اعلنت حكومة المالكي في بغداد ان ايران وافقت على بقاء 15 ألف جندي اميركي في بغداد وسائر انحاء العراق. يدل هذا الخبر على المأساة الاميركية وقبولها ان تكون خاضعة للارادة الايرانية، وهذا التصرّف لم يفاجىء المراقبين لان الصمت الايراني على الاجتياح الاميركي للعراق والتغاضي عما ارتكبته القوات من قصف وتدمير للاماكن المقدسة في النجف الاشرف، لم يكن سراً.
وحتى تقبل الولايات المتحدة كدولة عظمى وحيدة في العالم بالخضوع للارادة الايرانية في العراق، فلا شك ان ما جرى ويجري في الخفاء هو أكبر مما يشاهد ويسمع ويعلن عنه.
هل كان دفاع مرجعية السيستاني عن الاحتلال الاميركي بريئاً وعابراً؟... وهل كان الاحتضان الاميركي لآل الحكيم، قادة ما يعرف بالمجلس الاعلى للثورة الاسلامية، صدفة ام جزءاً من صفقة خطيرة؟... هل كان رفض ايران المشاركة الفعّالة بمقاومة الاحتلال الاميركي عبر ميليشياتها العشرين داخل العراق استراتيجية بريئة ام خطة للوصول الى ما وصلت اليه الامور حالياً؟
أجمع خبراء الحروب الاهلية في اميركا واوروبا خلال احتدام عمليات المقاومة العراقية ضد الاحتلال، ان ايران كانت قادرة على تحويل العراق الى جحيم اميركي اسوأ من فيتنام فيما لو شاركت المقاومين العراقيين او دعمتهم بالعتاد والسلاح والمال.
لقد حققت ايران انجازاً كبيراً في العراق وثأرت من هزيمة ثمانينيات القرن الماضي وشرب كأس السم دون ان تدفع نقطة دم واحدة، فيما اعترفت واشنطن بخسارة ٠٠٦٤ قتيل و٠٣ ألف جريح ومعاق... وكانت خسارة اميركا الكبرى بانهيار اقتصادها ومواجهتها اسوأ أزمة مالية في تاريخها لتبلغ مديونيتها رقماً خيالياً يزيد عن ٤١ تريليون دولار... وهذا ولم تذكر اميركا عدد قتلاها من المرتزقة والمجندين الاجانب الذي تجاوز العشرة آلاف.
ولكن هذه الخسائر الاميركية تبدو قليلة ومتواضعة قياساً بخسائر العراق: مليون ونصف من القتلى، نصف مليون معاق ومشوه جسدياً، خمسة ملايين يتيم، مليون أرملة، خمسة ملايين مهجّر في الخارج والداخل، مدن وأحياء وقرى مدمّرة وبنى تحتية بحالة مذرية، وانفصال الاقليم الكردي عن سائر انحاء العراق ليصبح قاعدة اميركية او اسرائيل ثانية علنية.
ومن الامور الخطيرة ان الدستور العراقي الذي وضعه الاميركي الصهيوني نوح فيلدمن يسمح لاي اقليم عراقي مثل الموصل والبصرة والانبار ان يجري استفتاء ويعلن قيام حكم مستقل مثل اقليم كردستان العراق.
ماذا يبقى من قوى الاحتلال الاميركي في العراق، وهل الانسحاب كامل وفعلي؟
انه انسحاب يريح الخزانة الاميركية ويقلل من نفقات الحرب الباهظة. ويحتفظ الاحتلال على أرض العراق بما يلي: ٥١ ألف جندي وخمس قواعد عسكرية مجهزة بالصواريخ والمدفعية الثقيلة والطائرات، أكبر وأضخم سفارة أميركية في العالم يبلغ عدد موظفيها تسعة آلاف، اكثر من خمسة آلاف مخبر تابعين للمخابرات المركزية من عراقيين وغيرهم، وأعداد المرتزقة وحرّاس المنشآت والشركات الاميركية التي تستولي على عقود إعادة البناء يزيد عن الخمسين ألفاً... ومن شروط الاتفاق العراقي - الاميركي منع محاكمة اي جندي او مرتزق اميركي في المحاكم العراقية مهما كانت فعلته.
بدا البيت الأبيض مسروراً وكثير الانشراح مع بداية المرحلة الاخيرة من سحب قواته من العراق. وأعلنت واشنطن باعتزاز ان المالكي ليس رجل ايران او عميلاً لها. ومن المعروف ان جميع الذين تسلموا السلطة في العراق منذ الاحتلال دخلوا على ظهور الدبابات الاميركية وكانوا يتنقلون خلال سنوات طويلة بين ايران وواشنطن ولندن والقاهرة ودمشق.
اخيراً، لا بد من اشارة صغيرة الى ما يسمى الجامعة العربية التي لم تدعُ الى عقد اجتماع ولو شكلي لبحث موضوع اجتياح وتدمير دولة عربية رئيسية، بل واصل جميع اعضاء هذه المؤسسة علاقاتهم الحميمة مع واشنطن... وها هم اعضاء الجامعة المهزلة يدفعون ثمن تهاونهم وهوانهم في مصر واليمن وسوريا وليبيا وتونس والآتي أعظم.
ان قراءة المستقبل والتخطيط الاستراتيجي البعيد المدى من الامور التي لم يبلغها العقل العربي، وعلى الطريق مزيد من الكوارث لان ما نراه لا يبعث على اي أمل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق