سؤال طرحته على نفسي وخرجت بهذه الإجابة:
(1)
الإنسان في الحي الذي عشت فيه خلال زيارتي لليمن لايشبه الإنسان في أي مكان آخر في العالم بمعنى أنه يتكون من ذكر وأنثى ولكن ليس من بني الإنسان ولكنه مثل الكائنات الأخرى كالهون والدوائر الكهربائية ويد المدق وأدوات التجميل والملابس الداخلية ..
الإنسان هنا يحتاج إلى معجزة ليستمر في مشوار الحياة وعقله يتوقف عن النمو في الصف السادس إبتدائي وأكثر ما يتعلمه مصدره الشارع، وثمة من – حتى لا تستسهله - يتحول إلى جمبري في بعض خواص تركيبته البيولوجية، إذ تصبح معدته في رأسه متفقاً في ذلك مع سن بلوغه، ويصبح كل ما يقوله فضلات، وتحتاج للحديث معه إلى دعاء ديني يسبق دخولك إلى حمام عمومي، ولا يبعد ما يحدث فيه للناس عما يحدث في أفلام مصاصو الدماء والمستذئبون كثيراً، فالناس هنا يتحولون في سن معينة إلى سائقي دراجات نارية " مترات "، ولو كنت منتجاً أو مخرجا لأنتجت فيلما يضاهي أفلام هوليود وبوليود وسميته " المتحولون بلا أقمار " وسبحان الله ..
في هذا الحي المتعدد والمتنوع في الطوائف والأعراق والأشكال والألوان تحتاج الشرطة إلى فيزة لدخوله كما تحتاج إلى "سلطان" للخروج منه وهو منبت جيد للجماعات الإرهابية والإجرامية ويشبه في تفاصيل طبقاته تفاصيل طبقات المجتمعات القرووسطية فثمة إقطاعيون وثمة معدمون .. طبقتان ثالثهما الشيطان ، أستغفر الله ..
(2)
وفي اليمن اكتشفت نظريات جديدة للنشوء والارتقاء, صحيح أنها ليست بجودة نظريات داروين, أن أصل الإنسان كان قرداً, ونيل شوبين, أن الإنسان أصله سمكة, ولكنها رغم ذلك تضارعها في الجرأة على الأقل فمثلاً :
ستعرف من واقع المخطوطات الجدارية أن الذي يرمي القمامة جوار السور حق بيت الآنسي أو يبول عليه أصله ابن كلب ..
مثلما ستعرف من واقع مخطوطات جدران حمامات الوزارة أن الإنسان المدير أصله حمار ... سبحان الله ..!!
وفي اليمن أيضا وطن الحضارة ستجد ذلك الإرث السبئي والقتباني والمعيني الذي يجري في عروق ابناء هذا الوطن وتلك الهواية الرفيعة في الكتابة على الجدران التي لم يكن أجدادنا القدامى يحبون غيرها كما يحب أبناء اليوم هاتف الجلاكسي والاي باد والاي تونز والايفون ليدونوا فيها مصائبهم في هذه العيشة..، ايضا ستجد تلك الهواية تتحرك وتملي على اليمني أن يكتب شيئا على جدران الشوارع لتعرف الأجيال القادمة بعد مئات السنين أن فلان كان سمخ وأن الحوثيين كانوا يكرهون أمريكا ويلعنون اليهود لكنهم عندما دخلوا صنعاء لم يقتحموا السفارة الأمريكية بل استولوا على القنوات الفضائية اليمنية، وستعرف أيضا أن جميع من رشحوا أنفسهم في الانتخابات كانوا مثالا للنزاهة وللأخلاق والشرف وكانوا يدفعون على الصوت ورقة أبو ألف , وستعرف كذلك من واقع المخطوطات الجدرانية أن الثورة قامت بألفين ريال على كل راس , وستعرف أيضا أن مراد سبيع استنفد الطلاءات التي في محلات مواد البناء في العاصمة ليرسم المفقودين منذ العصور الأولى والمختفون قسرياً وستعرف أن اليمن كانت تملك اكثر من ألف معهد للتنمية البشرية وتعليم الديمقراطية وشعبها جائع وينام بدون عشاء ، ويبيع صوته في الانتخابات من أجل كيس قمح ....
كل ذلك وأكثر ستعرفه وستحدثك عنه جدران هذه المدن الخارجة عن الخدمة ... وسبحان الله
(3)
كان عليّ أن أجد مأوى يلائم وضعي الاقتصادي خلال أسبوع من هذه الزيارة ، وأدهشني أن الفنادق التي كما هو مفترض أن تكون مأوى للسياح والأجانب أصبحت مأوى للإرهابيين الذين يقتلون ويختطفون الأجانب، وانتقلت من الحي المتعدد الطوائف والأعراق إلى حي آخر يشبه الحي الصيني في أمريكا وحي الجينزا في اليابان والشارع الثاني والأربعين في أمستردام ويسمونه (المدينة)..
كان الفندق يحمل اسم " المسافر " وكان لي صديق سكنت معه في غرفة في الطابق الأول وكانت معرفتي به عن طريق المؤسسة التي ابتعثتني إلى اليمن لأقوم ببحث عن العنف والتمييز الذي يمارس ضد المرأة في اليمن .
كان ذلك حرصاً من المؤسسة على سلامتي أولا من الإرهابيين والمختطفين ومساعدتي أيضا على إنجاز ما أتيت من أجله في أسرع وقت ممكن وبنتائج جيدة
(4)
كنت أسمع الناس دائما عندما كانت الكهرباء تنطفئ يشتمون ويسبون الوزير سميع، كانت شخصيته جميلة جداً، وضد السب، وضد اللعن، وضد الماء، كالساعة الرولكس، وقابلة للطرق والسحب، وتتمدد بالبرودة وتتجمد بالحرارة، وسبحان الله ...
وتمت إقالة الوزير سميع بتهمة التواطؤ مع الشمع و " المولدات الكهربائية " ضد القناديل وجاء عصر جديد من الظلام ليس له صاحب، ولم يستطع الشعب أن يحفظ اسم الوزير الجديد، فكان الناس يسبون الظلام فقط ويلعنونه كأبسط تعبير عن سخطهم وقرفهم من هذه العيشة السوداء، والليالي الصومالية ... ولا استبعد أن صعوبة حفظ اسم الوزير لدى الناس كان مخططاً له من قبل الحكومة، فتعلمت من الأخطاء السابقة ومن اسم الوزير سميع، فجاءت بوزير اسمه يشبه قصيدة الاصمعي " صوت صفير البلبلِ " التي اراد بها أن يُعجِز الخليفة، وسبحان الله ..!!
وهكذا حتى أصبحت اليمن بلا حكومة، وصار شعبها الغلبان يبحث عمن يسبه، خصوصاً بعد أن أدمن السبّ واللعن ... ووجد الشعب نفسه فجأة الشعب الحُطيئة الذي لم يجد في نهاية المطاف أحداً ليهجوه ويسبه، فراح يسب ويهجو نفسه .. استغفر الله ..
وبعضهم كانت له نظرة أخرى في الأمر وهي أن الظلام ذكر، والنور أنثى، وإذا كان الوزير لا يحب غير الذكر، أي الظلام، فهو شاذ ... أعوذ بالله
وثمة شخصية أخرى في اليمن كانت لاتقل أهمية عن الوزير سميع وهي شخصية كلفوت ولشدة ماكنت أسمع عنه وعن قصفه لأبراج الكهرباء واسمع عن إنقطاع الكهرباء في الدول العربية الأخرى خُيّل لي أنه ماركة عالمية قد يطبع أسمه على بنطلونات الجينز والـ تي شيرت والعطور ومستحضرات التجميل والمناكير والماكياج والروج النسائي على اعتبار أنه بطل قومي لايقل أهمية عن جيفارا بفارق بسيط هو أن كلفوت كان من أعداء التعددية وأعداء نظرية العالم كارل يونج التي تفيد بأن الإنسان ثنائي الجنسية على أساس أن الظلام ذكر والنور أنثى وكلفوت يرفض النور وكل مايمت إليه بصلة أو له نسب يربطه به حتى ولو كان عود ثقاب وسبحان الله ..
(5)
ومما يربكني في اليمن السعيد الذي يعتبر في مساحته وعدد سكانه كواحدة أو أقل من الولايات الأمريكية أن له اثنا عشر ألف ونيفاً من مؤسسات المجتمع المدني في حين أن أمريكا بلد الديمقراطية التي لها واحد وخمسون ولاية اي واحد خمسون يمناً ليس بها سوى 350 مؤسسة مجتمع مدني كلها فاعلة رغم أن واحدة منها تدعى الكو كلوكس كلان ...
وزارة الشئون الإجتماعية والعمل على باب الله عفوا أقصد والعمل على إنقاذ الغرقى عفوا أقصد والعمل فقط في اليمن لم تعد تعمل ولم تعد إجتماعية أيضاً لأن ذلك الكم من مؤسسات المجتمع المدني االذي ينظوي تحت لوائها استحوذ على العمل وعلى المجتمع وعلى المحصول كله واستغل الغرقى في اليمن من الشخصيات المغضوب عليها أو الضالة أو العاطلة عن العمل أصلا ذلك وصارت السفارات والمنظمات الدولية تدفع من أجل برامج وهمية لشرائح تدعي تلك المؤسسات أنها فتحت خصيصا من أجل خدمتها إلا من رحم ربك ...
وكيف لا تدعم المنظمات الدولية ذلك وهو مظهر ديمقراطي ومن أين سيعيش أصحاب تلك المؤسسات إلا من رحم الله ..
اليمن لاتعرف من الديمقراطية إلا الجوع والعطش وبيع الذمة في الانتخابات من أجل كيس قمح حتى لاينام الأبناء بدون عشاء .. وهنا كانت ثغرة أخرى يتحجج بها من ينادون بعدم المحاصصة في الحكومة وكذلك من ينادون بعودة النظام الإمامي ...
ليست المشكلة في الأنظمة أو في وجود عشرات الآلاف من المؤسسات ولكنها في عدم وعي القائمين عليها ليس بامتلاكهم شهائد ولكن بمعايير وخطط وبرامج حقيقية وشرف وهذه الكلمة بالذات بدأت أشك في أن أصولها عربية لأني لم أجدها في قاموس تلك المؤسسات وسبحان الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق