكوّنات الأوطان العربية وبين الأوطان نفسها. لذلك تتأكّد أهمية الجمع في أهداف التغيير بين شعارات الديمقراطية والوحدة الوطنية والعدالة والتحرّر الوطني والهويّة العربية، حيث في تلازم هذ الأهداف، وفي التمسّك بسلمية الأساليب، ضمانات لنجاح التغيير العربي المنشود فعلاً ولعدم حرفه أو انحرافه عن مساره السليم.
إنّ الأشهر القادمة من هذا العام هي حاسمةٌ ايضاً لأزماتٍ إقليمية عديدة، وهناك الآن سعيٌ محموم لدى إدارة أوباما للتعامل معها بالجملة بعد فشل التعامل معها سابقاً بالمفرّق. بل هناك محاولاتٌ لتوظيف ما يحدث من تركيز في الاهتمامات الشعبية العربية على قضايا داخلية أصبحت لدى البعض هي المعيار، بدلاً من معايير سابقة كانت تتمحور حول الصراع مع إسرائيل ومن يدعمها دولياً.
إنّ رؤية احتمالات الأحداث وتطوراتها القادمة هذا العام تتطلّب التعامل مع أوضاع الأمَّة العربية ككل، وعلى ما يحدث فيها وحولها من متغيّرات سياسية،  قد تُدخِل بعض شعوبها في التاريخ لكن قد تُخرج أوطانها من الجغرافيا. 
وهناك الآن تساؤلاتٌ عديدة تفرضها التطوّرات الراهنة في المنطقة العربية، التي تختلط فيها الإيجابيات مع السلبيات دون فرزٍ دقيق بين ما هو مطلوب وما هو مرفوض. فحتماً هي مسألة إيجابية ومطلوبة أن يحدث التغيير في أنظمة الحكم التي قامت على الاستبداد والفساد، وأن ينتفض النّاس من أجل حرّيتهم ومن أجل الديمقراطية والعدالة. لكن معيار هذا التغيير، أولاً وأخيراً، هو وحدة الوطن والشعب واستقلالية الإرادة الشعبية عن التدخّلات الأجنبية. فما قيمة أيِّ حركةٍ ديمقراطية إذا كانت ستؤدّي إلى ما هو أسوأ من الواقع القائم، أي إلى تقسيم الأوطان والشعوب ومشاريع الحروب الأهلية!. ثمّ ما هي ضمانات العلاقة مع الخارج الأجنبي، وما هي شروط هذا الخارج حينما يدعم هذه الانتفاضة الشعبية أو تلك؟!
المشكلة هنا ليست في مبدأ ضرورة التغيير ولا في مبدأ حقّ الشعوب بالانتفاضة على حكّامها الظالمين، بل في الوسائل التي تُعتَمد وفي الغايات التي تُطرَح وفي النتائج التي تتحقَّق أخيراً. وهي كلّها عناصر ترتبط بمقوّمات نجاح أيّة حركة تغييرٍ ثوري، حيث لا فصل ولا انفصال بين ضرورة وضوح وسلامة القيادات والأهداف والأساليب. فلا يمكن حصر المراهنة فقط على ضرورة مبدأ التغيير، الذي يحدث متزامناً مع سوء القيادات وأساليبها وعدم معرفة حقيقة غاياتها وبرامجها الفعلية وطبيعة ارتباطاتها الخارجية، كما لا يمكن أيضاً تجاهل مدى علاقة التغيير الديمقراطي المنشود بمسائل الصراعات الأخرى الدائرة في المنطقة، وفي مقدّمتها الصراع العربي/الصهيوني والتنافس الدولي والإقليمي على المنطقة وثرواتها.
الجميع الآن بانتظار ما ستسفر عنه الأشهر القادمة من متغيّراتٍ سياسية جذرية في المنطقة العربية، وليس في الحكومات والأشخاص فقط، لكن من المحتّم أنّ القوى الدولية والإقليمية الفاعلة ليست جالسةً مكتوفة الأيدي ومكتفيةً بحال الانتظار. هي تعمل بلا شك على تهيئة نفسها لنتائج هذه المتغيّرات، بل هي تحاول الآن استثمارها أو حرفها أو محاصرتها أو التحرّك المضاد لها.. وهي كلّها حالاتٌ قائمة مرتبطة بمكان هذه المتغيّرات وظروفها، بينما لا تتوفر بعدُ رؤية عربية مشتركة لكيفية مواجهة تحدّيات الحاضر ولا طبعاً لمستقبل العرب وأوطانهم!.
جسد الأمة العربية يحتاج الآن بشدّة لإعادة الحيوية النابضة في قلبه المصري، في ظلّ أوضاعٍ عربية كانت تسير في العقود الأربعة الماضية من سيءٍ إلى أسوأ، ومن هيمنة غير مباشرة لأطراف دولية وإقليمية إلى تدخّل مباشر في بلدان الأمّة، بل باحتلال بعضها، كما حدث أميركياً في العراق، وإسرائيلياً في لبنان وفلسطين، وغير ذلك على الأبواب الإفريقية والآسيوية للأمّة العربية التي بدأت كياناتها الكبرى بالتصدّع واحدةً بعد الأخرى.
إنّ العرب جميعاً الآن قلقون على مصر، وكلّهم أملٌ بأن تعود مصر لدورها الريادي العربي، وأن تستقرّ أوضاعها الأمنية والسياسية والاقتصادية وأن تتحرّر القاهرة من قيود "كامب ديفيد" التي كبّلتها لأكثر من ثلاثة عقود فأضعفتها داخلياً وخارجياً. 
مصر لها الدور الريادي في التاريخ القديم والحديث للمنطقة، ومصر لا يمكن أن تعيش منعزلة عن محيطها العربي وعمّا يحدث في جناحيْ الأمّة بالمشرق والمغرب، فمصر هي في موقع القلب، وأمن مصر وتقدّمها يرتبطان أيضاً بالتطوّرات التي تحدث حولها. ولعلّه خيراً أن يكون العرب بانتظار عودة مصر من أن تكون الأمّة العربية كلّها بانتظار تقرير القوى الكبرى لمصيرها ولمستقبلها.  

*مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن
Sobhi@alhewar.com

حكاية وطن/ امل الحمداني

من غياب القهر ...
تبدأ حكايتي..
أنا وطن ... اغتاله مواطن
أنا وطن مشلول العقارب..
حين غادرني زمن الورد..
توارثني الحزن ... حتى ابتلعني الصمت
ضيعوني ..وغيبوا فصولي
فلم يبق لي ..سوى خريف عربي 
أغتالوا حظارتي.. وشوهوا تاريخي..
واورثوني عقودا عجاف

************
حدود خرقاء..
و خارطة صماء..
وشعب يراود عن نفسه طائفية البغاء..
فلا الدعاء يرجى غيثه..
ولا انسانية البشر

أحبوا بعضكم بعضًا.. كانت الوصية/ جواد بولس

لا أعرف إن كانت هنالك صلات تنظيمية بين الأجسام التي عارضت تنفيذ مجموعة من النشاطات الاجتماعية والفنية التي كان مزمعًا تنفيذها في بعض من قرانا في الجليل والمثلث. ففي باقة الغربية اضطر منظمو مسيرة رياضية، استهدفت إشراك جميع أفراد العائلة في نشاط ترفيهي هادف، ويشمل عرضًا لسيرك وغيره، اضطروا إلى إلغائها منعًا لـ"الفتنة"، كما جاء في إعلان المسؤولين هناك.
سبق ذلك، توزيع مناشير وبيانات موقعة باسم حركات إسلامية دعت إلى إلغاء الفعّالية، وذلك لكونها لا تتوافق وقواعد الشريعة الإسلامية، وبما قد يتيحه الاختلاط من وقوع النساء المشاركات في الخطيئة والشرك.
في عكا تصدّت مجموعة من التكفيريين لعرض فرقة  "وطن على وتر"، ومنعت الجمهور من دخول قاعة العرض  بحجة أن الفرقة  تعرّضت، في الماضي، في أحد عروضها،  الساخرة الناقدة للإخوان المسلمين.
وأخيرًا، في سخنين اعترضت حركة إسلامية على عرض فيلم "المخلص" الذي يروي قصة المسيح، ولتوضيح موقف المعارضين نشر خمسة من أئمة مساجد سخنين بيانًا عللوا فيه موقفهم الرافض لعرض الفيلم بارتكاز روايته على ما جاء في إنجيل لوقا عن حياة المسيح، وليس كما قبلتها العقيدة الإسلامية.
إلى ذلك فلقد "نصح" الأئمةُ المسيحيين، إذا أرادوا، أن يعرضوا الفيلم أن يعرضوه في كنائسهم أو بيوتهم. ووعدوا بأنهم سيبقون: "حصنًا حصينًا للدفاع عن عقيدتنا وشريعتنا وقرآننا الكريم". 
نحن إزاء ظاهرة قطرية تعكس نمو فكر تكفيري ينتشر بوتائر سريعة. لن يشذ أصحاب هذا الفكر عمّن سبقوهم في الحركات السياسية الإسلامية التكفيرية، ولسوف يحذون حذوهم في مساعيهم لفرض ما يحسبونه حقهم وواجبهم في سبيل الذود عن إيمانهم، كما يفهمونه، فدونه، كل موقف وفعل وإيمان باطل ولاغ وحرام.  
أمامنا المشهد واحد، فمن ينتظر ماذا؟ وماذا يجب أن يحدث كي يستشعر المؤمنون بالإنسان ورفعته وبحرّية الكلمة والرأي والعبادة، أن الخطر داهم، وأن الوضع أعوص من طبطبة هنا وكلام عن الأخوّة والتسامح هناك، فلقد علّمنا التاريخ أن إنكار الوجع لا يوقف النزف، وإطباق العيون في الظلمة لا يستحضر النور، ودائمًا كانت الوقاية خير من قنطار علاج. 
ما جرى في سخنين هو فصل من فصول الرواية ذاتها، وقد يتوهّم البعض أن للقضية أبعادًا طائفية فقط، وأنا لا أرى ذلك، لأنني أرى أننا قد تخطينا هذا التوصيف وما نحياه اليوم، في فلسطين الكبيرة، هي  حالة أقرب إلى "البوستطائفية"،  أي ما بعد الطائفية. ففي باقة الغربية هناك المسلمون فقط، وعكا مدينة الحب والريح كانت، وأمّا في سخنين، فالمسيحيون تذكار لمعنى الحنين؛ أقلّية، كأخواتها، تؤمن، ونحن في أيام الفصح المجيد، "بوصية المحبة" التي أوصاها المسيح لتلاميذه بعد عشائه الأخير معهم: "أحبوا بعضكم بعضًا، كما أنا أحببتكم، بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي.." فهكذا كانت وصية الفلسطيني لأتباعه قبل ألفي عام، (أو"المخلص" كما سمّاه ذلك الفيلم المحظور).
نجحت، في المواقع الثلاثة، تلك الجماعات، في تحقيق ما ناشدت به، وخضع القائمون على النشاطات وقرروا إلغاءها، درءًا لوقوع الفتنة، كما نقلوا مبررين وشارحين. 
إن الرضوخ لمطالب تلك الجماعات والتنازل عن  محاولات التحاور معها والعزوف عن مناقشة مواقفهم، يشكّل تراجعًا خطيرًا وهو، بحد ذاته، مسببًا لزيادة في شهيّتها واستغلالها لمضاعفة مطالبها وشد ملازمها على مجتمعاتنا كلّها.
بالمقابل، فلقدغابت، كما في كثير من هذه الحالات المشابهة في الماضي، أصوات معظم الأحزاب (دان حزب التجمع هذه المواقف في بيان مستقل واضح. ولسوف أتطرّق لاحقًا "للا موقف" الجبهة والعربية للتغيير) والمؤسسات والشخصيات، لا سيّما من يعرّف ذاته منهم بالمثقف المتنور، أو الديمقراطي أو المتحرر وما إلى ذلك من تصنيفات تساق من على منصات مؤتمراتهم البحثية الأكاديمية، فباستثناء بعض الأصوات النقية الجريئة، صمت رئيس لجنة الرؤساء السخنيني ومعه صمتت معظم  الرؤوس، أما لجنة المتابعة العليا فأثبتت مجددًا أنها سيدة "التطنيش".
صمتكم يا سادة، بمثابة خوذات تحمي رؤوس من يسعى لإسدال الستائر على مسارحنا وإطفاء القناديل في حاراتنا. 
وأخيرًا، عساكم، أيّها المتفرجون أن تعتبروا من دروس التاريخ ومما حصل مثلًا، في زمن المحنة وما تلاها.  فلقد وصل الذل إلى "ابن حنبل" وهو واحد من أئمة المسلمين بإجماع العامة والفقهاء، فحين كفّرته طائفة، سجنه الخليفة المأمون بن هارون وعذّبه وتمادى في ذلك من بعده "المعتصم"، الذي أمر الجلادين، فعلقوه بين السماء والأرض وضربوه إلى أن أصابه أحدهم بسوطه فقطع جلد بطنه وتدلت أمعاؤه... ثم ألقوه ليظل لأكثر من عشرين عامًا مستترًا في بيته مخلوع الكتفين، مفتوق البطن حتى مات.

نحن شعب يتوق إلى حرّيته ويكافح من أجل حياته الكريمة وكرامته التامة، فلا أحد يعترض على حق أي جماعة أو طرف، في التعبير عن رأيه الرافض لهذا الموقف أو ذلك الفكر، أو أن يتحفظ على عرض مسرحية أو فيلم، أو إلقاء  قصيدة أو أغنية. ولكن، بين هذا الحق ومحاولة فرضه بالترهيب والوعيد والتلويح بفتنة دانية ودماء قد تراق، البون شاسع؛ فعندما يصير الرأي، لدى فئة أو جماعة أو فصيل، مقدّسًا والإيمان مطلقًا، تسقط الضحايا، وتصبح الحياة، حياة الآخرين، مجرد ذبيحة وأرخص من عفطة عنز.  

فيلم العار الأمريكانى/ د. ماهر حبيب

كلنا فاكرين فيلم العار الذى وجد نور الشريف نفسه مضطرا أن يتاجر فى المخدرات لأن المرحوم أبوه كان أكبر تاجر مخدرات ومسمى نفسه الحاج وبيقضى الفرض وينقب الأرض ولأن شحنة المخدرات كانت ثمينة والغنيمة مغرية فقد قرر التاجر والطبيب ووكيل النيابة أن يغامروا بسمعتهم من أجل أن يفوزوا بالصفقة ويضعهم على قمة المجتمع بالجاه والمال بغض النظر عن بيع القيم ولهم الحجة فى  القول المأثور عن الحشيش إن كان حلال أدينا بنشربه وإن كان حرام أدينا بنحرقه وأحلى من الشرف مفيش؟؟؟!!!!!

ويبدو أن الحاج أوباما بن لادن الذى ورث شحنة المخدرات من جده الكبير كارتر الذى نشأ وترعرع فى أيامه الدول الدينية سواء بعجزه أو قصر نظره عندما شارك شريكه السادات فى صفقة مخدرات صغيره ووضع بذرة التطرف فى مصر فنشأ التيار الدينى السياسي الذى تحول لكيف وإدمان بل إلى تسونامى أغرقت العالم فى محيط من الدماء وما تبعه من فقر وخراب فى العالم كله.

وبعد أن ورث الورثة حب يكمل الحاج أوباما اللعبة ويبيع المخدرات البايرة ولكنه لأنه صبى وليس معلما فقد صبر المخدرات فى الملاحة التى أكلت الصفايح وسقطت ودابت المخدرات فى المية وكانت من نصيب السمك الذى أدمن المخدرات الذى يترنح فى الملاحة وبيصرخ شرعية شرعية ومهلبية  وأخذ  أوباما يصرخ ويقول إلحقونى شقى عمرى إلحقنى يا مرسى إلحقنى يا دكتور والدكتور يصرخ ويقول بلا دكتور بلا نيله وإنت مين إنت  ويضرب الحكوكى نفسه بالجزم لأنه تورط ولا طال بلح الشام ولا عنب اليمن.

ومخدرات أوباما التى إفترض أنهم الكنز هم الإخوان وقد صبرهم فى الملاحة المصرية القادرة على إذابة الحديد فضاعت الصفقة وأخذ يلطم ويقول إنقلاب إلحقنى يا دفاس الجزيرة والدفاس يقول له حد يحط الصفايح فى الملاحة ويلطم الدكتور بعد ما كان ملكا متوجا فى جماعتة المحظورة ليجد نفسه نزيل الليمان وميصدقش نفسه فتيجى له لوثة عقلية فيدمن أكل البط والوز يمكن ينسى إنه كان مجرد صبى فى عملية تصبير المخدرات فى الملاحة ويضيع المستقبل للحكوكى والنوشتاء ليجدوا أنفسهم وقد خرجوا بره إحترام المجتمع.

بقى أن الحاج أوباما لقى حتة مخدرات طلعت فى أيده فحب يبيعها فى أوكرانيا إلا إنه من حظه الإسود لقى الشاويش بوتن إللى قفشه من قفاه وجرجره فى حارة مزنوقة إسمها القرم ليضيع حلم الحاج أوباما فقد أراد أن يشرب المخدرات فى مصر فقفشوه وأراد أن يحرقها فى أوكرانيا وبرضه قفشوه فوقف يلطم ويندب حظه بعد أن ضاعت ثروته وقاعد يغنى الملاحة الملاحة وإخوانى ملوا الزنزانة حسرة عليهم ما جت رجليهم ....إلحقنى يا مرسى ......والدكتور ضاع فى فيلم العار