لو عاد الشاعر ايليا ابو ماضي الى الحياة ثانية في هذه الايام، لرأيناه يطالب بتبديل قصيدته الرائعة في لبنان من »وطن النجوم»« الى وطن التنجيم.
لقد دأب اللبنانيون منذ سنوات، وتحديداً منذ انتشار الفضائيات التلفزيونية، على هدر عدة اسابيع من مطلع كل عام للحديث والكتابة وتخصيص البرامج الخاصة والمطوّلة عن »تنبؤات« المنجّمين وتكهناتهم التي تدور دائما حول نقطتين هما: الاولى وجوه ستغيب ووجوه ستظهر وتتألق، اما النقطة الثانية فهي توقع حصول اضطرابات في بعض المناطق اللبنانية.
هكذا يتحول التنجيم الى تدجيل فاضح لان الحياة قائمة منذ وجود الانسان على ظهور وجوه وغياب اخرى، كما ان التنبؤ بحدوث اضطرابات في لبنان المضطرب ابداً يشبه التنبؤ بامتلاك البحر للأمواج والصخب.
كنا نتمنى لو توقف التنجيم عند حدود برنامج تلفزيوني وقراءة فنجان، ولكنه انتقل الى قمّة القرار السياسي والامني والتجاري.
منذ سنوات عديدة دأب عدد من السياسيين والإعلاميين وغيرهم الى اطلاق التصريحات المتشابهة التي تقول ان حياتهم بخطر وانهم مستهدفون ويتهددهم الاغتيال، وقال اكثر من سياسي واعلامي انه تأكد من استهدافه بالعبوات المتفجرة والسيارات المفخخة.
وقد أدى هذا الجو الى انتقال أعداد من المسؤولين والاعلاميين ورجال الامن والشهود المتهمين بالتزوير الى باريس وغيرها من عواصم اوروبية وعربية حيث يحاربون الضجر هناك بالتنقل من الفنادق الفخمة الى المنتجعات السياحية، الى الحانات ومجمعات التسوق وغيرها.
وتبرز اليوم تقارير جديدة عن خطط يعدها مجهولون لاغتيال رؤساء اجهزة امنية وشخصيات قيادية بارزة من مختلف القوى. واتسعت رقعة التكهنات يوما بعد يوم ووصلت الى حد اضطر قيادة الجيش الى فرز نصف فصائلها لترافق وتحمي وتراقب الذين لا يقدرون على الانتقال الى فنادق باريس الفخمة لاسباب مادية عابرة.
قال معلق سياسي ان قيادة الجيش غير قادرة على تجاهل تكهنات المعنيين بوجود خطط لاغتيالهم او تفجيرهم. ولكن المواطن العادي الذي يمتلك قليلاً من الذكاء يسأل ويتساءل: اذا كان ذلك السياسي او الاعلامي او الضابط عارفاً ومتأكداً من استهدافه ومن وجود خطة لاغتياله او تفجير سيارته، فلماذا لا يفضح الجهة التي تخطط لقتله؟...
هل يعقل ان يدلي أكثر من خمسين سياسي واعلامي وعسكري بمعلومات عن استهداف حياتهم ووجود خطط مؤكدة لاغتيالهم دون ان يعرف ولو واحد من هؤلاء الجهة التي ستفعل ذلك؟
انها خطط دائمة تبدأ في مطلع كل عام لإثارة أجواء القلق قبل مجيء موسم الاصطياف في الربيع والصيف... في العامين الماضيين أوهموا المواطنين في الداخل والخارج بان لبنان سينفجر من اقصاه الى اقصاه مع صدور القرار الظني بجريمة اغتيال الحريري. قالوا ان الربيع سيكون ساخناً. وعندما مر فصل الربيع بهدوء وسلام، قالوا ان الصيف سيكون ملتهباً. وبعد انتهاء فصول الربيع والصيف والخريف، قالوا ان الانفجار تأجل الى العام ١١٠٢ حيث عادت اسطوانة التكهنات والتنجيم من جديد. ولا نشك ان حملة وجود خطط الاغتيال والقتل ستتواصل، ولا نستبعد ان تحصل عمليات تفجير »وهمية« لاثبات وجهة نظر المنجّمين.
مهما قيل ومهما سيقال عن وعي اللبنانيين السياسي والاجتماعي، فقد أثبتوا امتلاكهم للصبر والجرأة وتجاوز ما يقوله السياسيون... ففي العام ٠١٠٢ سخر لبنانيو الانتشار من أضخم حملة تخويف وترهيب لمنعهم من زيارة وطنهم لقضاء عطلة الصيف وتفقد اقاربهم وسجلوا ارقاماً قياسية بتدفقهم على ارض الوطن... ولم تتراجع هذه النسبة في العام الماضي، وستتكرر هذا العام دون أدنى شك.
لم يعد للمنجّمين والدجّالين أي أمل لتمرير أكاذيبهم من أجل إثبات سلطاتهم، ولا شك ان زمن الاقطاع السياسي وممارسات السياسيين التقليديين كان افضل من التلاعب بأعصاب المواطنين وترهيبهم والإتجار بدمائهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق