أيها الثائرون العرب احذروا من تجربة غزة..!/ عبـد الكـريم عليـان


كلنا نعرف حركة حماس التي تتبنى فكر الإخوان المسلمين كيف رفضت الاشتراك ودخول الانتخابات الرئاسية والتشريعية الفلسطينية التي أجريت عام 1996، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك عندما تقدمت بفتوى في حينها أن الانتخابات والمشاركة فيها حرام شرعا.. على الأقل هذا ما تناولته عناصرهم في الشارع الفلسطيني ومن على منابر المساجد، وفي بيانات صدرت عن حركة المقاومة الإسلامية حماس أوضحت فيها رفضها للانتخابات لأنها من إفرازات اتفاقية أوسلو.. لكن ذلك في حينها لم يقنع أحدا حيث شارك معظم الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة، وبلغت نسبة المشاركين أو المصوتين في الانتخابات إلى 96% من مجمل من يحق لهم المشاركة، وتعد هذه النسبة الأعلى في العالم.. وبعدها أعيق إجراء الانتخابات التالية لظروف يعرفها الجميع إلى أن أجريت الانتخابات الثانية في عام 2006، فقررت حماس المشاركة فيها وبقوة.. وصارت الانتخابات نفسها التي من إفرازات أوسلو حلال ومن لم يشارك فيها يؤثم..!

يتضح من ذلك كيف استغلت حركة حماس ظروف الشعب الفلسطيني عام 1996، حيث كان مجمل الشعب الفلسطيني في غزة والضفة راضيا عن اتفاقية السلام والمعارضين لها قلة، وبالتالي ستخسر فيما لو شاركت الانتخابات في حينها، وخلال عشرة سنوات رأينا كيف تخلت إسرائيل عن استحقاقات الاتفاقية وبدأت تعمل على قلب الأوراق، ومن ثم سحق الاتفاقية والالتفاف عليها.. وبالطبع زاد من المعارضين للاتفاقية، بل خلق صفوفا كبيرة من المعادين لها وتصدر ذلك حركة حماس وزادت من قوتها بالعمل المسلح ضد إسرائيل، وبهذا أضافت لها مؤيدين ومناصرين كثر في ظل الفساد المالي والإداري الذي استشرى في مؤسسات السلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى تشرذم حركة فتح وقوى منظمة التحرير.. كل ذلك ساهم في فوز حركة حماس في الانتخابات، وهذا ليس عيبا.. بل العيب هو في استغلال الدين لصالح السياسة وشرعنة ما هو حلال وما هو حرام بطريقتهم، واستغلال المساجد للدعاية الانتخابية.. من هنا على الثائرين العرب والمطالبين بدساتير حديثة لبلدانهم الانتباه جيدا بعدم السماح لترخيص أحزابا دينية؛ لأن الديمقراطية التي يسعون إليها تتناقض تماما مع الدين، ولأن الأحزاب الدينية لا يمكنها أن تقبل بالديمقراطية العلمانية أو الحديثة، وكل ما تسعى له الأحزاب من هذا النوع هو ديمقراطية لمرة واحدة للاستيلاء على السلطة، ومن ثم إلغائها، لتحل محلها الشورى.. وحيث أن الديمقراطية الحديثة التي نهضت بها أوروبا جاءت بعد حروبا طاحنة مع الكنيسة استمرت قرونا طويلة دفعت فيها المجتمعات الأوربية ثمنا باهظا لم تدفع بتلك الشعوب إلى التقدم والتطور للأمام إلا بفصل الدين عن الدولة، ولعل أكبر دليل على تطور تلك الدول ورقيها كان عدم اعتمادها على كتب ابن تيمية والغزالي وغيرهم من علماء الدين قبل ألف عام...

التجربة الثانية لحركة حماس بأنها قامت بانقلاب عسكري دموي قتلت من شعبها في حينه مئات الرجال معظمهم ترك خلفه أسرا وعوائل، ولم تتبع الإجراءات القانونية والديمقراطية في حل مشاكلها، حيث القاعدة الأساسية التي بنيت عليها الديمقراطية هي عدم استخدام العنف والقوة في حل الصراعات الداخلية.. وهاهي اليوم قد أغرقت شعبها في انقسام وتشرذم طال أمده نال من قوة وصمود الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واسترداد حقه، ودفعت بإسرائيل لمزيد من التعنت والتهام الأرض وبناء المستوطنات وحصار الشعب الفلسطيني في غزة، وأعاقت النمو والتطور الاقتصادي لغزة التي يعيش معظم سكانها في حصار ورعب وجوع وغير ذلك من مبطلات الحياة الكريمة، وبات الشباب بدون مفر أمامهم إلا الموت أو الخلاص من حكم حماس لغزة أو إنهاء الانقسام الذي سينهي حكمها أيضا، وهاهي حكومة حماس أمام امتحان صعب في مواجهة الحقيقة..

لا مجال هنا لمناقشة برنامج حماس لكن سقفها السياسي هو هدنة مع إسرائيل قد تصل لأربعين سنة أو أكثر.. ونعرف تجربة السنوات الأخيرة كيف قبلت حماس بالهدنة غير المباشرة مع إسرائيل؛ فباتت الحامي الرئيسي لحدودها مع غزة إذ منعت واعتقلت العديد من المقاومين خوفا من اجتياح إسرائيلي جديد سيعمل على تدميرها أو تقليم أظافرها، وها هي إسرائيل وبدعم أمريكي تستغل بقاء حماس أطول وقت ممكن كما كانت تستغل وجود الأنظمة الديكتاتورية لأطول وقت ممكن.. فكلما بقيت حماس في غزة بقي الشعب الفلسطيني هزيلا منقسما غير قادر على حل مشاكله، وغير قادر على الوصول لأدنى أهدافه.. هذا هو حكم الإخوان المسلمين وبرنامجهم الذي لا يمكن أن يلبي حاجات ورغبات شعوبنا المعاصرة، ولعل الفوضى الخلاقة التي تتبناها أمريكا وإسرائيل وتطبل لها قناة الجزيرة القطرية التي لها علاقات وطيدة بإسرائيل والسي أي إيه باتت لسان حال الإخوان المسلمين في كل مكان (راقبوا قناة الجزيرة كيف تنقل الأخبار مثلا: الشعب الفلسطيني يريد إنهاء الانقسام، وهناك تحضيرات جارية منذ فترة، بدأت في غزة وامتدت إلى الضفة والشتات، وفي غزة تجمع الشباب بكثرة في ساحة الجندي المجهول يوميا قبل 15آذار، لكن الجزيرة نقلت تجمعا محدودا يوم 14 من ساحة المنارة في رام الله ولم تنقل أي خبر عن غزة، كأنها تريد القول الشعب الفلسطيني في الضفة هو من يعاني من الانقسام وأن رام الله هي الهدف، كل ذلك في صالح الإخوان المسلمين في غزة..) هذا ليس معناه أن أمريكا وإسرائيل خلف الثورات الحالية في الوطن العربي بقدر ما هو استغلال للأحداث والسيناريوهات المستقبلية لهما من أجل الحفاظ على مصالحهما وبقائها لفترة أطول..

ماذا يعني تصريح وزيرة خارجية أمريكا قبل أيام بأنها تقبل مشاركة الإخوان المسلمين في مصر بالحكم؟؟ وماذا يعني أن دولة قطر الصغيرة التي تحميها القواعد العسكرية الأمريكية هي من تقود الإخوان المسلمين في العالم وتدعمهم؟؟ وماذا يعني أن قطر هي الدولة العربية الأولى التي لها علاقات قوية مع إسرائيل؟ إن السياسة الأمريكية باتت واضحة تماما وتهدف لأن تقود المجتمعات العربية حركة الإخوان المسلمين التي لا تختلف سياستها عن سياسة الحكم في السعودية وبعض الدول العربية التي تأخرت شعوبها كثيرا عن الرقي والتقدم، وبهذا تضمن أمريكا مصالحها وتضمن إسرائيل بقائها..

أيها الثائرون! إن أمريكا وإسرائيل استمرتا في دعم الأنظمة الديكتاتورية زمنا طويلا ، فلا تعولوا على دعمهما لكم، بل إنهم يتربصون بكم ويخططون لزرع الفتنة حتى لا تنجزوا ما تطمحون له في دساتير حديثة وأنظمة ديمقراطية ! وحتى لا تعودوا لثورة جديدة وأنتم في أوار الثورة.. لا تقبلوا إلا بفصل الدين عن الدولة ولا خيار لكم إلا " الدين لله والوطن للجميع " وإلى الأمام..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق