تعيش باريس منذ أسابيع على وقع الفضائح والتسريبات المتلاحقة بحيث لا يمضي يوم واحد من غير أن يأتي بالجديد والمزيد الذي يطال الطبقة السياسية ويقترب أكثر فأكثر من الدائرة المحيطة بالرئيس نيكولا ساركوزي. والمفارقة ان معظم ابطال هذه الفضائح هم من اصول لبنانية تمكنوا من احتلال مواقع متقدمة في الدوائر المقربة جداً من قصر الإليزيه . وبينما يتواصل مسار الاشتراكيين لتسمية مرشحهم إلى الرئاسة، في إطار عملية انتخابية داخلية، فإن اليمين يسعى لرد السهام وتهم الفساد ورائحة العمولات التي تفوح بقوة هذه الأيام. ولم يوفر رجل الأعمال اللبناني الأصل زياد تقي الدين الرئيس السابق جاك شيراك وأمين عام قصر الإليزيه ورئيس الحكومة لاحقا دومينيك دو فيلبان من رائحة الفضائح المرتبطة كلها بمصير عمولات عن صفقات سلاح بالمليارات.
وبحسب معلومات مؤكدة ، فإن العمولات التي دفعت عن عقدي سلاح كبيرين مع دول خليجية وباكستان كانت لزياد تقي الدين صلة بهما، بلغت 284 مليون يورو. وبطل هذه «الجولة» الجديدة هو اللبناني زياد تقي الدين «مالئ الدنيا وشاغل الناس» الذي دأب في الأيام الأخيرة على توزيع مقابلاته وتصريحاته على الصحافة والقنوات التلفزيونية، مضيفا كل مرة عناصر جديدة. وينضم تقي الدين إلى لائحة من اللبنانيين الذين ارتبطت أسماؤهم في السنوات الأخيرة بفضائح من العيار الثقيل بينهم روبير البرجي، وهو محام من أصل لبناني مولود في أفريقيا عمل مستشارا غير رسمي للإليزيه أيام شيراك ولاحقا أيام ساركوزي، وكشف النقاب عن عمليات نقل حقائب الدولارات من القادة الأفارقة إلى السياسيين الفرنسيين. ومن بين اللبنانيين سمير طرابلسي وعماد لحود.. الأول كان له دور في العمليات الاقتصادية الغامضة، والآخر في فضيحة «كليرستريم» المالية التي تواجه فيها عبر القضاء الرئيس ساركوزي ودو فيلبان. لكن القضاء بيض صفحة الأخير بينما ثبت الحكم بالسجن على لحود. وفي مقابلة مع صحيفة «ليبراسيون» ، عمد زياد تقي الدين إلى «تصفية» حساباته مع عدد من أقرب المحيطين بالرئيس ساركوزي وعلى رأسهم وزير الداخلية الحالي كلود غيان الذي شغل لأربع سنوات منصب أمين عام قصر الإليزيه بعد أن كان مدير مكتب ساركوزي في وزارة الداخلية. ويبدو أن ما يثير حنق تقي الدين هو «تنصل» الذين كان يعاشرهم منه، لا بل انقلابهم عليه وانكفاؤهم عنه. وأبلغ دليل على ذلك أن غيان صرح قبل أيام بما يفيد بأن تقي الدين «يقوم بأشياء لا تتوافق مع الأخلاق». ورد تقي الدين على غيان بقوله: «أود أن أقول.. سيد غيان، أنت تعرفني أكثر مما يعرفني الآخرون». وأكد للصحيفة المذكورة أن المهمات التي قام بها في ليبيا وفي سوريا كانت بطلب «رسمي» من الإليزيه الذي دعاه لرفع السرية عن ملفات صفقات السلاح موضع الجدل.
وحقيقة الأمر أن تقي الدين كان إلى وقت قريب من الوجوه البارزة، إذ إن علاقة تربطه مع جان فرنسوا كوبيه، الوزير السابق والأمين العام الحالي لحزب التجمع من أجل الجمهورية (اليميني الحاكم) الذي لا ينكر علاقة الصداقة. فضلا عن ذلك، فإن تقي الدين يعرف بريس هورتفو، وزير الداخلية السابق والأقرب للرئيس ساركوزي. وقبل أيام، كشفت زوجة تييري غوبير وهي حفيدة ملك إيطاليا الأسبق أومبرتو الثاني، عن أن زوجها وهو من المقربين من ساركوزي رافق تقي الدين إلى سويسرا مرات عديدة وعادا منها بحقائب مالية كبيرة كانت تسلم إلى نيكولا بازير، مدير مكتب رئيس الوزراء الأسبق إدوار بالادير الذي ترشح للرئاسة منافسا صديقه جاك شيراك. والحال أن بازير هو أيضا مقرب من ساركوزي وكان شاهده في زواجه الأخير من كارلا بروني. وبينما كان بازير مديرا لحملة بالادور الانتخابية، كان ساركوزي ناطقا باسمها. وهكذا تتضح خيوط هذه الفضائح المعقدة التي تأتي كلها من ظنون مفادها أن العمولات التي دفعت إلى زياد تقي الدين ورجل آخر اسمه «ع.ر.ع» بمناسبة عقدي السلاح السابقين عاد بعضها إلى فرنسا من أجل تمويل حملة بالادور الرئاسية. والمشكلة ليست في العمولات المسموح بها قانونيا بل في عودة نسبة منها إلى فرنسا، وهو أمر يعاقب عليه القانون. وسبق للقضاء أن «استجوب» بالادور حول عمليات مالية على حساب حملته الانتخابية. لكن الأخير نفى نفيا مطلقا أن تكون ثمة عمولات. لكن الأسئلة ما زالت قائمة حول مصدر ملايين الفرنكات التي جاءت إلى بالادور والتي يظن بقوة أنها تأتي من العمولات المسترجعة.
رئيس مركز الدراسات العربي الاوروبي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق