يوم التاسع من الشهر الحالي تابعت حلقة (حديث الثورة) التي تبث من قناة الجزيرة، والتي كان يدير الحوار فيها المذيع المتألق محمد كريشان، وكان من بين المحاورين (لم أعد أذكر اسمه) مثقف ومفكر من طهران، وفي رد له على ما قاله الأستاذ هيثم المالح حول الهجمة الإيرانية الصفوية على الثورة السورية وحركة التشيع المتزايدة في سورية في ظل نظام بشار الأسد، واستخدام المال الإيراني في كسب المزيد من التحاق المسلمين السنة بالمذهب الشيعي مُستغلين الجهل والفاقة في بعض الأرياف والبادية والعاطلين عن العمل (راتب شهري لكل من يتشيع 5000 ليرة سورية، ويكفي من هذا المتشيع الجديد لإثبات تشيعه فقط سب الصحابة والطعن في شرف أم المؤمنين عائشة)، وكان رد المتحدث من طهران على الأستاذ المالح غير مهذب وفيه هجوم على شخص المالح والثورة السورية، ومما قاله: (إن في سورية 20% من العلويين و15%من الشيعة الاثني عشرية).
وكما قلت فإنني أكره الطائفية وأمجها فلم تكن مثل هذه المفردات أي وجود في حياتي وقد تجاوزت الستين من العمر، وأفخر بأن هناك نسب بين بعض أفراد أسرتي والطائفة العلوية الكريمة، إضافة إلى وجود مثل هذا النسب المتبادل بين السنة ومجمل الطوائف السورية الأخرى على مدار التاريخ الذي يضرب جذوره لمئات السنين، وأعتز بصداقة وصحبة الكثيرين من هذه الطائفة الكريمة على مدار سنين حياتي. وللتاريخ أقول إن الآلاف من العلويين الذين فروا من لواء اسكندرون بعد ضمه إلى تركيا عام 1939 وجدوا في مدينة حلب الشهباء الحضن الدافئ وفي أهلها الكرم وحسن الضيافة والرعاية حتى باتوا جزءاً من نسيج هذه المدينة آخذين حظهم منها كحال كل أهلها، ولكن أمام دعاوي بعض المتنطعين فإن سورية – بحسب الجداول التي اعتمدتها فرنسا أيام انتدابها على سورية – وهي المعروفة بتعصبها وعنصريتها ومحاولاتها تضخيم الطائفية وتفكيك الدولة السورية الواحدة التي تضم هذا الفسيفساء البديع لسكانها بحجة حماية الأقليات، والذي دفعها إلى تقسيم سورية إلى خمس دويلات كان من بينها إنشاء دولة للعلويين وأخرى للدروز إمعاناً في محاولتها تكريس مثل هذه الدويلات الطائفية، وقد قمت بتوثيق هذه المعلومات ضمن كتابي (الحياة السياسية في سورية: الانتداب الفرنسي)، وقد تصدى لقيام مثل هذه الدويلات شرفاء العلويين بقيادة الشيخ صالح العلي، وشرفاء الدروز بقيادة سلطان باشا الأطرش بدعم من السنة والمسيحيين والأكراد حتى تم حل هذه الدويلات وإعادة اللحمة إلى جسد الدولة السورية الواحدة المتنوعة الأعراق والأديان والمذاهب.
وكانت نسب التوزع الطائفي الذي اعتمدته فرنسا في تقسيم سورية لإقامة هذه الدويلات على النحو التالي:
1-المسلمون السنة 80% (والأكراد من بينهم).
2-المسيحيون 6% (والأرمن من بينهم).
3-العلويون 8%.
4-الدروز 3%.
5-الإسماعيليون 2%.
6- الشيعة الاثني عشرية وباقي المذاهب 1%.
هذا التوزيع الطائفي والمذهبي والديني والعرقي الذي اعتمدته الدولة المنتدبة فرنسا لم يجد أي صدى لدى السوريين أو تكريساً له، فقد عشنا منذ فجر الاستقلال عام 1945 في أخوة وتلاحم وتحابب وتعاون حتى قفز حافظ الأسد بانقلابه على رفاقه عام 1970 وإمساكه بمقاليد السلطة والحكم، واعتماده بشكل فاضح على بعض ضعاف النفوس من الطائفة العلوية، وقد منحهم من الامتيازات الشيء الكثير على حساب مجمل الأكثرية السنية والطوائف الأخرى، وقد التحق جلهم في الأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية بغض النظر عن الأهلية أو الكفاءة حتى أصبحت معظم قيادات المراكز الحساسة في الدولة والجيش بأيدهم بطريق مباشر أو غير مباشر، وعندما كان بعض قيادات حزب البعث الحاكم ومؤسسات الجيش ينبهون إلى ذلك كان يُتهم هؤلاء بالطائفية ويعزلوا من مناصبهم ويساقوا إلى التحقيق وأقبية السجون والمعتقلات والمنافي، ومثال ذلك ما حل بالرفاق (نور الدين الأتاسي، صلاح جديد، إبراهيم ماخوس، سامي الجندي، جلال السيد، محمد عمران، يوسف زعين، حمود الشوفي، جابر بجبوج، فهد الشاعر، سليم حاطوم، صالح هلال، رباح الطويل، عبد الكريم الجندي، محمود الزعبي، غازي كنعان، وغيرهم كثير)، ولعل الكثيرون يعرفون ما تلقى السيد جابر بجبوج عضو القيادة القطرية المكلف بملف البعثات التعليمية إلى الخارج، تلقى صفعة من العقيد رفعت الأسد شقيق حافظ الأسد وقائد سرايا الدفاع آنذاك عندما رفض التوقيع على هذه القوائم، وقد وجد فيها أن 80% من المرشحين من محافظتي اللاذقية وطرطوس حيث يسكنها غالبية من الطائفة العلوية، في حين كان المرشحون لهذه البعثات من باقي المحافظات الأربعة عشر 20%، فوقعها مكرهاً.
أنا هنا لا أكتب ذلك لإثارة الفتنة أو النعرات الطائفية، فقط أريد أن أذكر بما اقترفه هذا النظام بحق الطائفة العلوية قبل غيرها من الطوائف الأخرى التي كانت الضحية الأولى لهذا النظام حيث استأثر المغرر بهم وهم 20% بالمكاسب والمغانم، وبقي 80% منهم يعيشون في الفقر والتهميش والإقصاء والتخلف والسجون والمعتقلات والمنافي، وجاء بشار ليكرس هذه الطائفية التي افتعلها أبوه حافظ الأسد، عندما فرض نفسه بطرق غير شرعية رئيساً للبلاد، وفتح أبواب سورية مشرعة للمد الشيعي الصفوي بهدف تغيير التركيبة السكانية لسورية والإخلال بالتوازن الطائفي الحقيقي الذي عرفته البلاد لقرون مضت، بعد أن أوجس خيفة من الطائفة العلوية الكريمة وقد تنبه العقلاء فيها إلى مرامي وأهداف حافظ الأسد من وراء تقريب بعض أبنائهم بهدف حماية نظامه وأسرته التي لا تملك أي شأن في الطائفة العلوية ولا مكانة أو صدارة في عشائرها، وهي التي ترتبط بتاريخ سورية ومجتمعها منذ قرون طويلة، متعايشة بأمن وسلام مع باقي الطوائف لها ما لهم وعليها ما عليهم.
وختاماً أتمنى على الطائفة العلوية الكريمة أن تلتحق بأحرار سورية وتنتفض بوجه هذا الطاغية، وأن لا يربطوا مصيرهم بمصيره، فهم سندنا وأهلنا وجزء هام وفاعل في نسيج وطننا، وأن لا ينقادوا لدعاويه الباطلة المضللة التي يخوفهم منها، من أن السنة إذا ما انتصرت الثورة وسقط نظام بشار الأسد سيجهزون عليكم ويستأصلوكم، فهذا والله ليس من ديننا ولا من معتقدنا ولا من قيمنا، وقد خبر آباءكم وأجدادكم على مدى قرون متطاولة بُعد أهل السنة عن مثل ذلك بُعد السماء عن الأرض!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق