لصوص اليابان الشرفاء وشرفاء بلداننا اللصوص/ صالح الطائي


في القانون الياباني مادة لا يسمح بموجبها تقديم الهبات إلى السياسيين اليابانيين كيانات أو أشخاص لحماية السياسة اليابانية من التأثر بدول أجنبية. وفي نظر القانون الياباني تعتبر الإبرة أو البعير كلاهما هبة لها نفس التأثير، وتبعا لهذه المقاييس الحدية والجدية يتم التعامل مع السياسيين اليابانيين دونما تحيز أو محاباة، بل بدون النظر للتأثيرات التي تتركها محاسبة السياسيين المخالفين على سياسة البلد العامة، فمن يخالف يضع نفسه تحت طائلة القانون بلا تمييز. والسياسي المعاقب لا يكتفي بالغياب من الحياة السياسية بل يسرع لتقديم الاعتذار للشعب الياباني لأنه خان ثقتهم به. وربما تكون هذه السياسة المنضبطة واحدة من أسباب تقدم اليابان في كافة المجالات، ولاسيما أننا نسمع بين الحين والآخر عن ممارسة فعلية لتطبيق القانون كانت أخرها الاستقالة التي تقدم بها وزير خارجية اليابان "سيجي مايهارا" يوم الأحد الماضي 5/3/211 بعد أن اقر بتلقيه هبة بقيمة 450 يورو من امرأة كورية جنوبية مولدة في اليابان و تقيم فيه، وتمتلك مطعما في "كيوتو"
يعتبر "مايهارا"(48 عاما) واحدا من النجوم الواعدة في الحزب الديموقراطي الحاكم والمرشح الأوحد لخلافة رئيس الحكومة في حال استقالة الأخير. ومع ذلك اٌقر يوم الجمعة 4/3 بأنه تلقى هبات بقيمة 50 ألف "ين" أي ما يعادل 450 "يورو" أو ما يعادل خمسمائة ألف دينار عراقي فقط من امرأة كورية جنوبية من مواليد اليابان، ولم يقف عند مرحلة الاعتراف وإنما عقد مساء الأحد الماضي مؤتمرا صحفيا اعترف فيه بشجاعة بأنه تلقى هذه الهبة خلافا للقانون وقال: (خلال الأيام القليلة الماضية فكرت مليا وقررت الاستقالة من منصبي كوزير للخارجية) ثم قدم اعتذاره للشعب قائلا: (أقدم اعتذاري للشعب الياباني على هذه الاستقالة التي تأتي فقط بعد ستة اشهر، ولأنني أثرت الريبة بسبب مشكلة التمويل هذه، مع أن تاريخي السياسي كان نظيفا حتى الآن)
وقد بذل الحزب الليبرالي الديموقراطي، رأس حربة المعارضة اليمينية جهودا مضنية في البحث عن هبات أخرى ممكن أن يكون الوزير قد تلقاها في تاريخه السياسي الطويل وكل ما توصل إليه الإعلان ـ ومن دون أدلة ثبوتية ـ بأن الوزير تلقى هبات بقيمة 200 ألف ين أي ما يعادل1800 يورو أو ما يعادل 3 ملايين دينار عراقي خلال السنوات الأربع المنصرمة.
فإذا كان مبلغ الثلاثة ملايين دينار عراقي هو مجموع مبالغ الهبات التي تلقاها الوزير المرموق والسياسي الحاذق خلال حياته السياسية الطويلة فهو بالتأكيد لص ولكن في منتهى الشرف
بالمقابل نجد في بلداننا العربية أن تهاوي الحكام أمام ثورات شعوبهم كشف حساباتهم المليارية في الخارج حيث لم تقل ملكية أي واحد من الرؤساء الثلاثة بن علي ومبارك والقافي عن 30 مليار دولار عدى الأموال غير المنقولة والاستثمارات وأصول الشركات والأسهم والعقارات والذهب والمجوهرات واللوحات الفنية الأصلية وباقي المقتنيات، فضلا عما يمتلكه أبناؤهم وزوجاتهم وأحفادهم وأقرباؤهم وخدمهم والسائرون في ركابهم من المقربين. هذا في وقت يدعي فيه جميع الحكام العرب بأنهم شرفاء وفي منتهى النزاهة، ولكنهم بالتأكيد من أكبر اللصوص العالميين.
أما في عراقنا الحبيب فحدث ولا حرج بدأ من مليارات الدولارات التي تلقتها أغلب القوائم الانتخابية وبعض المرشحين للانتخابات قبل إجرائها في 7/3/2010 من دول الجوار والمنظمات المخابراتية الدولية وصولا إلى المليارات التي أختلسها الوزراء والمدراء العامون والبرلمانيون والمسؤولون وبطانتهم ومجالس المحافظات والمحافظون والمجالس البلدية ومدراء المشاريع والمقاولون وكل من في ذمته بعضا من المال العام. فهؤلاء رغم ادعائهم الشرف وحرصهم على الظهور بمظهر الشرفاء، هم لصوص حقيقيون بكل معنى الكلمة،
فعن ماذا سيعتذرون لو أتيحت لهم فرصة عقد مؤتمر صحفي للتحدث عن الاختلاسات والتبرعات والسرقات والهبات والمساعدات والمرتبات الخرافية التي تقاضوها خلال حياتهم السياسية القصيرة؟ وهل توجد جهة رقابية تملك قدرة إحصاء المبالغ التي حصلوا عليها خلال هذه السنوات ضمن سياقات العمل بالآليات المحاسبية المستخدمة حاليا في العراق، أم أن ذلك يحتاج إلى استيراد حاسبات متطورة من اليابان عسى أن تنجح في حصرها؟
إن مقارنة ما يحدث في بلداننا مع ما حدث في اليابان يؤشر إلى أننا نحتاج لعشرات بل لمئات السنين لتنظير وتنظيم وتقنين آليات عمل غالبية السياسيين المعاصرين بنزاهة وشرف ليصلحوا للعمل السياسي الشريف!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق