لا جدال ان العقيد معمر القذافي كان احد طغاة العصر الحديث، وهو شخصية غريبة الاطوار مصابة بمرض البارانويا وجنون العظمة ، وقد شكل نموذجاً للحاكم الدكتاتوري المستبد الظالم ، الذي حكم الشعب الليبي بيد من حديد لاربعة عقود ونيف .وفي عهده ارتكبت اكبر الجرائم ونفذت الاعمال الشنيعة والفظيعة بحق الشعب الليبي ، هذا الشعب الذي ثار في نهاية المطاف ضد ظلم القذافي وطغيانه وديكتاتوريته واستبداده، فراح يهدده ويتوعده ويشتمه ووصفه بالجرذان ونعته باقذع الالفاظ والاوصاف واتهمه بالخسة والنذالة والعمالة وتناول حبوب الهلوسة.
وطوال فترة حكمه لجأ القذافي الى سياسة كم الافواه وضرب الحريات الديمقراطية ، واختزل الدولة الليبية في شخصه ، وحولها الى مزرعة ومرتعاً خصباً لابنائه وعائلته والمقربين منه ،وجعلهم يعبثون بالمال العام دون رقيب وحسيب . ولم يسع يوماً الى بناء دولة عصرية حضارية ومدنية ديموقراطية ، ولم يعمل البتة على اقامة المؤسسات والبنى الهيكلية لليبيا ، وانما حولها وابقاها ضمن التقسيمات والتجزئات العائلية والعشائرية والقبلية .
لكن ما شاهدناه من صور مروعة بثتها القنوات التلفزيونية وشاشات الفضائيات عن عملية مقتل واعدام القذافي بدم بارد وبدون محاكمة ، واهانته بوحشية وسادية ، هو اسلوب معيب مستنكر بعيد كل البعد عن القيم الاخلاقية والانسانية والتعاليم الدينية والشرائع السماوية والقوانين الدستورية والدولية ، واقل ما يقال فيه انه عمل اجرامي وفعل دنيء وخسيس .
في الواقع اننا باركنا وايدنا ،بحب وفرح غامر، انتفاضة الشعب الليبي وثورته في بداية انطلاقها وتفجرها ضد نظام الطاغية معمر القذافي للتخلص من حكمه وظلمه واستبداده وقهره وديكتاتوريته ، ووقفنا الى جانب الانسان الليبي، انطلاقاً من رفضنا للظلم والجور والطغيان والاحكام التعسفية والاساليب الديكتاتورية الاستبدادية ، وحق الشعب الليبي في التغيير والاصلاح والعدالة والحياة الحرة والسيادة والكرامة والحرية في ظل نظام سياسي مدني تعددي ديمقراطي . ولكن الايام اظهرت للعيان حقيقة ان هناك اجندات خارجية وراء ما يسمى "الثوار" في ليبيا ، الذين اصبحوا "ثوار الناتو" ، وهذا ما تجلى بصورة واضحة في جلب واستقدام القوات الاطلسية ، بموافقة ومباركة من الجامعة العربية ، بهدف مساعدة هؤلاء "الثوار" الاطاحة بحكم القذافي الجائر ، وتحت ذريعة وحجة حماية المدنييين الليبيين من الجماعات المسلحة التابعة للعقيد .
وفي الحقيقة ان القوات الاطلسية بالتعاون مع المجلس الانتقالي الليبي وقواته المسلحة ارتكبت واقترفت جرائم دموية فظيعة بحق المدنيين الليبيين اكثر مما ارتكبه القذافي وجيشه واسطوله الحربي .والسؤال الذي يتبادر للذهن: ما هذه "الثورة" التي تستجدي وتطلب المساعدة من القوات الخارجية ومن حلف الناتو الغربي الاستعماري المعادي لحرية الشعوب ، للاطاحة بالقذافي والتخلص من حكمه الظالم..؟!
لقد وقف القذافي امام كل هذه القوات ،واستبسل واستأسد في الدفاع والمواجهة عن نفسه، وقاتل بشجاعة نادرة قل مثيلها، ولم يرفع الراية ،ولم يرضخ ويهرب كما هرب زين العابدين من تونس ، واصبح مثلاً في المقاومة والدفاع والصلابة والعناد ، وتحول بعد موته رمزاوشهيدا، رغم طغيانه واستبداده،نتيجة وقوفه امام جحافل القوات الاجنبية الاستعمارية ، التي لا تريد الخير لليبيا ، وليس هدفها وغايتها تحقيق السيادة والكرامة والحرية للشعب الليبي ، بل الهدف بالاساس السيطرة على آبار النفط والثروات الطبيعية في ليبيا . وما جرى ويجري في ليبيا هو صورة طبق الاصل من سيناريو العراق ، ما يؤكد ان الهدف هو "عرقنة" ليبيا وتحويلها الى قاعدة للغرب والاستعمار الاجنبي .
يمكن القول ، انه بمقتل واعدام القذافي تنتهي مرحلة ،وتطوى صفحة، ويسدل الستار عن حقبة تاريخية مريرة وعصيبة من الحكم الديكتاتوري الاستبدادي القمعي في ليبيا . ولكن ما ينتظر الشعب الليبي والقطر الليبي هو مستقبل اكثر حلكة وظلمة من ذي قبل ، وتؤكده الحقائق والمعطيات على ارض الواقع ، ولن تتحقق له السيادة الحقيقية والكرامة الوطنية والحرية والتعددية دون مغادرة القوات الاطلسية وخروجها من اراضيه. وما تقوم به قوات وعناصر المجلس الوطني الانتقالي بمساعدة قوات "الناتو" من عمليات انتقامية وثأرية ضد انصار النظام السابق هو نسخ وتكرار لم كان يقوم به النظام السابق ..وعليه فان المرحلة القادمة تحمل في ثناياها وطياتها الكثير من المخاطر والادلة والمؤشرات ، التي تنبئ بالفوضى والاقتتال الداخلي وتعمق التناقضات والصراعات بين القبائل والعشائر الليبية ، وقيام نظام موال للغرب والقوات الاجنبية والاستعمارية، ويخدم مصالحها في المنطقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق