ثقافة الاعتذار.. هل تُجيدها؟/ سهى بطرس هرمز

هذه الحياة نتقبلها ونعيشها بتقلباتها وعواصفها وهدوئها. وكثيرا ما تُفاجئنا بمواقف فيها نقاشات أو خلافات، مؤديةٍ بالنهاية إلى مُشاحنات ومن ثم الخطأ والغلط. ولكنها لا تستمر فكل واحدٍ يراجع ذاتهُ ويعرف خطئهِ ويشعر بندم وبذنب عما صدر منهم في لحظة غضب (طبعا بنسبة). فمنهم من يعترف بذلك ويعتذر، ومنهم من يعلم بخطئهِ ولا يكلف نفسهِ عناء نطق كلمة اعتذار! أليس الاعتذار فعل يستوجب قولهِ بحق كل من نُخطئ بحقهم وخصوصًا إذا كان بدون حق؟
أنا آسف، أنا أعتذر، أنا أخطأت بحقك (ي)...الخ، عبارات تُلفظ وتُقال عندما نُخطئ بحق إنسان وجهنا إليهِ كلامًا جارحًا. ولكن هل كل واحدٍ قادرٍ على نطقها أو لفظها أو بالأحرّى مُوجودَّ من ضمن قاموس وأسلوب وسلوك حياتهِ؟!
بالتأكيد حياتنا مع التقدم المستمر تغيرتْ ومعها أيضا إنسانها، والإنسان ليس ملاكًا أو معصوم من الخطأ ....هذا أكيد ولكن لديه العقل لكي يتميز به ويُميز بين أفعالهِ وأقوالهِ وتصرفاتهِ. والقليل ممن يمتلكون ثقة بنفسهم وشجاعة وقدرة على الاعتراف بالخطأ بحق الآخرين والاعتذار منهم. فكثيرا ما يغيب عن لسان وسلوك الكثيرين هذا الاعتذار، لأسباب كثيرة منها عدم تعلمهِ على ذلك، ومنها عدم تعودهِ ومنها عدم تربيتهِ على ذلك وربما عدم قدرتهِ على استيعاب حجم ومقدار الألم الذي سببهُ للآخرين، وربما لعدم وجود مُبررات مُقنعة وشجاعة واعتراف من المُخطئ بذلك، أو ربما المصلحة هي الغالبة! لا ندري تتنوع الأسباب مع اختلاف تفكير كل واحدٍ.
فالاعتذار ثقافة وخلق وسلوك إنساني راقيّ ودالٍّ على قوة الشخصية، وهي ثقافة لا يتمتع بها الكثيرين، حيث تعتبر شبه غائبة لدّى بعض المُجتمعات، وغائبة كليًا عند البعض من الأشخاص! وعندما يعلم أحدٍ أنهُ أخطأ بحق الغير، والموقف يتطلب الاعتذار ومع ذلك لم يقدمهُ وتغاضّى عنهُ، فهذا من ضعف وفشل وكره نفسهِ لنفسهِ وعدم مقدرتهِ على السيطرة عليها وتوجيهها، لا يملك القدرة على قيادة ذاتهِ ومراجعتها، بلْ نفسهُ الأمارة بالسوءِ هي من تقودهُ وتُسيرهُ!
حقيقةٍ أصبحت حقيقة إنساننْا غامضة وغريبة، والأغرب أنه يدعي التمدن والحضارة والثقافة واستخدام الكلمات الأجنبية (Sorry) في مواقف صادمة في الحياة! نحن لسنْا ضد التمدن والانفتاح، فهذه الكلمة مثل كلمات الاعتذار الأخرى، ولكن نحن ضد عدم تطبيقها الفعلي ومُوازنتها في الحياة وفي الأقوال والذات.
الله خلق هذه الحياة جميلة ومعها الإنسان لكي يُجملها، وستصبح أكثر جمالاً حينما يتواصل معها ومع داخلهِ ومع إنسانيتهِ ليسمّو بها، فهل هذا يُعطينا العذر أن نتجاهل الغير ونتعدّى على حقوقهم بدون أدنى مسؤولية أو حق؟ هل نمارس ثقافة العنف ونخطئ بحق أيًا كان؟ هل إنسانيتك تعطيك الحق بهذا الغلط؟! فلو كل واحدٍ اعترف بخطئهِ ونطق كلمة (آسف) بصدق، لدرءَّ الكثير من الألم الذي سببهُ للآخر بدون وجه حق أو خفف منهُ، ولأحسن من الصورة الظاهرية أو الأصح القناع الذي يتخفى ورائهِ! ولكن ماذا نقول في إنسان يعيش الأكاذيب والتصنع والفشل في ذاتهِ والتصدع في علاقاتهِ وعدم مُبالاة بشعور الآخرين، أو لنقول هو إنسان يعيش غرور نفسهِ الخيالي.
فمن يريد العيش مع الناس كإنسان مثلهم عليه أن يرتقيّ بهم لا عليهم، لأن في النهاية هذا دال على رقيّ نفسهِ وإنسانيتهِ، وليتعلم ثقافة الاعتذار والاعتراف بالخطأ واحترام الناس وحقوقهم، لأن هذا في النهاية يعتبر كحق من حقوق الإنسان، أليس كذلك يا إنسان؟! وتذكر أن الدنيا سلف ودين، وستلف قدرها عليك يومًا. وتذكر أيضًا أنهُ في الظلام إن فتحت عينيك أو أغمضتها .. لا فرق ستجد، فـالنتيجة واحدة! هكذا عندما تجرح أحدهم .. لا فرق إن اعتذرت أو لم تعتذر ... فأنت كلاشيء في الحياة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق