النار حولنا حارقة خانقة عنيدة. زفيرها يعلو ويعلو ويصم آذاننا. فهل ممكن أن نتفادى شرّها؟ كيف؟ السؤال لجميعنا والجواب...
أمَا للغافلين من صحوة كصحوة شلالٍ في آذار، عساهم ينجون ويناجون الوتر. أمَا لحماةِ الديار من وقفة مسؤولة، عساهم يفقهون ما يقوله أحفاد داود للزيتون وأنصالهم للنخيل. أما للحالمين من رعشة تجفّف ليلهم من عرق الوريد؟ أما للعاقلين من وخزة، من وثبة، من فطنة، تنقذ حبَّهم من حرّاس الرماد ودخان بخور الشرق وفارس.
ماذا يجب أن يحدث بعد كي نفهم أنّنا، عربَ هذه الديار، أكباشٌ على شفة مرجل. لقد مات وولّى من تمنّى أن لا نكون، فكنّا لغتنا وبقينا، فتمنّى بعده من تمنى وولّى وكنّا مرةً أخرى لغتنا، وبقينا كما نريد أن نكون، فولّى من ولّى وتولّى وريثهم القادم من بلاد الثلج وقيصر ثملان يترنح ويتمنّى بشبق لن يروي ظمأه ماء ولا ناره سيشبعها ما احتطب من الكرمل وأحراش الذاكرة ومنحدرات النسيان.
صرخت وغيري منذرين بما تؤول إليه حالة الدولة وكان أن أطبقت قوى الظلام واليمين القاضم على سلطتي حكم أساسيتين في الدولة. أكثرية مطلقة في الكنيست، خط إنتاج ناشط يصنّع العاب النار ويغلّفها دمىً للشيطان وألغامًا سترهق وتزهق ما بقي من روح لحرية هزمت يوم انتصر الصوت على الحنجرة. سلطة تنفيذية (حكومة) يسيطر عليها من يمثّل قوى سياسية تعمل بمنهجية وفكر واضحين وتسعى لتكريس كون الأكثرية اليهودية في الدولة مواطنين أصحاب منزلة وحقوق دستورية وقانونية لا يستحقها المواطنون غير اليهود، أي نحن العرب. وأخيرًا ما كان بدايات خجولة، أصبح مهمة تشرّف من يجهر بها من وزراء ونوّاب وسياسيين وأكاديميين وغيرهم، كلّهم يستهدفون احتلال السلطة القضائية وإغلاق الطوق وإحكامه على منظومة الحكم، تقويض ركام هيكل رث لتبعث "هيدرا" برؤوسها الخبيثة القاتلة (خطة تشمل وزراء خداما في الهيكل، إلى جانبهم رؤساء لجان برلمانية يعدون المباخر والملاحم تحيطهم ثلة من "المفاتيح" كفيلة بفك كل قفل عصيّ. استحكام وسيطرة على كل درب وسرداب ونسمة)، هكذا يهدمون ما شكّل، أحيانا، حاجزًا أمام بعض ممارسات التعسف الصارخ والقمع الذي لم يحتمله واقع ولا حتى واقع مجتمعهم، على هشاشة هوامشه الديمقراطية التي زخرت بألوان ظلم وتمييز وعنصرية، مارستها أكثرية بحق أقلية. إنّهم يسعون لاستبدال دار القضاء بداء القضاء والقدر/قدرهم وربما قدرنا.
رغم عواء الذئب تحت شرفاتهم، بعضٌ من قومي سادرٌ في غيه وغفلته. موئله ثقة وإيمان بنصر، ولو كان مؤجّلًا، في حرب بين وعدين حتى وإن أصر المهاجر أنّه هو، لا غيره، سليل شعب الله المختار.
والحالمون سابحون في الليلك يروون صدى التاريخ بدمع السراب. نائمون، فاتتهم حكمة البرق في حالك العتمة يؤكد أنّ أصدق الأحلام وأجملها تلك التي نحلمها مع راعي الصباح ونتشارك فيها مع الندامى، رفاق الحقل والمحجر.
المهدَّدون هم كل الآخرين المغايرين وغير الموافقين والمتوافقين مع قوى اليمين ومستحضري ظلمة الدولة الداهمة. ولكن ما يميز هذه السياسة تحديدًا في الدولة كونها عنصرية يهودية أهدافها وضحاياها الأوائل والمباشرون هم نحن المواطنين العرب في الدولة.
لا تقولوا في هذا "العرس" كنا ولا جديد في الجليل والنقب. ما يحدث يفاقم حالتنا أضعاف ما كانت عليه لأن طبيعة النظام المتولِّد لن تكتفي بما مارسته من عنصرية وتمييز وقمع بحقنا ودروس ضحايا أنظمة فاشية سابقة تملأ كتب التاريخ ومتاحف الدمع والحسرات. إنّه الفرق بين ضحية قضاء جائر وضحية قدر قضاؤه بين أنياب "هيدرا".
بعضنا يعي ما يقال، ويتألب من قلق وحيرة وخوف على مستقبل قد يشابه ماضيًا بغيضًا. والبعض لا يكترث لفداحة المشهد، وآخرون ماضون في طريق الخبز الحافي. ما عساني/عسانا فاعلون؟
لقد فشلنا! نعم هنالك إخفاق ذريع. علينا بعضٌ من مسؤولية بمجيء "هيدرا" برؤوسها العديدة. أقول بعض لأننا، في البداية والنهاية، نحن الضحية، ولكن لكم أيّها القادة والسادة والزعماء أقول إنكم فشلتم وبسببكم فقدنا اللغة ففقدنا أغلى ما حققناه وكسبناه منذ جاء المهاجرون الأوائل والى أن حط المهاجرون الأواخر فها انتم تتحدثون بلغات ولغات شتتتنا وشقت خيمتنا فبتنا والريح تهددنا والذئب يعوي في فراشنا ولسانه يلعق لحومنا.
لغاتكم، بعضها هجين، عصيّ على الفهم وبعضها لاكَه الزمن وقذفه بالاتٍ اندثرت في ركام سور برلين، وبعضه زيّن باطون سور الفصل العنصري الذي شيده هنا عتاة عصر الفولاذ والرقائق والماكدونالدز.
لقد تحدّث آباؤنا بلغة الأرض، وهي لا ولم تفهم إلا لغة واحدة موحدة، لغتها/ لغتنا، وانتم استجلبتم لغات الأمم فغدوتم كمن يتغنى ويهلل بسيف سلطان عقّم أجداده زرع وضرع بلادي لقرون درست. ومن يستقوي بنقود مسوخ استعصى فك الحرف عليهم فبرعوا بفك دكات سراويلهم في جادات سويسرا وفرنسا وأخواتهن. ومن بسيف أعجمي يضرب لا يسدد عمليًا إلا إلى أكبادنا. فالذئب في غرفنا والنار في حجرنا فما أنتم فاعلون؟
من يوم إلى يوم يتكشف عجزكم ويبان الفشل. من قانون إلى قانون ومن صفعة إلى صفعة لا نسمع إلا العويل والنواح، وهذه، هكذا علَّمنا تاريخنا وحكمة الآباء، لا تكفي ولن تبعد ذئبًا أو تطفئ نارًا. فهل لديكم يا سادة قليل من القطران عساه يوقف ما كان تنينًا برأس ويكاد يستحضر الأسطورة المروعة .
"فمن سوف يرفع أصواتنا إلى مطر يابس في الغيوم؟" لأننا على مرمى عصا وكلنا برسم الثمن (تاج محير).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق