حرية التعبير ام التشجيع على العنصرية؟/ عباس علي مراد

من أولى مهمات الحكومة حماية الضعفاء من الأقوياء (شريعة حمورابي 1772 قبل الميلاد). 
اكتب خوفي، قلقي وهواجسي التي استيقظت من عالم النسيان او التي كادت ان تكون نسياً منسياً.
اكتب لأن التورية والخوف قد يجعل الكثيرين يتجاسرون فيعملون على اسقاط المستقبل وتدمير مساره اذا ما تركنا المجال لإسقاط العنصرية على يومياتنا بحجة حماية حرية التعبير، هذه الحرية التي نعتز ونفتخر بها، لكن كيف نستطيع ان نرسم الحدود واين وكيف؟ 

مناسبة هذا الكلام هو رد وزير الإدعاء الفيدرالي جورج برندس، اي صاحب ارفع منصب قضائي في البلاد على سؤال من اول نائب من السكان الأصليين السينتورة نوفا بيرس عن تعديل الماد 18س من قانون الذم العنصري المعمول به، والتي جاءت بعد وعد انتخابي قطعه حزب الأحرار في انتخابات ايلول 2013 في ما اصبح يعرف بقضية بولت نسبة الى الصحافي اندرو بولت الذي خرق القانون بسبب عدم الدقة في توصيفه ذوي البشرة الفاتحة من السكان الأصليين والذي اتهمهم بأنهم يغالون في نزعتهم الابوريجينية لكسب المنافع. وقد جاء في رد الوزير برندس "تعرفون ان المواطنين لهم الحق في ان يكونوا متزمتين او متعصبين في بلد حر، المواطنون لهم الحق في قول ما يعتبره غيرهم تحقيراً او تعصباً".
لنوضح للقارئ نورد ما ينصّ عليه قانون الذم العنصري وخاصة المادة 18س والتعديل المنوي ادخاله عليها: يعتبر غير قانوني لأحدهم القيام بعمل يمكن ان يزعج، يحقر، يذل او يخوّف الآخرين بسبب الجنس او الإثنية. المادة 18ب تقول ان العرق او اللون قد يكون واحداً من الأسباب التي أدت الى خطاب الكراهية ليس بالضرورة السبب الرئيسي.
وتقول المادة 18د بإعفاء وحماية حرية التعبير للأعمال الفنية والنقاش العلمي اذا كان معقولاً وكان بحسن نية.
المادة 18إي تعتبر ان المؤسسات مسؤولة عن التصرفات العنصرية التي يقوم بها موظفوها.
ما هي التغييرات المقترحة؟
حكومة طوني ابوت تريد إلغاء المادة 18ب و18إي من القانون وهذا يعني انه لا يعد غير قانوني ان تزعج او تهين او تذل احدهم بسبب العرق، اللون او الإثنية، ولكن بموجب التعديل يصبح غير قانوني ذم او تهديد أحدهم (المصدر س م ه الأربعاء 26 آذار 2014 ص 9).
لاقت تصريحات الوزير برندس ردود أفعال متعددة، اولها من السينتورة بيرس التي رأت ان هذه التصريحات هي ضوء اخضر للعنصرية وكل انواع خطابات الكراهية... (صن هيرالد 30/03/2014 ص 36)، وتخوف عدد من نواب المقاعد الخلفية والذين يمثلون شريحة واسعة من المواطنين من خلفيات ثقافية متعددة من ردود أفعال الناخبين ،وقد عبّروا عن غضبهم وخشيتهم من التعديل المقترح للقانون خلال جلسة للحزب والحكومة ومنهم النائب سارة هاندرسون وجاسين وود والنائب دايفد كولمن وكريغ لوندي، وهدد النائب الابورجيني كين وايت بالتصويت ضد المشروع في البرلمان، وقد دعى بعض نواب الحكومة في لجنة العدل في البرلمان لإعادة النظر في التعديلات المفترحة والمزيد من الإستشارات، واعتبر رجل استراليا للعام 2014 آدم كودي التعديلات انها تفتح الباب امام التعصب. والجدير ذكره ان كودي نفسه كان ضحية من ضحايا الذم العنصري العام الماضي.
 وفي افتتاحيتها لعدد الخميس 27 آذار 2014 اعتبرت صحيفة سدني مورنيغ هيرالد انها مدافعة شرسة عن حرية التعبير ، لكنها رأت ان تعديلات برندس قد تعزز موقع الأقوياء لإستهداف الأقليات الذين لا يملكون الإعانة المناسبة واعتبرت ان التعديلات المقترحة لا تؤدي اي خدمة لأستراليا المعاصرة وفي الختام رأت الصحيفة ان استراليا بحاجة الى نقاش معقول حول كيفية الموازنة بين حرية التعبير والحماية من العنصرية بدون قبول الحكومة الفيدرالية لمبدأ التعصب.
من جهته رئيس ولاية نيوسوث ويلز الأحراري باري اوفاريل انتقد الحكومة الفيدرالية على ارضية التعديلات المقترحة لقانون الذم العنصري وقال بعدم قوننة التعصب، واعتبر ان الذم العنصري على اساس العرق او الدين دائماً خطأ.
وكان الملفت للنظر دعوة الناشطة الابوريجنية القاضية المتقاعدة سو غوردن الى المزيد من الحرية حيث سبحت عكس التيار وأيدت التعديلات التي تنوي حكومة ابوت ادخالها على قانون الذم العنصري بحجة ان قمع العنصرية يجعل الأمور اسوأ.
بموقفها هذا تكون الحكومة الفيدرالية قد أدارت ظهرها لأكثرية الرأي العام بما فيهم الجاليات والأقليات الإثنية الغير انكلوسكونية، والملفت انه وحسب الإحصاء السكاني الأخير عام 2011 ان 1 من كل 4 من الاسترالينن مولود في الخارج وواحداً من 5 لديه على الأقل والد مولود في الخارج.
وقد لفت انتباهي مقالاً مهماً جداً للكاتب ريتشارد ايكلاند في صحيفة سدني مورنغ هيرالد 28/03/2014 ص   29عن لجنة التحقيق الملكية في قضايا الإعتداء الجنسي على الأطفال والتي شكلتها رئيسة الوزراء السابقة جوليا غيلارد، يتساءل الكاتب  عن اخلاقيات محامي الكاردينال جورج بيل الذي مثل امام اللجنة والتي يعرض فيها بعض اسئلة القضاه للمحامين اخترت البعض منها لملاءمتها لموضوعنا وعن امكانية الضعفاء المحدودة للدفاع امام الأقوياء اذا ما تخلت الحكومة عن دورها وقدمت ما في النفوس على ما في النصوص!
س: ...انت تعرف سيد ايكلستن ان السيد الس  كان يقول الحقيقة اليس كذلك؟
ج : نعم انا اعرف هذا  فضيلتكم.
س: انت تعرف ان موكلك لا يملك اي ادلة مضادة لذلك؟
ج: فضيلتكم هذا صحيح.
س: انا اسألك كيف يمكن لمحامي لديه واجب امام المحكمة ان لا يقوم بأي عمل يضلل المحكمة بأي شكل...
ج: انا اعرف ذلك فضيلتكم .
وبما انها التعليمات من موكله كما يقر المحامي في جواب عن سؤال آخر ونشير هنا  الى ان الكاردينال بيل قد اعتذر من جون إلس عن الإساءة الجنسية التي قام بها الأب إيدين داكن بعد ان كان الكاردينال بيل قال سابقاً:... قيل لي انها طريقة قانونية صحيحة تكتيكياً واستراتيجياً.عندما نفى لسنوات وقوع الاعتداء.
ويختم الكاتب مقالته بالقول مما لا شك فيه ان الجميع متأسف. آسفون خصوصاً لأنهم ضبطوا بالجرم المشهود.
وقبل ان نختم نتساءل عن  اهمية التعددية الثقافية والتي يتغنى بها السياسيون على المنابر بمناسبة وبدون مناسبة؟وما قيمة الاحتفال السنوي الذي يقام بمناسبة يوم الانسجام او التناغم؟ ولماذا تنفق الحكومة كل هذه الأموال على حفلات هذا اليوم؟
وكيف لحكومة تريد ان تكافح الاستقواء في المدارس وعلى الانترنت ان تفكر بوضع قانون يشرع التعصب ويثير النعرات العنصرية؟
وهناك الكثير الكثير من الأسئلة لا يتسع لها المجال ،ونأمل ان تعي الحكومة خطورة هذه الخطوة ليس خوفاً من التداعيات السياسية وحسب، لكن من اجل بناء وتعزير اللحمة الإجتماعية مع حرية التعبير وقوانين تحفظ كرامة  وسلامة  المواطنين  وتناغمهم في كل جوانب حياتهم الاجتماعية والثقافية والسياسية بدون خوف حتى يستمر ويتعزز البعد الانساني الخلاق والمبدع الذي يبدد الخوف والقلق والهواجس والتي نراها تتقدم بالأهمية على البنى التحتية المادية التي جعلها رئيس الوزراء طوني ابوت شعاراً لحكومته.
واخيراً اذا ما عدل قانون الذم العنصري كما ترغب الحكومة، نتساءل هل سيتضمن التعديل بنداً ينص على منح درجة شرف من رتبة فارس لأكبر متعصب؟!

سدني استراليا
Email:abbasmorad@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق