هل كان حرياً برئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" خالد مشعل أن يوقع منفرداً في الدوحة اتفاقاً مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس دون الرجوع إلى الهيئات القيادية والشورية في الحركة، وهو يعلم موقفها الرافض، رأيها المخالف، أم كان مضطراً لأن يحرج نفسه ويضع الحركة برمتها في موقفٍ لا تحسد عليه، وهي أبعد ما تكون عن هذا الموقف.
فقد تعمد كثيرون وصف ما جرى تعليقاً على تفرده بالقرار بأنه بوادر انقسام وانشقاق في حركة حماس، وأن هناك فريقاً من قيادة الحركة يرفض الحوار ولا يريد المصالحة، وأنه مع استمرار الانقسام ومواصلة الخلاف، وكأن الذي يريد المصالحة ويسعى لها ويحرص عليها هو خالد مشعل فقط، بينما الداخل الفلسطيني كله لا يريد الاتفاق ولا يحرص عليه، ولا يعمل من أجل تحقيقه.
مع العلم أن الداخل الفلسطيني هو المعني والحريص على المصالحة، فهو الذي يدفع ثمن الانقسام عتمةً في الليالي ووقفاً لكل الآليات في النهار، ووفاةً على أسرة المستشفيات، وموتاً على الحواجز وبوابات الحدود، وحرماناً من السفر، وعجزاً في كل مستلزمات الحياة، واعتقالاً وملاحقة وتضييقاً على كل المنتمين لحماس والمناصرين لها، وهو المستهدف وحده قتلاً، اغتيالاً وقصفاً بالصورايخ، أو اشتباكاً واجتياحاً لمناطقهم.
ألم يفسح تفرده بالقرار رغم أن قنوات الاتصال موجودة، وإمكانية دعوة ومشاركة بقية أعضاء المكتب السياسي للحركة أو بعضهم إلى قطر للمشورة أو المشاركة في اللقاء سهلة، وإمكانيات التواصل والتنسيق والتشاور قائمة بوسائل عديدة وسريعة، بما لا يدع مجالاً لمدعٍ بالتقصير والعجز بعدم توفر الفرصة، والإدعاء بأن العرض كان مفاجئاً والطرح كان على الطاولة دون مقدماتٍ ولا إرهاصات، فأفقده القدرة على التفكير والتقدير، في ظل وجود مساعدين ومستشارين، لا يفارقونه في سفر ولا يغيبون عنه في لقاء، ولا يتأخرون عنه في مؤتمر ومنتدى، نراهم معه في كل صورة وملتقى، يحرصون على مرافقته ويبذلون جهدهم لمساعدته.
ألم يفسح هذا كله المجال للمتقولين والحاسدين والغيورين، لأن يتطاولوا على الحركة بالإساءة، وأن يسقطوا أمانيهم وأحلامهم، وأن يشيعوا أخباراً كاذبة، وأنباءاً مشوهة، وقد كان حرياً به أن ينأى بنفسه والحركة عن القيل والقال، وأن يحصن نفسه والحركة بالمشاورة والاستنارة، إذ ما خاب من استشار، وما ضل من سأل، وقد خسر من انفرد وهلك من ابتعد.
ورغم أن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" عصية على الانشقاق وأصعب من أن تنقسم، وأبعد من أن تختلف وتتشتت، فهي حركة متماسكة تنظيمياً، وقوية داخلياً، تحكمها الأنظمة واللوائح والقوانين، وتستند إلى مفاهيم دعوية، ومنطلقاتٍ دينية، ومن قبل فإن أبناءها جميعاً يرون أنفسهم جنوداً في حركةٍ إسلامية، يؤدون واجباً ربانياً، يتعبدون إلى الله بالطاعة، ويتقربون إليه بالسماحة والتواضع، ويدركون أنه ليس منهم من شق جمعهم وشتت شملهم، ما يجعل حرصهم على وحدة حركتهم وسلامة موقفها كبيراً، فأبناء الحركة هم أكثر من يحرص على بقائها حركةً قوية متماسكة مؤثرة وفاعلة، لا تهددها فرقة ولا يخيفها اختلاف، تهمهم سمعة حركتهم، وتشغلهم مقاومتها وثباتها على قيمها ومواقفها الأصيلة.
إلا أن هذا الاطمئنان لا يخول أحداً أياً كان أن يقامر بموقف الحركة، وأن ينفرد وحده فيها بالقرار، ويتجاوز القواعد والأصول، ويقفز على الشركاء وأصحاب الحق والشأن، إذ ليس في حركة حماس قائدٌ ملهم وزعيمٌ قائد، ورجلٌ لا يخطئ، وإمامٌ لا يعصى، ورئيس يظن نفسه أنه المشرع والمقرر، وأنه الواهب المانح، وأنه المانع القاطع، ولكن فيها شركاء وأصحاب قضية وأبناء حركةٍ واحدة.
وفي الحركة رجالٌ سبقوا بالتضحية والعطاء، وقدموا حياتهم وزهرة عمرهم، وضحوا بفلذات أكبادهم، وعاشوا في سجون العدو سنيناً، وفي سجون السلطة أسوا أيام عمرهم، وأشدها صعوبةً وقسوة، في وقتٍ كان للمقاومة ثمنها، وللقيادة ضريبتها، وللزعامة غرامةٌ باهظة، لا يقوى على دفعها إلا الصادقون، ولا يؤديها إلا المؤمنون، فقد كان حرياً به سؤالهم، ومن الواجب عليه استشارتهم ومعرفة رأيهم.
ألم يكن حرياً برئيس المكتب السياسي لحركة حماس أن يشعر بالحرج من إخوانه بدلاً من أن يشعر بالحرج من أمير قطر، وأن يقدر أن غضب إخوانه وحركته وشعبه منه أكبر عندما يصغي السمع لنصائحِ أميرٍ يرى أن إسرائيل دولة صديقة، وأن السلام معها ممكن، وأن التعايش معها ضرورة لضمان السلام في المنطقة، وهو الذي يؤمن بأن المقاومة عبث، وأن زمانها قد ولى، ولم يعد وجودٌ للثورات المسلحة في ظل المقاومة الشعبية، وقد بات يرسم السياسات كما يحلو له، أو كما يطلب منه ويؤمر، فرأى أن يملي على مشعل موقفاً لا يرد وهو ضيفه، وأن يطلب منه وهو في قصره أن يثبت أنه كقرينه قائدٌ ورئيس، يستطيع أن يتخذ القرار وينفذه، وأن يفرض موقفاً ويثبته، فلا من يعترض عليه ولا من يرفض قراره ويعطل تنفيذه.
في القاهرة حرصت حماس على أن تحافظ على كلمة رئيس مكتبها السياسي، وأن تحفظ له كرامته وماء وجهه، فكان قرارها بغض النظر عن المؤيدين والمعارضين بالموافقة على إعلان الدوحة، ولكنها حصنت الاتفاق بكثيرٍ من النقاط التي تحميه وتجعل منه اتفاقاً وطنياً، ومرحلة جديدة تتماشى وتتفق مع مبادئ ومنطلقات اتفاق المصالحة في القاهرة، فلا هي أسقطت الإعلان، ولا هي قبلت أن تكون تبعاً بلا إرادة، وذيلاً بلا قرار، فالداخل الفلسطيني هو الأكثر حرصاً على المصالحة والاتفاق، والأكثر سعياً نحو إنهاء الانقسام، لا يقبل بأن يمرر أي اتفاق أو إعلان لا يضمن حقوق الأهل في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا يحصن المنتمين إلى الحركة، ولا يكفل عدم ملاحقتهم ومطاردتهم واعتقالهم، ولا تقبل بإعلانٍ يؤسس لاعترافٍ بالدولة العبرية، أو قبولٍ بها على أرضنا العربية الفلسطينية، ويدعو لإجازة كل الاتفاقيات الموقعة معها، ويرفض نهج المقاومة ويثبت خيار المفاوضات، طريقاً وحيداً لتحقيق الأهداف والوصول إلى الغايات، هذا ما كان في القاهرة، تمريرٌ درسٌ لئلا يتكرر، وتحصينٌ موقفٌ لئلا يتجاوزه قرارُ فردٍ أو إحراجُ أمير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق