أُفضـِّلُ المشاركة بالانتخاب/ د.ابراهيم عباس نــَتــّو

عميد سابق بجامعة البترول..السعودية


وصلتني نسخة من خطاب/ نداء من جماعة سعودية تدعو الى "مقاطعة" انتخابات المجالس البلدية عندنا المزمع اجراؤها يوم الأحد، 22من شهر مايو،2011م / 12من جمادى الآخرة،1432هـ. (مع بدء تحضير/ تحديث قوائم المقترعين قبله بشهر، في السبت 23من ابريل/ 12من جمادىالأولى،1432ه.)

و أحبُ ان انوّه بأني شعرت بنفس حنق اولئك المنادين..بل و حتى راودتني فكرتهم للـ"المقاطعة" إلخ. لكني سُرعان ما وجدت ان كفة عقلي غلبت كفة عاطفتي. و توالت في ذاكرتي ما كان قد تجمع عندي عبر السنين.

لقد حزنت كثيراً أن الانتخابات المحلية المنصرمة ..حينما لم يتمكن النساء عندنا من المشاركة؛ و حين كان التصويت لاختيار فقط نصف اعضاء المجالس؛ و حين لم يتحدد بوضوح مدى صلاحيات المجلس اصلاً. ثم حين..تبع ذلك.."تأجيل" عقد الانتخابات في دورتها المقرر لها سابقاُ في 2009م..لحولين كاملين!

ثم، بعد أن تقرر مؤخراً عقد الانتخابات..الآن في 2011م.. تضاعفَ حزني و تعمّقَ اسفي و تألمي عندما تبيّن أن "دارابي سفيان باقية على حالها"..عندما اعلن منذ أيام متحدث اللجنة التنظيمية/ أ.عبدالرحمان الدهمش ..عن التخطيط لعدم السماح بمشاركة النساء، ..لا ترشيحاً و لا ترشحاً.. في الانتخابات الوشيكة الحدوث؛ و أيضاً عن بقاء عناصر مأسوفة أخرى ..مثل انتخاب فقط نصف اعضاء المجلس.

في "النداء" المنوه به اعلاه، قام الاخوة مُعدّوه بتعداد أسباب ستةً (قمت بإعادة صياغتها كما يلي): 1. المضي في رفض مشاركة المواطنات في الانتخابات البلدية المزمعة..بعد ان كنا قد وُعدنا قبل عدة سنوات بالعزم على السماح بذلك؛ 2. الانتخابات البلدية ليست بديلاً عن الانتخابات البرلمانية؛ 3. المجالس البلدية هي اصلا بدون صلاحيات واضحة؛ 4. حصيلة المجالس السابقة لا تذكر؛ 5. ضعف نجاح الانتخابات في ظلال نظام عشائري؛ واختتم النداء بقوله: 6.(...)هل هذا (كل) ما هنالك من إصلاحات سياسية؟؟ أ.هـ

و لكني..بدوري..اقترح و اطلب عدم المقاطعة، و ذلك للأسباب التالية:-

1. ان المشاركة ذاتها.. في نهاية المطاف..ستأتي بالايجابية..اكثر من "فوائد" المقاطعة؛

2. ان المرشحين (غيرالمرغوبين) سينعمون بكل مقاطعة..فهم سيفرغ لهم المجال..و سيخلو لهم الميدان، بينما سوف لن يعبئوا بمن يتوارى أو ينسحب أو يقاطع؛

3. مع عدم تواجد مراقبين من قـِبل المرشحين "المرغوبين"..سينطبق المثل المحلي عندنا: "مين داري عنك ياللي في الضلام (الظلماء) تغمز!"..او بالبدوية: ما عندك احد!

4. و في تلك الحالة -غياب المنافسة الخ- فقد تأتي قوائم النتائج "الآخرى" اقرب الى الأربع تسعات المألوفة في انتخابات شرقنا! ..بل و قد تأتي (..مع غياب أي تسجيل للرأي المغاير) ما يقارب و يتعدى الخمس تسعات! و سيتم نسيان نسبة "المسجلين" اصلاً.. او حتى نسبة "المشاركين". و ستلمع فقط النـِّسَب التي حصل عليها "الفائزون" ..و ستطفو الأربع تسعات!!

فالذي اراه --رغم المآخذ المعدَدة.. هو ان لا يقاطع و لا يتوارى احد؛

و علينا ألا ننسى ان "الآخرين" يرون انفسهم بأنهم رضيّون مرضيون وكأنهم كائنات بلورية الصفاء ماسية النقاء. بل يفضّلون لو كانت النتائج لصالحهم و بنسبة 100%! و لقد كان لهم -في انتخابات المجلس البلدي المنصرمة- الباع الأطول في تجييش الناس والتواصل معهم جوالاتياً،الخ، و حثـّهم على التصويت لمرشحيهم ..بينما "المقاطعون" ظلوا قابعين..محبطين ..و متنطعين!

للمشاركة فوائد جمة، آنـيـَّة و دائمة،..منها: المشاركة ذاتها، و الخوض في العمل الاجتماعي و التطوعي و التنظيمي و الاعلامي و الدعائي، و الاهتمام بالشأن العام و المجتمع المدني ..و هو توجهٌ قلّ ما ينتشر في وطننا. وغياب المشاركة يساهم في تجذير الامّعية و الاتكالية و اللا مبالاة.

فيحسن بنا التخلي عن الابتعاد؛ و يلزم التحلي بالمشاركة الفاعلة. و من يأمل التغيير و الاصلاح، عليه خوض المسارات، المباشرة و غير المباشرة، قصيرة المدى و طويلها ..دون التعلق او التعلث بنقص هنا أو خلل هناك؛ و ذلك حفاظاً على تحقيق المأمول العام و الأعم. علينا الا نبخل و لو بشيء من التضحيات؛ و من يعشق العَومَ لا يخشى من البللِ!

لقد كان من ضمن عناصر سعادتي اثناء اقامتي في البحرين..ان أمكنني -صدق او لا تصدق- القيام هناك بالتصويت في الانتخابات المحلية؛ كان ذلك قبل 7سنوات؛ففي اللوائح التنظيمية هناك يحق التصويت لكل انسان..في تلك الانتخابات المحلية..طالما كان ذلك الانسان مالكاً لأي عقار.

و لكم ان تتصوروا مدى سعادتي ..و انا واقف في الطابور..و معي زوجتي..ننتظر دورنا للإدلاء بصوت كل منا: شخصان مَكـّاويان يقترعان و يدليان بصوتهما في منطقة "الرفاع"..في وسط مملكة البحرين!

فكانت تلك التجربة الانتخابية الأولى لي و لزوجتي؛ و هناك كانت المناسبة الانتخابية الوحيدة في حياة كل منا ..و الى الآن!

ثم، و كأنه امعانٌ في سعادتي بذلك الحدث التأريخي لنا جراء ذلك التصويت، أن (صادف) ان قمت انا و زوجتي بالتصويت في تلك الانتخابات..رسمياً مرتين ..و ذلك جرّاء عملية انتخاب "تصفية" بالتصويت ثانية للاختيار بين المترشحين ذوي الأصوات الأعلى في الجولة الأولى؛و لذا فقد قمنا بالتوجه مرة اخرى خلال اسبوع لاختيار مرشح واحد.

(كان الفائز النهائي في تلك الانتخابات هناك -للأسف- غير الذي كنا نتمناه! و لكن ..لأ بأس!)

كما صادف بالنسبة لنا.. أن كان قد فاتتنا بكل أسف في السنة التالية،في 2005م، فرصة التصويت هنا في السعودية.. حين كنا لا زلنا خارج الوطن.

و الآن..و مع قرب الفرصة التالية للقيام بالتصويت هنا في السعودية، ورغم كل ما عدَّد المعدّدون أعلاه من مآخذ ..فإني سأسعد بالقيام بالتصويت..و بالحصول لأول مرة على بطاقة التصويت المصاحبة لعمليات الانتخابات هنا. كما..لعلها تكون فرصة العمر للانتخاب بالنسبة لي .. فلربما لا ألحقُ الفرصة التالية!

علينا الا نتنادى فقط الى الشجْب.. و لا أن نترك الساحة للغير خالية صافية دون أي منافس في الحلبة و الميدان و في الوجود. و مع أن فكرة "المقاطعة"..هي في الأساس فكرة للتعبير..المحمّل بالامتعاض و الألم و الشعور بالحَـنق الخ إلا أن التعبير -بواسطة المشاركة- والانتقال من حافة المشاهدة الى مجال الحضور لهوَ التعبير الاوضح و الأفعل و الأبقى ..و حتى لا يصبح الآخر.. الحَمدان الوحيد في الميدان!

و حتى في حالة لو فاز أشخاصٌ لا نستسيغهم بعدد من مقاعد المجالس، فإن انتخاب أي عدد ممن نريد و نستسيغ --حتى و لو كان عضواً واحداً وحيداً، او ربما عضوين-- فإن الوجود ..مجرد التواجد في هذا المجلس او ذاك..هو خير الف مرة من البقاء خارج المجلس (خارج الحلبة) كمتفرج او مجرد متابع عن بُعد.

فإن عضواً واحداً مشاركاً في جلسات المجلس ..يمكنه بالطبع التمتع بكامل العضوية و بكل فرص الفعل و التفاعل و المساءلة والمتابعة و الملاحقة؛ و سيكون رقيباً بالطبع على سيرورة اعمال المجموع..و لا اقول شوكة في خاصرة من يراهم من الاغلبية المتسلطة. اما اذا بقي خارج الحلبة فإن ذاك سيكون معتكفه و مثواه!

و بالنسبة لموضوع المرأة..و عن حنقنا المشترك إزاء الحد من مشاركتها و من تمكينها في مخلتف المجالات، فأود ان اقول بأن المرأة السعودية (إن هي ارادت و تحركت ..و تحررت) ستلحق و ستلتحق بأخواتها في انحاء الأمة. و أتصور..ربما في القريب العاجل و ليس خلال المديد و المؤجل من الآجل.. اننا سنرى لدينا مرشِحات و مترَشحات في الانتخابات، و وزيرة او اكثر في الداخل، و سفير(ات) في الخارج. و لا بد من "وضحى" و لو جَشـم السفر!!

و إذا اردنا فعلاً ان نلج فضاءات الديموقراطيا..فعلينا ان نعمل على زحزحة صخرة "مغارة سمسم"..و ذلك بالدخول الى صفوف روضتها عندنا..بأمل ان نتخرج منها الى "سنة اولى" ديموقراطيا. و ألاّ نفقد الأمل!

وعليه: ففضلاً صوٌتوا.. و شاركوا و توجهوا لمقار التصويت/ الاقتراع؛ و قفوا في الطوابير..و قوموا بإيلاج "علامة صح" ..في خانة اختياركم.. في ذلك المربع الصغير ..الكبير!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق