الــــدين والــــدولة/ أنطـــوني ولســـن

منذ طرد آدم وحواء من الجنة والانسان هائم على وجهه محاولا إرضاء الله ليغفر له ما ارتكبه من معصية عدم طاعته.
قايين هرب من وجه الله بعد ان قتل أخاه هابيل الذي قبل الله تقدمته لأنها إتفقت مع مطالبه "الله ".. ان تكون التقدمة ذبيحة يراق دمها وتقدم على مذبح ليتقبلها الله.. فعل ذلك هابيل ولم يفعل مثله قايين الذي قدم تقدمته من ثمر الارض ولا دم فداء فيها.

غضب قايين وقتل أخاه هابيل بدافع من الحقد والغيرة، وارتكب حماقة اخرى عندما سأله الله عن اخيه، فكان رده.. «هل انا حارس لأخي؟».. وصعق عندما سمع صوت الله يقول له «دم أخيك صارخ إلي». فتأكد ان هناك إله متطلع ويعرف خفايا النفس.
هام قايين على وجهه تاركا خلفه الارض والحرث والناس، متنقلاً من مكان إلى آخر وهو لا يعرف كيف يرضي الله او يرضي نفسه ومن معه (طبيعي اصطحبه بعض من أخوته واخواته لتعمير الأرض).
مرت أزمنة وعصور وعهود، وانتشر الانسان على وجه البسيطة يصارع الحياة وتصرعه، دائم العمل إلى الوصول الى الأفضل، خائفاً ومرعوبا من المجهول والذي يتمثل في من يتحكم في مصيره وحياته وموته.. وتساءل عن ما بعد الموت.. هل حياة؟.. وما هو شكل هذه الحياة؟ هل فيها مأكل وملبس وتزاوج وإنجاب؟ وأين ستكون هذه الحياة؟ أهي على نفس الارض التي ولد عليها وعاش ومات ودفن في أرضها؟ أم ستكون في مكان آخر لا يعرفه؟!
أسئلة وأسئلة كثيرة كانت تطوف في عقول وافئدة البشر. وبدأ الله يتفاعل معهم بارسال رسل وأنبياء.. إستمع البعض لهم، ورفض البعض الآخر ما كانوا يخبرونهم به عن العقاب والثواب، الجنة والنار.. إلى ان جاء الطوفان وغرقت الارض بكل ما عليها ما عدا ذلك الفلك الكبير الذي بناه نوح طبقا لتعليمات الله له.
عَمرَّ اولاد نوح الأرض بعد الطوفان، وسميت مصر على أسم مصرايم التي كانت من نصيبه.
تميزت أرض مصر بميزات مناخية وتضاريسية قل أن تتميز بها أرض مثلها.
سماؤها صافية، شمسها ساطعة، مناخها معتدل (حار، جاف صيفا، دفيء ممطر شتاء). تحيط بها الصحراء كحزام واق من الاعداء، جبالها ليست بالجبال العالية، لكنها أيضا سياج واق كما أنها تحتوي في باطنها على مناجم وكنوز عديدة ومتنوعة. يجري في وسطها نيل تجري مياهه من الجنوب إلى الشمال حيث نصب في البحر المتوسط لتطل منه على دول البحر المتوسط. وشرقا تجري فيه مياه البحر الأحمر. أرضها غير وعرة، فسهل الترحال شمالا أو جنوباً، شرقاً أوغربا. وهذا أعطاها ميزات أخرى عديدة إذ جعلها ممر آمن لكل الشعوب وإن كانت هذه الميزات جعل منها (مصر) مطمعا للآخرين على مر السنين.
مع كل هذه الميزات التي حباها الله بها، لا بد وأن يحدث تفاعل بين ساكن الارض (المصري) وما يتمتع به مما اتاح له فسحة من الوقت للتفكير في الكون والمجرات السمائية وشروق الشمس وغروبها وما يتبع ذلك في الفصول المناخية المختلفة. فبدأ يقسم السنة الى فصول وإلى شهور وإلى عدد الأيام في كل شهر بعد أن حدد عددها في السنة .
إستقرت الأمور معه وزرع وحصد وأكل وشبع وشرب وأرتوى فحن الى معرفة الحياة والموت. وهنا بدأ طريق المعرفة والتي سبق بها كل الارض دون مبالغة مني.
وصل إلى الله.. وأعطاه اسما.. آمون (القمر).. رأى البعض من المصريين أن الله رع (الشمس ) .. حمي وطيس الخلاف بين المصريين حول عبادة آمون ورع.. أمون إله الشمال ورع إله الجنوب وكانت اول حرب دينية عرفها العالم وسجلها التاريخ.. تاريخ سكان مصر أحفاد مصرايم.
استمرت الحرب التي استنزفت الكثير من طاقة مصر الحضارية والانتاجية وكان لا بد من وجود من يوقف نزيف الدم الذي ينزف من اخين مزقهما الدين.
جاء المخلص في شكل حاكم الجنوب مينا الذي استطاع ان يوقف نزيف الدم ويوحد القطرين ولأول مرة عرف تاريخ البشرية لقب ملك الذي لقب به الحاكم مينا الذي أصبح يلقب بالملك مينا ووضع على راسه تاجا موحدا للتاجين.. تاج الجنوب وتاج الشمال.
كان هذا اول عمل ايجابي بين الدين والدولة الممثلة في شخص حاكمها الملك الذي وحد القطرين ودمج الدينين في دين واحد أصبح اسم الإله (آمون رع).
توالى ملوك مصر الذين عرفوا (بالفراعنة) أي العظماء ( ولا تجد في اي لغة في العالم معنى لهذه التسمية (فرعون، فراعنة) غير معني (عظيم أو عظماء)، إلا اللغة العربية التي عرّفت (فرعون) (بالمتفرعن) أي (المفتري، المتسلط، الظالم).. حتى ان هناك مثل عربي يطلق على المفتري أو المتسلط لماذا هو هكذا بالقول (سألوا لماذا فرعون متفرعن، قالوا هو لقي حد يوقفه عند حده وما تفرعنش؟!!

إتسعت المعرفة.. ومع المعرفة الإختراع.. ومع الإختراع الحاجة إلى التوسع.. فظهرت قوة جيش مصر الذي أخذ الغرب منه تشكيلات الجيوش الحديثة حتى انك تلحظ ذلك في وقفة رمسيس الثاني العسكرية والتي ظهرت فيه قدمه اليمنى متقدمه إلى الأمام.
مع الأسف قد تم إزاحة التمثال العظيم من مكانه عند محطة مصر في القاهرة الى مثواه الأخير حتى لا يراه احد.. لأنه تمثال لملك وثني كافر!!..
الامبراطورية المصرية إتسعت واصبحت امبراطورية يدين لها بالولاء كثير من الشعوب والدول المجاورة. جيش الامبراطورية مُهاب.. وكلمة مصر مسموعة بين الأمم، والشعب المصري ينعم بحياة يملأها الأمل في الحياة الدنيا والحياة الآخرة.. ولم يغير المصري عبادته.. وعرف الكهنة عملهم الديني الطقسي دون التدخل في شؤون الدولة. وهذا اكبر دليل على ان فصل الدين عن الدولة هو مفتاح النجاح لأي شعب يريد الحياة.. فقد تعلموا الدرس من تلك الحروب الطاحنة بين الشمال والجنوب بسبب الدين.
حكم مصر ملك وضع جُل همه معرفة الله الحقيقي.. الله خالق الانسان والحيوان والسماء والارض. إله أقوي من الشمس ومن القمر.. إله معرفة ومقدرة وسمع وفهم للإنسان. إله يدعوه فيستجيب له، يصلي إليه فتصل الصلاة مباشرة، لذا بني معبده الشهير في مدينة (الأقصر) بدون سقف.. ملك ناجى هذا الإله بمزامير لا تجد فارق بينها وبين مزامير داود المعروفة.. إذن ذلك الملك عرف الله وإنشغل بتلك المعرفة عن باقي الحياة..
بدأ الطامعون من أعداء مصر ومن البلاد التابعة لمصر بالتمرد ومحاولات الانفصال. كوارث بدأت تحل بمصر من كل الجهات.. وقائد الجيش لا يستطيع التحرك إلا بأوامر من الملك.
إتفق قائد الجيش مع الطبيب الخاص بالملك على ان يطلب الطبيب من الملك ترك الحكم من أجل مصر.. وكانت اول ثورة ضد ملك مصر.. وإن كانت ثورة صامتة لم يشعر بها أحد من الشعب وإن كتبها التاريخ.
رضخ الملك لمطالب قائد الجيش الذي بعث بها مع الطبيب الخاص به (الملك). لم يكتب وثيقة تعهد بترك الحكم لا لإبنه او لزوجته او لقائده ويظل حيا يعيش بالبلاد او يغادرها. إنما الطلب كان قاسياً على الملك حتى تستتب البلاد.. فقد طلب الطبيب من الملك ان يقبل بتجرع كاس الموت المسموم.
قبل الملك ذلك بعد ان سأل الطبيب.. هل سأشعر بالآلام بعد تجرعي السم؟. فكان رد الطبيب لا يا مولاي.. بل ستمضي في سلام من أجل مصر.
بالفعل شرب الملك أخيناتون كأس السم من أجل أن تعود لمصر سيطرتها وقوتها كما كانت قبل ان تنهار وتصير (ملطشة) بين الشعوب، بسبب تفضيل الملك للدين عن الدولة.
وما أشبه اليوم بالبارحة.. مصر تمر بأسوأ فترات حياتها المليئة بالأوجاع والآلام بعد ان صارت مطمعا للآخرين في ظل آخر ملوك الفراعنة العظام الطفل الصغير والذي ترك أمور الحكم والحياة لكهنة تسلطوا على الشعب ولم يوجد بينهم من يهتم بشؤون مصر التي أصبحت سهلة المنال من الإسكندر الأكبر وإحتلالها بكلمة واحدة أعلن فيها للكهنة أنه إبن الإله رع فسلمت مصر له، وتوالت الغزوات.. فهل ستصير مصر لقمة سائغة للآخرين لا ولاء لهم لا لمصر ولا للشعب المصري بل يريدون الحكم فعاثوا في الأرض فسادا بأسم الدين.. كفروا من كفروا من المصريين (مسلمون ومسيحيون) باسم الدين. باعوا شرف مصر لمن يدفع بأسم الدين.. ضربوا مصر بآفة الفتنة التي بدأت ثمارها الضارة تظهر واضحة في جميع مناحي الحياة.. باسم الدين حتى يسهل عليهم إنهاء فترة الهدنة المقامة بينهم وبين الدولة.
الدولة الممثلة في رئيسها وحكامها الذين تركوا الحبل على الغارب لرجال جُل همهم حكم مصر باسم الدين ، والدين منهم براء.
قد يسأل ساءل.. هل الدولة اللا دينية أفضل من الدولة الدينية؟
الإجابة بسيطة جدا.. عانت روسيا من الدولة اللادينية لمدة قاربت من السبعين عاما وأكثر لتحكم الحزب الشيوعي الحاكم في البلاد بما فيهم رئيس البلاد، وما أبشع قصة ستالين الرجل الحديدي الذي ضحى بزوجته محبوبته خضوعا لمطالب الحزب بقتلها.. وأفاق الشعب الروسي بمساعدة اميركا على العودة إلى الدين.. وليس الدولة الدينية.
تركيا قاست وقاست معها كل الدول التي كانت تخضع لها ولمدة 500 سنة من حكم الخلافة باسم الدين. وجاء أتاتورك وفصل الدين عن الدولة وأصبح لها كيان .
قاسى الغرب في عصور الظلام من حكم البابوات القائم على الدين، إلى أن وقف مارتن لوثر الاسقف الكاثوليكي في وجه البابا وأحرق قرار الحرمان أمام الشعب واختفى عن الانظار ليقوم بترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة الألمانية ليقرأ الشعب ويفهم مسيحيته وإيمانه المسيحي وسمى أتباعه بالبروتستانت.. أي المحتجون.
فهل مصر إستفادة من تجربة الدولة الدينية.. ولو بالاسم فقط؟.
نعرف ان عبد الناصر والسادات وحسين الشافعي وكمال الدين حسين كانوا ضمن تنظيم الاخوان المسلمين. ونعرف ايضاً ان عبد الناصر أطاح بهم لأنهم كانوا شوكة في ظهره للصراع على الاشتراك في الحكم، ثم تولى مقاليد الحكم وتحويل مصر الى دولة دينية. ونعرف بقية القصة وما فعله عبد الناصر بالأخوان.
ونعرف ما فعله الرئيس السادات معهم.. ونعرف ما فعلوه به..
ونعرف ايضا سيادة الرئيس مبارك ان الصراع بين الحزب الوطني الذي يترأسه فخامتكم والإخوان المسلمين المهيمنين على الأغلبية من الشعب المصري باسم الدين والتمسك بالحكم.
سيادتكم متمسكين بالحكم وبقاء الحزب الوطني على ما هو عليه من فساد وهم مصممين على تولي الحكم ويستخدمون كل وسيلة مباحة او غير مباحة باسم الدين، للإطاحة بالحكومة والحكم.
وقد نتج عن هذا التمسك بالحكم خراب مصر، وتجويع الشعب المصري، والتفرقة بين ابناء مصر باسم الدين، وانهارت القيم الاخلاقية وضاع حب مصر من قلوب ابنائها، كما فقدت مصر مكانتها بين الأمم ولم يعد لها وزن ولا ثقل لا بين الدول العربية والإسلامية ولا الدول الغربية.
فما العمل فخامتكم؟ !!
التوتر بين ابناء مصر قائم.. وبركان الغضب يغلي ويكاد ان ينفجر.. وقد يستغل الاخوان هذا الوضع لإلهاب نار الفتنة بين ابناء مصر من مسلمين ومسيحيين بأسم الدين معلنين الفتنة الطائفية والتي هي في الحقيقة فتنة شعب تمزق بين حزب حاكم فاسد وبين جماعة الاخوان المسلمين المحظورة.. ودافع الثمن هو الشعب المصري ونعود الى انقسام مصر الى شمال وجنوب باسم الدين، بمسمى جديد أقباط ومسلمين.. وعلى الشعب ان يقاسي حتى يأتينا قائد بطل مثل الملك مينا ويقضي على الفتنة ويوحد القطرين في تاج واحد يضعه فوق رأسه.
ولا أظن انه سيوجد من يضحي بنفسه (بالموت) كما فعل الملك العظيم أخيناتون، لكن بالسيطرة على المتسبب في الفتنة باسم الدين وإعادة مصر الى سابق عهدها وأفضل، وفصل الدين عن الدولة.
هل هذا ممكن.. أم مستحيل؟!!
أنا فقط أسأل.. لأني لا املك سوى السؤال والدعاء لمصر ولكل المصريين حتى يهدي الله الحكومة والحاكم، والمتطرف والمتشدد بأسم الدين.. حتى لا يكفر الدين الدولة، ولا تقضي الدولة على الدين.
صلوا معايا.. وقولوا.. آمين.

كتبت هذا المقال في شهر مايو من العام الماضي ونشر في الصحف الورقية " المستقبل والمصري " وفي المواقع الإلكترونية . وقد رأيت إعادة نشره مرة أخرى في هذه الفترة الزمنية الحاسمة في مستقبل مصر بعد ثورة شعب أراد الحياة فوقفت في وجهه صعاب من الصعب عليه أن يختار .. صعاب الأختيار بين الدين والدولة فأردت بالإعادة أن أضع أمام القاريء البسيط والواعي أهمية الدين وأهمية الدولة ، لأستخلص القول لا للدولة الدينية ونعم للدولة المدنية ومما شك فيه أن التدين للناس أفضل بكثير من الإلحاد ، ولا يوجد دين أتباعه كفره ولا دين أتباعه مؤمنين ويا ليتنا نهتم بالإنسان المصري الذي عانى ويعاني الكثير على مر العصور وإلى الأن ولا نعرف إلى متى في الزمان القادم والمجهول
لم يهتم أحد من العهد البائد بهذا الكلام ، لا الحاكم ولا الحكومة . فهل سنجد من يهتم الأن ؟؟!! ليس من المهم بالمقال ، لكن المهم الأستماع إلى صوت الضمير إن كان قد بقي هناك ضمير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق