"شيطنة" العلويين/ ماهر شرف الدين

ملاحظة خطرة ما كنتُ لأفكِّر في مناقشتها لولا أنها أخذت طابعاً منهجياً في الإعلام العربي، تهدِّد ليس مستقبل الثورة السورية فحسب، بل مستقبل سوريا ككيان موحَّد.
بعد انطلاق الثورة السورية بقليل، نفَّذ الإعلام العربي انحرافاً خطيراً في طريقة تعامله مع الثورات العربية. فبدل أن تتمّ شيطنة الرئيس السوري - كما حدث مع الزعيم الليبي مثلاً - ركَّز هذا الإعلام على شيطنة طائفة الرئيس.
وقد كانت مفردة "الشبّيحة" المفتاح أو الصيغة السحرية التي استخدمها الإعلام - من طريق بعض المعارضين للأسف - لإنجاز هذه الشيطنة.
وبالطبع، أنا لا أجادل في مسألة وجود هذه العصابات الإجرامية غير النظامية التي يستخدمها النظام لترويع المتظاهرين، فهي بكل تأكيد موجودة، لكن ما أود المجادلة فيه هو سعي الإعلام الممنهج إلى إسباغ الصبغة الطائفية على هذه الجماعات وعلى كل عمليات القمع والعنف في سوريا، بل وجعلها - في الخلفية الإعلامية للخبر - موازيةً للكيان السياسي "العلوي"...
وهنا وقع الإعلام العربي (الطائفي في معظمه) في تناقض عجيب ألخِّصه كالآتي: فمن جهة أولى، وفي سياق التأكيد على لا شرعية النظام السوري، يُركّز هذا الإعلام على أن العلويين أقلية لا تتجاوز نسبتها 8 % من السكان، أي حوالى مليون ونصف مليون إنسان.
ومن جهة ثانية يوحي هذا الإعلام نفسه - بل ويُصرِّح - بأن الجيش للعلويين والأجهزة الأمنية من العلويين، وهؤلاء الشبّيحة - الذين قدَّرت إحدى الوسائل الإعلامية أنهم مئتا ألف - هم علويون. ناهيك بسيطرة العلويين على الأجهزة المدنية والإدارات الحكومية...
وبما أن سنّة الطبيعة أن تُشكِّل الإناثُ نصفَ الجنس البشري، ولن يشذّ العلويون عن ذلك، وبما أن نسبة الأطفال في مجتمعاتنا ليست بالقليلة، فإن ما يبقى من المليون ونصف المليون علوي من الرجال القادرين على تولّي المهمات لن يزيد عن نصف مليون رجل.
إذاً السؤال هو:
كيف يستطيع نصف مليون رجل - استناداً إلى إحصاء الإعلام العربي ذاته - تأليفَ جيش دولة وقواتها المسلّحة وسلاح الطيران (أكّد أحد المعارضين بأنه لا وجود في سلاح الطيران إلا للعلويين) وعشرات الأجهزة الأمنية ومئات الأجهزة السياسية والإدارية والديبلوماسية؟
ومن هذا المسار خرجت التحقيقات الطائفية عن علويي لبنان، وقبلها عن علويي تركيا الذين قال بعض الإعلام العربي إنهم هم مَن يلجمون حميّة أردوغان ونخوته لمساعدة السوريين! ومن هذا المسار أيضاً خرجت - ما سمّاها جهاد الزين - "موجة وثائق العلويين" لتشويه تاريخهم وتقديمهم كمجرّد عملاء مع أن التاريخ يُسجِّل بوضوح أن صالح العلي هو أول من رفع البندقية في وجه الفرنسيين.
اليوم، تجري محاكمة العلوي لمجرّد أنه علوي في الإعلام العربي. وأنا هنا أرفع صوتي لمناشدة الزملاء في المعارضة عدم المساهمة في هذا الأمر، اليوم، مسؤوليتنا كمعارضين لهذا النظام مسؤولية مركَّبة، وأحد أهم مركِّباتها منع الخطاب الإعلامي من الانزلاق إلى ترويج مثل هذه الأفكار القاتلة. لا يكفي القول إن النظام هو من يستخدم الطائفية كي نكون طائفيين. لا يكفي القول إن النظام هو من يدفع في اتجاه الحرب الأهلية لنتخلّى عن مسؤولياتنا.
لا يمكن أن نترك الدفّة لنزوات وأجندات فضائيات مريضة لا تتورَّع عن تسمية القنبلة النووية الإيرانية المزعومة بـ"القنبلة الشيعية". لا يمكن أن نترك لمثل هذا الإعلام اختراع مصطلحات لتوصيف ثورة شعبنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق